الموضوع: الأصول العمليّة/ منجّزية العلم الإجمالي
انتهى الكلام
إلى الجواب الحلّي الذي ذكره السيد الخوئي(قدّس
سرّه) عن الدليل الثاني الذي استُدل به على العلّية، وخلاصة الجواب هي: أنّ موضوع
الأصول محفوظ في كل طرفٍ؛ لأنّ موضوع الأصول هو الشكّ في التكليف، ولا إشكال في
أنّ التكليف في كل طرفٍ مشكوك، وبذلك يكون موضوع الأصل محفوظ في كل طرفٍ، إذا
لاحظنا هذا الطرف موضوع الأصل محفوظ فيه؛ فحينئذٍ يجري الأصل ولا يستحيل كما يقول
صاحب الدليل على القول بالعلّية التامّة، السيد الخوئي(قدّس سرّه) يقول أنّ موضوع
الأصل محفوظ في كل طرفٍ من الطرفين، وإذا كان موضوعه محفوظ؛ فحينئذٍ يجري .
نعم،
يبقى احتمال انطباق التكليف المعلوم بالإجمال على كل طرفٍ، لكن يقول احتمال انطباق
التكليف المعلوم بالإجمال على كلٍ من الطرفين إذا كان المقصود به احتمال انطباق
ذات التكليف على هذا الطرف، هذا هو عبارة أخرى عن الشك في التكليف في هذا الطرف
وليس شيئاً آخر غير الشك في التكليف الذي افترضنا أنّه موضوع الأصل النافي، فلا تغرّنا
العبارات، احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على هذا الطرف، هذا صحيح وموجود، لكن
هذا ليس شيئاً غير أنّ التكليف في هذا الطرف مشكوك، فيكون التكليف في هذا الطرف
مشكوك وفي ذاك الطرف مشكوك، فيكون موضوع الأصل محفوظاً فيه؛ فحينئذٍ لماذا لا يجري
الأصل ؟
نعم، احتمال
انطباق التكليف المعلوم بالإجمال بما هو معلوم، يعني بوصف المعلومية، احتمال
انطباقه على هذا الطرف، هذا يبقى. يقول هذا لا يمكن تصوّره؛ لأنّ هذا يرجع إلى
احتمال أن يكون التكليف في هذا الطرف معلوماً، إذا لاحظنا التكليف المعلوم
بالإجمال بوصف المعلومية وقلنا هذا بوصف المعلومية يحتمل انطباقه على هذا الطرف
ويحتمل انطباقه على الطرف الآخر، هو يقول: هذا بوصف المعلومية لا يمكن انطباقه على
هذا الطرف ولا يحتمل انطباقه على هذا الطرف، هذا غير ممكن؛ لأنّه لا يمكن أن نحتمل
ثبوت العلم في موردٍ، لا معنى لاحتمال العلم؛ لأنّ العلم صفة وجدانية، احتمال أن
يكون الإنسان عالماً بالتكليف في هذا الطرف غير معقول أصلاً؛ لأنّ العلم صفة
وجدانية، إمّا أن تكون محرزة أو يكون عدمها محرزاً، أمّا احتمال ثبوتها في موردٍ،
الشكّ في ثبوت هذه الصفة الوجدانية في موردٍ هذا محال ولا معنى له أصلاً؛ لأنّ
العلم صفة وجدانية لا معنى لاحتمالها والشك فيها؛ فلذا لا يكون احتمال انطباق التكليف
المعلوم بالإجمال على كلٍ من الطرفين إلاّ بمعنى احتمال انطباق ذات التكليف على
هذا الطرف، وهذا ليس شيئاً آخر غير الشكّ في التكليف، وعليه: لا مانع من جريان
الأصل في بعض الأطراف خلافاً لما يقوله المحقق العراقي(قدّس سرّه) الذي يقول
بالعلّية التامّة. هذا هو الجواب الحلّي.
ويُلاحظ
على هذا الجواب الحلّي: صحيح أنّ احتمال
انطباق التكليف المعلوم بالإجمال ـــــــــــ مقصودنا ذات التكليف وليس بوصف كونه
معلوماً ـــــــــــــ على هذا الطرف هو احتمال وجداني وثابت وايضاً نسلّم أنّه
يكون شكّاً في التكليف، لكن هل هو عين الشكّ في التكليف الذي أُخذ موضوعاً في
أدلّة الأصول ؟ هذا شكّ في التكليف بلا إشكال، المكلّف يشكّ في انطباق التكليف
المعلوم بالإجمال على هذا الطرف، وهذا معناه شكّ في التكليف، لكن هذا الشكّ في
التكليف هل هو نفس الشكّ في التكليف الذي أُخذ موضوعاً في الأصل النافي، أو لا ؟
المحقق العراقي(قدّس سرّه) المستدل بهذا الدليل يرى أنّه غيره، أنّ الشكّ في
التكليف المتحقق في محل الكلام ليس هو نفس الشك الذي أُخذ موضوعاً للأصل العملي
المرخّص والنافي، بحسب رأي المحقق العراقي(قدّس سرّه) أنّه في المقام عندنا شكّ في
احتمال انطباق التكليف المنجّز الداخل في العهدة والثابت في الذمّة، احتمال
انطباقه على هذا الطرف. إذن: احتمال انطباق هذا التكليف المنجّز على أساس العلم
الإجمالي به، هذا صحيح معناه أنّ المكلّف يشكّ في التكليف في هذا الطرف، لكنّه شكّ
في تكليف نجّزه العلم الإجمالي، شكّ في تكليفٍ دخل في العهدة على اساس العلم
الإجمالي به، هل هذا هو معنى الشكّ في التكليف الذي أُخذ موضوعاً لأصالة البراءة ؟
ذاك شكّ في التكليف مع عدم افتراض التنجيز في مرحلة سابقة، شك في التكليف الذي لا
يُعلم كونه منجّزاً، بينما هنا شكّ في التكليف المنجّز بالعلم الإجمالي، فلا معنى
لأن نقول أنّ احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على هذا الطرف هو عبارة أخرى عن الشك
في التكليف الذي هو موضوع أصالة البراءة؛ ولذا يقول بأنّ موضوع الأصل محفوظ في هذا
الطرف ومحفوظ في الطرف الآخر، فيجري الأصل، كلا، موضوع الأصل ليس محفوظاً، الشكّ
في التكليف غير المنجّز الذي هو موضوع الأصل العملي والبراءة ليس متحققاً في
المقام، المتحقق في المقام هو الشك في تكليفٍ تنجّز بالعلم الإجمالي، واحتمال
انطباق تكليف تنجّز بالعلم الإجمالي على هذا الطرف، هذا هو المتحقق، وهذا ليس هو
موضوع اصالة البراءة، هذا بحسب نظر المحقق العراقي(قدّس سرّه) ليس هو موضوع الأصول
المؤمّنة.
على كل
حال، دفع الجواب الحلّي الذي يقوله السيد
الخوئي(قدّس سرّه) يكون بهذا البيان: أنّ المستدلّ بالدليل نفسه القائل بالعلّية
يرى أنّ موضوع الأصل العملي غير متحقق في المقام، باعتبار أنّ موضوعه هو الشك في تكليفٍ
لم يتنجّز سابقاً، وفي محل الكلام هو يشكّ في تكليف منجّز سابقاً، وداخل في العهدة
سابقاً بالعلم الإجمالي، والعلم الإجمالي حسب دليل المحقق العراقي(قدّس سرّه)
ينجّز التكليف الذي يحتمل وجوده في هذا الطرف، ويُحتمل وجوده في هذا الطرف، ينجّز
هذا التكليف على كل التقادير في تفسير حقيقة العلم الإجمالي، مهما فسّرنا العلم
الإجمالي، سواء كان علماً بالواقع، أو علماً بالفرد المردد، أو حتّى علماً بالجامع،
لأن بالنتيجة العلم الإجمالي ينجّز الجامع بين الفعلين، بين صلاة الظهر وصلاة
الجمعة؛ لأنّه تعلّق به العلم حتّى على القول بتعلّقه بالجامع وعدم سرايته إلى
الواقع. إذن: على كل التقادير هناك جامع تنجّز بالعلم الإجمالي، هذا التكليف الذي
تنجّز بالعلم الإجمالي يُحتمل انطباقه في هذا الطرف ويحتمل انطباقه في هذا الطرف،
فإذن: شكنّا في تكليفٍ تنجّز سابقاً وليس شكاً في تكليفٍ لم يتنجّز سابقاً،
فالتكليف بالجامع واصل إلى المكلّف وتنجّز عليه ودخل في عهدته؛ حينئذٍ يقول المحقق
العراقي(قدّس سرّه) في دليله بأنّ الترخيص في مخالفة هذا التكليف المنجّز والداخل
في العهدة، الترخيص في مخالفته قطعاً محال، والترخيص في مخالفته احتمالاً هذا
أيضاً محال؛ للبرهان الذي ذكره، وهو أنّ الترخيص في جميع الأطراف لماذا فرغنا عن
كونه محالاً ؟ لأنّ هناك مضادّة بين الترخيص وبين التكليف المعلوم بالإجمال ويلزم
من افتراض الترخيص اجتماع الحكمين الفعليين المتضادّين الذي هو الترخيص والتكليف المعلوم
بالإجمال، وهذا محال، هذا هو الذي دعانا للقول باستحالة الترخيص في جميع الأطراف،
لكن الترخيص في جميع الأطراف معناه اجتماع الضدّين قطعاً، فيكون محالاً، هو يقول
أنّ اجتماع الضدّين احتمالاً أيضاً محال؛ لأنّه ينبغي القطع بعدم التضاد؛ لأنّه
مستحيل ولا معنى لاحتمال المستحيل، فإذن: الترخيص في جميع الأطراف محال، والترخيص
في بعض الأطراف أيضاً محال؛ لأنّه يورث احتمال اجتماع الحكمين الفعليين المتضادين،
وهذا محال أيضاً، فيستحيل كلٌ منهما، ومن هنا ذهب إلى القول بالعلّية، أنّ العلم
الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية، ويستحيل الترخيص في بعض الأطراف. هذا
دليل المحقق العراقي(قدّس سرّه).
فإذا أجبنا
عنه بأنّ موضوع الأصل العملي في كل طرفٍ محفوظ
وأنّ احتمال انطباق التكليف المعلوم بالإجمال على كل طرف، هو عبارة أخرى لا يزيد
عن الشك في التكليف الذي هو موضوع الأصل العملي، هذا ليس جواباً صحيحاً عن ما
يقوله المحقق العراقي(قدّس سرّه)، فالمحقق العراقي(قدّس سرّه) ذكر صورة برهان وليس
برهانه مبنيّاً على رأيه من أنّ العلم الإجمالي يتعلّق بالواقع؛ بل هو ذكره حتّى
على القول بأنّ العلم الإجمالي يتعلّق بالجامع، لكن بالنتيجة يقول العلم الإجمالي
ينجّز الجامع، لا يمكن إنكار بأنّ العلم الإجمالي ينجّز الجامع، فإذا تنجّز الجامع
على المكلّف ودخل في عهدته؛ حينئذٍ يستحيل الترخيص في مخالفته القطعية، ويستحيل
الترخيص في مخالفته الاحتمالية، وبهذا يثبت استحالة الترخيص في بعض الأطراف وهو
معنى القول بالعلّية التامّة. هذا هو رأي المحقق العراقي(قدّس سرّه). والجواب الذي
ذكره السيد الخوئي(قدّس سرّه) لا يكون جواباً عن ما ذكره المحقق العراقي(قدّس
سرّه).
نعم، يمكن
أن يقال في مقام الجواب عن الدليل الذي ذكره المحقق
العراقي(قدّس سرّه)، هو أنّه قد يقال، وإن كان هذا الجواب لا نرضى به، لكن قد يُردّ
برهان المحقق العراقي(قدّس سرّه) بأنّ كون التكليف بالجامع الذي سلّمه هو، أنّ العلم
الإجمالي يتعلّق بالجامع، فيكون التكليف بالجامع منجّزاً على المكلّف وداخلاً في
عهدته على جميع الآراء في مسألة تفسير العلم الإجمالي الجامع يتنجز ويدخل في
العهدة بلا إشكال، لكن هذا هل يستلزم كون العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب
الموافقة القطعية كما يقول هو ؟ قد يقال بأنّه لا يستلزم. نعم، العلم الإجمالي
ينجّز الجامع ويدخله في العهدة، لكن هذا لا يعني أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة
لوجوب الموافقة القطعية؛ لأنّه قد يقول القائل ــــــــــــ وقد تقدّم هذا أيضاً
ـــــــــــــ تنجّز الجامع على المكلّف، فتحرم عليه مخالفة الجامع وتجب عليه
موافقته قطعاً، لكن موافقة الجامع قطعاً تتحقق بالإتيان بأحد الطرفين؛ لأنّه لا
إشكال أنّ الجامع يصدق على أحد الطرفين، إذا تنجّز الجامع بحدّه الجامعي؛ حينئذٍ
هذا يصدق على هذا الطرف ويصدق على هذا الطرف، فيكفي في موافقته القطعية الإتيان
بأحد الطرفين؛ لأنّ ما تنجّز على المكلّف هو الجامع، والجامع له مصداقان، فيكفي
الإتيان بأحد الطرفين، ويُعدّ الإتيان بأحد الطرفين موافقة قطعية للتكليف الذي
تنجّز وهو الجامع، لماذا لا يجوز إجراء الأصل المؤمّن في الطرف الآخر ؟ مجرّد أنّ
العلم الإجمالي ينجّز الجامع بهذا الشكل لا ينتج العلّية، يعني لا ينتج استحالة
جريان الأصل النافي في بعض الأطراف؛ لأنّ تنجيز الجامع لا يقتضي أكثر من أن يأتي
المكلّف بأحد الطرفين ويُعدّ ذلك موافقة قطعية للإتيان بالجامع، فلماذا يستحيل
الترخيص في الطرف الآخر ؟ لماذا العلّية التامّة ؟
نعم، إذا
تجاوزنا الجامع، وجئنا إلى الطرفين إلى هذا الطرف
وهذا الطرف؛ حينئذٍ نقول أنّ الموجود في المقام هو علم إجمالي، بالنسبة إلى الجامع
يخرج عن كونه علماً إجمالياً، علم تفصيلي بالجامع، لكن إذا تجاوزنا الجامع لا يبقى
لدينا إلاّ العلم الإجمالي، لكن محل كلامنا هو أنّ هذا العلم الإجمالي هل يقتضي
وجوب الموافقة القطعية بنحو العلّية، أو لا ؟ هذا لوحده لا ينتج إثبات العلّية؛
لأنّه بلحاظ الجامع حتّى إذا سلّمنا وجود علمٍ تفصيلي، فهو لا يقتضي الإتيان
بالطرفين، لا يقتضي المنع من إجراء الأصل المؤمّن في بعض الأطراف؛ لأنّ الجامع
يصدق على بعض الأطراف، ويكون موافقة قطعية له. إذا تجاوزنا الجامع وجئنا إلى
الأطراف، الأطراف ليس فيها علم تفصيلي، وإنّما فيها علم إجمالي مرددّ إمّا هنا
وإمّا هنا، هذا العلم الإجمالي هو محل كلامنا، هل يقتضي وجوب الموافقة القطعية
بنحو العلّية حتّى يمنع من إجراء الأصل المرخّص في بعض الأطراف، أو لا ؟ الذي ذكره
المحقق العراقي(قدّس سرّه) بهذا البيان وحده لا يثبت العلّية.
الذي
يتلخّص من كل ما تقدّم كي نخرج بنتيجة هو:
لا ينبغي الإشكال في أنّ العلم الإجمالي يقتضي وجوب الموافقة القطعية وهذا ما
بحثناه في الجهة الأولى، فرغنا في الجهة الأولى عن أصل الاقتضاء، أنّ العلم
الإجمالي يقتضي وجوب الموافقة القطعية، وإنّما الكلام يقع في المقام في أنّ هذا
الاقتضاء هل هو بنحو العلّية، أو ليس بنحو العلّية ؟ هل هو اقتضاء يمنع من الترخيص
في بعض الأطراف، هذا معناه العلّية، أو لا يمنع، ومعناه أنّه ليس على نحو العلّية
؟ القائل بعدم العلّية الذي يتمثّل بالمحقق النائيني(قدّس سرّه) في بعض كلماته،
تقدّم أنّه لم يستدل على الاقتضاء في مقابل العلّية، لم يذكر برهاناً على ذلك،
وإنّما القضية أشبه بالوجدانية ويرسلها أرسال المسلّمات، القضية واضحة، أنّ
الترخيص في جميع الأطراف محال؛ لأنّه ترخيص في المعصية، لكن الترخيص في بعض
الأطراف يقول هذا ليس ترخيصاً في المعصية، لم يذكر برهاناً واضحاً على هذا. نعم،
في بعض كلماته استدل على أنّ الترخيص في بعض الأطراف ممكن؛ لأنّه يقول أنّ هذا
الترخيص في بعض الأطراف يرجع إلى مسألة جعل البدل، يقول هذا في واقعه جعل للبدل،
أنّ الترخيص في هذا الطرف مرجعه إلى أنّ الشارع اكتفى بهذا بدلاً عن الواقع، هذا
جعل للبدل ولا مشكلة فيه، الشارع يجعل البدل ويكتفي بالموافقة الاحتمالية؛ بل ذكر
أكثر من هذا أنّ الشارع اكتفى بالموافقة الاحتمالية حتّى في العلم التفصيلي، في
موارد العلم التفصيلي الشارع اكتفى بالموافقة الاحتمالية في بعض الموارد كما في
قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز مع العلم التفصيلي، إذن: في موارد العلم الإجمالي من
بابٍ أولى أنّه يمكن الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية، يمكن جعل أحد الطرفين بدلاً
عن الواقع والاكتفاء باحتماله، الأمر ممكن وليس محالاً؛ ولذا فالعلم الإجمالي ليس علّة
تامّة لوجوب الموافقة القطعية على نحوٍ يمنع من إجراء الأصول في بعض الأطراف. هذا
القائل بعدم العلّية.
المحقق
العراقي(قدّس سرّه) القائل بالعلّية ذكر برهاناً
على ذلك وهو الذي ذكرناه قبل قليل وهو الذي يعتمد على أساس وتمام النكتة التي فيه هي
بعد الفراغ عن أنّ العلم الإجمالي على كل الآراء هو ينجّز الجامع، وبعد الفراغ عن
وجود مضادّة بين الترخيص وبين التكليف المعلوم بالإجمال الذي تنجّز بالعلم
الإجمالي، هو يستدل لإثبات العلّية في محل الكلام بمسألة القطع والاحتمال، أنّ
المضادّة متيقنة إذا جرى الترخيص في جميع الأطراف، فيلزم من ذلك اجتماع الحكمين
المتضادّين قطعاً، يقول الترخيص في بعض الأطراف يلزم احتمال اجتماع الحكمين
المتضادين وهو في الاستحالة كالقطع باجتماعهما؛ لأنّ المستحيل ينبغي القطع بعدمه
لا أنّه يُحتمل. هذه صورة برهان.
حينئذٍ
نأتي إلى هذا البرهان الذي ذكره المحقق
العراقي(قدّس سرّه) لإثبات العلّية، الظاهر أنّ هذا البرهان غير تام، لكن لا نريد
أن نقول أنّه غير تام لما تقدّم من أنّ العلم الإجمالي ينجّز الجامع، لكنّ الجامع
لا يقتضي الإتيان بكلا الطرفين؛ لأنّ موافقة الجامع قطعاً تتحقق بالإتيان بأحد
الطرفين كما ذكرنا سابقاً، لا نريد أن نُشكل عليه بهذا الإشكال؛ لأنّ هذا الإشكال
غير صحيح على ما تقدّم سابقاً في الجهة الأولى؛ لأننا قلنا أنّ هذا لا يمكن
تصديقه، أنّ الشارع يريد من المكلّف الإتيان بأحد الطرفين، إمّا صلاة الظهر، أو
صلاة الجمعة، الشارع يريد من المكلّف إمّا صلاة الجمعة، أو صلاة الظهر، هو لا يريد
من المكلّف عنوان أحد الأمرين الذي يمكن تطبيقه على هذا الطرف ويمكن تطبيقه على
هذا الطرف بحيث يكون المكلّف مخيّراً بتطبيقه على هذا الطرف، أو على ذلك الطرف،
مخير بينهما شرعاً، بمعنى أنّ التكليف موجّه إلى عنوان أحدهما، كلا ليس هكذا، هذا
لا يمكن تصديقه، ما كلّف به الشارع وما أثبتته الشريعة هو عبارة عن وجوب صلاةٍ ما،
إمّا صلاة الظهر، أو صلاة الجمعة.
إذن: ما
يتنجّز على المكلّف ليس هو عنوان أحدهما الذي يمكن تطبيقه على هذا، أو على هذا،
وإنّما ما يتنجّز على المكلّف هو واقع أحد الأمرين، هذا هو الذي يتنجّز على
المكلّف، ومن الواضح أنّ هذا الذي يتنجّز لا يكفي في امتثاله قطعاً والموافقة
القطعية له الإتيان بأحد الطرفين؛ بل لابدّ من الإتيان بكلا الطرفين وعلى هذا الأساس
قلنا في الجهة السابقة أنّه لا إشكال في أنّ العلم الإجمالي يقتضي وجوب الموافقة
القطعية، لو بقينا نحن والعلم الإجمالي كان مقتضى ذلك هو وجوب الموافقة القطعية
له، ليس الاعتراض على برهان المحقق العراقي(قدّس سرّه) من هذه الجهة، وإنّما
الاعتراض من جهةٍ أخرى يأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى.