الموضوع: الأصول العمليّة/ منجّزية العلم الإجمالي
من جملة
الثمرات التي ذُكرت التي تترتب على المسلكين السابقين،
مسلك أنّ المانع هل هو ثبوتي، أو إثباتي. وبعبارة أخرى: أنّ الاقتضاء هل هو على
نحو العلّية التامّة، أو أنّه ليس على نحو العلّية التامّة، وإنّما هو مجرد اقتضاء
؟ من جملة الثمرات تظهر هذه الثمرة فيما إذا فرضنا أنّ كل واحدٍ من طرفي العلم
الإجمالي كان مورداً لأصلٍ ترخيصي ليس من سنخ الأصل الذي يجري في الطرف الآخر،
أصلان مختلفان، استصحاب وبراءة، هنا تظهر الثمرة، فأنّه بناءً على أنّ المانع
ثبوتي والمحذور عقلي؛ حينئذٍ لابدّ من الالتزام بتساقط الأصلين وعدم جريانهما في
الطرفين؛ لأنّ المحذور العقلي والمانع الثبوتي يعني استحالة شمول الترخيص للطرفين
ولا يُفرّق حينئذٍ بين أن يكون الترخيص الثابت بأصلين متجانسين، أو بأصلين غير
متجانسين، أصلاً الترخيص في كل طرفٍ من أطراف العلم الإجمالي محال، كما هو الحال
في حرمة المخالفة القطعية، كما أنّ الترخيص في الطرفين معاً محال، كذلك الترخيص في
أحد الطرفين أيضاً محال؛ فحينئذٍ يسقط الأصلان ولا يجريان في الطرفين، باعتبار أنّ
المانع ثبوتي والمحذور عقلي، وبلحاظ هذا المحذور العقلي لا يُفرّق بين أن يكون
الترخيص ثابتاً بأصلين من سنخٍ واحد، أو بأصلين مختلفين. ونفس النتيجة نصل إليها
إذا قلنا أنّ المانع إثباتي، لكنّه من سنخ ما تقدّم سابقاً من أنّ دليل الترخيص لا
يُستفاد منه الحلّية والترخيص من جميع الجهات، وإنّما غاية ما يُستفاد هو الترخيص
الحيثي، فهو لا ينفع في التأمين من هذا الطرف إلاّ من حيث كونه مشكوك الحرمة، أمّا
من حيث كونه طرفاً لعلم إجمالي لا تنفع أدلة الترخيص لإثبات الترخيص من هذه الجهة
ومن تلك الحيثية، لو قلنا بأنّ هذا هو المانع؛ حينئذٍ ننتهي إلى نفس النتيجة، وهي
عدم شمول أدلّة الترخيص لأطراف العلم الإجمالي، فتتساقط الأصول ولا تجري.
إذن: لا
تجري الأصول في أطراف العلم الإجمالي، سواء قلنا بالعلّية التامّة وقلنا أنّ
المانع ثبوتي والمحذور عقلي، أو قلنا بأنّ المانع ليس عقلياً؛ بل إثباتياً، لكنّه
من قبيل ما قلناه من أنّ هناك قصوراً في أدلّة الترخيص تمنع من شموله لأطراف العلم
الإجمالي، فتكون النتيجة واحدة، والثمرة إنّما تظهر فيما إذا قلنا أنّ المانع
إثباتي على اساس ارتكاز المناقضة بين الترخيص في الأطراف وبين التكليف الواقعي
المعلوم بالإجمال، المانع إثباتي لا ثبوتي، فلا استحالة، لكن هناك ارتكاز مناقضةٍ
بين الترخيص في الأطراف وبين التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال، هناك مناقضة
بينهما مرتكزة في أذهان العقلاء، ارتكاز عقلائي، بناءً على هذا تظهر الثمرة، هنا
قد يقال بأنّه لا موجب للتساقط ولعدم إجراء الأصول في الأطراف؛ بل يمكن أن يجري
الأصل في هذا الطرف ويجري في ذاك الطرف، باعتبار أنّ هذا الارتكاز ــــــــــــ
ارتكاز المناقضة ــــــــــــ بين الترخيص في أطراف العلم الإجمالي وبين التكليف
الواقعي المعلوم بالإجمال، إنّما يمنع من شمول دليل الأصل الواحد لكلا الطرفين؛
لأنّ شمول دليل الأصل الواحد لكلا الطرفين على خلاف هذا الارتكاز، فيكون الارتكاز
مانعاً من جريان دليل الأصل في كلا الطرفين؛ لأنّ جريانه كما قلنا على خلاف
الارتكاز، فكأنّ الارتكاز يوجب خلق تعارض داخلي في دليل الأصل الواحد، دليل الأصل
الواحد الذي لا مانع ثبوتاً من أن يشمل هذا الطرف ويشمل هذا الطرف لا يمكن أن
يشملهما معاً؛ لأنّ شموله لهماً معا على خلاف الارتكاز، فيحصل تعارض داخلي في دليل
ذلك الأصل يمنع عن شموله لهذا الطرف وشموله لذلك الطرف.
وبعبارة
أكثر وضوحاً: يكون هذا الارتكاز موجباً لحصول حالة
الإجمال في هذا الدليل، فيكون مجملاً؛ إذ لا يُعلم أنّه هل يشمل هذا الطرف، أو هذا
الطرف ؟ فيكون مجملاً، فيكون الارتكاز مانعاً من شموله للطرفين، لهذا الطرف بخصوصه
ولهذا الطرف بخصوصه. هذا معقول. وأمّا في محل كلامنا نحن لم نفترض أنّ الأصل واحد
في الطرفين، وإنّما افترضنا أصلين مختلفين غير متسانخين، أحدهما يجري في هذا
الطرف، والآخر يجري في الطرف الآخر، جريان هذا الأصل ــــــــــــ ولنفترض أنّه
البراءة ــــــــــــ في هذا الطرف لا يُبتلى بالمعارضة الداخلية وليس على خلاف
الارتكاز، الأصل الجاري في الطرف الآخر ــــــــــــ وهو استصحاب عدم التكليف
مثلاً ــــــــــــ أيضاً ليس على خلاف الارتكاز، الارتكاز هو عبارة عن منافاة
ومناقضة الترخيص في الطرفين للترخيص في هذا الطرف، وأنّ يكون الدليل نفسه يشمل
الطرف الآخر مع التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال، هذا على خلاف الارتكاز، أن يكون
هناك أصل واحد يشمل هذا الطرف ويشمل هذا الطرف، هذا على خلاف الارتكاز، وهذا هو
الذي قلنا بأنّه يوجب أن يُبتلى هذا الدليل بالتعارض الداخلي والإجمال، فلا يجري
في الطرفين، أمّا إذا فرضنا أنّ الأصل الجاري في هذا الطرف غير الأصل الجاري في
الطرف الآخر، الأصل الجاري في هذا الطرف هو البراءة، هذه البراءة مختصّة بهذا
الطرف ولا تجري في الطرف الآخر، فهل جريانها في هذا الطرف على خلاف الارتكاز ؟ ليس
على خلاف الارتكاز، وهذا معناه أنّه ليس هناك تعارض داخلي وليس هناك إجمال؛ بل
يبقى ظهور هذا الأصل في شموله لهذا الطرف يبقى على حاله، ظهور منعقد، وإذا انعقد
هذا الظهور يكون حجّة ولابدّ من العمل به، وهكذا الحال في الأصل الآخر، شمول الأصل
الآخر ـــــــــــــ استصحاب عدم التكليف ــــــــــــ لذاك الطرف بخصوصه ليس على
خلاف الارتكاز ولا يُبتلى بالإجمال، الإجمال يكون في الدليل الواحد عندما يُراد
شموله لهذا الطرف بخصوصه ولهذا الطرف بخصوصه، فيقال أنّ هذا الدليل الواحد يُبتلى
بالإجمال، بالتعارض الداخلي؛ لأنّه على خلاف ارتكاز، الارتكاز هو الذي يوجب إجماله
ويوجب حصول التعارض الداخلي في نفس الدليل، أمّا عندما يكون هناك دليلان أصلان
مختلفان غير متسانخين لا داعي لهذا الكلام، هذا الأصل يجري في هذا الطرف فقط، هذا
لا محذور فيه وليس على خلاف الارتكاز، لا محذور ثبوتي كما هو المفروض؛ لأننا
نتكلّم بناءً على الاقتضاء، ولا محذور إثباتي؛ لأنّ المحذور الإثباتي من جهة
الارتكاز، وهذا ليس على خلاف الارتكاز؛ لأننا لا نريد أن نجريه في الطرف الآخر
حتّى يقال أنّ إجراءه في هذا الطرف وإجراءه في الطرف الآخر على خلاف الارتكاز،
فيقع التعارض الداخلي في نفس هذا الدليل ويكون مجملاً؛ وحينئذٍ لا ينعقد له ظهور،
نحن لا نريد ذلك، وإنّما نريد إجراءه في هذا الطرف، وهذا ليس على خلاف الارتكاز،
فينعقد الظهور ويكون الظهور حجّة، ونفس الكلام يقال في الطرف الآخر الذي هو غير
مسانخ للأصل الأوّل، وبناءً على هذا حينئذٍ تظهر الثمرة، بناءً على أنّ المحذور
ثبوتي لا يجري الأصلان في الطرفين، وإن كانا غير متسانخين؛ لأنّ المحذور الثبوتي
كما قلنا لا يُفرّق بين التسانخ في الأصلين، أو عدم التسانخ، المحذور عنده هو
يستحيل الترخيص في أيّ طرف من أطراف العلم الإجمالي، يستحيل جريان الأصل في هذا
الطرف ويستحيل جريانه في هذا الطرف، هذا محال.
أمّا إذا
فرضنا، قلنا أنّ المانع إثباتي على أساس
ارتكاز المناقضة، وإلاّ إذا قلنا أنّ المانع إثباتي على أساسِ آخر لا تظهر الثمرة,
لكن على أساس الارتكاز العقلائي، على أساس ارتكاز المناقضة التي ذكرناه؛ حينئذٍ لا
مانع من جريان الأصل في هذا الطرف والأصل في ذاك الطرف، غاية الأمر أننا لا نستطيع
أن نجريهما معاً؛ لأنّ هذا يستلزم المخالفة القطعية، لكن نجري واحداً منهما، ولا
مانع من جريان الأصل في هذا الطرف، فهل يمكن الالتزام بذلك، أو لا ؟ نقول: بناءً
على هذا لا مانع من الالتزام به، لا داعي للالتزام بأنّ هذان الأصلان لا يجريان كلٌ
في طرفه؛ بل يمكن الالتزام بجريان هذا الأصل في طرفه وذاك الأصل في طرفه.
ومن هنا
بناءً على هذه الثمرة وتماميتها تستحكم
شبهة التخيير، لكن بناءً على الاقتضاء وأنّ المانع إثباتي على أساس المناقضة بين
الترخيص في أطراف العلم الإجمالي وبين التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال؛ حينئذٍ
تستحكم شبهة التخيير؛ بل يكون هذا تقريباً آخراً لشبهة التخيير، لكنّه مختص بحالة
ما إذا كان الأصلان غير متسانخين؛ حينئذٍ يقول بناءً على الاقتضاء وأنّ المانع
إثباتي على أساس المناقضة، لا مانع من إجراء الأصل. وبعبارة أخرى: لا تجب الموافقة
القطعية؛ بل تجوز المخالفة الاحتمالية، فيكون تقريباً آخراً لشبهة التخيير، لكنّها
مختصّة بما إذا كان الأصلان غير متسانخين، إذا كانا متسانخين، دليل الأصل الواحد
يبتلى بالمعارض الداخلية والإجمال، فلا يجري في أيّ طرفٍ، لكن عندما يكونا غير
متسانخين وبناءً على هذا المبنى؛ حينئذٍ تستحكم شبهة التخيير.
وحينئذٍ،
من يلتزم بالاقتضاء ويلتزم بأنّ المانع إثباتي على أساس المناقضة كالسيد
الشهيد(قدّس سرّه) لابدّ أن يردّ هذه الشبهة؛ لأنّ هذا يؤدي إلى تجويز المخالفة
الاحتمالية وهو لا يلتزم بذلك؛ بل يرى وجوب الموافقة القطعية في موارد العلم
الإجمالي والشبهة المحصورة.
أجاب(قدّس
سرّه) عن شبهة التخيير بهذا التقريب: [1]
بأنّ هذا الارتكاز الذي هو المانع الإثباتي الذي يمنع من إجراء الأصل في أطراف
العلم الإجمالي، ارتكاز المناقضة الذي تقدّم ذكره يوّلد ارتكازاً آخراً مفاده أنّ
الترخيص في أحد الطرفين يستلزم الإلزام في الطرف الآخر بحيث يكون دليل الترخيص في
أحد الطرفين الذي يدل على الترخيص بالدلالة المطابقية تتشكل له دلالة التزامية على
ثبوت الإلزام في الطرف الآخر. استلزام الترخيص في أحد الطرفين للإلزام بالطرف
الآخر هو ارتكاز توّلد من الارتكاز الأوّل؛ لأنّ الارتكاز الأوّل يقول هناك مناقضة
بين الترخيص في أطراف العلم الإجمالي وبين التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال، هذان
أمران متناقضان لا يُعقل ـــــــــــ ارتكازاً لا عقلاً وثبوتاً ـــــــــــ الجمع
بينهما، ارتكاز المناقضة هذا يوّلد ارتكاز أنّ الترخيص في أحد الطرفين يستلزم
الإلزام في الطرف الآخر، وإلاّ تتحقق المناقضة التي لا يقبلها العقل، فكل ترخيص
يجري في أحد الطرفين يستلزم الإلزام بالطرف الآخر. يقول: هذا أيضاً أمر ارتكازي،
فإذا كان هذا أمراً ارتكازياً؛ حينئذٍ تتشكل لدليل الترخيص الجاري في هذا الطرف
بهذا الأصل دلالة التزامية على الإلزام بالطرف الآخر، وهكذا دليل الأصل الجاري في
الطرف الآخر والدال على الترخيص فيه بالمطابقة تتشكل له دلالة التزامية عرفية على
الإلزام بهذا الطرف، ومن هنا يقع التعارض بين الدلالة المطابقية لكلٍ من الدليلين
غير المتسانخين بحسب الفرض وبين الدلالة الالتزامية الثابتة في الطرف الآخر، الدلالة
المطابقية تتنافى مع الدلالة الالتزامية، دليل الترخيص عندما يجري في هذا الطرف
يثبت الترخيص بالمطابقة في هذا الطرف وليس له علاقة بالطرف الآخر من حيث المدلول
المطابقي؛ لأنّه لا يريد أن يثبت الترخيص في الطرف الآخر؛ لأننّا قلنا أنّهما
أصلان مختلفان غير متسانخين، لكن هو يدل بالدلالة الالتزامية على الإلزام بالطرف
الآخر، يعني على عدم الترخيص، فهو بالدلالة الالتزامية يكون منافياً لدليل الأصل
الآخر الدال بالمطابقة على الترخيص في ذاك الطرف، وهكذا الحال في هذا الدليل، هو بالدلالة
الالتزامية ينفي الترخيص في هذا الطرف، فيكون منافياً ومعارضاً لدليل الترخيص في
هذا الطرف، فيقع التعارض بينهما، وإذا وقع التعارض بينهما؛ حينئذٍ لابدّ من
الالتزام بالتساقط، وبذلك ننتهي إلى نفس النتيجة وهي أنّه لا ثمرة على كل تقدير،
سواء قلنا أنّ المانع ثبوتي، أو قلنا بأنّ المانع إثباتي على الأساس المتقدّم، أو
قلنا بأنّ المانع إثباتي على أساس المناقضة، على كل التقادير لابدّ من الالتزام
بعدم جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي؛ لأنّه أُبرز من خلال هذا الجواب
مناقضة ومعارضة بين البراءة الجارية في هذا الطرف وبين الاستصحاب الجاري في ذاك
الطرف لا بلحاظ الدلالة المطابقية، وإنّما بلحاظ الدلالة المطابقية لكل واحدٍ
منهما مع الدلالة الالتزامية للدليل الآخر، فإذن لا يمكن إجرائهما معاً، فلابدّ من
الالزام بتساقطهما. هذا الجواب الذي تخلّص به عن الشبهة وذكر بأنّ الثمرة هنا لا
تترتب ولا تنتهي إلى نتيجة التخيير والترخيص في المخالفة الاحتمالية حتّى إذا
التزمنا بهذا المبنى.
قد يجاب عن
أصل الثمرة بجوابٍ آخر غير الجواب الذي ذكره السيد
الشهيد(قدّس سرّه)، وذلك بأن يقال: إذا لاحظنا الأصلين، هذا الأصل البراءة، وذاك
الأصل استصحاب عدم التكليف، لنفترض أنّه يصح فيه هذا الكلام السابق، الشبهة تأتي
وهي أنّه أيّ مانع من أن يجري هذا الأصل في طرفه ؟ لأنّ جريانه في طرفه ليس على
خلاف الارتكاز. نعم، الأصلان بمجموعهما على خلاف الارتكاز، لكنّ هذا الأصل الذي
يُراد إجراءه في طرفه فقط، إجراءه ليس على خلاف الارتكاز، كما أنّ ذاك الأصل في
طرفه أيضاً ليس إجراءه فيه على خلاف الارتكاز، هذا صحيح، لكن من الممكن أن ننقل
الكلام إلى ما هو فوق الأصلين، إلى دليل حجّية إطلاق الأصل وظهوره في الشمول لهذا
الطرف، أي إلى الدليل الدال على حجّية الاستصحاب وحجّية البراءة. وبعبارة أخرى:
حجّية الظهور، يعني إلى دليل حجّية الظهور وحجّية الإطلاق، إذا نقلنا الكلام إلى
حجّية الظهور والإطلاق، دليل حجّية الظهور والإطلاق دليل واحد، ليس لدينا دليلان،
وإنّما دليل واحد، عبارة عن الارتكاز العقلائي وأمثاله، دليل واحد يدل على حجّية
ظهور هذا الأصل وإطلاقه ويدلّ على حجّية ظهور هذا الأصل وإطلاقه، هذا الدليل
الواحد ــــــــــــــ دليل الحجّية ـــــــــــــ نحن ندّعي أنّ هذا الدليل
يُبتلى بالمعارضة والإجمال؛ لأنّ جريان هذا الدليل الواحد وإثباته لحجّية هذا
الأصل في طرفه، وإثباته لحجّية ذاك الأصل في طرفه على خلاف الارتكاز، الذي ليس على
خلاف الارتكاز هو أن نجري الأصل في هذا الطرف المختص به، وذاك أصل آخر يجري في
طرفه المختص به، هذان دليلان منفصلان، جريان كل أصل في طرفه ليس على خلاف الارتكاز،
مجموعهما على خلاف الارتكاز، لكن هذا لا يمنع من أن نقول أنّ جريان الأصل في طرفه
ليس على خلاف الارتكاز، فلا مانع إثباتي منه، هذا إذا لاحظنا الأصلين كدليلين
منفصلين لا علاقة بينهما، لكن إذا صعدنا إلى دليل حجّيتهما، فسنجد أنّه واحد مشترك
بينهما، هو دليل حجّية إطلاق هذا وظهوره ودليل على حجّية إطلاق هذا وظهوره. هذا
الدليل الواحد يُدّعى في المقام بأنّه يُبتلى بالمعارضة ويبتلى بالإجمال؛ لأنّ
شمول هذا الدليل لهذا الأصل وهذا الأصل على خلاف الارتكاز، أن يشمل الأصل الجاري
في هذا الطرف، ويقول إطلاقه حجّة وظهوره حجّة، ويشمل الأصل الجاري في الطرف الآخر
ويقول أنّ إطلاقه حجّة وظهوره حجّة، هذا على خلاف الارتكاز؛ لأنّه يوجب المناقضة
بينه وبين التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال، فإذا كان على خلاف الارتكاز، فسوف
يوجب التعارض الداخلي في دليل الحجّية الواحد، ويبتلى دليل الحجّية الواحد هذا
بالتعارض الداخلي، فلا يشمل كلا الطرفين، وبذلك لا تأتي شبهة التخيير ولا نرخّص
للمكلّف في المخالفة الاحتمالية. هذا الجواب الثاني.
هذا الجواب
يبتني على فكرة أنّ شمول دليل الحجّية لظهورين لا
يكون كل واحدٍ منهما على خلاف الارتكاز ولا يكون كل واحدٍ منهما مبتلياً بالتعارض
الداخلي والإجمال بالنتيجة؛ لأنّه ليس على خلاف الارتكاز، هذا الجواب مبتنٍ على
أنّ دليل الحجّية لا يشمل ظهورين من هذا القبيل، ظهوران ليس كل واحدٍ منهما على
خلاف الارتكاز، وإن كانا بمجموعهما على خلاف الارتكاز. إذا قلنا أنّ دليل الحجّية لا
يشمل ظهورين من هذا القبيل، هذا الكلام يكون تامّاً؛ لأنّ دليل الحجّية يُبتلى
بالإجمال والتعارض الداخلي وبالتالي لا يثبت الحجّية لكلا الأصلين، فإذن، يفقد كل
أصلٍ الدليل على حجيته، وبهذا نصل إلى نفس النتيجة، وأمّا إذا قلنا: أيّ ضيرٍ في أن
يشمل دليل الحجّية ظهورين من هذا القبيل ؟ لأنّ هذا ظهور هو في حدّ نفسه ليس على
خلاف الارتكاز ولا مشكلة فيه، ظهور هذا الأصل في الشمول لهذا الطرف، إطلاقه لهذا
الطرف ليس فيه مشكلة وليس على خلاف الارتكاز، فأيّ ضيرٍ في أن يشمله دليل الحجّية
؟ وإن كان هذا الظهور بضمّه إلى الظهور الآخر هو على خلاف الارتكاز، لكن دليل
الحجّية يشمل هذا الظهور في حدّ نفسه ويدل على حجّيته، إذا منعنا من شمول دليل
الحجّية لظهورين من هذا القبيل، هذا الجواب يكون جواباً آخراً عن الشبهة الأساسية،
وإلاّ إذا قلنا لا مانع من ذلك، دليل الحجّية يشمل هذا الظهور في حدّ نفسه؛ لأنّه
لا مانع من الشمول، وإن كان بضمّه إلى شيءٍ آخر يكون هذا الضم والمجموع على خلاف
الارتكاز، لكن هو في حدّ نفسه يشمله دليل الحجّية، وذاك أيضاً يشمله دليل الحجّية،
هذا لا يمنع من شمول دليل الحجّية لكل واحد منهما بخصوصه، فلا يتم حينئذٍ هذا
الجواب ويتعيّن الجواب الأوّل المتقدّم.