الموضوع: الأصول العمليّة/ منجّزية العلم الإجمالي
كان الكلام
في الجواب الرابع عن شبهة التخيير، وهذا الجواب
نقله السيد الشهيد(قدّس سرّه)
[1]عن
السيد الخوئي(قدّس سرّه) وليس له وجود في تقريرات السيد الخوئي(قدّس سرّه)، واعتقد
أنّه ليس مذكوراً أيضاً في أجود التقريرات، لعلّه سمعه منه مباشرة، أو ذكره في
الدرس لكنّه لم يدوّن، الجواب كان هو: بعد تعذّر إجراء الأصل في كلٍ من الطرفين
مطلقاً، قيل: أننا لابدّ أن نصير إلى التقييد، لابدّ من تقييد جريان الأصل في كلٍ
منهما لاستحالة أن يجري في كلٍ منهما مطلقاً، التقييد لا ينحصر بما ذُكر في أصل
الشبهة وهو الجواب بأن نقيد جريان الأصل في كلٍ منهما بعدم ارتكاب الطرف الآخر، السيد
الخوئي(قدّس سرّه) يقول أنّ التقييد لا ينحصر بذلك؛ بل من الممكن أن نقيّد جريان
الأصل في كلٍ منهما بكون الطرف الذي نجري فيه الأصل هو السابق، فهو يجري في كلٍ
منهما، يجري في هذا إذا كان هو السابق، ويجري في هذا إذا كان هو السابق. إذن:
لماذا نصر على التقييد بالنحو الذي ذُكر في الشبهة، والحال أن هذا أيضاً تقييد
لإطلاق الأصل في كلٍ من الطرفين ؟
قد يقال
لغرض التوضيح: ما هو الفرق بين التقييدين بحيث يتصدى
السيد الخوئي(قدّس سرّه) إلى بيان أنّ التقييد لا ينحصر بما ذكرتموه؛ بل يمكن
افتراض التقييد بهذا النحو، هل هناك فرق بين التقييدين ؟ قد يقال أنّه لا فرق بين
التقييدين؛ لأنّ كلاً منهما يؤدّي إلى التخيير وإلى الترخيص في المخالفة
الاحتمالية، التقييد الذي ذُكر في شبهة التخيير يؤدي إلى التخيير والترخيص في
المخالفة الاحتمالية؛ لأنّه يجوز له ارتكاب أحدهما، الترخيص في الطرفين بشرط ترك
الآخر، فإذا ترك أحدهما يجوز له ارتكاب الآخر، وهذا أيضاً يؤدي إلى الترخيص في
المخالفة الاحتمالية؛ لأنّ هذا يقول الأصل يجري في كلٍ من الطرفين بشرط أن يكون هو
السابق وأن يكون هو الأوّل. إذن: بالنتيجة يجوز للمكلّف أن يرتكب هذا إذا لم يرتكب
الآخر، فما هو الفرق بينهما ؟ فهذا التقييد هو كالتقييد الذي ذُكر في أصل الشبهة،
كل منهما يؤدي إلى التخيير والترخيص في المخالفة الاحتمالية، إذن: نحن لم نصنع
شيئاً؛ لأننا بالنتيجة انتهينا إلى التخيير. يعني لو فرضنا أننا نقول للسيد
الخوئي(قدّس سرّه) بهذا التقييد الذي اقترحته ماذا صنعنا ؟ أيضاً انتهينا إلى
التخيير والترخيص في المخالفة الاحتمالية. قد يقال هذا الكلام.
لكن الذي
يبدو أنّ السيد الخوئي(قدّس سرّه) كان ينظر إلى شيءٍ
آخر، هو يريد أن يقول أنّ التقييد المذكور في الشبهة الذي ينتج التخيير والترخيص
في المخالفة الاحتمالية ليس متعيّناً؛ بل هناك تقييد آخر لا ينتج ذلك؛ لأنّه هو
أساساً لا يرى التخيير؛ لأنّ رأيه تابع لرأي المحقق النائيني(قدّس سرّه) من أن
الأصول تتساقط في الأطراف؛ وحينئذٍ تكون الموافقة القطعية واجبة، يعني تجب موافقة
العلم الإجمالي قطعاً، وأنّه لا يوجد ترخيص في المخالفة الاحتمالية، إذن: هو لا
يريد أن يأتي على المحقق العراقي(قدّس سرّه) صاحب الشبهة بنقض ينتهي به إلى
التخيير والترخيص في المخالفة الاحتمالية.
الجواب عن
ذلك: الظاهر أنّ التقييد الذي يقترحه السيد
الخوئي(قدّس سرّه) لا يؤدي إلى التخيير والترخيص في المخالفة الاحتمالية بخلاف
التقييد الذي ذُكر في أصل الشبهة. إجراء الأصل في كلٍ من الطرفين بشرط أن يكون هو
السابق الذي هو إذا تم ينتج التخيير، يقول السيد الخوئي(قدّس سرّه) أنّ هذا الأصل
لا يجري؛ لأنّه معارض بجريان الأصل في كلٍ منهما في حالة كونه اللاحق، وهذان
الأصلان لا يمكن أن يجريان معاً، يعني يُرخّص في هذا الطرف إذا كان هو السابق،
ويُرخّص في هذا الطرف إذا كان هو السابق، وأيضاً يُرخّص في كلٍ منهما إذا كان هو
اللاحق .
بعبارة
أخرى: يُرخّص في هذا الطرف سواء كان سابقاً،
أو كان لاحقاً، هذا يؤدي إلى الترخيص في المخالفة القطعية، وهذا معناه أنّ جريان
الأصل في كلٍ من الطرفين بشرط كونه السابق يُعارض بجريان الأصل في كلٍ من الطرفين
في حالة كونه اللاحق. السيد الخوئي(قدّس سرّه) يريد أن يقول أنّ هذا الأصل الثاني
لا مانع من جريانه؛ لأنّه لا يلزم منه محذور، فإذا لم يكن هناك مانع من جريانه
لعدم لزوم المحذور، فيجري الأصل الثاني ويعارض الأصل الأوّل، ومن هنا لا يبقى
الأصل الأوّل سليماً عن المعارضة؛ بل هو معارض بأصلٍ مثله، ولا يمكن إجراء كلا
الأصلين؛ لأنّه يؤدي إلى المخالفة القطعية، فيقع التعارض بينهما ويتساقطان،
وبالنتيجة لا يسلم أصل يجري في أحد الطرفين في حالة معيّنة حتى نقول أنّ هذا ينتج
التخيير، التخيير إنّما ينتجه هذا التقييد الذي يقوله السيد الخوئي(قدّس سرّه)
عندما نفترض جريان الأصل في كلٍ من الطرفين بشرط كونه السابق، بشرط كونه الوجود
الأوّل، إذا جرى الأصل بهذا الشكل، فأنّه ينتج التخيير، إذا فرضنا جريانه بلا
معارض، فأنّه ينتج التخيير بلا إشكال، لكن هو يريد أنّ يقول أنّ هذا الأصل مُعارض
بجريان الأصل في كلٍ من الطرفين في حالة كونه اللاحق، وكونه الوجود الثاني. هذا
الأصل الثاني المعارض إذا كان لا مانع من جريانه وليس فيه محذور ـــــــــــ كما
سنبيّن ـــــــــــ وليس هناك مانع من جريانه، أن يجري الأصل في كلٍ من الطرفين
بشرط أن يكون هو اللاحق؛ حينئذٍ يكون معارضاً للأصل الأوّل، فلا يجري الأصل الأوّل،
وبالتالي لا نملك دليلاً على التخيير وعلى الترخيص في المخالفة الاحتمالية؛ لأنّ
الدليل على الترخيص هو هذا الأصل الذي يجري في الطرفين بشرط كونه السابق، وهذا
الأصل سقط بالمعارضة، فلا يبقى ترخيص في كلٍ من الطرفين؛ ولذا يريد أن يقول أنّ
التقييد الذي اقترحه لا يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة الاحتمالية؛ لأنّه وإن كان
لا مانع من جريان الأصل في هذا الطرف بشرط كونه السابق، وفي هذا الطرف بشرط كونه
السابق، لكن هذا له معارض، وبالتالي الأصل لا يجري في هذا الطرف في حالة كونه السابق
ولا يجري فيه في حالة كونه اللاحق للتعارض؛ فلذا لا دليل على الترخيص في المخالفة
الاحتمالية، فالتقييد الذي يقترحه لا يؤدي إلى التخيير، بينما التقييد الذي اقتُرح
في أصل الشبهة يؤدي إلى التخيير؛ لأنّه يقول أنّ إجراء الأصل في كلٍ من الطرفين
كما هو المقترح في حالة عدم ارتكاب الطرف الآخر، يجري في هذا الطرف في حالة عدم
ارتكاب هذا، وفي هذا في حالة عدم ارتكاب الأوّل، هذا الأصل الذي يقتضي التخيير ليس
له معارض حتى يمنع من جريانه؛ لأنّ ما يعارضه هو جريان الأصل في كلٍ من الطرفين في
حالة ارتكاب الآخر، أو مطلقاً من هذه الناحية، يعني يجري الأصل فيهما مطلقاً في
حالة ارتكاب الآخر وفي حالة عدم ارتكابه، هذا لا يُعارض الأصل الأوّل؛ لأنّ هذا
محال في حدّ نفسه وبقطع النظر عن التعارض؛ لأنّه ترخيص في المخالفة القطعية، يعني
الأصل عندما يجري في هذا الطرف في حالة ارتكاب الآخر ويجري في هذا في حالة ارتكاب
هذا، هذا ترخيص في المخالفة القطعية، هكذا أصل لا يجري في حدّ نفسه بقطع النظر عن
المعارضة، فمحال أن يجري هذا الأصل بهذا الشكل، فإذا كان محالاً، فجريان الأصل في
هذا الطرف في حالة عدم ارتكاب الآخر، وجريان الأصل في الثاني في حالة عدم ارتكاب
الأوّل يجري بلا معارض، وهذا الأصل ينتج التخيير، ينتج جواز المخالفة الاحتمالية،
فيكون هذا هو الفرق، التقييد المقترح في الشبهة يؤدي إلى الترخيص في المخالفة
الاحتمالية، يعني يؤدي إلى التخيير فتثبت شبهة التخيير، السيد الخوئي(قدّس سرّه)
يريد أن يقول أنّ التقييد لا ينحصر بذلك كما يمكن التقييد بهذا الشكل، يمكن
التقييد بشكلٍ آخر، وهو أن نقول أنّ الأصل يجري في الطرفين بشرط أن يكون هو الوجود
الأوّل، هذا الأصل لا يؤدي إلى التخيير؛ لأنّ هذا الأصل مُعارَض بمثله، معارض
بجريان الأصل في الطرفين في حالة كونه هو اللاحق، في حالة كونه هو الوجود الثاني،
أمّا معارضته لذاك، فواضحة؛ إذ لا يمكن أن يجري كلا الأصلين، أصل يجري في هذا في
حالة كونه الأوّل، ويجري فيه أيضاً في حالة كونه الثاني، وهكذا في الطرف الآخر،
هذا يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعية، فيتعارض الأصلان فيتساقطان، الفرق
الدقيق هو أنّ أصالة جريان الأصل في الطرفين في حالة كونه اللاحق، والوجود الثاني،
هذا ليس فيه محذور، ليس ترخيصاً في المخالفة القطعية، كما هو الحال في التقييد
المقترح في الشبهة عندما قلنا بأنّ الترخيص في الطرفين في حالة ارتكاب الآخر غير
معقول أن يجري، والترخيص في كلا الطرفين مطلقاً من ناحية ارتكاب الآخر وعدم
ارتكابه غير معقول أن يجري؛ لأنّه ترخيص في المخالفة القطعية، فهو لا يجري، فيجري
هذا الأصل بلا معارض، هذا في التقييد المقترح في الشبهة يكون معقولاً؛ لأنّ الأصل في
كلٍ من الطرفين في حالة ترك الآخر ليس له معارض، فيجري ويثبت التخيير، بينما في
هذا التقييد الذي يقترحه هذا الترخيص له معارض، جريان الأصل في الطرفين مع كونه هو
الوجود الأوّل والسابق مُعارض بجريان الأصل في الطرفين مع كونه الوجود اللاحق، هذا
الثاني يجري وليس فيه محذور ولا ترخيصاً في المخالفة القطعية، أن يجري الأصل في
هذا الطرف إذا كان هو الوجود الثاني، هذا ليس فيه مشكلة، ولا يعني أنّه يرخّص للمكلّف
في إيجاد الوجود الأوّل، هو يقول إذا كان هذا هو الوجود الثاني أنت مرخّص في فعله،
لكن هذا لا يعني أنّ نفس الأصل يرخّص في الوجود الأوّل حتّى يقال أنّه يرخّص في
الوجود الثاني وأيضاً يُرخّص في الوجود الأوّل، فيكون ترخيصاً في المخالفة
القطعية، هو لا يعني ذلك، هو يقول على تقدير أن يكون هذا الطرف هو الوجود الثاني بأن
تكون قد ارتكبت الأوّل عصياناً، أو نسياناً، أو أيّ شيء آخر، أنا أرخّص لك فيه،
هذا لا يعني الترخيص في المخالفة القطعية؛ ولذا لا مانع من جريانه، أن يجري الأصل
في كلا الطرفين في حالة كونه هو الوجود الثاني، هذا لا محذور في جريانه، فيُعارض
جريان الأصل في كلٍ من الطرفين في حالة كونه هو الوجود الأوّل، يتعارضان،
فيتساقطان، إذا تساقطا ليس لدينا أصل يثبت التخيير وجواز المخالفة الاحتمالية؛
لأنّ التخيير والمخالفة الاحتمالية مستندة على إجراء الأصل في كلٍ من الطرفين بشرط
أن يكون هو الوجود الأوّل، هذا إذا جرى بلا معارض يثبت التخيير بلا إشكال، لكنّه
له معارض، ولا مرجّح لأحدهما على الآخر، فيتساقطان، فلا يبقى ما يدل على التخيير
والترخيص في المخالفة الاحتمالية على التقييد الذي يقترحه، بخلاف التقييد الذي
أقتُرح في الشبهة، فأنّ الأصل في كلٍ من الطرفين في حالة عدم ارتكاب الآخر يجري
بلا معارض؛ لأنّ ما يعارضه هو إجراء الأصل في كلٍ من الطرفين في حالة ارتكاب
الآخر، أو مطلقاً من ناحيته، وهذا ترخيص في المخالفة القطعية بقطع النظر عن
المعارضة.
إذن: هذا
الذي يُتوقع أن يكون معارضاً لهذا هو في حدّ نفسه لا يجري، فيجري هذا الأصل بلا
معارض، ويثبت التخيير كما يقول المحقق العراقي(قدّس سرّه)؛ ولذا نقض عليه بذلك. ومن
هنا يتبيّن أنّ النقض الذي نُقل عن السيد الخوئي(قدّس سرّه) يمكن تصويره بهذا
الشكل.
الذي
يُلاحظ على هذا الجواب الرابع كجوابٍ على شبهة
التخيير بعد أن بيّناه بهذا الشكل، وبيّنّا الفرق بينه وبين التقييد المقترح، الذي
يُلاحظ على هذا الجواب بشكلٍ عام وكقاعدة عامّة أنّ رفع اليد عن الإطلاق لا يكون
اعتباطياً، وإنّما هو بمقدار ما تقتضيه الضرورة، والسر هو أنّ الإطلاق دليل معتبر
يجب العمل به، فمادام يمكن العمل به يجب العمل به ولا نرفع اليد عنه ونلتزم
بالتقييد إلاّ إذا قامت الضرورة وكان هناك محذوراً في أن يكون الدليل مطلقاً، إذا
كان الإطلاق فيه محذور نرفع اليد عنه، فإذا كان أصل الإطلاق فيه محذور نرفع اليد
عن أصل الإطلاق، إذا كان الإطلاق فيه محذور لحالةٍ دون حالةٍ أخرى؛ فحينئذٍ لا
داعي لرفع اليد عن الإطلاق في كلتا الحالتين، وإنّما نرفع اليد عن الإطلاق في الحالة
التي يوجد فيها محذور، هذه قاعدة. في المقام إطلاق الدليل لكلٍ من الطرفين لحالة
عدم ارتكاب الطرف الآخر ليس فيه محذور الترخيص في المعصيّة وليس فيه محذور الترخيص
في المخالفة القطعية، بخلاف إطلاق دليل الأصل في الطرفين لحالة ارتكاب الآخر، هذا
فيه محذور، أن يكون دليل الترخيص يشمل هذا الطرف في حالة ارتكاب الآخر وهذا الطرف
في حالة ارتكاب الأوّل، هذا فيه محذور؛ لأنّه يؤدي إلى الترخيص في المخالفة
القطعية؛ حينئذٍ بناءً على القاعدة السابقة يتعيّن الالتزام بالإطلاق الأوّل ورفع
اليد عن الإطلاق الثاني وهذا ينتج ما يقوله المحقق العراقي(قدّس سرّه)، ينتج شبهة
التخيير؛ لأنّه لا يمكن الالتزام ببقاء إطلاق الأصل للطرفين في حالة ارتكاب الآخر،
فنرفع اليد عن هذا الإطلاق، يبقى إطلاق الدليل شاملاً لكلٍ من الطرفين في حالة عدم
ارتكاب الآخر، هذا على القواعد، رفع اليد عن الإطلاق بمقدار ما تقتضيه الضرورة لا
أزيد.
وأمّا في
التقييد الثاني الذي يذكره السيد الخوئي(قدّس
سرّه) في هذا التقييد إطلاق دليل الأصل في الطرفين لحالة كونه السابق وكونه الوجود
الأوّل، هذا ليس فيه محذور ولا يؤدي إلى الترخيص في المخالفة القطعية، لكن هذا
الأصل لا يجري؛ لما قلناه في مقام توضيح مطلب السيد الخوئي(قدّس سرّه)، هذا الأصل
لا يجري لأنّ له معارض، أن يجري الأصل في هذا الطرف بشرط أن يكون هو الوجود الأوّل
وفي ذاك بشرط أن يكون هو الوجود الأوّل، هذا معارض بجريان الأصل في الطرفين في
حالة كونه الوجود اللاحق، هذه الحالة أيضاً يشملها الإطلاق، ولا يمكن أن يجري كلا
الأصلين؛ لأنّه يؤدي إلى الترخيص في المخالفة القطعية، ولا مرجّح لأحدهما على
الآخر؛ فحينئذٍ يتعيّن التساقط، فيتساقط الأصلان، فيُلتزم بتساقط الإطلاقين
بالنسبة إلى الطرفين ولا داعي لأن نلتزم بجريان أحد الإطلاقين دون الآخر، ليس لأنّ
الإطلاق الآخر فيه محذور ويؤدي إلى الترخيص في المخالفة القطعية، وإنّما لأنّ
الأصل الآخر يعارض الأصل المقترح وهو الترخيص في كلٍ من الطرفين بشرط أن يكون هو
الوجود السابق، هذا له معارض، ومعارضه لا مانع من جريانه كما قلنا؛ لأنّه ليس ترخيصاً
في المخالفة القطعية، بينما هناك كان فيه محذور، إجراء الأصل في الطرفين في حالة
ارتكاب الآخر، أو مطلقاً من ناحيته، قلنا هذا ترخيص في المخالفة القطعية، ومعنى
هذا الكلام أننا لا يمكننا أن نبقي الإطلاق في الطرفين لحالة كونه السابق؛ لأنّ
هذا الإطلاق له معارض كما بيّنّا مراراً؛ بل لابدّ من سقوط هذا الإطلاق على أساس
المعارضة؛ وحينئذٍ لا يبقى إطلاق شامل لكلا الطرفين؛ وحينئذٍ لابدّ أن نتقيّد بأن
نرفع اليد عن الإطلاق بمقدار ما تقتضيه الضرورة وليس أمراً اعتباطياً، في التقييد
المقترح في أصل الشبهة، على القواعد أحد الإطلاقين فيه محذور، نرفع اليد عنه
اساساً ونقول بأنّ هذا فيه محذور، فيجري الأصل في كلٍ من الطرفين في حالة عدم
ارتكاب الآخر وهذا ينتج التخيير، في التقييد الذي يقترحه السيد الخوئي(قدّس سرّه) لا
يوجد محذور في الأصل المعارض، في أن يجري الأصل في الطرفين في حالة كونه الوجود
اللاحق، هذا يجري بلا محذور، فيعارض جريان الأصل في الطرفين في حالة كونه السابق
والوجود الأوّل، فيتعارضان، فيأتي الكلام السابق، المحقق النائيني(قدّس سرّه) يصر
على أنّ هذا التعارض يوجب التساقط، بينما المحقق العراقي(قدّس سرّه) يقول لا داعي
للتساقط؛ بل نلتزم بالتخيير بأن نجري الأصل في كلٍ منهما بشرط أن يكون هو السابق؛
لماذا نرفع اليد عن كلا الإطلاقين ؟ وإنّما لابدّ أن نلتزم بجريان الإطلاق في كلٍ
منهما، لكن نقيّده بهذا التقييد، فالنتيجة هي أن وصلنا إلى أنّ هذا التقييد الثاني
أيضاً سوف ينتج لنا التخيير و الترخيص في المخالفة الاحتمالية وبهذا لا يصلح هذا
أن يكون جواباً عن الشبهة؛ لأنّ الجواب عن الشبهة لابدّ أن يدفع شبهة التخيير
ويثبت عدم التخيير، بينما نحن رجعنا إلى ما بدأنا به، ذكر مورداً تتعارض فيه
الأصول، فيرجع الكلام السابق، هو يصرّ على التساقط ــــــــــــ مثلاً
ــــــــــــ والطرف المقابل يقول له يمكن أن نتصوّر التخيير بنحوٍ ما. ومن هنا لا
يكون هذا جواباً عن الشبهة، الجواب عن الشبهة حقيقة هو الذي يرفع شبهة التخيير،
يقول هنا في محل الكلام، في مورد العلم الإجمالي بناءً على الاقتضاء لا نصير إلى
التخيير وإنّما نلتزم بتساقط الأصول من دون أن يكون هناك تخيير. هذا ما يمكن
توضيحه حول الجواب الرابع، ويأتي الكلام عن الجواب الخامس إن شاء الله تعالى.