الموضوع: الأصول العمليّة/ منجّزية العلم الإجمالي
بالنسبة
إلى ما ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) من
أنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد هو تقابل الملكة والعدم وأنّ استحالة أحدهما
تستلزم استحالة الآخر، قلنا أنّ السيد الخوئي(قدّس سرّه) أجاب عنه: أولاً بإنكار
المبنى، وثانياً بكون التقابل بينهما تقابل الملكة والعدم إنّما يقتضي استحالة
الإطلاق عند استحالة التقييد لا العكس، أي استحالة التقييد عندما يكون الإطلاق
مستحيلاً.
أقول: يمكن
أن يُضاف إلى ذلك غير ما ذكره(قدّس سرّه) أنّه في محل الكلام المحال ليس هو
الإطلاق في حدّ نفسه حتّى يقال ـــــــــــ لو سلّمنا ما تقدّم ـــــــــــ بأنّ
الإطلاق محال فيكون التقييد محالاً، فلا معنى للتخيير؛ بل التخيير يكون حينئذٍ
محالاً؛ لأنّ التخيير يبتني على التقييد، الإطلاق في حدّ نفسه في كلٍ من الطرفين
ليس محالاً؛ ولذا هو يقول بجريانه، المحقق النائيني(قدّس سرّه) يقول بجريان الأصل
على إطلاقه في أحد الطرفين إذا لم يكن له معارض، وهذا معناه أنّ الإطلاق في حدّ
نفسه في هذا الطرف ليس فيه محذور، وهكذا الإطلاق في حدّ نفسه في الطرف الآخر، إنّما
المحال هو الجمع بين الإطلاقين، اجتماع الإطلاقين محال؛ لأنّه يؤدي إلى الترخيص في
المخالفة القطعية والترخيص في المعصية، فيكون محالاً، والجمع بين الإطلاقين هو بأن
يكون الأصل في هذا الطرف مطلق وفي الطرف الآخر أيضاً مطلق، وهذا محال.
إذا اتّضح
هذا حينئذٍ يقال: أنّ التقييد المدّعى في النقض
السابق لا يقابل إلاّ الإطلاق في أحدهما في حدّ نفسه لا أنّه يقابل الجمع بين
الإطلاقين، حتّى لو سلّمنا أنّ استحالة الإطلاق تستلزم استحالة التقييد، لكنّ الإطلاق
الذي تكون استحالته مستلزمة لاستحالة التقييد إنّما هو الإطلاق المقابل للتقييد،
الإطلاق المقابل لتقييد هذا الأصل في هذا الدليل بعدم ارتكاب الآخر يقابله الإطلاق
في هذا ولا يقابله الإطلاق في الجمع بين الإطلاقين، وإنّما يقابله الإطلاق في هذا
الطرف، الإطلاق في هذا الطرف وتقييد الأصل في هذا الطرف متقابلان، فلو سلّمنا ما
تقدّم حينئذٍ يقال: أنّ استحالة الإطلاق تستلزم استحالة التقييد، لكنّ هذا الإطلاق
ليس مستحيلاً، الإطلاق في أحد الطرفين في حدّ نفسه ليس محالاً ولا يلزم منه
الترخيص في المخالفة القطعية، وهذا الإطلاق هو الذي يقابل التقييد المقترح في هذا
النقض، التقييد المقترح في هذا النقض يقول بأنّ جريان الأصل في هذا الطرف لا داعي
لأن نرفع اليد عنه أساساً، هو يجري لكن بشكلٍ مقيّد، يجري في هذا الطرف مقيّداً
بعدم ارتكاب الآخر، هذا التقييد المقترح يقابله الإطلاق في هذا الطرف، والإطلاق في
حدّ نفسه في هذا الطرف ليس محالاً؛ لأنّه لا يلزم منه الترخيص في المخالفة القطعية،
المحال هو اجتماع الإطلاقين، ولكنّ هذا لا يقابل التقييد المقترح في النقض،
والاستحالة في باب التقابل بين الملكة والعدم ينبغي أن تُلحظ في مورد التقابل بينهما،
التقييد محال فالإطلاق الذي يقابله محال، الإطلاق إذا كان محالاً، فالتقييد الذي
يقابله يكون محالاً، وفي المقام إذا كان الإطلاق، جريان الأصل مطلقاً في هذا الطرف
الذي يقابل التقييد المقترح في النقض محالاً ـــــــــــ إذا تنزلنا عن الإشكال
السابق ــــــــــــ يمكن الاستدلال باستحالة الإطلاق على استحالة التقييد، لكنّ
هذا الإطلاق المقابل للتقييد ليس محالاً.
إذن: ما
يكون محالاً، وهو الجمع بين الإطلاقين لا يقابله التقييد المقترح في النقض، وإن
كان محالاً، والذي يقابل التقييد المقترح في النقض هو الإطلاق في كلٍ من الطرفين
وليس الجمع بين الإطلاقين، وإنّما الإطلاق في هذا الطرف يقابله التقييد في هذا
الطرف، والإطلاق في الطرف الآخر يقابله التقييد في الطرف الآخر، الإطلاق في هذا
الطرف ليس محالاً، فلا معنى لأن يُستدَل باستحالته على استحالة التقييد المقترح في
المقام، وإنّما المحال هو عبارة عن اجتماع الإطلاقين أو الجمع بينهما وهذا لا
يقابل التقييد المقترح في نفس النقض. هذا كلّه بالنسبة إلى أحد الأمرين اللّذين
فُهما من كلمات المحقق النائيني(قدّس سرّه).
أمّا الأمر
الثاني الذي يُفهم من كلامه والذي قلنا أنّه
عبارة عن أنّ المحذور العقلي الذي هو الترخيص في المخالفة القطعية، الترخيص في
المعصية وعدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري ـــــــــــ هذا موجود في عبارته
ــــــــــــ أنّ موضوع الحكم الظاهري غير محفوظ في أطراف العلم الإجمالي، هذان
الأمران: المحذور العقلي، وعدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في أطراف العلم
الإجمالي، هذان يوجبان عدم إمكان الجعل ثبوتاً، ومعه لا تنتهي النوبة إلى الكلام
عن التقييد في عالم الإثبات، هذا كان كلامه.
[1]
قبل أن نتكلّم عن عالم الإثبات أنّ هذا مقيّد، أو غير مقيّد الذي هو كلام إثباتي،
في عالم الثبوت هو محال، جعل الترخيص في الطرفين محال؛ لأنّ الترخيص في الطرفين
يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعية، فيكون محالاً ثبوتاً؛ ولأنّ موضوع الحكم
الظاهري، أي الترخيص في الطرفين ليس محفوظاً مع العلم الإجمالي، فيستحيل ثبوتاً جعل
الترخيص في الطرفين، وإذا كان لا يمكن جعل الترخيص في الطرفين؛ فحينئذٍ لا تصل
النوبة إلى أنّ الأصل في هذا الطرف هل هو مقيّد، أو غير مقيّد. هذا الكلام الثاني
له(قدّس سرّه).
الذي
يُلاحظ على هذا الكلام هو: أين يوجد المحذور
العقلي ؟ المحذور العقلي هو في جعل الترخيص في أطراف العلم الإجمالي مطلقاً، هذا
هو الذي يلزم منه المحذور العقلي المتقدّم، يلزم منه الترخيص في المخالفة القطعية،
عندما نفترض جعل الترخيص في هذا الطرف مطلقاً وجعل الترخيص في هذا الطرف مطلقاً؛
حينئذٍ يلزم منه المحذور العقلي. هنا يمكن أن نقول أنّ موضوع الحكم الظاهري غير
محفوظ، يعني موضوع الترخيص مطلقاً غير محفوظ في أطراف العلم الإجمالي؛ باعتبار
أنّه يستلزم المخالفة القطعية كما يشير هو(قدّس سرّه)، يعني نفس المحذور العقلي
يستلزم عدم انحفاظ موضوع الحكم الظاهري في أطراف العلم الإجمالي، وحيث أنّ الترخيص
في أطراف العلم الإجمالي مطلقاً، جعله يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية، يستلزم
المحذور، نحن أيضاً تبعاً له نقول أنّ موضوع الحكم الظاهري غير محفوظ في أطراف
العلم الإجمالي، هذا صحيح.
وأمّا أصل
الترخيص في كل واحدٍ من الطرفين، فلا محذور فيه،
بدليل أنّه إذا التزمنا بجريان الأصل في كلا الطرفين، لكن مع تقييد الترخيص بما
إذا لم يرتكب الطرف الآخر، سنجد أنّ هذا لا يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعية،
هذا لا يؤدّي إلى الترخيص في المعصيّة، إذن المحذور ليس في أصل جعل الترخيص في
الطرفين، وإنّما المحذور في إطلاق الترخيص المجعول في كلا الطرفين، أمّا أصل
الترخيص في الطرفين لا يلزم منه المحذور، وإذا لم يلزم منه المحذور يكون موضوع
الحكم الظاهري في كلا الطرفين محفوظاً؛ لأننا قلنا بأنّه يقول لا ينحفظ موضوع
الحكم الظاهري باعتبار المحذور العقلي، فإذا لم يلزم المحذور العقلي يكون موضوع
الحكم الظاهري في كلٍ من الطرفين محفوظاً، وأصل الترخيص أيضاً يكون غير مستلزم
للمحذور العقلي؛ وحينئذٍ لا نقول بأنّ هذا غير ممكن ومحال، جريان أصل الترخيص لا
مطلقاً مع حذف الإطلاق، كما هو مقترح المحقق العراقي(قدّس سرّه)، أن نلتزم بجريان
الترخيص في هذا بنحوٍ مشروط، وفي هذا بنحوٍ مشروط، هذا لماذا نقول بعدم إمكانه ؟
لماذا نقول بأنّه غير ممكن لأنّه يلزم منه المحذور؛ ولأنّ موضوع الحكم الظاهري فيه
غير محفوظ ؟ بل أنّ موضوع الحكم الظاهري فيه محفوظ؛ لأنّه لا يلزم منه كما قلنا
الترخيص في المخالفة القطعية، أن نقول بأنّ هذا محال ثبوتاً فلا تصل النوبة إلى
الكلام عن التقييد الإثباتي، هذا في المقام يبدو أنّه غير تامٍّ؛ لأنّ المحذور لا
يوجد في إجراء الأصل في كلا الطرفين بنحوٍ مقيّد، وإنّما المحذور موجود عندما يجري
الأصل في كلٍ من الطرفين بنحوٍ مطلّق، فإذا كان جريان الأصل في الطرفين ممكناً ولا
يلزم منه المحذور السابق؛ حينئذٍ يأتي هذا الكلام الذي يُطرح بأنّه في هذه الحالة
هل نرفع اليد عن أصل شمول الدليل للطرفين، أو نلتزم بجريانهما مع تقييد جريان
الأصل في كلٍ من الطرفين بعدم إجراء الأصل في الطرف الآخر، أيّهما هو الأولى،
فيأتي الحديث المتقدّم في أصل النقض وهو أنّه لا داعي لرفع اليد عن عموم الدليل
وإطلاقه بالنسبة إلى كلا الطرفين لا داعي لرفع اليد عنه؛ لأنّ الضرورات تقدّر
بقدرها والمحذور كما يُرفع بالالتزام بالتقييد الأفرادي وبالتخصيص، كذلك يُرفع
بالالتزام بتقييد الأصل في كلٍ منهما بعدم إجرائهما في الطرف الآخر، كلٌ منهما
يرفع المحذور، وحيث أنّ الثاني أقل مخالفة للظاهر، وأقل تخصيصاً للدليل، بينما
الأوّل أكثر تخصيصاً للدليل، الأول نخرج كلا الطرفين من دليل الأصل، نُخرج هذا
الطرف مطلقاً، يعني في حال ارتكاب الآخر وفي حالة عدم ارتكابه، وكذلك نخرج الثاني
مطلقاً، هذا معنى التخصيص الأفرادي الموجب لعدم شمول الأصل لكلا الطرفين، الذي
يعني ـــــــــــ كما ذُكر سابقاً ـــــــــــ بقاء الاحتمال في كلٍ من الطرفين
بلا مؤمّن، فتجب الموافقة القطعية، هذا أكثر مخالفة للظهور من أن نلتزم بأنّ الأصل
يجري في كلا الطرفين، لكن بنحوٍ مقيّد، هذا أقل مخالفة، أقل تخصيصاً للدليل،
فيتعيّن الثاني، أي يتعيّن التقييد لا أن نلتزم بعدم شمول دليل الأصل لكلا الطرفين.
وحاصل هذا الكلام هو: أنّ ما ذكره في مثال(أكرم العلماء) الذي يرد عليه خاصّ
يقول(لا تكرم زيداً وعمرو) أخرج زيداً وعمرو من أكرم العلماء، نفس ما ذكره هناك
يجري في محل الكلام بلا فرقٍ بينهما، هو هناك اعترف بأننّا لا نلتزم بخروج زيدٍ
وعمرو عن أصل دليل وجوب إكرام العلماء، وإنّما نلتزم بالتقييد، نفس ما ذكره هناك
يجري في محل الكلام.
وبعبارةٍ
أخرى: هو اعترف بما ذكره المحقق العراقي(قدّس
سرّه) لكن في مثال(أكرم العلماء) وأنكره في محل الكلام؛ لأنّه يقول: هناك الدليل
المخرج للطرفين دليل لفظي، فيتعرّض للإجمال؛ فحينئذٍ نقول أنّ المتيقّن هو خروج
هذا الطرف من العام عندما نكرم ذاك، وخروج الطرف الآخر عندما نكرم الأوّل، يقول
هذا المتيقن وما زاد عليه نتمسّك بعموم العام لإثبات وجوب إكرامه، يعني عندما لا
يكرم زيد يجب عليه إكرام عمر تمسّكاً بعموم(أكرم العلماء) وهذا معناه أننا لم نخرج
زيد وعمرو من أصل الدليل بحيث نقول أنّ كلاً منهما لا يجب إكرامه؛ بل يجب إكرام
هذا عندما لا تكرم ذاك، ويجب إكرام ذاك عندما لا تكرم هذا، هذا الذي التزم به في
ذلك المثال هو بنفسه يجري في محل الكلام، مجرّد أنّ ذاك الدليل لفظي يتعرّض
للإجمال، وفي محل الكلام الدليل الذي يخرج الطرفين من دليل الأصل هو محذور عقلي
وحكم عقلي لا يوجب الفرق بينهما، في كلا الموردين نفس الفكرة يمكن تطبيقها، في محل
الكلام أيضاً نقول أنّ مقتضى عموم دليل الأصل أو إطلاقه هو الشمول لكلا الطرفين،
في مقابل هذا هناك محذور عقلي يقول لا يمكن شمول الأصل لكلا الطرفين، هذا المحذور
العقلي عندما يقول لا يمكن شمول الأصل لكلا الطرفين مقصوده لا يمكن شمول الأصل لكلا
الطرفين على نحو الإطلاق بأن يشمل الأصل هذا الطرف مطلقاً ويشمل هذا الطرف مطلقاً؛
لأنّه يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعية، إذن عندنا عموم دليل وهو دليل
الأصل، في مقابله المحذور العقلي، نحن بمقدار ما يقتضيه المحذور العقلي نرفع اليد
عن عموم الدليل، المحذور العقلي لا يقتضي أن نرفع اليد عن أصل الدليل بالنسبة إلى
كلا الطرفين بأن نخرج كلا الطرفين عن عموم الأصل؛ لأنّ دفع المحذور العقلي لا
يتوقّف على ذلك والضرورات تقدّر بقدرها؛ بل يكفي في دفع المحذور العقلي الالتزام
بجريان الأصل في كلا الطرفين، لكن مع التقييد. نفس الكلام الذي ذكره في ذلك المثال
في الحقيقة يجري في محل الكلام، فالتفريق بينهما ليس بذلك الوضوح. هذا ما يرتبط
بالجواب الأوّل عن النقض, وهو المستفاد من كلام المحقق النائيني(قدّس سرّه).
[2]الجواب
الثاني عن النقض: هذا الجواب يذكره السيد
الخوئي(قدّس سرّه)؛ لأنّه يلتزم بما يلتزم به استاذه من الاقتضاء في محل الكلام
ومن أنّ عدم جريان الأصل في أحد الطرفين إنّما هو للمعارضة، باعتبار أنّ الأصل فيه
يعارضه الأصل في الطرف الآخر، ولعلّه لبعض ما تقدّم لا يرتضي جواب المحقق النائيني(قدّس
سرّه) عن النقض؛ ولذا بعد أن يذكر جواب المحقق النائيني(قدّس سرّه) يقول والصحيح
أن يقال ويذكر هذا الجواب.
السيد الخوئي(قدّس سرّه) في عباراته في الدراسات وفي
المصباح يذكر المطلب بعبارات متعددّة، في الدراسات يذكره بثلاث عبارات وقد يُفهم
أنّ كل عبارة تشير إلى جوابٍ مستقل عن أصل النقض، في واحدة من عباراته يصرّح بأنّ
هذا الترخيص المقيّد في كلٍ من الطرفين المقترح في النقض، يقول هذا الترخيص محال؛
لأنّه يُعتبر في الحكم الظاهري أن يكون محتمل المطابقة للواقع، فإذا لم يكن الحكم
الظاهري محتمل المطابقة للواقع، يعني كنّا نعلم بعدم مطابقته للواقع، يقول هذا
يستحيل جعله؛ لأنّه إنّما يمكن جعل الحكم الظاهري عندما يكون محتمل المطابقة
للواقع، وهذا الترخيص ـــــــــــ الحكم الظاهري ــــــــــــ المقيد لا نحتمل
مطابقته للواقع؛ لأنّ الأمر يدور في هذا الطرف بين أن يكون مباحاً وبين أن يكون
حراماً، إذا كان مباحاً، فإباحته مطلقة وليست مقيّدة بشيء، بعدم ارتكاب الطرف
الآخر، وإن كان حراماً، فحرمته أيضاً تكون مطلقة وليست مقيّدة، إذن: أمره يدور بين
الإباحة المطلقة وبين الحرمة المطلقة، نحن نفترض حكماً ظاهرياً وهو إباحة مقيّدة، وهذه
الإباحة والترخيص المقيد لا يحتمل مطابقته للواقع، فيكون ممنوعاً لأجل هذا، وكأنّه
يُعتبر في جريان الحكم الظاهري وتعقّله أن يكون محتمل المطابقة للواقع. هذا في
عبارة من عباراته. هذا يمكن جعله جواباً مستقلاً عن النقض السابق.
[3]في عبارته
الثانية يذكر مطلباً لعلّه مطلب آخر، وحاصله: أنّ هذا
النقض الذي ذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه) يتم عندما نفترض أنّ المانع والمحذور
العقلي الذي يمنع من جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي هو أنّه يلزم منه
الترخيص في المخالفة القطعية كما كنّا نكرر، دائماً نفترض أنّ المحذور العقلي هو
أنّ إجراء الأصول في أطراف العلم الإجمالي يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية وفي
المعصية، يقول: إذا كان هذا هو المحذور؛ فحينئذٍ يكون هذا النقض تامّاً؛ لما ذكره
المحقق العراقي(قدّس سرّه)، باعتبار أنّ هذا المحذور يندفع بالالتزام بالتقييد،
فبمجرّد الالتزام بالتقييد لا يلزم من إجراء الأصل في الطرفين بنحوٍ مقيّد الترخيص
في المخالفة القطعية، لو كان المحذور الذي نبرزه من إجراء الأصل في أطراف العلم
الإجمالي هو أنّه يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعية، فالنقض السابق يكون
تامّاً، لا يتوقف دفع المحذور على إخراج الطرفين من الأصل أساساً، لكنّه يقول أنّ
المحذور ليس هذا ويستدل على ذلك بقوله وإلاّ لو كان المحذور هو هذا لزم الالتزام
بشمول دليل الأصل لجميع الأطراف فيما إذا كانت متضادّة لا يمكن الجمع بينها عقلاً،
لو فرضنا أنّ أطراف العلم الإجمالي كان بينها تضاد، فلا يمكن للمكلّف أن يجمع فيما
بينهما، فإذا جاء بهذا الطرف لا يمكنه الإتيان بالطرف الآخر وهكذا العكس، يقول: لو
كان المحذور هو فقط أنّ إجراء الأصل في الطرفين يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة
القطعية، فلابدّ أن نلتزم في المقام بجواز إجراء الأصل في الطرفين؛ لأنّ إجراء
الأصل في الطرفين لا يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعية لعدم التمكّن منها؛
لأنّها مستحيلة بحسب الفرض، فأيّ مانعٍ من إجراء الأصل في الطرفين ما دام أنّ
المحذور الذي يمنع من إجراءه في الطرفين هو أنّه يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة
القطعية، وإجراء الأصل في هذا المورد في الطرفين لا يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة
القطعية، فينبغي أن لا يكون هناك مانع من إجراء الأصل في كلا طرفي العلم الإجمالي
فيما إذا كان بين الأطراف مضادة على نحوٍ يستحيل للمكلّف الجمع بينهما. هو يقول:
هذا لا نلتزم به، فهذا يجعله لازماً باطلاً للقول بأنّ المحذور العقلي الذي يمنع
من إجراء الأصول في أطراف العلم الإجمالي هو استلزامه الترخيص في المخالفة القطعية،
فإذا لم يكن هذا هو المحذور العقلي، فما هو المحذور العقلي ؟ يقول المحذور العقلي
هو عبارة عن أنّ إجراء الأصل في أطراف العلم الإجمالي يستلزم الجمع في الترخيص، لا
أنّ المانع هو أنّه يستلزم الترخيص في الجمع، وإنّما يستلزم الجمع في الترخيص،
[4]
ويقول: أنّ هذا المحذور لا يرتفع بالتقييد المقترح، هذه النتيجة التي يصل إليها؛
ولذا يكون التقييد المقترح غير نافع؛ لأنّه لا يدفع المحذور، هذا المحذور وهو
إجراء الأصل في أطراف العلم الإجمالي يستلزم الجمع في الترخيص، وهذا لا يُدفع
بالتقييد؛ حينئذٍ لا يمكن الالتزام بالتقييد للزوم المحذور؛ لأنّ المحذور لا يندفع
به، فيكون التقييد محالاً، يقول في فرض التقييد إذا قلنا بالتقييد المقترح، لنفترض
أنّ المكلّف لم يرتكب كلا الطرفين، ترك هذا الطرف وترك هذا الطرف، ولازمه أن يكون
الترخيص في جميع الأطراف فعلياً؛
[5]
لأنّ كل ترخيص تحقق شرطه، التقييد المقترح في النقض يقول نجري الترخيص في هذا
الطرف بشرط ترك ذاك الطرف، ونجري الترخيص في ذاك الطرف بشرط ترك هذا الطرف، فإذا
ترك الطرفين تحقق شرط كلا الترخيصين، فيصبح الترخيص في كلا الطرفين فعلياً عند ترك
كلا الطرفين وهذا يستلزم العلم بترخيص ما عُلم حرمته بالفعل، كيف يعقل أن يُرخّص
الشارع ترخيصاً فعلياً في الطرفين مع العلم بأنّ أحدهما حرام، هو يعلم أن أحدهما
حرام، هذا لا علاقة له بالمخالفة العملية الخارجية، هو لم يخالف، وإنّما ترك كلا
الطرفين، لكن عندما يترك كلا الطرفين يصبح الترخيص في كلا الطرفين فعلياً، وإذا
أصبح الترخيص في كلا الطرفين فعلياً هذا معناه أنّ الشارع يُرخّص له فيما يعلم
بأنّه حرام، مع العلم بحرمة أحدهما الشارع يرخّص له، غير ناظر إلى مسألة العمل
والمخالفة العملية، هو نفس الترخيص بما عُلم حرمته قبيح ومحال وغير ممكن، يقول هذا
هو المحذور من إجراء الأصل في الطرفين على نحو التقييد يلزم هذا المحذور، والتقييد
لا يرفع هذا المحذور، يقول: المحذور العقلي الذي يلزم من إجراء الأصل في الطرفين
هذا، وهذا لا يرتفع بالتقييد؛ بل يثبت هذا المحذور حتّى مع التقييد؛ ولذا لا يكون
التقييد ممكناً. هذا يمكن أن يكون جواباً ثانياً عن النقض.
له عبارة ثالثة يأتي
الكلام عنها إن شاء الله تعالى.