الموضوع: الأصول العمليّة/ تنبيهات العلم الإجمالي
كان
الكلام في الجواب الثالث الذي ذكره السيد الخوئي(قدّس سرّه) كما
هو في تقريراته
[1]
[2] وذكرناه
مفصّلاً وكان يتلخّص في أنّ الأصلين العرضيين المتعارضان في الطرفين متى ما كانا
من سنخٍ واحد كأصالة الطهارة في هذا الطرف وأصالة الطهارة في هذا الطرف، هنا لا
مانع من الرجوع إلى الأصل الطولي، يتساقط الأصلان العرضيان من سنخٍ واحد في
الطرفين ويُرجع إلى الأصل الطولي، ومتى ما كان الأصلان العرضيان في الطرفين من
سنخين مختلفين لا يمكن الرجوع إلى الأصل الطولي؛ بل يدخل الأصل الطولي طرفاً في
المعارضة وتتساقط جميع الأصول. قلنا أنّنا يجب أن نبحث عن الفرق بين القسمين في
مسألة السنخية وعدمها، الفرق يكمن في هذا؛ لأنّه لا فرق بين القسم الأوّل والقسم
الثاني الذي هو القسم الأوّل في كلامه والقسم الثالث، هو ذكر قسماً ثانياً ليس
كلامنا فيه. لا فرق بين القسمين إلاّ في أنّ الأصلين العرضيين هل هما من سنخٍ واحدٍ
كأصالة الطهارة وأصالة الطهارة، أو هما من سنخين كأصالة الطهارة وأصالة الإباحة،
فالفرق هو أنّهما إن كانا من سنخٍ واحد تصل النوبة إلى الأصل الطولي بلا محذور،
وإن كانا من سنخين مختلفين لا يجوز الرجوع إلى الأصل الطولي.
السيد
الخوئي(قدّس سرّه) ذكر في بحثٍ آخر ما هو السرّ
في هذا وما هو السبب في التفرقة بين القسمين، ذكره في بحث ملاقي الشبهة،
[3]هناك
ذكر أمراً يمكن جعله وجهاً للتفرقة بين القسمين في محل الكلام، وحاصل ما ذكره هو:
إذا كان الأصلان العرضيان في الطرفين من سنخٍ واحد؛ حينئذٍ يكون دليلهما واحداً،
وهذا الدليل الواحد ورد عليه المخصص العقلي المتّصل وهو استحالة الترخيص في
المخالفة القطعية، فأنّه يمنع من شمول ذلك الدليل لكلا الطرفين، لولا هذا المخصص
لكان الدليل ــــــــــــ دليل أصالة الطهارة في حالة كون الأصلين من سنخٍ واحدٍ
ـــــــــــ في حدّ نفسه شاملاً لكلٍ من الطرفين معاً، لكن ورد عليه المخصص الذي
يمنع من شموله لكلا الطرفين، وهذا المخصص مخصص عقلي، والمحذور عقلي، فيكون بحكم
المخصص المتّصل بالدليل، فإذا كان متّصلاً بالدليل؛ فحينئذٍ يوجب إجماله، فيصبح
الدليل باعتبار أنّ المخصص له متصلاً به مجملاً من هذه الناحية، بمعنى أنّه لا
يُعلم بأنّه هل يجري في هذا الطرف، أو يجري في ذاك الطرف ؟ يصاب هذا الدليل
بالإجمال الداخلي؛ لأنّه لا يشمل كلا الطرفين؛ لأنّه ترخيص في المخالفة القطعية،
هل يشمل هذا فقط، أو يشمل ذاك فقط ؟ الدليل الواحد يكون مجملا، فإذا كان الدليل
الواحد مجملاً من هذه الناحية؛ فحينئذٍ لا يمكن إجراءه في كلا الطرفين ولا في أحد
الطرفين؛ لأنّه أصبح مجملاً بحسب هذا الفرض، فلا يصح التمسّك به في أحد الطرفين،
وهذا معناه سقوط الأصل وعدم شموله لكلا الطرفين، فتصل النوبة إلى الأصل الطولي بلا
محذور؛ لأنّ الأصلين العرضيين عندما يكونا من سنخ واحد يُصاب دليلهما بالإجمال من
هذه الناحية، فلا يمكن التمسّك به لإثبات مفاده في هذا الطرف ولا في ذاك الطرف،
وهذا معناه أنّ الدليل لا يشمل كلا الطرفين. هذه هي النكتة التي يعتمد عليها
لإثبات صحّة الرجوع إلى الأصل الطولي عندما يكونان الأصلان المتعارضان العرضيان من
سنخٍ واحدٍ.
أمّا إذا
كان الأصلان العرضيان من سنخين مختلفين،
[4]
أصالة الطهارة في هذا الطرف تعارض أصالة الإباحة في الطرف الآخر، يقول: في هذه
الحالة لا يمكن أن نثبت نفس النتيجة وهي تساقط هذين الأصلين وإمكان الرجوع إلى
الأصل الطولي بنفس النكتة السابقة؛ لأنّ كل أصلٍ له دليل يخصّه، ودليل كلٍ من
الأصلين ليس فيه إجمال؛ إذ لا محذور من شموله لمورده، فدليل أصالة الطهارة في حدّ
نفسه يشمل هذا الطرف، ودليل أصالة الإباحة في حدّ نفسه يشمل ذلك الطرف، فإذن: لا
موجب لافتراض وقوع الإجمال في دليل أصالة الطهارة، كما لا موجب لافتراض وقوع
الإجمال في دليل أصالة الإباحة؛ لأنّ كلاً من الأصلين له دليل يخصّه، وهذا الدليل
لا مانع من شموله لمورده، فإذن: نكتة الإجمال التي ارتكزنا عليها في القسم الأوّل
لإثبات تعارض الأصلين العرضيين والرجوع إلى الأصل الطولي ليست موجودة في حالة كون
الأصلين العرضيين من سنخين مختلفين؛ لأنّ كل واحدٍ منهما له دليل يخصّه وليس لهما
دليل واحد حتّى يقال أنّ هذا الدليل الواحد يُصاب بالإجمال، فتصل النوبة إلى الأصل
الطولي بلا محذور؛ بل لهما دليلان، ودليل كل واحدٍ منهما في حدّ نفسه ليس فيه
إجمال ويمكن أن يشمل مورده، فنكتة الإجمال ليست موجودة في حال افتراض كونهما من
سنخين مختلفين. نعم، لا إشكال في أنّه يقع التعارض بين هذين الأصلين، ولا يمكن
إجراءهما معاً، لا يمكن أن نجري أصالة الطهارة في هذا الطرف وأصالة الإباحة في ذاك
الطرف؛ لأنّ هذا يؤدي إلى المخالفة القطعية، فيقع التعارض بينهما، لكن الكلام في
الأصل الطولي، هذا الأصل الطولي في حالة عدم التسانخ هل يدخل طرفاً في هذه
المعارضة، فتكون المعارضة ثلاثية بين الأصول الثلاثة، أو لا يدخل طرفاً ؟ السيد الخوئي(قدّس
سرّه) يقول: أنّه يدخل طرفاً في المعارضة. وبذلك تتساقط كل الأصول الثلاثة ولا
يمكن الرجوع إلى الأصل الطولي، بعد ما قلناه في القسم الأوّل من تعارض القسمين
وتساقطهما وعدم شمول الأصل لكلٍ من الطرفين باعتبار الإجمال، هذا لا يصح أن يقال
في الصورة الثانية وفي القسم الثاني؛ بل هو يرى أنّ الأصل الطولي يدخل في
المعارضة، فيحصل التعارض بين كل الأصول الثلاثة وتسقط كلّها في محل الكلام.
ما هو
الدليل على أنّ الأصل الطولي في هذه الصورة
يدخل في المعارضة، والمعارضة كما توجب سقوط الأصلين العرضيين كذلك توجب سقوط الأصل
الطولي، ما هو الدليل على هذا ؟
الدليل على
ذلك هو الذي قلنا أنّه ذكره في بحثٍ آخر،
وحاصله: أنّ الأصل الطولي وإن كان هو في طول الأصل الحاكم في طرفه، هو في رتبةٍ
متأخّرةٍ عن الأصل الحاكم في طرفه، حيث قلنا أنّ لدينا في طرف أصالة الطهارة
وأصالة الحلّية التي هي في طول أصالة الطهارة، وفي الطرف الآخر لدينا أصالة
الحلّية، فالأصلان العرضيان أصالة الطهارة في هذا الطرف وأصالة الإباحة في هذا
الطرف وهما من سنخين مختلفين، صحيح أنّ الأصل الطولي هو في رتبةٍ متأخّرةٍ عن
الأصل الحاكم في طرفه، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ الأصل المحكوم، أي الأصل
الطولي أيضاً يكون متأخّراً عن الأصل الجاري في الطرف الآخر، ليس لدينا قاعدة
عقلية تلزمنا أن نقول أنّ هذا الأصل الطولي في مورده عندما يكون في مرتبة متأخّرة
عن أصلٍ حاكمٍ في نفس المورد أنّه يجب أن يكون هذا الأصل الطولي هو أيضاً في
مرتبةٍ متأخّرةٍ عن الأصل الجاري في الطرف الآخر، نقول: هذا يصح عندما يكون
التقدّم والتأخّر في الزمان، فالمتأخّر عن شيء في الزمان قهراً يكون متأخراً عن
مساوي ذلك الشيء الذي يحصل في نفس زمانه.
[5]
شيئان يحصلان في زمان واحد وكان هناك شيء متأخّر عن أحدهما زماناً، قهراً هذا
المتأخّر عن أحدهما زماناً يكون أيضاً متأخّراً عن الآخر زماناً، لكن التقدّم
والتأخّر في محل الكلام تقدّم وتأخّر رتبي وليس زمانياً، وليس هناك قانون يقول أنّ
التأخّر عن أحد المتساويين رتبةً يجب أن يكون متأخراً عن مساويه في الرتبة؛ لأنّ
التأخّر الرتبي يعني أنّ هذا المتأخّر ناشئ من ذاك ومعلول له، هذا معنى التأخّر
الرتبي، أنّه ناشئ منه ومعلول له، ليس هناك ملزم عقلي بأنّ هذا الناشئ من هذا يجب
أن يكون ناشئاً من الآخر ومعلولاً له، التأخّر الرتبي يعني أنّ أحد شيئين هو في
طول الآخر وينشئ من الآخر ومعلولاً له، فليكن هذا معلولاً لهذا، لكن ليس بالضرورة
أن يكون أيضاً ناشئاً ومعلولاً لما يساوي ذاك في الرتبة، هذا إنّما يصدق في
التقدّم والتأخّر الزماني دون التقدّم والتأخّر الرتبي.
بناءً على
هذا؛ حينئذٍ لا مشكلة في افتراض التعارض الثلاثي، وإن
كان الأصل الطولي متأخّراً رتبةً عن الأصل الحاكم الجاري في طرفه؛ لأنّ الأصل
المحكوم المتأخّر رتبة عن الأصل الحاكم في طرفه ليس متأخّراً رتبةً عن الأصل في
الطرف الآخر، فإذا لم يكن متأخّراً عنه رتبةً، فأنّه يدخل في المعارضة، والمعارضة
تكون ثلاثية وكما أنّ هذا الأصل في الطرف الأخر يُعارض الأصل الحاكم كذلك هو يعارض
الأصل المحكوم؛ لماذا تختص المعارضة والمنافاة فقط مع الأصل الحاكم ؟! بل هو له
قابلية أن يعارض كلا الأصلين، الحاكم والمحكوم الّذَين هما في رتبتين متعددّتين، فكما
أنّه يعارض الأصل الحاكم ولا يمكن الجمع بينهما للزوم المحذور العقلي كذلك هو
يعارض الأصل المحكوم ولا يمكن الجمع بينهما للزوم المحذور العقلي، ومسألة أنّ هذا
متأخّر رتبة عن هذا، فلابدّ أن يكون متأخّراً رتبةً عن ذاك، فكيف يمكن إيقاع
المعارضة بين أمرين بينهما تقدّم وتأخّر رتبي ؟ يقول: لا يصح هذا الكلام، وإنّما
هذا يصح في التقدّم والتأخّر الزماني، وفي التقدّم والتأخّر الزماني ليس هناك دليل
يقول أنّ هذا الأصل الطولي هو متأخر رتبة عن الأصل في الطرف الآخر، ومجرّد أنّه
متأخّر رتبة عن الأصل الحاكم في طرفه، هذا لا يعني أنّه متأخّر رتبة أيضاً عن
الأصل في الطرف الآخر، وبهذا تكون الأصول كلّها متعارضة ولابدّ من الالتزام
بتساقطها. ويشهد لهذا الأمر هذا المثال الذي هو يقول(قدّس سرّه) ولا أظن أنّ أحداً
يلتزم بنتيجة ما ذكروه فيه، وهو ما إذا علم المكلّف ببطلان وضوئه لصلاة الصبح، أو
بطلان صلاة الظهر بترك ركنٍ من أركانها، أنّه علم إجمالاً بأنّه إمّا صلاة الصبح
باطلة لترك الوضوء، أو أنّ صلاة الظهر باطلة؛ لأنّه ترك ركناً من أركانها، يقول في
هذه الحالة يُحكم ببطلان الوضوء وبطلان صلاة الصبح وبطلان صلاة العصر؛ لأنّ الأصل
المؤمّن الذي يجري عند الشكّ في كل واحدٍ من هذه الأمور الثلاثة الذي هو قاعدة
الفراغ، هذه الأصول متعارضة في الأطراف الثلاثة، أصالة الفراغ المصححّة للوضوء،
وأصالة الفراغ المصححّة لصلاة الصبح، وقاعدة الفراغ المصححّة لصلاة الظهر، هذه
كلّها لا يمكن أن تجري معاً في الجميع؛ لأنّه يعلم إجمالاً بأنّ أحدى الصلاتين
باطلة، فتدخل كل هذه الأصول الثلاثة في المعارضة وتسقط جميعاً، فإذا سقطت جميعاً؛
فحينئذٍ يجب عليه الوضوء، ويجب عليه إعادة صلاة الصبح، ويجب عليه إعادة صلاة الظهر،
ويُحكم ببطلان كل هذه الأمور الثلاثة، مع أنّ الشكّ في صلاة الصبح مُسبَبّ عن
الشكّ في صحّة الوضوء؛ لأنّه يحتمل بطلان صلاة الصبح من جهة احتمال بطلان الوضوء،
فهو يعلم إجمالاً إمّا بطلان وضوئه لصلاة الصبح، أو ترك ركناً في صلاة الظهر،
فالشكّ في صحّة صلاة الصبح مُسبَبّ عن الشكّ في صحّة الوضوء، فالأصل الجاري في
الوضوء يكون حاكماً على الأصل الجاري في صلاة الصبح، الطولية بينهما واضحة
والتأخّر الرتبي واضح بين قاعدة الفراغ في صلاة الصبح وبين قاعدة الفراغ في
الوضوء، بالرغم من هذا يُحكم ببطلان الجميع، ويُحكَم بدخول قاعدة الفراغ في صلاة
الصبح في المعارضة مع أنّه بناءً على الكلام السابق ينبغي إيقاع المعارضة بين
قاعدة الفراغ في الوضوء وقاعدة الفراغ في صلاة الظهر، هذان أصلان عرضيان يسقطان،
فتصل النوبة إلى قاعدة الفراغ في صلاة الصبح، ويمكن حينئذٍ تصحيح صلاة الصبح،
يقول: بينما الفتوى ليست على هذا، وإنّما على الحكم ببطلان الجميع وإيقاع التعارض
بين كل هذه الأصول المؤمّنة الثلاثة مع أنّه في الطرف الواحد يوجد أصلان طوليان،
ويقول أنا لا أظن أنّ أحداً يلتزم بتصحيح صلاة الصبح اعتماداً على قاعدة الفراغ
فيها بافتراض أنّ التعارض يقع بين قاعدة الفراغ في الوضوء وقاعدة الفراغ في صلاة
الظهر، فيتساقطان، فتصل النوبة إلى قاعدة الفراغ في صلاة الصبح. يقول: هذا يؤيّد
ما قلناه من أنّ الأصل الطولي يدخل في المعارضة كما أنّ الأصل الحاكم يُعارض الأصل
الجاري في الطرف الآخر، الأصل المحكوم الطولي أيضاً يعارض الأصل الجاري في الطرف
الآخر، فالمعارضة ثلاثية، وهذا يوجب سقوط كل الأصول في محل الكلام.
إذن: نستطيع
أن نقول أنّه في جوابه يريد أن يقول: أنّ القاعدة في محل الكلام تقتضي تساقط كل
الأصول الثلاثة لما ذكره، فقط في حالةٍ واحدة لا تقتضي سقوط كل الأصول وهي موجودة
في القسم الأوّل، وهي حالة ما إذا كان الأصلان العرضيان من سنخٍ واحدٍ؛ لأنّهما
لهما دليل واحد ويختص الأصل الطولي بدليل يخصّه، إذا أُصيب الدليل الأوّل بالإجمال
وهذا الإجمال منع من شموله لكلٍ من الطرفين، فيبقى الأصل الآخر بدليلٍ ليس فيه
إجمال، فيمكن إجراءه في مورده. هذا الاستثناء الوحيد. أمّا إذا كان الأصلان
العرضيان من سنخين مختلفين؛ فلا إجمال حينئذٍ، ولا تجري نكتة الإجمال؛ لأنّ كل
أصلٍ له دليل يخصّه وليس هناك محذور في أن يشمل هذا الدليل مورده، وذاك الدليل
يشمل مورده، إذن: لا إجمال، فيأتي الدليل الذي ذكره وهو أنّ الأصل الطولي يدخل
طرفاً في المعارضة، ولابدّ من الالتزام بسقوط الأصول الثلاثة. هذا الوجه الثالث
الذي يذكره السيد الخوئي(قدّس سرّه) للجواب عن الشبهة في محل الكلام.
ولكن لوحظ
عليه عدّة أمور:الأمر
الأوّل: أنّ النكتة التي اعتمد عليها لإثبات
إمكان الرجوع إلى الأصل الطولي وهي نكتة أن يكون الأصلان العرضيان من سنخٍ واحدٍ؛
فحينئذٍ يقع التعارض بين الأصلين العرضيين ويتساقطان لإجمال الدليل، فتصل النوبة
إلى الأصل الطولي، الملاحظة هي أنّ هذه النكتة لا تختصّ بافتراض الطولية بين
الأصلين، النكتة هي أنّ الأصلين العرضيين من سنخٍ واحد، أو لا ؟ إذا كانا من سنخٍ
واحد، إذن: الأصل الثالث يختص بدليلٍ يخصّه، سواء كان هذا الأصل الثالث في طول أحد
الأصلين، أو كان في عرضهما، النكتة واحدة، النكتة هي أنّه هل هناك أصلان لهما دليل
واحد في قبال أصلٍ له دليل يخصّه ؟ إذا كان هناك أصلان لهما دليل واحد، هذا الدليل
الواحد يُبتلى بالإجمال، وهذا الإجمال يمنع من التمسّك به في أيّ واحدٍ من
الطرفين، فتصل النوبة إلى الدليل الآخر الذي ليس فيه إجمال؛ لأنّ الأصل الثالث له دليل
يخصّه بحسب الفرض، ولا مانع ولا محذور عقلاً من شموله لمورده، فتصل النوبة إليه؛
وحينئذٍ يحكم بجريانه، وإن لم يكن في طول أحد الأصلين؛ لأنّ النكتة ليست إلاّ
عبارة عن المسانخة وكون الأصلين لهما دليل واحد، فالدليل الواحد يكون مجملاً؛
وحينئذٍ يُرجَع إلى الدليل الآخر الذي لا يُبتلى بالإجمال، سواء كان في طوله، أو
لم يكن في طوله. (مثلاً): إذا فرضنا أنّ أحد الطرفين تجري فيه أصالة الطهارة وفي
الطرف الآخر تجري أصالة الطهارة، أصلان من سنخٍ واحدٍ، وفرضنا أنّه في أحد الطرفين
يجري استصحاب الطهارة، بناءً على أنّ استصحاب الطهارة ليس حاكماً على أصالة
الطهارة في حالة التوافق، هذا محل كلام، أنّ استصحاب الطهارة هل هو حاكم على قاعدة
الطهارة مطلقاً، سواء توافقا، أو اختلفا، أو أنّه حاكم عليها إذا اختلفا؟ أمّا إذا
كانا متّفقين في المفاد، فلا حكومة، بناءً على الرأي القائل بأنّ الاستصحاب
الموافق لقاعدة الطهارة ليس حاكماً عليها، وإنّما هو في عرضها، فإذن: لدينا طرفان،
أحدهما يختصّ بقاعدة الطهارة والطرف الآخر تجري فيه قاعدة الطهارة واستصحاب
الطهارة في عرضٍ واحد، الاعتراض يقول بأنّ النكتة موجودة هنا، فينبغي أن نلتزم
بتساقط أصالة الطهارة في كلٍ من الطرفين والرجوع إلى استصحاب الطهارة؛ لأنّ استصحاب
الطهارة يختصّ بدليلٍ يخصّه، بينما أصالة الطهارة في هذا الطرف وأصالة الطهارة في
ذاك الطرف لمّا كانت من سنخٍ واحدٍ، فلها دليل واحد، وهذا الدليل الواحد مخصصّ
بالمحذور العقلي المتّصل المانع من شموله للطرفين، وهذا يوجب الإجمال في هذا
الدليل الواحد، فيبقى دليل استصحاب الطهارة ليس فيه إجمال، فيمكن الرجوع إليه، فهل
يُلتزَم بذلك ؟ يعني نلغي حينئذٍ خصوصية الطولية بين الطرفين؛ فحتّى إذا كانا في
عرضٍ واحد، النكتة هي أنّه هل له دليل يخصّه، أو ليس له دليل يخصّه ؟ فإذا كان له
دليل يخصّه، فأنّه لا يصاب بالإجمال، فيمكن الرجوع إليه.