الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

35/07/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العمليّة/ تنبيهات العلم الإجمالي
 ذكرنا أنّ الجواب الثاني الذي ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) من عدم جواز الرجوع إلى الأصل المؤمّن الطولي؛ بل ذكر أنّ هذا الأصل يدخل كجزءٍ من المعارضة، الأصول الثلاثة في الأطراف تتعارض وتتساقط، فلا يبقى أصل مؤمّن يُرجع إليه في هذا الطرف، وبذلك نصل إلى نفس النتيجة وهي عدم الترخيص في المخالفة الاحتمالية في هذا المورد، فلا نلتزم بجواز المخالفة الاحتمالية كما ذُكر في النقض، ونصل أيضاً إلى النتيجة السابقة وهي أنّه لا تظهر الثمرة في هذا المورد بين القول بالعلّية وبين القول بالاقتضاء؛ لأنّه على كلا التقديرين لا يجري الأصل المؤمّن في بعض الأطراف، لا على القول بالعلّية كما هو واضح، ولا على القول بالاقتضاء؛ يقول لأننا نرى أنّ هذا الأصل الطولي المرخّص هو طرف في المعارضة لا أنّ الأصلين يتساقطان في الطرفين وتصل النوبة إلى هذا الأصل الترخيصي المؤمّن، كلا، الأمر ليس كذلك، ودليله على ذلك الدليل الثاني هو أنّ التعارض بين الأصول إنّما هو باعتبار مؤدّياتها وما هو المجعول فيها، والمجعول في استصحاب الطهارة وقاعدة الطهارة شيء واحد وهو طهارة المشكوك، وحيث أنّ الطهارة كحكم ظاهري لا يمكن جعلها في كلا الطرفين؛ لأنّ هذا يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعية؛ حينئذٍ لا فرق بين أن تكون الطهارة مجعولة بالاستصحاب، أو بقاعدة الطهارة، الطهارة لا يمكن جعلها في كلا الطرفين، كما أنّ هذا غير ممكن بالاستصحاب هو أيضاً غير ممكن بقاعدة الطهارة؛ لأننا بالنتيجة نجعل الطهارة في هذا الطرف والطهارة في ذاك الطرف، وهذا معناه أنّ قاعدة الطهارة في مستصحب الطهارة تدخل جزءاً من المعارضة؛ لأنّ المعارضة بين الأصلين تنشأ من عدم إمكان جعلهما معاً في الطرفين، وجعل أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح، وهذا كما يمكن تطبيقه على استصحاب الطهارة في هذا الطرف مع قاعدة الطهارة في ذاك الطرف، كذلك يمكن تطبيقه على قاعدة الطهارة في هذا الطرف، الذي هو الأصل الطولي المحكوم مع قاعدة الطهارة في ذاك الطرف.
قد يوجّه ما قاله المحقق النائيني(قدّس سرّه) بأنّ المحذور من جريان الأصل في الطرفين محذور ثبوتي، يعني يؤدّي ذلك إلى الترخيص في المخالفة القطعية، فجريان الأصل في الطرفين منافٍ للمخالفة القطعية، بلحاظ المحذور الثبوتي؛ حينئذٍ لا يُفرّق بين الأصول الحاكمة والأصول المحكومة، هناك محذور ثبوتي واقعي يترتّب هذا المحذور الثبوتي من جعل الطهارة كحكم ظاهري في الطرفين مع العلم بنجاسة أحدهما؛ حينئذٍ لا يُفرّق بين الأصل الحاكم الذي هو استصحاب الطهارة في هذا الطرف وبين الأصل المحكوم الذي هو قاعدة الطهارة في نفس الطرف، جعل كلٍ منهما في الطرفين محال، وجعل أحدهما في أحد الطرفين ترجيح بلا مرجّح؛ ولذا لا فرق بينهما، فيمكن توجيه ما ذكره بهذا الشيء. وذكر في عبارته كما ذكرنا في الدرس السابق أنّه فرّق بين ما نحن فيه وبين الأصل السببي والأصل المسببي، قال: هناك لا مانع من الرجوع إلى الأصل المسببي عندما يسقط الأصل السببي بالمعارضة كما في ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة، عندما يسقط الأصل السببي بالمعارضة مع الطرف الآخر تصل النوبة إلى الأصل المسببي في الملاقي، هنا يقول لا مانع من الرجوع إلى الأصل المسببي، في محل الكلام منع من الرجوع إلى الأصل المحكوم، بينما هناك قال لا مانع من الرجوع إلى الأصل المسببي، والمقصود بالأصل المسببي هو الأصل الجاري في الملاقي ـــــــــــ مثلاً ــــــــــ ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة، نعلم بنجاسة أحد شيئين، في الملاقي، يعني الأصل في المُلاقى والأصل في الطرف الآخر والأصل في الملاقي كلّها تتعارض وتسقط كما ذكره هنا ؟ يقول: كلا، لعلّ السرّ في ذلك أنّه يرى أنّ المحذور في محل الكلام ثبوتي؛ ولذا لا يُلحظ مسألة الحاكمية والمحكومية ولا مسألة الطولية، بينما المحذور هناك في مسألة الأصل السببي والأصل المسببي محذور إثباتي، لعلّه يقصد هذا.
قلنا أنّ المحقق العراقي(قدّس سرّه) أجاب عن ذلك، ومرجع جوابه إلى أنّه في محل الكلام حتّى إذا فرضنا أنّ الطهارة المجعولة بالاستصحاب والطهارة المجعولة بقاعدة الطهارة هي أمر واحد، لا مشكلة في ذلك هي أمر واحد لكن له طريقان جعلهما الشارع يؤدّيان إليه، أحدهما الاستصحاب والآخر قاعدة الطهارة، وأحد الطريقين مترتب على الطريق الآخر، وفي طول الطريق الآخر، يعني لا وجود له مع وجود الطريق الآخر، هذا معنى الطولية والترتب، قاعدة الطهارة ليست طريقاً مع وجود استصحاب الطهارة، كما أنّ استصحاب الطهارة ليس طريقاً مع قيام الإمارة على الطهارة، هناك طولية بينها، مرّة تقوم الإمارة على الطهارة ومرّة الاستصحاب يثبت الطهارة، ومرّة تثبت الطهارة بقاعدة الطهارة، بين هذه الأمور الثلاثة توجد طولية، أفرض المؤدّى واحد، لكنّها في مقام الإثبات والدلالة بينها طولية، بمعنى أنّ النوبة لا تصل إلى المتأخّر منها إلاّ إذا أنعدم السابق، أمّا مع وجود السابق هي ليست طريقاً لإثبات الطهارة، يقول: بناءً على هذا؛ حينئذٍ قاعدة الطهارة لا يُعقل أن تكون جارية في رتبة الاستصحاب؛ لأنّ وصول النوبة إليه إنّما يكون إذا أنعدم  موضوع الاستصحاب، ووصول النوبة إلى الاستصحاب إنّما يحصل إذا أنعدم قيام الإمارة على الطهارة، إذا لم تقم الإمارة على الطهارة تصل النوبة إلى الاستصحاب، وإذا لم يجرِ الاستصحاب تصل النوبة إلى قاعدة الطهارة. إذن: الاستصحاب الذي يعارض قاعدة الطهارة في الطرف الآخر في هذه الحالة لا وجود ولا تحقق لقاعدة الطهارة في نفس طرفه؛ لأنّها في طوله، ولو في مقام الإثبات والدلالة؛ فحينئذٍ لا معنى لأن يقال أنّها تسقط بالمعارضة مع الطرف الآخر. هذا هو جواب المحقق العراقي(قدّس سرّه).
الجواب الثالث: ذكره السيد الخوئي(قدّس سرّه)؛ لأنّه يقول بالاقتضاء ويتوجّه عليه هذا النقض بأنّه هل تلتزمون في هذا المورد بجريان الأصل الطولي بناءً على الاقتضاء؛ لأنّه بناءً على الاقتضاء لا مانع من جريان الأصل في بعض الأطراف إذا لم يكن له معارض، والأصل الطولي في محل الكلام ليس له معارض؛ لأنّ المعارض، يعني الأصل في الطرف الآخر سقط بالتعارض مع الاستصحاب، فيبقى الأصل الطولي بلا معارض، بناءً على الاقتضاء لابدّ أن يجري، فهل تلتزمون بجريانه وتجوّزون المخالفة الاحتمالية، أو لا ؟ وهو لا يلتزم بذلك، فما هو الجواب عن هذا النقض ؟ ذكر (قدّس سرّه) جواباً، ذُكر في تقريراته [1] [2]  وهو جواب مفصّل لابدّ أن نذكره، حاصل ما ذكره: أنّ الأصل الجاري في أحد الطرفين لا يخلوا من أحدى حالتين: إمّا أن يكون من سنخ الأصل الجاري في الطرف الآخر، وإمّا أن لا يكون من سنخه، يختلف عنه سنخاً، من سنخٍ واحد مثل أصالة الطهارة وأصالة الطهارة، ومن سنخين مختلفين مثل أن يكون الأصل الجاري في هذا الطرف هو أصالة الطهارة وفي الطرف الآخر هو أصالة الحلّية. يقول: الأصلان العرضيان في الطرفين إمّا أن يكونا من سنخٍ واحد أو من سنخين مختلفين.
إذا كانا من سنخٍ واحد، يقول: إمّا أن يكون أحد الطرفين مختصّاً بجريان أصلٍ طولي فيه دون الآخر، والتي هي الصورة الثالثة التي كنّا نتكلّم فيها، وإمّا أن لا يكون مختصّاً كذلك، اي لا يختص بأصلٍ طولي، وهذه بالدقّة تشمل ما إذا لم يكن هناك أصل طولي أصلاً، فقط أصلان عرضيان في الطرفين، فنستطيع أن نقول لا يختص أحد الطرفين بأصلٍ طولي يجري فيه دون الآخر، ويشمل حالة ما إذا كان هناك أصلان طوليان في الطرفين، يعني أصلان عرضيان في الطرفين وأصلان طوليان أيضاً في الطرفين، أيضاً نستطيع أن نقول لا يختص أحد الطرفين بأصل طولي يجري فيه دون الآخر، هو يتكلّم عن كلتا الصورتين، وإمّا أن لا يكون كذلك؛ ولذا يقول: بناءً على هذا التقسيم الأقسام المتصوّرة في المقام ثلاثة:
القسم الأوّل: أن يكون الأصلان العرضيان من سنخٍ واحد مع اختصاص أحدهما بأصلٍ طولي، الذي هو مسألتنا تقريباً. هو يُمثّل لذلك بما إذا علم بوقوع نجاسة إمّا في الماء، وإمّا على الثوب، الأصل الذي يجري في كل واحدٍ منهما هو أصالة الطهارة، هذان أصلان عرضيان، عند الشك في طهارة الماء ونجاسته تجري أصالة الطهارة، وعند الشك في طهارة الثوب ونجاسته أيضاً تجري أصالة الطهارة وهي من سنخٍ واحدٍ، لكن يوجد في خصوص الماء اصل آخر طولي وهو اصالة الحل، بناءً على أنّ أصالة الطهارة متقدّمة على أصالة الحل، يعني تكون حاكمةً على أصالة الحل، بناءً على هذا يكون هذا مثالاً؛ لأنّ أصالة الحل في الماء هي في طول أصالة الطهارة، فيختص أحد الطرفين بأصلٍ طولي، هذا الأصل الطولي لا يجري في الثوب؛ إذ لا معنى لأصالة الحل في الثوب وإنّما يجري في الماء.
هنا في هذه الصورة ذهب السيد الخوئي(قدّس سرّه) خلافاً للمحقق النائيني(قدّس سرّه) إلى سقوط الأصلين العرضيين المتسانخين وجريان الأصل الطولي في طرفه وهو أصالة الحل، أصالة الطهارة تسقط في الطرفين، لكنّ الماء يمكن إجراء أصالة الحل فيه؛ لأنني أشك في حلّية شربه وحرمته، فالأصل فيه هو الحلّية. لا تدخل أصالة الحل ـــــــــــ الأصل الطولي في هذا الطرف ـــــــــــ طرفاً في المعارضة ولا تسقط بالمعارضة، وإنّما يمكن الوصول إليها والتمسّك بها لإثبات الحلّية  بالنسبة إلى الماء.
بينما المحقق النائيني(قدّس سرّه) يدخل الأصل الطولي طرفاً في المعارضة ويلتزم بسقوط الأصول كلّها؛ لأنّ المحذور ثبوتي وهذا المحذور الثبوتي لا يُفرّق بين الأصل الحاكم الذي هو الاستصحاب في مثاله وبين الأصل المحكوم الذي هو أصالة الطهارة في المثال، وفي محل الكلام لا يُفرّق بين أصالة الطهارة التي هي الأصل الحاكم في محل الكلام وبين أصالة الحلّية التي هي الأصل المحكوم، كلّها تدخل في المعارضة وتسقط. أمّا السيد الخوئي(قدّس سرّه)، فيقول لا يدخل الأصل الطولي طرفاً في المعارضة.
واستدل على ذلك: بأنّ الأصل الجاري في الطرفين لمّا كان من سنخٍ واحدٍ ـــــــــــ هو يُركّز على مسألة أنّهما من سنخٍ واحدٍ ــــــــــ حينئذٍ لا مناص من القول بعدم شمول دليله لكلا الطرفين، هذا السنخ الواحد، أصالة الطهارة لابدّ أن نقول أنّه لا يجري في كلا الطرفين؛ لأنّه يستلزم المخالفة القطعية ولا يجري في أحدهما؛ لأنّه ترجيح بلا مرجّح، فإذن: أصالة الطهارة لا تجري في كلا الطرفين ولا في أحدهما؛ لأنّه ترجيح بلا مرجّح. وأمّا الأصل الطولي الذي هو أصالة الحلّية في الماء في هذا المثال، أو قاعدة الطهارة في المثال السابق، فلا مانع من شمول دليله للطرف المختص به؛ إذ لا يلزم من هذا الشمول الترجيح من غير مرجّح بعد عدم شمول دليله للطرف الآخر كما هو المفروض، المفروض أنّ دليل أصالة الحل لا يشمل الطرف الآخر الذي هو الثوب بحسب الفرض، وإنّما يختص بالماء، فعندما نجري أصالة الحل في الماء لا يلزم من هذا الجريان الترجيح بلا مرجّح، بينما عندما نريد أن نجري أصالة الطهارة في الماء فقط يلزم من ذلك الترجيح بلا مرجّح؛ لأنّ دليل أصالة الطهارة كما يشمل هذا الطرف يشمل الطرف الآخر، فاختصاص الماء بالدليل ترجيح بلا مرجح، فإذن: لا تجري أصالة الطهارة لا في كلا الطرفين ولا في أحد الطرفين، بينما أصالة الحل يمكن أن تجري في الماء؛ لأنّ جريانها فيه لا يلزم منه الترجيح بلا مرجّح، فإذن: لا مانع من جريان هذا الأصل في ذلك.
القسم الثاني: ما إذا كان الأصلان العرضيان من سنخٍ واحدٍ أيضاً كما في الأوّل، لكن لا يختص أحد الطرفين بأصلٍ طولي، لا يوجد أصل طولي، فقط هناك أصلان عرضيان من سنخٍ واحدٍ. يقول: أنّ هذه الصورة تشمل ما إذا لم يكن هناك اصل طولي أصلاً، فقط أصلان عرضيان، أو كان هناك أصلان عرضيان وأصلان طوليان في الطرفين، كلٌ من الطرفين فيه أصل عرضي وأصل طولي. يقول: هنا لا إشكال في عدم جريان الأصل في شيءٍ من الطرفين للمحذور المتقدّم مراراً من أنّ جريان الأصل في كلا الطرفين يلزم منه الترخيص في المخالفة القطعية وجريانه في أحدهما ترجيح بلا مرجّح، ونفس الكلام الذي نقوله عن الأصلين العرضيين نقوله عن الأصلين الطوليين لو فُرض وجودهما في كلا الطرفين، في الأصلين الطوليين أيضاً نقول لو فرضنا أنّ لدينا ماءين وعلمنا بنجاسة أحدهما، يوجد لدينا أصلان عرضيان وهما أصالة الطهارة وأصالة الطهارة وفي طولهما يوجد أصلان أيضاً وهما أصالة الإباحة وأصالة الحلّية في هذا، وأصالة الحلّية في هذا، نفس المانع الذي يمنع من جريان الأصلين الحاكمين الأوّلين في الطرفين وفي أحد الطرفين، وهو مسألة الترجيح بلا مرجّح والترخيص في المخالفة القطعية نفسه يجري في الأصلين الطوليين؛ إذ لا يمكنه الالتزام بحلّية كلا الطرفين مع العلم بنجاسة أحدهما، كما أنّ اختصاص أحدهما بدليل الحلّية ترجيح بلا مرجّح، فإذن: لا يمكن أن يجري الأصل في شيءٍ من الطرفين.
القسم الثالث: ما إذا كان الأصلان العرضيان في الطرفين غير متسانخين كما إذا فرضنا أننا علمنا إجمالاً بنجاسة أحد الماءين، أو غصبية الآخر، ماءان نعلم أنّ أحدهما نجس، أو أنّ الآخر غصب، إمّا أن يكون أحدهما نجساً، فالآخر ليس غصباً، أو يكون أحدهما غصباً، فالآخر ليس نجساً. الأصل الذي يجري في محتمل النجاسة هو أصالة الطهارة، بينما الأصل الذي يجري في محتمل الغصبية هو أصالة الحل، وأصالة الطهارة تختلف سنخاً عن أصالة الحل، هذان هما الأصلان العرضيان الجاريان في الطرفين. هنا يقول لا فرق في ما نقوله بين ما إذا اختص أحد الطرفين بأصلٍ طولي ــــــــــ التفصيل الذي ذكره في ما إذا كانا من سنخٍ واحد لا يجري هنا ــــــــــ كما في هذا المثال، محتمل النجاسة تجري فيه أصالة الطهارة، لكن هناك أصل آخر في طوله وهو أصالة الحلّية، أمّا محتمل الغصبية فتجري فيه أصالة الحلّية وليس هناك أصل في طوله، أو نفترض عدم اختصاص أحدهما بأصلٍ طولي، المهم عدم تسانخ الأصلين العرضيين. هناك ذكر بأنّه يتنجّز الواقع على كل تقدير ولا يمكن الرجوع إلى الأصل الطولي، لو وجد؛ بل يتنجّز الواقع ويجب الاحتياط ولا تجوز المخالفة الاحتمالية، واستدل على هذا، وينبغي التأمّل في هذا؛ لأنّه هو سوف يكون الفرق بين هذا القسم والقسم الأوّل، ما هو الفرق بين القسم الأوّل والقسم الثالث ؟ في القسم الأوّل ذكر بأنّه يمكن الرجوع إلى الأصل الطولي، بينما هنا يقول لا يجوز الرجوع إلى الأصل الطولي، لو وجد، وإنّما يتنجّز الواقع على كل حال، الفرق بينهما ينبغي أن يُبحث في مسألة السنخية وعدمها؛ لأنّ هذا هو الفارق بينهما، هناك فرض أنّ الأصلين العرضيين من سنخٍ واحدٍ، بينما هنا من سنخين مختلفين.
استدلّ على ذلك بأنّ الأصلين في الطرفين غير متسانخين، وهذا هو المفروض في المقام، إلاّ أنّه بعد العلم بالحرام الموجود في البين يكون الترخيص الظاهري في كلٍ من الطرفين مستلزماً للمخالفة القطعية، وفي أحدهما ترجيحاً بلا مرجّح، بلا فرق في ذلك بين كون الدليل المرخّص فيه من الأصول الحاكمة، أو المحكومة، كلّها تدخل في المعارضة، والذي هو رأي المحقق النائيني(قدّس سرّه) المتقدّم نقله عنه في الصورة الثالثة. يقول: بعد أن علم المكلّف إجمالاً بوجود الحرام في أحد هذين، هذا العلم الإجمالي بوجود الحرام في أحد هذين كما يمنع من إجراء أصالة الحل في محتمل الغصبية منضمّاً إلى أصالة الطهارة ـــــــــــ الأصل الحاكم ـــــــــــ في محتمل النجاسة، لماذا يمنع منه العلم الإجمالي بوجود الحرام ؟ لأنّ جريانهما معاً يؤدّي إلى المخالفة القطعية، واختصاص أحدهما بالدليل ترجيح بلا مرجّح. يقول: نفس هذا الكلام نستطيع أن ننقله إلى الأصل المحكوم، هذا المانع الذي يمنع من إجراء الأصل في كلا الطرفين وفي أحد الطرفين، هذا المانع بنفسه موجود بلحاظ الأصل المحكوم الذي هو في مثالنا أصالة الحلّية المحكومة لأصالة الطهارة بالنسبة إلى الماء، وبين أصالة الحلّية في الطرف الآخر، كما أنّنا طبّقنا هذا الكلام على أصالة الطهارة في مقابل أصالة الحلّية في محتمل الغصبية، نفس هذا الكلام نطبّقه على أصالة الحلّية في محتمل النجاسة مع أصالة الحلّية في محتمل الغصبية، بأن نقول: أنّ جريان أصالة الحلّية في محتمل النجاسة و أصالة الحلّية في محتمل الغصبية يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعية، وجريانه في أحدهما ترجيح بلا مرجّح، فإذن: نفس المانع الذي منعنا من أن نلتزم بجريان الأصلين العرضيين في الطرفين ومنعنا من أن نلتزم بجريان أحد الأصلين في أحد الطرفين، نفسه موجود بالنسبة إلى الأصل المحكوم؛ لأنّ جريان أصالة الإباحة في كلٍ من الطرفين يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعية، واختصاص أصالة الإباحة بأحدهما يؤدّي إلى الترجيح بلا مرجّح وهذا محال، فإذن: بالنتيجة لابدّ أن نلتزم بتساقط كل الأصول.
لأوّل وهلةٍ قد يقال: ما هو الفرق بين القسم الأوّل وبين القسم الثالث ؟ فهناك يمكن أن نطبّق نفس هذا الكلام، فهناك كان لدينا اصلان عرضيان من سنخٍ واحد، وهناك أصل طولي في أحد الطرفين، أصالة الطهارة وفي طوله أصالة الإباحة، غاية الأمر أنّ الأصلان العرضيان من سنخٍ واحد، هناك قال: ليس هناك مانع، نرجع إلى الأصل الطولي، تتعارض أصالة الطهارة في الطرفين، فتتساقط، فنرجع إلى أصالة الإباحة في الماء الذي هو أصل طولي، نفس هذا الكلام نستطيع أن نقوله هنا، أصالة الإباحة في الماء إذا قسناها بأصالة الطهارة في الثوب لا يمكن إجراءهما معاً، هل يمكن أن نلتزم بأن الماء يُباح شربه وفي نفس الوقت نلتزم بطهارة الثوب ؟ لا يمكن؛ لأننا نعلم بأنّ النجاسة في أحدهما، والنجاسة تولّد حرمة الشرب، لو كانت النجاسة في الماء، معناه يحرم شربه، إذن: أنا أعلم بأنّه إمّا الماء يحرم شربه، أو الطرف الآخر نجس وليس طاهراً، فالتزم بطهارة الطرف الآخر وإباحة شرب الماء، فكأنّه التزمت بطهارة كلٍ منهما، يعني أجريت الأصلين في الطرفين، وهذا يؤدي إلى الترخيص في المخالفة القطعية، كما أنّ اختصاص أحد الأصلين بأحد الطرفين ترجيح بلا مرجّح، ما هو الفرق بينهما ؟ نفس هذا الكلام الذي قاله في القسم الثالث لأوّل وهلة يبدو أنّه يمكن أن يقال في القسم الأوّل، فهل هناك نكتة ؟ والنكتة ينبغي التماسها كما قلنا في مسألة المسانخة وعدمها؛ لأنّ هذا هو الفرق بين القسم الثالث والقسم الأوّل، هل هناك نكتة تقتضي التفريق بينهما، أو لا ؟




[1]دراسات في علم الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد الشاهرودي، ج 3، ص 363.
[2] مصباح الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد الواعظ الحسيني، ج 2، ص 356.