الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

35/06/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العمليّة/ منجّزية العلم الإجمالي
كان الكلام في علّية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية وعدمها المسمّى بالاقتضاء. ذكرنا في الدروس السابقة الدليل الذي يُستدلّ به على الاقتضاء وذكرنا كلام المحقق النائيني(قدّس سرّه) وأشرنا إلى ما ذكره السيد الخوئي (قدّس سرّه). أمّا القول الآخر، وهو القول بالعلّية، أي أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية كما هو علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعية الذي لازمه استحالة جعل الترخيص حتّى في بعض الأطراف، كما يستحيل جعل الترخيص في جميع الأطراف؛ لأنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعية كذلك يستحيل جعل الترخيص في بعض الأطراف؛ لأنّ العلم الإجمالي أيضاً علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية.
ذكر السيد الخوئي(قدّس سرّه) دليلين لهذا القول، نقل احدهما عن ونقل الآخر عن بعض الأساطين من طلاب صاحب الكفاية(قدّس سرّه)، والظاهر ـــــــــــ والله العالم ـــــــــــ أنّ المقصود به المحقق العراقي.
أمّا الدليل الأوّل الذي نقله عن صاحب الكفاية(قدّس سرّه)، [1]وحاصل ما يقوله هو : أنّه لا فرق بين العلم التفصيلي وبين العلم الإجمالي من حيث الانكشاف، كل منهما ينكشف به الواقع، وإنّما الفرق بينهما من جهة المعلوم، من جهة متعلّق العلم، ويوضّح هذا، وحاصل كلامه هو: أنّ متعلّق العلم ـــــــــــــ المعلوم ـــــــــــــ تارةً نفترض أنّه فعلي من جميع الجهات، يكون المعلوم فعلياً من جميع الجهات، وهذا مطلب تقدّم التعرّض إليه في بحث حرمة المخالفة القطعية، أنّ المعلوم تارة يكون فعلياً من جميع الجهات، وأيضاً تقدّم مقصوده بالفعلية بأنّه يكون واصلاً واجداً لما هو العلّة التامّة للبعث والزجر الفعليين، وصول التكليف إلى مرحلة البعث الفعلي والزجر الفعلي، إذا كان تامّ الفعلية من جميع الجهات، متعلّق العلم ـــــــــــــ المعلوم ــــــــــــ فحينئذٍ يمتنع جعل الحكم الظاهري على خلافه من دون فرقٍ بين العلم التفصيلي والعلم الإجمالي، كما يمتنع ذلك في موارد العلم التفصيلي بالتكليف عندما يكون التكليف فعلياً من جميع الجهات، كذلك يمتنع جعل الترخيص على خلافه في موارد العلم الإجمالي إذا كان التكليف أيضاً فعلياً تام الفعلية من جميع الجهات، فلا فرق بينهما حينئذٍ عندما نفترض أنّ التكليف تام الفعلية من جميع الجهات، كما يستحيل الترخيص في جميع الأطراف، كذلك يستحيل الترخيص في بعض الأطراف، وذلك لأنّ المفروض أنّ التكليف تامّ الفعلية من جميع الجهات، الترخيص في جميع الأطراف محال؛ لأنّه يلزم منه اجتماع المتضادّين؛ لأنّ التكليف فعلي والترخيص فعلي، وهما حكمان متضادان يستحيل أن يكونا فعليين، فيلزم من الترخيص في جميع الأطراف اجتماع التكليفين الفعليين المتضادين، وهذا محل. كذلك يقول يمتنع جعل الترخيص في بعض الأطراف؛ لنفس السبب السابق، لكن في مرحلة الاحتمال، بمعنى أنّه يلزم من ذلك احتمال اجتماع المتضادين ولا يُعقل اجتماع المتضادان قطعاً ولا حتّى احتمال اجتماعهما، فأنّه غير معقول؛ بل ينبغي القطع بعدم اجتماعهما، احتمال أن يكون الشيء مستلزماً لاحتمال اجتماع المتضادين هذا أيضاً يكون محالاً، وحيث أنّ الترخيص في بعض الأطراف يلزم منه احتمال الاجتماع؛ لأنّه على تقدير أن يكون الطرف الثابت في الترخيص هو الذي ثبت فيه التكليف، فسوف يجتمع حكمان فعليان متضادان وهما الترخيص والتكليف، ولو على مستوى الاحتمال، وهذا أيضاً محال، وأخرى نفترض أنّ التكليف متعلّق العلم ليس فعلياً من جميع الجهات كما ذكر؛ حينئذٍ يمكن جعل الترخيص من دون فرقٍ بين العلم التفصيلي والعلم الإجمالي، بمعنى أنّه حتّى مع العلم التفصيلي بالتكليف إذا فُرض أنّ متعلّقه لم يصل إلى مرحلة الفعلية التامّة من جميع الجهات حتّى العلم التفصيلي بهذا التكليف لا يمنع من جعل الترخيص على خلافه، إذا فرضنا ذلك أنّ العلم الإجمالي يتعلّق بتكليفٍ ليس تام الفعلية من جميع الجهات، يعني بالرغم من تعلّق العلم التفصيلي به هو يبقى فعليته متوقفة على شيءٍ آخر غير العلم التفصيلي إذا فرضنا ذلك، يقول: حتّى هذا العلم التفصيلي أيضاً لا مانع من جعل الترخيص في مخالفة التكليف المعلوم بالتفصيل التام الفعلية من جميع الجهات. غاية الأمر في موارد العلم التفصيلي لا نحتمل عدم تحقق الفعليّة من جميع الجهات؛ لأنّ المفروض أنّ محل الكلام هو في التكليف الفعلي من كل الجهات الأخرى ما عدا مسألة الجهل به، هو تام الفعلية من سائر الجهات، فإذا تعلّق العلم التفصيلي به، مقتضى الحال أن يكون فعلياً من جميع الجهات؛ لأنّه تام الفعلية من سائر الجهات وتعلّق به العلم التفصيلي، مع ذلك هو لا يكون تام الفعلية، معناه أنّ فعليته تكون متوقفة على أمر غير حاصل، هذا بعيد جدّاً، فدائماً العلم التفصيلي عندما يتعلّق بتكليف تام الفعلية من جميع الجهات، ليس هو مورد اضطرار وليس هو مورد حرج كل هذه ننفيها، تام الفعلية من جميع الجهات، عادة يكون التكليف تام الفعلية من جميع الجهات ويستحيل جعل الترخيص على خلافه. وبهذا يظهر الفرق بين العلم التفصيلي وبين العلم الإجمالي، في العلم الإجمالي قد لا يُدعى هذا؛ لأنّه قد يقال أنّ متعلّق العلم الإجمالي تكليف ليس تام الفعلية من جميع الجهات وإن تعلّق به العلم الإجمالي؛ لأنّه يوجد احتمال أنّ فعليته لا تتم إلاّ بالعلم التفصيلي، لكن عندما نفترض العلم التفصيلي؛ حينئذٍ لا يمكن أن تكون الفعلية تامّة، لكن في العلم الإجمالي يمكن أن يقال أنّ فعلية التكليف ليست تامّة من جميع الجهات؛ لاحتمال أن يكون العلم التفصيلي دخيلاً .





[[1]] دراسات في علم الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد الشاهرودي، ج 3، ص 352.