الموضوع: الأصول العمليّة/ منجّزية العلم الإجمالي
الجواب
الخامس عن شبهة
التخيير: وهذا الجواب للسيد الخوئي(قدّس سرّه) ذُكر في تقريراته، وحاصله:
أنّ دليل الأصل له إطلاق أفرادي، باعتباره يشمل كلا الطرفين، وله إطلاق أحوالي،
باعتباره يشمل كل الحالات الموجودة في الطرفين، فله إطلاق أفرادي وله إطلاق أحوالي،
الإطلاق الأحوالي هو المقصود به في المقام هو إطلاق الأصل عند شموله لهذا الفرد
لحالة فعل الآخر وتركه، كذلك عند شموله للفرد الآخر هو مطلق بلحاظ فعل الآخر، أو
تركه، فهناك إطلاقان أحوالي وأفرادي، ويقول بأنّ محذور الترخيص في المخالفة
القطعية كما يندفع برفع اليدّ عن الإطلاقين الأحواليين كما هو المدّعى في أصل
الشبهة كذلك يندفع برفع اليد عن الإطلاق الأفرادي والأحوالي لأحد الطرفين فقط،
أيضاً يندفع المحذور، نلتزم بأنّ دليل الأصل لا يشمل أحد الطرفين ويشمل الآخر،
الإطلاق الأفرادي لا يشمل أحد الطرفين وبالتبع الإطلاق الأحوالي أيضاً لا يكون فيه
ثابتاً؛ لأنّ الإطلاق الأحوالي هو فرع شمول الدليل للطرف حتّى يثبت فيه إطلاق
أحوالي. نحن نرفع اليد عن الإطلاق الأفرادي والأحوالي في أحد الطرفين وهذا أيضاً
يندفع به المحذور؛ لأنّ هذا لا يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعية؛ لأنّه لا
يُرخّص في ارتكاب كلا الطرفين، وإنّما يُرخّص في ارتكاب أحد الطرفين، والطرف الآخر
لا يشمله إطلاق دليل الأصل الأفرادي والأحوالي، وإنّما يشمل أحد الطرفين، فيندفع
به محذور المخالفة القطعية؛ وحينئذٍ يقول بأنّه لا مرجّح لأحد الأمرين على الآخر،
كل منهما يندفع به المحذور، فلا مرجّح لأحدهما على الآخر.
بإمكان
المحقق العراقي(قدّس سرّه) أن يقول: أنّ هذا ليس
حلاًّ للمشكلة، هذا ليس حلاً لشبهة التخيير؛ بل هو التزام بشبهة التخيير لكن عن
طريق الالتزام بعدم شمول دليل الأصل لأحد الطرفين واختصاصه بأحد الطرفين دون الآخر،
لكن النتيجة هي أنّه يترتّب عليه التخيير والترخيص في المخالفة الاحتمالية؛ لأنّ
دليل الأصل يشمل أحد الطرفين. بقطع النظر عن ذلك نحن في الجواب السابق حاولنا أن
نوجّه كلام السيد الخوئي(قدّس سرّه) المتقدّم، بأن قلنا بأنّه من الممكن أن يكون للسيد
الخوئي(قدّس سرّه) نظر أعمق من ذلك، يعني لا يريد أن يقول فقط هناك أن تقييد شمول
الأصل للطرفين بحالة كونه هو السابق، لا يريد إبرازه كبديل عن تقييد إطلاق الأصل
لكلٍ من الطرفين لحالة عدم ارتكاب الطرف الآخر، وإنّما يريد أن يقول هذا تقييد
وهذا تقييد فقط ولا مرجّح لأحدهما على الآخر كما قال هنا، وإنّما قلنا من المحتمل
أن يكون نظره أبعد وأعمق من ذلك، وهو أنّه يريد أن يقول بأنّ التقييد المقترح هناك
في اصل شبهة التخيير يمكن الالتزام به؛ لأنّ جريان الأصل في الطرفين وإطلاق الأصل
في الطرفين لحالة عدم ارتكاب الآخر ليس له معارض، بينما إطلاق دليل الأصل للطرفين
في حالة كونه السابق له معارض ــــــــــــــ على ما تقدّم بيانه في الدرس السابق
ــــــــــــــ لكن هنا ليس هناك مجال لأن يقال بذلك، واضح أنّ نظره هنا فقط إلى
إبراز احتمال آخر في قبال الاحتمال الذي ذُكر في أصل الشبهة، فيقول: كما يمكن رفع
اليد عن الإطلاقين الأحواليين في الدليلين، يمكن أن يقال أنّ دفع المحذور يتحقق
برفع اليد عن الإطلاق الأفرادي والأحوالي لأحد الدليلين مع وضوح أنّ كلاً منهما
يترتب عليه التخيير، فتكون شبهة التخيير ثابتة، وهي التي لا يلتزم بها السيد
الخوئي(قدّس سرّه)، فأنّه لا يلتزم بالتخيير؛ بل يلتزم بوجوب الموافقة القطعية
للعلم الإجمالي، لكن هو يرى بأنّ وجوب الموافقة القطعية إنّما هو من جهة تعارض
الأصول في الأطراف.
حينئذٍ
يكون دفع هذا الجواب منحصر بما تقدّم سابقاً من
أنّ رفع اليد عن الإطلاق ليس أمراً اعتباطياً، وإنّما نرفع اليد عن الإطلاق بمقدار
ما تقتضيه الضرورة، بمقدار ما يكون الإطلاق موجباً للمحذور، فأيّ إطلاق ليس فيه
محذور يجب العمل به ولا يجوز رفع اليد عنه، وإنّما تُرفع اليد عن الإطلاق الذي يترتب
عليه المحذور، الإطلاق الذي له معارض نرفع اليد عنه، وأمّا الإطلاق الذي ليس له
معارض أصلاً، فلا داعي لرفع اليد عنه أصلاً. والذي نلاحظه في المقام هو أنّ
الإطلاق الذي له معارض، أو أنّ التعارض إنّما يقع بين الإطلاقين الأحواليين، وإلاّ
الإطلاق الأفرادي في كل طرف ليس له معارض، وإنّما المعارضة قائمة بين الإطلاق
الأحوالي في هذا الطرف مع الإطلاق الأحوالي في الطرف الآخر، هذان متعارضان؛ إذ لا
يمكن للشارع أن يُرخّص في هذا الطرف مطلقاً، سواء فعلت الآخر، أو تركته، وكذا
يُرخّص في الآخر مطلقاً، يعني سواء فعلت الأوّل، أو تركته، هذان لا يمكن الجمع
بينهما؛ لأن ذلك يؤدي إلى الترخيص في المخالفة القطعية. أمّا أصل الإطلاق الأفرادي
في هذا الطرف، فليس له معارض.
بعبارةٍ
أخرى: يكفي في دفع المحذور وإمكان جريان
الأصول أن نرفع اليد عن إطلاق أحوالي واحد في أحد الطرفين، رفع اليد عن إطلاق
أحوالي واحد في أحد الطرفين يدفع المحذور، مع بقاء الإطلاق الأفرادي في هذا الطرف
وبقاء كلا الإطلاقين في الطرف الآخر، هذا يدفع المحذور؛ حينئذٍ لا يكون ذلك
ترخيصاً في المخالفة القطعية، إذا رفعنا اليد عن الإطلاق الأحوالي في كلا الطرفين
وقلنا أنّ الأصل يشمل هذا الطرف لكن ليس فيه إطلاق أحوالي، هذا يرفع المحذور،
فالمحذور ينشأ في الحقيقة من وجود إطلاقٍ أحوالي في هذا الطرف بعد فرض الإطلاق
الأفرادي ومن إطلاق أحوالي في الطرف الآخر؛ إذ لا يمكن الجمع بين الترخيصين
المطلقين في الطرفين؛ لأن ذلك يؤدي إلى الترخيص في المخالفة القطعية، فهذا هو مركز
التعارض، وهذا معناه أنّه لا داعي لرفع اليد عن الإطلاق الأفرادي في أحد الطرفين؛
لأنّ الإطلاق الأفرادي ليس له معارض، بدليل أنّه يمكن إجراء الإطلاق الأفرادي في
الطرفين، بأن نقول أنّ الترخيص هنا يثبت، أصل الترخيص وليس إطلاقه، يثبت وكذلك
يثبت الترخيص في الطرف الآخر، هذا أصلاً لا محذور فيه، وإنّما المحذور عندما يكون
الترخيص مطلقاً، إطلاق الترخيص هذا لا يجتمع مع إطلاق الترخيص في الطرف الآخر،
فلبّ المشكلة وأساس التعارض هو قائم بين الإطلاقين الأحواليين؛ حينئذٍ نرفع اليد
عن الإطلاق الأحوالي، هذا هو الموجب لما يقترحه المحقق العراقي(قدّس سرّه)، القضية
ليست رفع اليد كيفما شاء ومن دون أن تقتضي ذلك الضرورة، وإنّما تتحدّد بحدود الضرورة
وبمقدار ما يقتضيه التعارض، والتعارض ليس قائماً إلاّ بين الإطلاقين الأحواليين؛
فحينئذٍ نرفع اليد عن هذين الإطلاقين الأحواليين؛ لأنّ إجرائهما معاً غير ممكن؛
لأنّه يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية، وإجراء الإطلاق الأحوالي في أحد
الطرفين بالخصوص دون الطرف الآخر ترجيح بلا مرجّح، فيتساقط الإطلاقان الأحواليان
في الطرفين، وهذا هو ما يقوله المحقق العراقي(قدّس سرّه) ويتعيّن هذا حينئذٍ في
قبال الالتزام بسقوط الإطلاق الأفرادي والأحوالي في أحد الطرفين؛ لأنّ سقوط
الإطلاق الأفرادي في أحد الطرفين لا موجب له؛ لأنّ الإطلاق الأفرادي لا معارض له.
((تنبيه))لابدّ أن
نستعرض هذه الأجوبة؛ لأنّ الشبهة مهمّة جدّاً؛ لأنّ
هذه الشبهة تنتج شيئاً من الصعب جداً الالتزام به، بناءً على مسلك الاقتضاء تنتج
عدم وجوب الموافقة القطعية في العلوم الإجمالية؛ لأنّه ترد شبهة التخيير، الترخيص
المشروط في كلٍ من الطرفين، ومعنى ذلك أنّه لا تجب الموافقة القطعية وتجوز
المخالفة الاحتمالية وهذا ممّا لا يلتزمون به.
الجواب السادس: هو ما ذُكر في كلمات السيد الشهيد(قدّس
سرّه) وحاصله:
[1]أنّ
الترخيص في كلٍ من الطرفين بنحوٍ مشروط يمكن تصوّره على نحوين:
النحو
الأوّل: أن يكون التقييد في الموضوع وليس في
الحكم، وإنّما الترخيص في الحكم مطلقاً، لكن التقييد يلحق متعلّق الترخيص، يعني في
الموضوع، الموضوع يكون مقيّداً بعدم ارتكاب الطرف الآخر.
بعبارة
أخرى: أنّ المُرخّص فيه يكون حصّة خاصّة من
الشرب لا مطلق الشرب وهذه الحصّة هي الشرب المقترن بترك الطرف الآخر، شرب هذا إذا
كان مقترناً بترك الطرف الآخر يكون مرخّصاً فيه، فيكون التقييد بعدم ارتكاب الطرف
الآخر قيداً للموضوع لا للحكم، أمّا الحكم فيبقى على إطلاقه.
النحو
الثاني: أن يكون التقييد في الحكم وليس في
الموضوع، الحكم مقيّد، أمّا الموضوع فيبقى على إطلاقه، المرخّص فيه هو مطلق الشرب،
لكن الترخيص لا يثبت له إلاّ مقيّداً بعدم ارتكاب الطرف الآخر، وإلاّ المتعلّق
وموضوع الترخيص هو مطلق الشرب، طبيعي الشرب وليس حصّة خاصّة من الشرب، وإنّما
طبيعي الشرب هو الذي يتعلّق به الترخيص، لكن الترخيص الذي يتعلّق به ليس ترخيصاً
مطلقاً، وإنّما هو ترخيص مقيّد بعدم ارتكاب الطرف الثاني.
الجواب
يقول: أنّ كلاً منهما محال وغير معقول؛
وحينئذٍ يكون الترخيص المشروط في كلٍ من الطرفين محال، وبذلك تبطل شبهة التخيير.
أمّا النحو
الأوّل، فهو غير معقول، باعتبار أنّ الشرب
المقيّد بعدم ارتكاب الآخر، أو قل الحصّة الخاصّة من الشرب وهو الشرب المقترن بعدم
ارتكاب الآخر، هذه الحصّة الخاصّة نحن لا نحتمل حرمتها أصّلاً، حتّى يأتي دليل
ويؤمّننا من ناحيتها حتّى نتعقّل جريان الترخيص بلحاظها؛ لأننا لا نحتمل كونها
محرّمة؛ لأنّ ما نحتمل حرمته هو طبيعي الشرب لا الشرب المقترن بعدم ارتكاب الطرف
الآخر، أساس المبنى هو أنّ الشرب مطلقاً إمّا حرام، وإمّا حلال، فما نحتمل حرمته
هو عبارة عن الطبيعي، هو الشرب مطلقاً، أمّا الحصّة الخاصّة من الطبيعي، فلا نحتمل
حرمتها أصلاً، فلا معنى لأن يجري الترخيص بلحاظها ليؤمّن من ناحية شيء نحن لا
نحتمل حرمته أصّلاً. أو بعبارة أخرى: نقطع بعدم حرمته. شرب هذا الإناء المقيّد
بعدم ارتكاب الطرف الآخر لا نحتمل حرمته، فلا معنى لجريان الترخيص بلحاظه والتأمين
من ناحيته، فإذن: لا معنى لأن نفترض أن يكون الترخيص مطلقاً، لكنّ متعلّقه يكون
مقيّداً بعدم ارتكاب الطرف الآخر. هذا ما يرد على النحو الأوّل.
أمّا النحو
الثاني وهو أن يكون القيد قيداً في الحكم لا
في الموضوع، فيكون الموضوع مطلقاً. هذا النحو لا يرد عليه الإشكال الوارد على
النحو الأوّل؛ لأنّ المتعلّق هنا هو طبيعي الشرب وليس الشرب الخاص، وطبيعي الشرب
نحتمل حرمته، فلا يرد عليه الإشكال السابق، لكنّه يرد عليه أننا لا نتعقّل ان يكون
الحكم مقيّداً بعدم ارتكاب الطرف الآخر مع كون الموضوع والمتعلّق مطلقاً من هذه
الناحية، لا نتعقل ذلك؛ لأنّ معنى هذا الكلام في الحقيقة ـــــــــــــ أنّ
الموضوع مطلق والحكم مقيّد ـــــــــــــ أنّ الحكم المقيّد بعدم ارتكاب الطرف
الآخر سوف يسري إلى جميع حصص هذا المطلق حتّى الحصّة الفاقدة لذلك الشرط الذي
قُيّد به ذلك الحكم، بمعنى أنّ الحكم المقيّد بعدم ارتكاب الآخر سوف يسري إلى جميع
حصص الشرب؛ لأنّ الشرب المتعلّق مطلق بحسب الفرض حتّى الشرب غير المقترن بترك
الطرف الآخر، هذا الترخيص المقيّد سوف يسري إلى تمام حصص الطبيعة، تمام حصص المطلق
حتّى الحصّة غير الواجدة للقيد الذي قُيّد به الحكم، وهذا غير معقول، وكيف يُعقل
أن يثبت الحكم الترخيصي المقيّد بعدم ارتكاب الطرف الآخر، أن يثبت للشرب حتّى إذا لم
يقترن بعدم ارتكاب الطرف الآخر ؟ فإبقاء المتعلّق مطلقاً وتقييد الحكم لا معنى له؛
بل في مثل هذه الحالة لابدّ أن يسري القيد من الحكم إلى الموضوع وعلى هذا الأساس
قالوا أنّ قيود الحكم كلّها راجعة إلى الموضوع، فلابدّ من افتراض سراية القيد من
الحكم إلى الموضوع، فإذا سرى القيد إلى الموضوع؛ فحينئذٍ رجعنا إلى النحو الأوّل؛
لأنّ الموضوع صار مقيّداً؛ وحينئذٍ يرد عليه الإشكال السابق وهو أنّ الموضوع
المقيّد، الشرب المقيّد بعدم ارتكاب الطرف الآخر ممّا لا نحتمل حرمته، فلا معنى
لجريان الترخيص من ناحيته. إذن: كل من النحوين يكون غير معقولٍ، وعليه، بأي شكلٍ
يُتصوّر الترخيص المشروط في الطرفين هو غير معقول.
هذا الجواب
يمكن أيضاً دفعه: بأن نختار الاحتمال الثاني، بأن
يقال أنّ القيد قيد للحكم لا للموضوع، الترخيص مقيّد بعدم ارتكاب الطرف الآخر، أيّ
ضيرٍ في أن يقال أنّ الشارع يحكم حكماً مقيّداً بشيءٍ ؟ يجعل ترخيصاً مقيّداً بعدم
ارتكاب الطرف الآخر، فالقيد قيد للحكم مع كون المتعلّق هو مطلق الشرب، وبهذا تندفع
المحاذير، غير الإشكال الذي سيأتي دفعه، يعني بعبارة أخرى: حينئذٍ لا نستطيع أن
نقول أنّ هذا لا نحتمل حرمته، فكيف يُعقل جعل الترخيص والتأمين من ناحيته؛ لأننا
جعلنا الموضوع هو مطلق الشرب، ومطلق الشرب ممّا نحتمل حرمته، فيندفع هذا الإشكال،
كما أنّ إشكال الترخيص في المخالفة القطعية أيضاً يندفع؛ لأنّ الترخيص ليس مطلقاً،
إشكال الترخيص في المخالفة القطعية إنّما يلزم عندما يكون الترخيصان مطلقين، أمّا
إذا قلنا أنّ الترخيص الجاري في كلٍ من الطرفين هو ترخيص مقيّد بعدم ارتكاب الطرف
الآخر، فلا يلزم محذور المخالفة القطعية، فتندفع الإشكالات.
لكنّ المشكلة
في هذا هي أنّ قيد الحكم لابدّ أن يسري إلى
الموضوع، فكأنّه لابدّ من افتراض لحاظ الموضوع مقيّداً، فكأنّ المجيب يفترض أنّ
السراية تعني أن نلحظ متعلّق الترخيص مقيّداً ولا يمكن أن يكون مطلقاً. هذا ليس
صحيحاً؛ إذ لا ضير في أن نفترض أنّ الموضوع يبقى مطلقاً، الإطلاق هو عبارة عن عدم
لحاظ القيد، الإطلاق ليس تجميعاً للقيود ولحاظها، وإنّما هو رفض القيود وعدم
لحاظها، ولحاظ ذات الطبيعة مع عدم لحاظ أيّ شيءٍ معها، فليس بالضرورة عندما نقول
أنّ هناك قيداً في الحكم أن يكون هذا القيد ملحوظاً في متعلّقه، كلا، هذا ليس
لازماً، ليكن متعلّق الحكم مطلقاً والقيد راجع إلى الحكم، والسراية معناها أنّ هذا
الحكم يسري إلى تمام حصص الموضوع إذا لم يكن هناك مانع يمنع من سريانه إليه، لا
يعني بالضرورة أن نلحظ الموضوع مقيّداً ونعتبره مقيّداً حتّى يرد إشكال أننا لا
نحتمل حرمة هذا الموضوع المقيّد، فلا معنى لجريان الترخيص من ناحيته؛ بل هو يبقى
مطلقاً ولا يُلحظ مقيّداً والإطلاق معناه لحاظ ذات الطبيعة وعدم لحاظ أيّ شيءٍ
معها، السريان يثبت، يسري الحكم إلى تمام حصص هذا الموضوع المطلق، لكن حيث لا
يمنعه منه مانع ولا إشكال بأنّه عندما يكون الحكم ـــــــــــــ الترخيص
ــــــــــــ مقيّداً بعدم ارتكاب الطرف الآخر، هذا يكون مانعاً من سريان هذا
الحكم إلى بعض حصص هذا المطلق، هذا لا يعني كون موضوع الترخيص مقيّداً حتّى نقول
نحن لا نحتمل حرمة هذا الموضوع المقيّد، يعني حرمة هذا الموضوع الذي لوحظ فيه
القيد، والذي لوحظ مقيّداً، فكيف يُعقل جعل الترخيص فيه، لا يلزم منه ذلك، وإنّما
غاية ما فيه هو أن يكون الموضوع مطلقاً، بمعنى أنّه لوحظ في الموضوع ذات الطبيعة
ومقتضى كونه موضوعاً ومتعلّقاً للحكم، أنّ الحكم يسري إليه إلاّ إذا منع منه مانع،
ومن الواضح أنّ المانع موجود ويمنع من سريان هذا الحكم إلى الحصص التي لا تقترن بعدم
ارتكاب الطرف الآخر، هذا يمنع منه، لا يُعقل أن يثبت فيه هذا الترخيص المشروط بعدم
ارتكاب الطرف الآخر. لكن هذا لا يعني أنّ الموضوع مقيّد على نحوٍ يرِد عليه
الإشكال السابق، فيُلتزم بأنّ الترخيص مقيّد مع كون الموضوع باقٍ على إطلاقه،
والإطلاق يعني لحاظ ذات الطبيعة فقط وليس لحاظ شيءٍ مع الطبيعة. وعليه: لا محذور
من الالتزام بالنحو الثاني المذكور في أصل الجواب.
الجواب
السابع: وهو ما ذكره السيّد الشهيد(قدّس سرّه)
وجعله وجه التحقيق في المسألة، السيد(قدّس سرّه) أيضاً هو ممّن يهتم بالجواب عن
هذه الشبهة؛ لأنّه هو أيضاً يقول بالاقتضاء، ويقول بالاقتضاء حتّى في حرمة
المخالفة القطعية، فهو يحتاج إلى أن يدفع هذه الشبهة؛ لأنّه من القائلين
بالاقتضاء، جعله وجه التحقيق في المسألة بعد أن ردّ الوجوه السابقة ذكر هذا الوجه
وهو وجه طويل ذكر له مقدّمات.
[2]المقدّمة
الأوّلى: أنّ الأحكام بشكل عام، إلزامية، أو
ترخيصية، واقعية، أو ظاهرية لها مدلولان، مدلول إنشائي، ومدلول جدّي، أو تصديقي،
المدلول الإنشائي هو مثل إنشاء التحريم، أو إنشاء الترخيص، أو أيّ حكم كان، فهذا
مدلول إنشائي لها، التحريم، الوجوب، الترخيص، الاستحباب .....الخ. هناك مدلول
تصديقي لدليل التحريم والمدلول التصديقي هو عبارة عن الملاك والمبادئ؛ لأنّ كل
دليل يدل على حكم هو يدل على وجود ملاك لهذا الحكم، والملاكات والمبادئ قد تختلف،
لكنّه بالنتيجة يدل على وجود ملاك، مصلحة، مفسدة، حب، بغض، إطلاق العنان، مصلحة
التسهيل، أو أيّ شيء، بالنتيجة هذا الحكم الذي أنشأه يُعبّر عن وجود ملاك له من
مصلحة ومفسدة وحب وبغض ....الخ.
المقدّمة
الثانية: الوجوب التخييري يمكن أن نتصوّر نحوين
لمدلوله الإنشائي ولمدلوله التصديقي، المدلول الإنشائي للواجب التخييري يمكن أن
نتصوّره بأنّه عبارة عن وجوب متعلّق بالجامع، يعني ما يُنشأ هو عبارة عن وجوب
الجامع بين الفردين، أنّ الجامع بين الفردين واجب، فيكون المُنشأ هو وجوب الجامع،
ويمكن تعقّل في مرحلة المدلول الإنشائي أنّ المُنشأ هو عبارة عن وجوبين لا وجوب
واحد متعلّق بالجامع، وإنّما عبارة عن وجوبين متعلّقين بالفردين، لكن مشروطين بترك
الطرف الآخر، فيقول له يجب عليك العتق إذا لم تأتِ بالإطعام ويجب عليك الإطعام إذا
لم تأتِ بالعتق، بحيث يكون المُنشأ هو عبارة عن وجوبين مشروطين وليس وجوباً واحداً
متعلّقاً بالجامع. يمكن تصوّر كلٍ منهما فيه.
على صعيد
المدلول التصديقي أيضاً يمكن تصوّر نحوين للمدلول، مرّة
نفترض أنّ الملاك يكون قائماً بالجامع ويكون كل واحد من الفردين محصّلاً لذلك
الملاك إذا جاء به المكلّف، ويمكن أن نتصوّر أنّ الملاك موجود في الفردين، لكن
أيضاً بنحوٍ مشروط مثل الوجوب، بأن يكون العتق واجداً للملاك إذا لم يطعم، وإذا
أطعم لا يكون العتق واجداً للملاك، والإطعام يكون واجداً للملاك إذا لم يُعتق،
فيمكن افتراض هذين النحوين في المدلول الإنشائي وفي المدلول التصديقي. هذا بالنسبة
إلى الواجب التخييري.
بالنسبة
إلى الترخيص بلحاظ المدلول الإنشائي يمكن تصوّر كلا
النحوين، يعني يمكن افتراض أنّ الترخيص يتعلّق بالجامع بين شيئين ويكون كل منهما
مُرخّصاً فيه باعتباره مصداقاً للجامع لا باعتبار أنّ الترخيص يتعلّق به بخصوصه،
ويمكن افتراض أنّ الترخيص يتعلّق بالفردين، لكن على نحوٍ مشروط، فكأنّ هناك ترخيصين
يتعلّقان بالفردين، لكن على نحوٍ مشروط يُرخّص في هذا بشرط ترك الطرف الأوّل
ويُرخّص في ذاك بترك هذا الطرف، ويمكن أن يتعلّق بالجامع بين الفردين. هذا من حيث
المدلول الإنشائي يمكن تصوّر هذين النحوين.
أمّا بلحاظ
المدلول التصديقي بلحاظ المبادئ وما يكشف عنه
الترخيص من مبادئ، هل يمكن تصوّر أنّ مبادئ الترخيص، مصلحة التسهيل، مصلحة إطلاق
العنان ؟ مرّة نفترض أن تكون هذه المصلحة قائمة في الجامع بين الفردين، وأخرى
نفترض أنّها قائمة في الفردين ولكن بنحوٍ مشروط، هذا الفرد فيه ملاك يقتضي الترخيص
لكن بشرط عدم الإتيان بالآخر، وهذا أيضاً فيه ملاك يقتضي الترخيص، لكن بشرط عدم
الإتيان بالفرد الأوّل. هذا هل يمكن تصوّره، أو لا ؟ هو(قدّس سرّه) له كلام في هذا
يأتي إن شاء الله تعالى.