الموضوع: الأصول العمليّة/ تنبيهات العلم الإجمالي
كان
الكلام في النقض الذي وُجّه على القول بالاقتضاء: وهو
أنّه في الموارد التي يكون هناك أصلان ترخيصيان عرضيان يجريان في الطرفين وكان أحد
الطرفين يختص بأصلٍ ترخيصي طولي، المعترض يقول: بناءً على الاقتضاء لابدّ من
الرجوع إلى الأصل الترخيصي الطولي، على القواعد، أصلان ترخيصيان يتعارضان،
فيتساقطان، فتصل النوبة إلى الأصل الطولي، وهذا يعني أنّ العلم الإجمالي في هذه
الحالة ليس منجّزاً لوجوب الموافقة القطعية، وهذا لا يلتزم به القائلون بالاقتضاء،
فسُجّل نقضاً عليهم.
الجواب
الثالث عن هذا النقض كان للسيد الخوئي(قدّس سرّه)،
وذكرنا جوابه وبيّنا الملاحظة الأوّلى على هذا الجواب وقد تقدّمت.
الملاحظة
الثانية: النقض بما إذا لم يكن الأصّلان العرضيان
من سنخٍ واحد، بأن كانا من سنخين مختلفين، لكن الأصل الطولي في هذا الطرف مع الأصل
في الطرف الآخر كانا من سنخٍ واحدٍ، يعني عكس الحالة التي كنّا نتكلّم فيها، حيث
كنّا نتكلّم سابقاً في القسم الأوّل الذي ذكره السيد الخوئي(قدّس سرّه) هو أنّ
الأصلين العرضيين من سنخٍ واحد، هنا نعكس، نقول: الأصلان العرضيان ليسا من سنخٍ
واحد، لكن الأصل الطولي في أحد الطرفين مع الأصل في الطرف الآخر من سنخٍ واحدٍ.
النقض يقول: مقتضى ما ذكره السيد الخوئي(قدّس سرّه) من النكتة أن نلتزم في هذه
الحالة بسقوط الأصلين الّذين هما من سنخٍ واحدٍ، يعني الأصل الطولي في هذا الطرف
مع الأصل في الطرف الآخر؛ لأنّهما من سنخٍ واحد يسقطان وتصل النوبة إلى الأصل
الحاكم في ذاك الطرف، لنفس النكتة، والسرّ هو أنّ الأصل الطولي في هذا الطرف مع
الأصل في ذاك الطرف لمّا كانا من سنخٍ واحدٍ، فدليلهما واحد ويكون هذا الدليل
مجملاً بسبب التعارض لعدم إمكان إجرائهما معاً؛ وحينئذٍ هذا يمنع من جريان هذا
الدليل لإثبات مفاده في كلٍ منهما، فتصل النوبة إلى الأصل الحاكم، فلابدّ أن نرجع
إلى الأصل الحاكم، كما قال هو فيما إذا كان الأصلان العرضيان من سنخٍ واحدٍ، يكون
دليلهما مجملاً وتصل النوبة إلى الأصل المحكوم ـــــــــــــ الأصل الطولي
ــــــــــــــ الآن نقول: إذا كان الأصل الطولي مع الأصل الجاري في الطرف الآخر
هما من سنخٍ واحدٍ، وهو قد مثّل مثالاً ولم يلتزم بمقتضى هذا النقض فيه، وهو ما
إذا علم ببولية مائع، أو نجاسة ماء نجاسةً عرضية. يعني مائع وماء، وهو يعلم إمّا
أنّ هذا المائع بول، أو هذا الماء نجس بنجاسةٍ عرضية. هنا في هذا الماء يوجد أصّلان
طوليان وهما استصحاب الطهارة وقاعدة الطهارة؛ لأنّ هذا الماء نجس بنجاسةٍ عرضيةٍ،
يعني حالته السابقة كانت هي الطهارة، فيجري فيه استصحاب الطهارة وهو أيضاً محكوم بقاعدة
الطهارة، بينما في المائع الآخر لا توجد فيه إلاّ قاعدة الطهارة؛ لأنّه مائع نشكّ
في بوليته، قاعدة الطهارة في الماء هي في طول استصحاب الطهارة، فتكون أصلاً طولياً،
قاعدة الطهارة في الماء مع قاعدة الطهارة في المائع الآخر من سنخٍ واحدٍ، فإذا
كانا من سنخٍ واحدٍ يكون دليلهما مجملاً؛ لأنّ دليلهما واحد، وهذا يوجب عدم جريان أصالة
الطهارة فيهما، فتصل النوبة إلى الأصل الحاكم، يعني إلى استصحاب الطهارة؛ لأنّ استصحاب
الطهارة له دليل يخصّه ولا يسري الإجمال إلى هذا الدليل، وإنّما الإجمال يكون فقط
في دليل الأصلين اللّذين هما من سنخٍ واحدٍ، فمقتضى ما ذكره السيد الخوئي(قدّس
سرّه) سابقاً من النكتة هو أن يلتزم في هذا المثال بسقوط الأصلين المتسانخين ووصول
النوبة إلى الأصل الحاكم، فيجري استصحاب الطهارة في الماء، ولا يُظنّ أنّه يلتزم
بذلك؛ بل هو صرّح في كلامه في هذا المثال بأنّ الأصول الثلاثة كلّها تدخل في
المعارضة وتسقط، يعني قاعدة الطهارة في الماء وقاعدة الطهارة في المائع واستصحاب
الطهارة في الماء كلّها تسقط، بينما مقتضى النكتة التي ذكرها في القسم الأوّل التي
على ضوئها ذهب إلى وصول النوبة إلى الأصل الطولي عندما يتعارض الأصلان العرضيان من
سنخٍ واحدٍ ويتساقطان، فتصل النوبة إلى الأصل الطولي. نفس هذه النكتة يمكن تطبيقها على هذا المثال؛ لأنّ النكتة هي اختصاص
أحد الأصول بدليلٍ يخصّه، بينما الأصّلان الآخران يشتركان في دليلٍ واحد، هذا لا
فرق بين أن يكون الأصلان المشتركان في دليلٍ واحد عرضيان، أو يكون أحدهما يجري في
هذا والآخر أصل طولي، نكتة الإجمال تأتي حينئذٍ؛ لأنّ الدليل واحد ولا يمكن إجراء
هذا الدليل وإثبات مفاده في كلا الموردين، يعني لا يمكن أن نلتزم بطهارة الماء
عملاً بقاعدة الطهارة ونلتزم بطهارة المائع الآخر عملاً بقاعدة الطهارة، وهذا معنى
أنّ دليل كلا القاعدتين يكون مجملاً ويكون مانعاً من جريان القاعدة في كلٍ من
الطرفين، فيتساقطان ولا تجري القاعدة فيهما، فتصل النوبة إلى إجراء استصحاب
الطهارة، الأصل الحاكم في الماء، بينما هو(قدّس سرّه) لم يلتزم به، وإنّما كما
قلنا هو صرّح بسقوط الأصول الثلاثة كلّها.
قد يقال:
بعدم جريان استصحاب الطهارة في الماء كما يقول السيد الخوئي(قدّس سرّه)، وذلك
باعتبار أنّ استصحاب الطهارة في الماء يمنع من جريان أصالة الطهارة فيه، باعتبار
أنّ استصحاب الطهارة يكون وارداً، أو حاكماً على قاعدة الطهارة في الماء ورافعاً
لموضوعها.
وبعبارة
أخرى: يكون استصحاب الطهارة في الماء مخرجاً
له عن كونه مورداً لقاعدة الطهارة، هذا معنى الورود؛ لأنّ استصحاب الطهارة يثبت
طهارة الماء، فلا شكّ حتّى تجري فيه قاعدة الطهارة، فأنّ قاعدة الطهارة إنّما تجري
عندما نشكّ في الطهارة والنجاسة، بينما استصحاب الطهارة أثبت الطهارة تعبّداً،
فيكون مخرجاً للمورد عن كونه مورداً لقاعدة الطهارة. إذن: هذا الماء لا تجري فيه قاعدة
الطهارة؛ وحينئذٍ يقع التعارض بين استصحاب الطهارة وبين أصالة الطهارة في الطرف
الآخر، فيتعارضان ويتساقطان، وهذا هو نفس ما قاله السيد الخوئي(قدّس سرّه) من سقوط
كل الأصول الثلاثة. لا معنى لأن نقول بأنّ أصالة الطهارة في الماء تجري وتعارض
أصالة الطهارة في الطرف الآخر، فتصل النوبة إلى استصحاب الطهارة في الماء؛ لأنّ استصحاب
الطهارة في الماء يمنع من جريان قاعدة الطهارة فيه ويُخرج الماء عن كونه مورداً لقاعدة
الطهارة. إذن: الماء ليس مورداً لقاعدة الطهارة؛ حينئذٍ يبقى استصحاب الطهارة مع
قاعدة الطهارة في الطرف الآخر، فيتعارضان ويتساقطان، وهذا معناه عدم جريان استصحاب
الطهارة في الماء، ومعناه سقوط الأصول الثلاثة في المقام، وهو ما ذكره السيد
الخوئي(قدّس سرّه).
ويجاب عنه:
(هذه المناقشة مبنائية) بأنّ هذا الكلام مبني على
افتراض الطولية بين الاستصحاب والأصل في الماء، أنّ الأصل في طول الاستصحاب حتّى
إذا كانا متوافقين كما في المقام استصحاب الطهارة وقاعدة الطهارة، بناءً على
الطولية بين الأصل والاستصحاب المتوافقين؛ حينئذٍ يتم هذا الكلام، فيقال بأنّ
الاستصحاب مع وجود المقتضي لجريانه وعدم وجود المانع من جريانه؛ حينئذٍ لا تصل
النوبة إلى قاعدة الطهارة، هو يمنع من جريان قاعدة الطهارة، ويُخرج الماء عن كونه
مورداً لقاعدة الطهارة، فيأتي هذا الكلام السابق، وأمّا إذا أنكرنا الطولية، في
حالة التوافق قلنا بعدم وجود طولية بين استصحاب الطهارة وقاعدة الطهارة، وإنّما
هما يجريان معاً وفي عرض واحد بنكتة أنّ تقدّم الأصول بعضها على بعض يكون قائماً
على اساس القرينة، والقرينة إنّما تكون موجودة في حالات التخالف بين الأصول، عندما
يكون الأصلان متخالفين؛ حينئذٍ تأتي نكتة القرينة التي توجب تقدّم بعض الأصول على
البعض الآخر، فيقال: أنّ الاستصحاب المثبت للتكليف متقدّم على أصالة الطهارة، أمّا
في حالة التوافق فلا تأتي نكتة القرينية؛ لأنّهما متوافقان ونتيجتهما واحدة ولا
يوجد بينهما تنافٍ، فلا طولية بينهما وإنّما هما يجريان في عرضٍ واحدٍ ولا طولية
بينهما. بناءً على هذا المبنى؛ حينئذٍ لا يتم الكلام السابق؛ لأنّه بناءً على هذا
الكلام هما يجريان في عرضٍ واحدٍ، وإذا كانا يجريان في عرضٍ واحدٍ، فالاستصحاب لا
يمنع من جريان هذا الأصل؛ لأنّه ليس في طوله.
أو بعبارة
أخرى أكثر وضوحاً: الاستصحاب ليس حاكماً حينئذٍ على
قاعدة الطهارة في مورده، وإنّما يكون حاكماً عليها عندما تكون قاعدة الطهارة في
طول الاستصحاب، فيكون الاستصحاب حاكماً عليها ومانعاً من جريانها، فيتم الكلام
السابق، أنّ الاستصحاب منع من جريان قاعدة الطهارة في الماء، فلا يبقى الا
الاستصحاب في الماء وقاعدة الطهارة في الطرف الآخر، يتعارضان ويتساقطان، وهذا
معناه سقوط كل الأطراف وجميع الأصول، لكن عندما نقول لا حكومة ولا طولية بينهما،
هذا معناه أنّ الاستصحاب لا يمنع من جريان قاعدة الطهارة في مورده، فإذا كان لا يمنع
من جريان قاعدة الطهارة في مورده تأتي نكتة السنخية، نكتة أنّ قاعدة الطهارة في
الماء التي لا يمنع منها استصحاب الطهارة بحسب الفرض بناءً على عدم الطولية، هنا قاعدة
الطهارة في الماء وقاعدة الطهارة في الطرف الآخر من سنخٍ واحد ولهما دليل واحد،
وهذا الدليل يسري إليه الإجمال ويمنع من جريان قاعدة الطهارة فيهما، فتصل النوبة
إلى الاستصحاب، فيمكن حينئذٍ إجراء استصحاب الطهارة في الماء، وهذا ما لا يلتزم به
السيد الخوئي(قدّس سرّه).
إذن: هذا
الكلام مبني على افتراض طولية وحكومة بين الاستصحاب وبين قاعدة الطهارة في حالات
التوافق كما هو الحال في حالات التخالف، عندما نلتزم بذلك حينئذٍ يأتي هذا الكلام
ويقال أنّ الاستصحاب يمنع من جريان قاعدة الطهارة ويُخرج الماء عن كونه مورداً لقاعدة
الطهارة، إذن، أصبح الماء ليس مورداً لقاعدة الطهارة، ليس فيه إلاّ الاستصحاب وقاعدة
الطهارة في الطرف الآخر، فيتعارضان ويتساقطان، فتسقط كل الأصول. أمّا على المبنى
الآخر الذي يقول بعدم الحكومة وعدم الطولية وأنّ الاستصحاب لا يمنع من جريان قاعدة
الطهارة؛ حينئذٍ تأتي نكتة الإجمال في الدليل الواحد عندما يكون الأصلان من سنخٍ
واحدٍ، وهذا حسب رأيه يمنع من جريان الأصلين، فتصل النوبة إلى الاستصحاب؛ لأنّ الاستصحاب
يختص بدليلٍ يخصّه، فلا يسري إليه الإجمال، فيمكن إجراء هذا الدليل وإثبات مفاده
في الماء.
الجواب
الثاني: حتّى بناءً على الطولية، لنلتزم بمضمون
أنّ الاستصحاب حاكم على قاعدة الطهارة في مورده، وأنّ قاعدة الطهارة هي في طول الاستصحاب،
بناءً على هذا المبنى، مع ذلك يمكن أن يقال بجريان الاستصحاب بلا معارض وعدم سقوطه
كما يقول السيد الخوئي(قدّس سرّه)؛ بل يجري الاستصحاب وليس له معارض، وذلك باعتبار
أنّ جريان قاعدة الطهارة في الطرف الآخر هو في طول جريان الاستصحاب في هذا الطرف،
هو متوقّف على جريان الاستصحاب في هذا الطرف، فلا يُعقل أن يكون مانعاً منه
ومعارضاً له كما قيل في الكلام السابق من أنّ الاستصحاب يتعارض مع قاعدة الطهارة في
الطرف الآخر، نقول: أنّ جريان قاعدة الطهارة في الطرف الآخر متوقف على جريان الاستصحاب
في هذا الطرف، فإذا كان هو متوقّف عليه كيف يكون معارضاً له ومانعاً منه ؟! أمّا
توقفه، فباعتبار أنّ جريان قاعدة الطهارة في الطرف الآخر هو فرع ومتوقّف على عدم
شمول قاعدة الطهارة للماء، جريان قاعدة الطهارة في الطرف الآخر يتوقّف على عدم
جريان قاعدة الطهارة في الماء؛ لأنّه إذا جرت قاعدة الطهارة في الماء تكون معارضة
لقاعدة الطهارة في الطرف الآخر وتمنع من جريانها ولو على أساس الإجمال، إذن: متى
تجري قاعدة الطهارة في الطرف الآخر ؟ إذا لم تجرِ قاعدة الطهارة في الماء، وعدم
جريان قاعدة الطهارة في الماء هو فرع جريان الاستصحاب في الماء؛ لأنّه لو لم يجرِ الاستصحاب
لجرت قاعدة الطهارة في الماء، المانع من جريان قاعدة الطهارة في الماء هو
الاستصحاب، بناءً على الطولية والحكومة؛ لأنّه وارد وحاكم عليها ورافع لموضوعها.
إذن: عدم جريان قاعدة الطهارة في الماء هو فرع جريان الاستصحاب في الماء، فيكون
جريان قاعدة الطهارة في الطرف الآخر هو فرع عدم جريان قاعدة الطهارة في هذا الماء،
وعدم جريان قاعدة الطهارة في الماء هو فرع جريان الاستصحاب في الماء، والنتيجة هي
أنّ جريان قاعدة الطهارة في ذاك الطرف متوقف على جريان الاستصحاب في الماء، فكيف
يُعقل أن تكون معارضة له ومانعة منه كما قيل ؟! لأنّ النتيجة التي ذكرها السيد
الخوئي(قدّس سرّه) هي وقوع التعارض بين استصحاب الطهارة في الماء وبين قاعدة
الطهارة في الطرف الآخر، حتّى بناء على قبول الطولية والحكومة نقول هذا غير معقول؛
باعتبار أنّ أحد أسباب وجود قاعدة الطهارة هو جريان الاستصحاب في الماء؛ لأنّه لو
لم يجرِ الاستصحاب في الماء لجرت قاعدة الطهارة في الماء، ولو جرت قاعدة الطهارة في
الماء لمنعت من جريان قاعدة الطهارة في الطرف الآخر. إذن: جريان قاعدة الطهارة في
الطرف الآخر موقوف على عدم جريان قاعدة الطهارة في هذا الطرف، وعدم جريان قاعدة
الطهارة في الماء موقوف على جريان الاستصحاب، فبالنتيجة يكون جريان قاعدة الطهارة في
الطرف الآخر موقوفة على جريان الاستصحاب في الماء، وإذا كانت موقوفة على جريان الاستصحاب
كيف تكون معارضة له ومانعة منه ؟! هذا غير معقول.
هذه
الملاحظات كلها جانبية لا تمس أصل وجوهر ما
ذكره السيد الخوئي(قدّس سرّه)؛ لأنّه سيأتي الكلام في هذا.
الملاحظة
الثالثة: أنّ المثال الذي استشهد به (قدّس سرّه)
لعدم ترتب الأثر على التقدّم الرتبي، حيث أنّه في التقدّم والتأخّر الرتبي استشهد
بمثالٍ ذكرناه في الدرس السابق، قد يقال: أنّ هذا يخالف ما تقدّم منه في القسم
الأوّل، هو في القسم الأوّل ذكر هذا الذي ذكرناه، أنّه عندما يكون الأصلان
العرضيان من سنخٍ واحدٍ، هذا لا يمنع من جريان الأصل الطولي، وفي هذا المثال الذي
هو إمّا صلاة الصبح باطلة لأجل بطلان الوضوء، وإمّا صلاة الظهر باطلة لأجل نقصان
ركن فيها، هنا ذكر(قدّس سرّه) بأنّ كل الأصول تتساقط، الأصول المؤمّنة الجارية في
المقام هي قاعدة الفراغ، هنا قال قاعدة الفراغ في الوضوء وقاعدة الفراغ في صلاة
الصبح وقاعدة الفراغ في صلاة الظهر كلّها تتساقط بالرغم من وجود تقدّم وتأخّر رتبي
بين قاعدة الفراغ في الوضوء وبين قاعدة الفراغ في صلاة الصبح، بالرغم من هذا يقول
كل هذه القواعد تدخل في التعارض وتتساقط جميعاً، ولا يمكن تصحيح صلاة الصبح بقاعدة
الفراغ بدعوى إيقاع المعارضة بين قاعدة الفراغ في الوضوء وقاعدة الفراغ في صلاة
الظهر، فتصل النوبة إلى قاعدة الفراغ في صلاة الصبح، لم يقبل بها، وقال حتّى صلاة
الصبح تدخل في المعارضة وتسقط. هذا ألا ينافي ما تقدّم منه ؟ لأنّه في المقام
أيضاً الأصلان العرضيان المتعارضان من سنخٍ واحدٍ، هنا قاعدة فراغ في الوضوء وهنا
قاعدة فراغٍ في صلاة الظهر، هما من سنخٍ واحدٍ، هو قال إذا كانا من سنخٍ واحدٍ لا
مانع من الرجوع إلى الأصل الطولي، يعني قاعدة الفراغ في صلاة الصبح التي هي في طول
قاعدة الفراغ التي في الوضوء، هذا المثال الذي ذكره هل ينافي ما تقدّم، أو لا ؟
قد يقال: أنّ
مقصوده هناك عندما ذكر أننا نرجع إلى الأصل الطولي، مقصوده هو الأصل الطولي
المخالف الذي هو ليس من سنخ الأصلين العرضيين الذين هما من سنخٍ واحدٍ بحسب الفرض
كما كان يُمثّل هناك، قاعدة الطهارة هنا وقاعدة الطهارة هنا وفي طول قاعدة الطهارة
ـــــــــــ فرضاً ــــــــــــ توجد أصالة الإباحة، هنا قال تتعارض قاعدة الطهارة
في الطرفين، فيتساقط الأصلان العرضيان، فتصل النوبة إلى أصل طولي مخالف لهما
كأصالة الإباحة، بينما في هذا المثال الأصل الطولي ليس مخالفاً لهما؛ بل هو من
سنخهما، كلّها قاعدة فراغ، غاية الأمر هناك طولية وتقدّم رتبي بين قاعدة الفراغ في
الوضوء وبين قاعدة الفراغ في صلاة الصبح، لكن المتأخّر رتبة هو من سنخ المتقدّم
رتبة؛ لأنّها كلّها قاعدة فراغ؛ وحينئذٍ قد يُدّعى بأنّ الإجمال يسري ويمنع حتّى
من جريان قاعدة الفراغ في صلاة الصبح؛ لأنّ الدليل واحد، وعندما يكون الدليل
واحداً وهو دليل قاعدة الفراغ؛ حينئذٍ يُصاب هذا الدليل بالإجمال؛ وحينئذٍ لا يمكن
إجراءه في جميع الأطراف. قد يقال في مقام الجواب عن هذا الإشكال أنّ السيد
الخوئي(قدّس سرّه) كان ناظراً إلى هذا.
لكن يبدو
أنّ الصحيح في المقام هو: أنّ سريان الإجمال
إلى قاعدة الفراغ في صلاة الصبح في حالات التوافق كما هو المفروض في محل كلامنا
منوط بالطولية وأمثالها، هل هناك طولية بين قاعدة الفراغ في صلاة الصبح وبين قاعدة
الفراغ في الوضوء، أو لا ؟ وليس منوطاً بشيء آخر، إن أنكرنا الطولية وقلنا بعدم
وجود طولية بين قاعدة الفراغ في صلاة الصبح وبين قاعدة الفراغ في الوضوء، باعتبار
التوافق، أي باعتبار أنّهما متوافقان، وإنّما تكون طولية وحكومة في حالات التخالف
لا في حالات التوافق، فإذا أنكرنا الطولية؛ حينئذٍ شبهة سريان الإجمال إلى الدليل
المانع من شموله حتّى لصلاة الصبح موجودة؛ لأنّها كلّها في عرضٍ واحدٍ، قاعدة
الفراغ في الوضوء وقاعدة الفراغ في صلاة الصبح وقاعدة الفراغ في صلاة الظهر كلّها
في عرضٍ واحدٍ ولا طولية بينها، فيسري الإجمال في الحقيقة إلى الدليل؛ لأنّ
دليلهما واحد، فيسري الإجمال إلى الدليل ويمنع من تطبيق مفاده في كل هذه الأطراف
الثلاثة. وأمّا إذا قلنا بالحكومة، وقلنا بأنّ قاعدة الفراغ في الوضوء حاكمة
ومتقدّمة على قاعدة الفراغ في صلاة الصبح؛ حينئذٍ قد يقال بأنّه لا موجب لسريان
الإجمال إلى الدليل بلحاظ شموله لصلاة الصبح وإن كان الدليل واحداً، لكن يمكن
التمسّك بإطلاق هذا الدليل لإثبات مفاده في صلاة الصبح؛ لأنّ إطلاق هذا الدليل
لإثبات مفاده في صلاة الصبح ليس له معارض، إطلاق هذا الدليل لإثبات مفاده في الوضوء
له معارض وهو تطبيق مفاده في صلاة الظهر ولا يمكن تطبيق المفاد على كلٍ منهما،
وهذا هو الذي يوجب الإجمال، لكن الإجمال في إطلاق الدليل بلحاظ هذا المورد، الوضوء
وصلاة الظهر لوجود التعارض بينهما بالنحو المتقدّم، لكن إطلاق دليل قاعدة الفراغ
بالنسبة إلى صلاة الصبح لا موجب للالتزام بإجماله؛ لأنّه في طول قاعدة الفراغ في
الوضوء نفسه، فإذا كان في طوله يمكن أن يُلتزم بعدم سريان الإجمال إليه.
هذه
ملاحظات جانبية على كلام السيد الخوئي(قدّس سرّه)،
أصل المطلب الذي ذكره يأتي الكلام عنه عندما نبحث أصل المسألة، وهي أنّ الأصول
الترخيصية الجارية في أطراف العلم الإجمالي عندما يختصّ أحد الطرفين بأصلين
طوليين، أحدهما في طول الآخر، الأصل الطولي الترخيصي المختص بأحد الطرفين هل يدخل
طرفاً في المعارضة، أو لا يدخل طرفاً في المعارضة ؟ هذا محل الكلام، هل التعارض
يقع بين الأصلين الترخيصيين العرضيين فقط، وهذا لا يدخل طرفاً في المعارضة ؟
حينئذٍ تأتي شبهة المحقق العراقي(قدّس سرّه) أنّه بناءً على هذا يتساقط الأصلان
العرضيان ولابدّ من إعمال الأصل الترخيصي الطولي، وقلنا أنّ معنى هذا هو عدم وجوب
الموافقة القطعية، وهذا ما لا يلتزم به القائلون بالاقتضاء، أو أنّه يدخل طرفاً في
المعارضة ويسقط كما تسقط الأصول العرضية ؟ هذا لبّ المطلب، ويأتي الكلام عنه إن
شاء الله تعالى.