الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

35/07/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العمليّة/ تنبيهات العلم الإجمالي
الوجه الثالث الذي ذُكر في المقام: لمنع جريان الأصل الطولي في محل الكلام هو أن يُقال بأنّه لا إشكال في أنّ الأصل الطولي في طول الأصل الحاكم وفي مرتبةٍ متأخّرةٍ عنه، هذا مُسلّم باعتبار الحكومة، الأصل الطولي هو في طول سقوط الأصل الحاكم، فإذا سقط الأصل الحاكم في نفس الطرف تصل النوبة إلى الأصل الطولي الذي هو الأصل المحكوم. هذا من جهة.
من جهةٍ أخرى: أنّ سقوط الأصل الحاكم هو في مرتبة سقوط الأصل في الطرف الآخر، سقوط الأصلان العرضيان في مرتبةٍ واحدةٍ، بمعنى أنّ سقوط الأصل الحاكم في هذا الطرف هو في مرتبة سقوط الأصل في الطرف الآخر. إذا تمّ هذان الأمران؛ حينئذٍ يثبت أنّ الأصل الطولي متأخّر بحسب الرتبة عن سقوط الأصل في الطرف الآخر؛ لأنّ الأصل الطولي هو في رتبةٍ متأخّرةٍ عن سقوط الأصل الحاكم، والمفروض أنّ الأصل الحاكم في نفس الرتبة مع سقوط الأصل في الطرف الآخر، قهراً يكون الأصل الطولي في طول سقوط الأصل في الطرف الآخر؛ وحينئذٍ يقال: عندما يكون الأصل الطولي في رتبةٍ متأخّرةٍ عن سقوط الأصل في الطرف الآخر؛ حينئذٍ يستحيل أن يكون معارضاً له؛ لأنّه في مرتبةٍ متأخّرةٍ عن سقوطه، وإنّما تصل النوبة إلى الأصل الطولي بعد فرض سقوط الأصل في الطرف الآخر؛ لأنّه في مرتبةٍ متأخّرةٍ عنه، وإذا كان بهذا الشكل؛ حينئذٍ يستحيل أن يكون معارضاً لذاك الأصل في الطرف الآخر، التعارض بينهما غير معقول حينئذٍ، وعلى هذا الأساس لا مانع من الرجوع إلى الأصل الطولي في محل الكلام؛ لأنّه في مرتبةٍ متأخّرةٍ عن سقوط الأصل في الطرف الآخر.
من الواضح أنّ هذا الوجه مبني على قضيةٍ تقول بأنّه إذا كان هناك أمران في مرتبةٍ واحدةٍ، قهراً يكون المتأخّر عن أحدهما متأخّراً عن الآخر، يعني أنّ المتأخّر عن أحد المتساويين في الرتبة قهراً يكون متأخّراً عن الآخر ونفس الكلام يقال في التقدّم، أنّ المتقدّم على أحد المتساويين في الرتبة، قهراً يكون متقدّماً على المساوي الآخر في الرتبة. وقد تقدّم سابقاً الإشارة إلى هذه القاعدة ومناقشتها وأنّها غير صحيحة وأنّها إنما تصحّ عندما يكون التساوي في الزمان، أيّ أنّ المتأخّر عن أحد المتساويين زماناً، قهراً يكون متأخّراً زماناً عن الآخر، وهكذا المتقدّم. أمّا بلحاظ الرتبة، فلا دليل على أنّ المتأخّر عن أحد المتساويين رتبةٍ يكون متأخّراً عن المساوي الآخر في الرتبة، وذلك لما ذكرناه سابقاً من أنّ التأخّر في الرتبة يعني أن يكون المتأخّر ناشئاً من المتقدّم ومعلولاً له، ومن الواضح أنّه ليس هناك ضرورة تفرض أنّه إذا كان هناك شيء معلول لأحد الأمرين وناشئ منه، فلابدّ أن يكون أيضاً معلولاً للآخر وناشئاً منه حتّى يكون متأخّراً عنه رتبة، التأخّر الرتبي يعني العلّية والمعلولية، يعني النشوء، ليس هناك قاعدة عقلية تقتضي أن يكون المتأخّر الناشئ من أحد الشيئين والمعلول لأحد الشيئين أنّه لابدّ أن يكون معلولاً لما يساويه في الرتبة، وأن يكون ناشئاً أيضاً ممّا يساويه في الرتبة، ليس هناك قاعدة عقلية تقتضي ذلك؛ بل يكون هذا المتأخّر رتبة معلولاً لهذا وناشئاً منه وفي نفس الوقت هو ليس معلولاً للطرف الآخر، يعني ليس في رتبةٍ متأخّرةٍ عن الطرف المساوي الآخر. هذا هو الوجه الثالث وجوابه.
الوجه الرابع هو أن يقال: حتّى إذا سلّمنا أنّ الأصل الطولي ليس في طول الأصل العرضي في الطرف الآخر، وتنزّلنا عن الوجوه السابقة التي تقتضي أنّه في طوله؛ ولذا قيل بأنّه لا يصلح للمعارضة؛ لأنّه في طوله وفي مرتبةٍ متأخّرةٍ عنه. الآن نسلّم أنّ الأصل الطولي ليس في طول الأصل في الطرف الآخر، وإنّما هو في رتبته، لكن مع ذلك يُدّعى في هذا الوجه أنّه لا يمكن الرجوع إلى هذا الأصل الطولي؛ وذلك ببرهان أنّ هذا الأصل الطولي لا يمكن أن يقع طرفاً للمعارضة مع الأصل العرضي في الطرف الآخر؛ فحينئذٍ لا مانع من أن تصل النوبة إليه؛ لأنّه لا يصلح ولا يقبل أن يقع طرفاً للمعارضة مع الأصل العرضي في الطرف الآخر. والبرهان على هذا هو أنّ الأصل الطولي يلزم من كونه مانعاً ومعارضاً للأصل العرضي في الطرف الآخر محذور عقلي، مانعية الأصل الطولي عن جريان الأصل العرضي في الطرف الآخر ومعارضته له، يلزم من هذه المانعية المحال، فتكون المانعية محال، وإذا كانت المانعية محال، فهذا يعني أن الأصل الطولي لا يصلح أن يكون معارضاً وممانعاً للأصل العرضي الجاري في الطرف الآخر، فلا مانع من الرجوع إليه. وكون مانعية الأصل الطولي عن جريان الأصل العرضي في الطرف الآخر محالاً؛ لأنّه يلزم من هذه المانعية عدمها، وكل ما يلزم من وجوده عدمه يكون محالاً، فهذه المانعية يلزم من وجودها عدمها، وهذا محال.
توضيح ذلك: على تقدير أن يكون الأصل الطولي مانعاً من الأصل العرضي في الطرف الآخر يؤدّي إلى رجوع الأصل الحاكم، في مثالنا السابق هو أصالة الطهارة في محتمل النجاسة؛ لأنّ المانع من رجوع الأصل الحاكم ـــــــــــ الذي هو أصالة الطهارة في هذا الطرف ـــــــــــ إنّما هو الأصل المعارض له الموجود في الطرف الآخر، هذا هو الذي يمنع من جريان الأصل العرضي الآخر في هذا الطرف الذي نسمّيه بالأصل الحاكم، فالذي يمنع من جريان الأصل الحاكم في هذا الطرف هو معارضته بالأصل العرضي في الطرف الآخر، فإذا كان الأصل الطولي مانعاً من جريان الأصل العرضي في الطرف الآخر، هذا يؤدّي إلى رجوع الأصل العرضي الحاكم في هذا الطرف، وإذا رجع الأصل الحاكم في هذا الطرف؛ حينئذٍ يرتفع الأصل الطولي؛ لأنّ الأصل العرضي الجاري في هذا الطرف حاكم على الأصل الطولي؛ لأنّه في طوله بحسب الفرض، أصالة الإباحة في محتمل النجاسة هي في طول أصالة الطهارة في محتمل النجاسة، فإذا رجعت أصالة الطهارة في محتمل النجاسة؛ حينئذٍ تنتفي أصالة الإباحة؛ لأنّها في طول سقوط الأصل الحاكم، أمّا إذا كان الأصل الحاكم موجوداً؛ فحينئذٍ لا تصل النوبة إلى الأصل الطولي ـــــــــــ أصالة الإباحة ــــــــــــ فرجوع الأصل الحاكم يعني ارتفاع وانتفاء موضوع الأصل الطولي المحكوم، ومن الواضح أنّ الأصل إذا انتفى موضوعه ولم يكن له مقتضىٍ ولم يكن حجّة؛ حينئذٍ لا يكون مانعاً من الأصل العرضي في الطرف الآخر، يستحيل أن يكون مانعاً من الأصل العرضي في الطرف الآخر؛ لأنّ موضوعه قد انتفى وسقط عن الحجّية، فلا يُعقل أن يكون مانعاً من الأصل العرضي في الطرف الآخر، وبالنتيجة تكون مانعية الأصل الطولي عن الأصل العرضي في الطرف الآخر تستلزم عدم المانعية، وهذا هو الذي قلنا أنّه يلزم من وجود الشيء عدمه، أي يلزم من فرض المانعية عدم المانعية، وكل شيءٍ يلزم من وجوده عدمه محال؛ لأنّ المانعية تستلزم سقوط الأصل في الطرف الآخر، وسقوط الأصل في الطرف الآخر يستلزم رجوع الأصل الحاكم، ورجوع الأصل الحاكم يلزم منه انتفاء الأصل الطولي المحكوم، وإذا انتفى الأصل المحكوم ولم يكن مقتضىٍ لثبوته، إذن، هو ليس حجّة، فلا يكون مانعاً عن جريان الأصل العرضي في الطرف الآخر، فيلزم من مانعية الأصل الطولي عن جريان الأصل العرضي في الطرف الآخر عدم مانعيته له، وهذا محال. هذا هو الوجه الرابع.
ويُلاحظ على هذا الوجه: أنّ قضية سقوط الأصل في الطرف الآخر يستلزم رجوع الأصل الحاكم، هذا غير مسلّم، سقوط الأصل العرضي في الطرف الآخر باعتبار فرض أنّ الأصل الطولي منع منه، فرض المانعية أنّ الأصل الطولي يمنع من ذاك، يعني أنّ الأصل العرضي في الطرف الآخر سقط؛ حينئذٍ يقال أنّ سقوط الأصل العرضي في الطرف الآخر باعتبار مانعية الأصل الطولي في هذا الطرف، يستلزم حياة ورجوع الأصل الحاكم في هذا الطرف.....الخ. هذه القضية ممنوعة، في محل الكلام سقوط أحد المتعارضين لا يستلزم رجوع الأصل الآخر، والنكتة في ذلك هي أنّ سقوط الأصل في ذاك الطرف هو في طول تمامية مقتضي الجريان في الأصل الطولي، وهذا واضح، سقوط الأصل في ذاك الطرف هو فرع جريان الأصل الطولي وتمامية مقتضي جريانه، وإلاّ لولا الأصل الطولي الذي فُرض كونه مانعاً من ذاك لكان ذاك الأصل جارياً في الطرف الآخر، إذن: سقوط الأصل العرضي في الطرف الآخر هو في طول جريان الأصل الطولي وتمامية مقتضي جريانه، ومن الواضح أنّ جريان الأصل الطولي هو فرع سقوط الأصل الحاكم، وإلاّ لا تصل النوبة إلى الأصل المحكوم إذا كان الأصل الحاكم جارياً، إذن: جريان الأصل المحكوم الذي هو الأصل الطولي وتمامية مقتضي جريانه هو فرع سقوط الأصل الحاكم، فبالنتيجة يكون سقوط الأصل العرضي في هذا الطرف الآخر هو في طول سقوط الأصل الحاكم؛ لأنّ سقوط الأصل العرضي في الطرف الآخر هو في طول تمامية مقتضي الجريان في الأصل الطولي، وتمامية مقتضي الجريان في الأصل الطولي هو فرع وفي طول سقوط الأصل العرضي الآخر الذي هو الأصل الحاكم. إذن، سقوط الأصل العرضي في هذا الطرف هو في طول سقوط الأصل الحاكم. مثل هذين المتعارضين لا يكون سقوط أحدهما مستلزماً لرجوع الآخر وحياته، قد يكون في موردٍ آخر ليس فيه هذه الطولية، يمكن أن يكون سقوط أحد المتعارضين؛ بل لعلّه هو الصحيح، يستلزم حياة الآخر، لكن عندما يكون سقوط أحد المتعارضين هو في طول سقوط الآخر وفي طول موته؛ حينئذٍ كيف يكون نفس هذا السقوط الذي هو في طول سقوط الآخر مستلزماً لحياته ولرجوعه ؟! هذا غير معقول ! الأمران العرضيان المتعارضان إذا كان سقوط أحدهما في طول سقوط الآخر؛ حينئذٍ لا يمكن أن يكون سقوط أحدهما مستلزماً لحياة الآخر الذي هو بحسب الفرض في طول سقوطه وفي طول موته، فكيف يكون سقوطه الذي هو في طول سقوط الآخر مستلزماً لحياة الآخر ؟! هذا البرهان يستند إلى قضية أنّ سقوط أحد المتعارضين يستلزم حياة الآخر، هذا في محل كلامنا غير صحيح؛ لأننا بحسب الفرض نفترض أنّ هناك طولية بين السقوطين، سقوط هذا هو فرع سقوط ذاك، بالبرهان؛ لأنّ سقوط هذا هو فرع تمامية مقتضي الجريان في الأصل الطولي، وتمامية مقتضي الجريان في الأصل الطولي هي فرع سقوط الأصل الحاكم، إذن، سقوط هذا هو في طول سقوط الأصل الآخر الذي هو في عرضه، فإذا كان سقوطه في طول سقوطه، فكيف يُعقل أن يكون سقوطه موجباً لحياته ورجوعه ؟! هذا أمر غير معقول ! والبرهان يستند إلى هذه القضية، وهذه القضية ليست صحيحة. إذن: لا يلزم من مانعية الأصل الطولي عن جريان الأصل العرضي في الطرف الآخر عدم المانعية، يعني لا يلزم من المانعية عدم المانعية، وبالتالي لا تكون مانعيته عنه ودخوله في المعارضة محالاً كما قيل في هذا الوجه.
الوجه الخامس هو أن يقال: في محل الكلام يوجد علمان إجماليان، وأحد العلمين الإجماليين هو في طول العلم الإجمالي الآخر، العلم الإجمالي الأوّل هو العلم الإجمالي بكذب أحد الأصلين العرضيين، المكلّف يعلم في هذا المثال في محل الكلام، بأنّه إمّا أصالة الطهارة في محتمل النجاسة كاذبة، أو أصالة الإباحة في محتمل الغصبية في الطرف الآخر، أحد الأصلين العرضيين كاذب؛ إذ لا يمكن أن يكون كل منهما صادقاً، وأن يجري كلٌ منهما؛ لأنّ هذا مخالف للعلم الإجمالي. وعلى أساس هذا العلم الإجمالي ومنجّزيته؛ حينئذٍ يسقط كلا الأصلين، أصالة الطهارة في هذا الطرف وأصالة الإباحة في الطرف الآخر، وهذا معناه أنّ الأصل الحاكم يسقط عن الحجّية على أساس هذا العلم الإجمالي، في طول سقوط هذا الأصل الحاكم يتولّد الأصل المحكوم الذي هو الأصل الطولي في محل الكلام الذي هو أصالة الإباحة في محتمل النجاسة.
هناك علم إجمالي ثانٍ يحصل نتيجة تولّد هذا الأصل الطولي؛ لأنّه بعد سقوط الأصل الحاكم بالمعارضة مع ذاك الأصل في الطرف الآخر للعلم بكذب أحدهما يتولّد الأصل الطولي، في طول تولّد هذا الأصل الطولي الذي هو أصالة الإباحة في محتمل النجاسة يحصل علم إجمالي ثانٍ، هذا العلم الإجمالي الثاني هو العلم بكذب أحد الأصلين، إمّا أصالة الإباحة في محتمل النجاسة، أو أصالة الإباحة في محتمل الغصبية، أحدهما كاذب، طبعاً نغضّ النظر عن مسألة الترتب والتقدّم الرتبي بينهما؛ لأنّنا أغمضنا النظر عن الوجوه الثلاثة السابقة التي تقول بوجود الترتب، وإنّما هنا نفترض أنّهما في مرتبةٍ واحدةٍ، في طول تولّد الأصل المحكوم ـــــــــ الأصل الطولي ــــــــــ يحصل علم إجمالي بأنّ أحد الأصلين كاذب، ولا يمكن أن تثبت الإباحة لكلٍ منهما؛ لأنّنا نعلم إجمالاً بأنّ أحدهما ليس مباحاً، إمّا غصب وإمّا نجس.
إذن: هناك علمان إجماليان، العلم الإجمالي الأوّل والعلم الإجمالي الثاني، هذا العلم الإجمالي الثاني بهذا البيان يكون متأخّراً رتبة عن العلم الإجمالي الأوّل، باعتبار أنّ هذا العلم الإجمالي الثاني هو في طول الأصل الطولي؛ لأنّه عندما تولّد الأصل الطولي حدث علم إجمالي ثانٍ، إذن، هو في طول الأصل الطولي الذي هو أصالة الإباحة في محتمل النجاسة، والأصل الطولي هو في طول سقوط الأصل الحاكم، وسقوط الأصل الحاكم هو في طول العلم الإجمالي الأوّل؛ لأنّ العلم الإجمالي الأوّل هو الذي أوجب سقوط الأصل الحاكم. إذن يكون العلم الإجمالي الثاني في طول العلم الإجمالي الأوّل، النتيجة هي أنّه في محل الكلام نلاحظ أنّ هذين العلمين الإجماليين يشتركان في طرفٍ واحد، وهذا الطرف الواحد هو عبارة عن أصالة الإباحة في الطرف الآخر، هذا دخل طرفاً في العلم الإجمالي الأوّل وطرفاً في العلم الإجمالي الثاني، فإذن، علمان إجماليان يشتركان في طرفٍ واحدٍ؛ حينئذٍ تُطبّق قاعدة سيأتي بحثها، أنّه إذا كان أحد طرفي العلم الإجمالي منجّزاً في مرتبةٍ سابقةٍ بعلمٍ إجمالي آخر، فالعلم الإجمالي الثاني يسقط عن التنجيز، من قبيل ما يقال من أنّ أحد الأطراف إذا كان منجّزاً بسببٍ آخر وليس بعلم إجمالي آخر سابق، وإنّما كان منجّزاً بمنجّزٍ ما، كما تقدّم، منجّز عقلي، أو منجّز شرعي، أو بأيّ منجّز كان، العلم الإجمالي حينئذٍ يسقط عن التنجيز ولا يمنع من جريان الأصل المؤمّن في الطرف الآخر. هذا من هذا القبيل، غاية الأمر أنّ التنجيز حصل في مرتبةٍ سابقةٍ بعلمٍ إجمالي آخر، فأنّ الطرف الآخر تنجّز بالعلم الإجمالي الأوّل؛ لأنّ العلم الإجمالي الأوّل كما قلنا يوجب التنجيز، وبالتالي تسقط الأصول في كلا طرفيه. إذن، الطرف الثاني الذي هو الطرف الآخر تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل، عندما يحصل العلم الإجمالي الثاني ــــــــــــ لو فرضنا أنّه في رتبة متأخّرة بالبيان السابق ــــــــــــ يجد أنّ أحد أطرافه تنجّز بمنجّزٍ سابق، فإذا تنجّز بمنجّزٍ سابق، مثل هذا العلم الإجمالي لا يكون منجّزاً للطرف الآخر، ولا يمنع من جريان الأصل المؤمّن في الطرف الآخر الذي هو محتمل النجاسة في محل كلامنا، هو لا يمنع من جريان أصالة الإباحة في محتمل النجاسة، فيجري الأصل الطولي في المقام بلا مانع. هذا الوجه الخامس الذي يقال لعدم سقوط الأصل الطولي، وجريان الأصل الطولي في محل الكلام.
هذا الوجه الخامس يبتني على الإيمان بهذه القاعدة التي بينّاها وهي أنّ أحد أطراف العلم الإجمالي إذا كان منجّزاً بعلمٍ إجمالي سابق؛ حينئذٍ هذا يوجب سقوط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز، لو تشكّل علم إجمالي ثانٍ كان هذا الذي تلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل طرفاً فيه، هذا العلم الإجمالي الثاني لا ينجّز أطرافه؛ لأنّ أحد أطرافه تنجّز بمنجّز سابق. وأمّا إذا أنكرنا هذه القاعدة وقلنا بأنّ العلم الإجمالي ينجّز أطرافه بالرغم من أنّ بعض أطرافه منجّز بعلمٍ إجمالي سابق، هل هناك مجال لإثبات هذا الوجه الخامس، وبالتالي إثبات إمكان الرجوع إلى هذا الأصل الطولي بقطع النظر عن هذا المبنى، يعني حتّى إذا أنكرنا هذا المبنى، هل يمكن إثبات وصول النوبة إلى الأصل الطولي، وإمكان الرجوع إليه في محل الكلام، أو لا ؟ هذا يأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى.