الموضوع: الأصول
العمليّة/ منجّزية العلم الإجمالي
كان الكلام في الوجوه
الثبوتية التي يُستدَل بها على أنّ العلم
الإجمالي مانع من جريان الأصول العملية وإثبات الترخيص الظاهري في جميع أطراف العلم
الإجمالي، واشرنا في الدرس السابق إلى أنّ عمدة هذه الوجوه تتوقف على أنّ الحكم
العقلي الذي يمنع من جريان الأصول في تمام أطراف العلم الإجمالي هو حكم تنجيزي ليس
معلّقاً على عدم ورود ترخيصٍ من الشارع، وإلاّ لو كان تعليقياً، فمن الو اضح جدّاً
أنّ العقل حينئذ ليس بإمكانه أن يمنع من الترخيص؛ لأنّه هو معلّق على عدمه،
فالترخيص يكون رافعاً لموضوع الحكم العقلي. وبعبارة أخرى: ليس هناك مضادة ومناقضة
بين الترخيص والحكم العقلي بالتنجيز إلاّ إذا كان الحكم العقلي تنجيزياً، أمّا إذا
كان معلّقاً على عدم الترخيص، فلا مضادة بينهما؛ إذ يكون الترخيص رافعاً لموضوع
الحكم العقلي، عمدة الوجوه التي تُذكر لابد أن يُفترض فيها ذلك، هي مبنيّة على
ذلك؛ وحينئذٍ يُذكر المانع الثبوتي بناءً على منجّزية الحكم العقلي وكونه حكماً
عقليا تنجيزياً، فتُذكر هذه الوجوه لإثبات أنّ الترخيص لا يمكن جعله في تمام أطراف
العلم الإجمالي، نذكر بعض هذه الوجوه:
الوجه الأوّل:
ما يذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه)
[1]وآخرون
من أنّ الترخيص في تمام أطراف العلم الإجمالي يستلزم المخالفة القطعية للتكليف
المعلوم بالإجمال ولا يُعقل الترخيص في المخالفة القطعية؛ لأنّ المخالفة القطعية
تعني معصية التكليف الواصل إلى المكلّف والذي يعلم به المكلّف، ولا يًعقل صدور الترخيص
في المعصيّة من الشارع، باعتبار أنّ المعصية قبيحة بحكم العقل ولا يُعقل أن يُرخّص
الشارع في القبيح عقلاً. إذن: يستحيل الترخيص في تمام أطراف العلم الإجمالي؛ لأنّ
هذا الترخيص يعني الترخيص في المخالفة القطعية القبيحة عقلاً، وهذا محال. جريان
الأصول العملية في تمام أطراف العلم الإجمالي هو ترخيص في المخالفة القطعية
العملية القبيحة بحكم العقل، فيُمنع الترخيص في تمام الأطراف.
من الواضح أنّ مرجع هذا
الوجه هو إلى دعوى التضاد بين الترخيص في
تمام الأطراف وبين حكم العقل بأنّ المخالفة القطعية العملية للتكليف المعلوم
بالإجمال قبيح؛ لأنّ الترخيص يصطدم مع هذا الحكم العقلي بقبح المعصية، فيكون
الترخيص محالاً وممنوعاً منه؛ لأنّه يصطدم مع الحكم العقلي بقبح المعصية، وحيث أنّ
الترخيص في تمام الأطراف يستلزم المخالفة العملية القطعية للتكليف الواصل إلى
المكلّف، هذا قبيح؛ لأنّها معصية والمعصية قبيحة، فيكون الترخيص مضاداً لهذا الحكم
العقلي.
إذن:
يُمنع الترخيص؛ لأنّه يصطدم مع الحكم العقلي، والمهم هو أن نثبت هذا، ومن الواضح
أنّ هذا الوجه عندما يدّعي التضاد بين الترخيص في تمام الأطراف وبين الحكم العقلي
واضح أنّه يبتني على افتراض أنّ الحكم العقلي هو حكم تنجيزي؛ حينئذٍ تصح دعوى المضادة
بين الترخيص في تمام الأطراف وبين هذا الحكم العقلي التنجيزي، فيمنع الترخيص؛
لأنّه يصطدم مع الحكم العقلي التنجيزي، وأمّا إذا كان الحكم العقلي بقبح معصية
المولى وقبح المخالفة العملية لتكليف المولى الواصل إذا كان حكماً تعليقياً
معلّقاً على عدم وصول الترخيص من قبل نفس المولى؛ حينئذٍ لا مضادة بين ترخيصٍ في
تمام الأطراف وبين الحكم العقلي؛ لما قلناه من أنّ الحكم العقلي بحسب الفرض معلّق
على عدم الترخيص، فيكون الترخيص رافعاً لموضوعه، فلا يوجد فرض يستمر فيه هذان
الحكمان؛ لأنّه مع فرض الترخيص لا موضوع للحكم العقلي ومع عدم الترخيص يكون الحكم
العقلي ثابتاً دون الترخيص، فلا مضادة بينهما، فالتضاد الذي يدّعيه في المقام بين
الترخيص في تمام الأطراف وبين الحكم العقلي مبني على افتراض أنّ الحكم العقلي حكم
تنجيزي، وكونه تنجيزياً يعني ثابتاً حتّى مع ورود الترخيص، يعني أنّ العقل يحكم
بقبح مخالفة المولى وقبح المعصية حتّى مع فرض ورود الترخيص من قبل نفس المولى، في
هذه الحالة لا إشكال في أن يكون الترخيص مضادّاً للحكم العقلي ومصطدم معه، فيمتنع
الترخيص؛ لأنّه يكون مضاداً له، فإذن: نفس هذا الوجه لإثبات امتناع الترخيص في
تمام الأطراف وعدم جريان الأصول المؤمّنة في تمام الأطراف هو يبتني على افتراض أنّ
الحكم العقلي بقبح المعصية، الحكم العقلي بقبح المخالفة العملية القطعية للتكليف
المعلوم بالإجمال هذا حكم تنجيزي وليس حكماً تعليقياً. غرضنا هو إثبات هذا المطلب،
وهو أنّ دعوى وجود مانع ثبوتي في محل الكلام يبتني على أنّ الحكم العقلي في المقام
هو حكم تنجيزي.
الوجه الثاني:
هو ما في الكفاية، المحقق الخراساني في الكفاية في هذا البحث ذكر كلاماً يُفهم من
كلامه أنّه يدّعي استحالة جعل الترخيص في تمام الأطراف؛ بل يُفهم من كلامه استحالة
جعل الترخيص حتّى في بعض الأطراف الذي هو فعلاً ليس محل كلامنا، وسيأتي الكلام عنه
في المقام الآخر، يُفهم من كلامه استحالة جعل الترخيص في تمام الأطراف، باعتبار
أنّ هذا الترخيص يكون مضاداً لنفس التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال، وبهذا يختلف
هذا الوجه عن الوجه الأوّل، في الوجه الأوّل كان يُدّعى أنّ هناك مضادة ومناقضة
بين جعل الترخيص في تمام الأطراف وبين حكم العقل، بينما هو يقول أنّ الترخيص في
تمام الأطراف مضاد لنفس التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال؛ لأنّ المفروض في موارد
العلم الإجمالي، أنّ المكلّف يعلم تكليفاً واقعياً على إجماله، هو يدّعي أنّ هناك
مضادة بين الترخيص في تمام الأطراف وبين التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال، وحاصل
ما ذكره هو : أنّ الحكم المعلوم بالإجمال الواصل إلى المكلّف، تارةً يفترض بلوغه
إلى مرتبة الفعلية من جميع الجهات ولا يفترض أنّ وصوله إلى مرتبة الفعلية من جهة
العلم الإجمالي به، المهم أنّه واصل إلى مرتبة الفعلية، وفسّر وصوله إلى مرحلة
الفعلية من جميع الجهات، بأنّه واجد لما هو علّة تامّة للبعث الفعلي، أو الزجر
الفعلي، بالرغم من إجمال التكليف واشتباهه وترددّه هذا العلم الإجمالي يوصله إلى
مرحلة الفعلية التامّة من جميع الجهات بحيث يكون واجداً لما هو علّة تامّة للبعث
الفعلي والزجر الفعلي باختلاف الموارد، تارةً يفترض التكليف المعلوم بالإجمال واصل
إلى مرحلة الفعلية التامّة من جميع الجهات، يعني ليست هناك حالة أخرى تتوقف عليها
فعلية التكليف ووصوله إلى مرحلة الباعثية والزاجرية الفعلية، ليس هناك حالة
مترقّبة، لا، هي تحصل ولو بافتراض العلم الإجمالي، العلم الإجمالي يوصل التكليف
إلى مرحلة الفعلية، وتارةً أخرى نفترض أنّ التكليف المعلوم بالإجمال ليس واصلاً
إلى مرتبة الفعلية التامّة من جميع الجهات، وإنّما تبقى فعليته التامّة متوقفة على
شيء آخر غير حاصل بنفس افتراض العلم الإجمالي، ونفترض أنّ الفعلية التامّة تتوقف
على العلم التفصيلي وحيث أنّ العلم التفصيلي غير حاصل في محل الكلام بحسب الفرض،
فلا يكون التكليف المعلوم بالإجمال فعلياً من جميع الجهات؛ بل تتوقف فعليته من
جميع الجهات على العلم التفصيلي به، فما لم يعلم به تفصيلاً لا تكون فعليته تامّة
من جميع الجهات.
إذن:
هذان فرضان، يقول، التكليف المعلوم بالإجمال إمّا أن تكون فعليته تامّة من جميع
الجهات واصل إلى مرحلة الداعوية الفعلية والزاجرية الفعلية ولو باعتبار العلم
الإجمالي هو الذي أوصله إلى هذه المرحلة، وتارةً نفترض أنّه ليس واصلاً إلى هذه
المرحلة، على الأوّل: إذا كان واصلاً إلى مرحلة الفعلية من جميع الجهات، يقول
يستحيل الترخيص في تمام الأطراف؛ للزوم اجتماع حكمين فعليين متضادّين، أحدهما
التكليف المعلوم بالإجمال المفترض أنّه فعلي من جميع الجهات، والآخر الترخيص
الفعلي وهما متضادان، ولا يُعقل الجمع بين حكمين فعليين متضادان، إذن: لا يُعقل
الترخيص في تمام الأطراف؛ للزوم هذا المحذور، وهذا المحذور يمنع من افتراض الترخيص
في تمام الأطراف؛ لأنّه لا يُعقل جعل حكم فعلي في أحد الطرفين مع ترخيص فعلي في
كلا الطرفين، هذا غير ممكن لا يمكن الجمع بينهما، وعلى هذا يكون التكليف في هذه
الحالة منجّزاً، يستحيل جعل الترخيص في تمام الأطراف، وهذا معناه أنّ التكليف يكون
منجّزاً وتصح العقوبة على مخالفته، فيكون العلم الإجمالي منجّزاً لهذا التكليف؛ بل
يُفهم من كلامه استحالة جعل الترخيص حتّى في طرفٍ واحد، حتّى في بعض الأطراف وليس
فقط في تمام الأطراف، وذلك باعتبار أنّ هذا الترخيص في الطرفين مضاد للتكليف
الواقعي المعلوم بالإجمال على تقدير تحققّه في ذلك الطرف، في الطرف الواحد يجعل
تكليفاً فعلياً وترخيصاً فعلياً. نعم، مضادة الترخيص لأحد الأطراف مع التكليف
المعلوم بالإجمال على تقدير تحقق التكليف في ذلك الطرف، وحيث أنّ هذا التقدير
محتمل، محتمل أن يكون التكليف المعلوم بالعلم الإجمالي متحققاً في هذا الطرف الذي
فُرض فيه الترخيص، هذا معناه أننا نحتمل المضادة، التضاد مستحيل حتّى احتمالاً
وليس فقط التضاد جزماً مستحيل؛ بل التضاد محال حتّى احتمالاً، وهذا يوجب منع
الترخيص حتّى في أحد الأطراف لاحتمال التضاد، جعل الترخيص في تمام الأطراف ممنوع؛
لأنّه يستلزم التضاد المعلوم بين الحكمين الفعليين المتضادّين، جعل الترخيص في أحد
الطرفين أيضاً ممنوع؛ لأنّه يحتمل التضاد الذي سوف يحقق التضاد احتمالاً واحتمال
التضاد محال، لا يُعقل أن نفترض احتمال التضاد، هذا أيضاً محال. على كل حال كلامنا
في الأوّل.
إذن:
على الفرض الأوّل يستحيل جعل الترخيص في تمام الأطراف، على الثاني، أي إذا لم يكن
التكليف المعلوم بالإجمال واصلاً إلى حدّ الفعلية، ويبدو على الثاني يمكن جعل
الترخيص في تمام الأطراف؛ لأنّه ليس لدينا تكليف واصل إلى مرحلة الفعلية من جميع
الجهات، فلا مانع من جعل الترخيص في تمام الأطراف، تقريباً هذا هو مفاد كلامه.
هذا الكلام واضح أنّه
يفترض التضاد بين الترخيص في تمام الأطراف وبين التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال،
نعم، على فرض وصوله إلى الفعلية التامّة من جميع الجهات يحصل تضاد بين الترخيص
وبين التكليف المعلوم بالإجمال، وليس بين الترخيص وبين حكم العقل بقبح المعصية،
بقبح المخالفة العملية لتكليف المولى.
لوحظ على هذا الكلام أنّ
بلوغ التكليف إلى مرحلة الفعلية التامّة الموجبة للتضاد بين الترخيص وبين التكليف،
تارةً يكون المقصود بها هو وصول التكليف إلى درجة من الأهمية بحيث أنّ المولى لا يرضى
بتفويته بالرغم من كونه غير معلوم بالتفصيل، المولى يهتم به كثيراً ولا يرضى
بتفويته ويُلزم المكلّف بالتحفّظ عليه والاحتياط من ناحيته، تارةً يُقصد بالفعلية
معنى من هذا القبيل، إذا فرضنا أنّ هذا المعنى هو المقصود بالفعلية من جميع
الجهات؛ فحينئذٍ لا إشكال في أنّ ما يذكره صحيح، بمعنى أنّه يستحيل جعل الترخيص في
تمام الأطراف؛ إذ من غير المعقول أن يجعل الشارع نفسه الذي فرضنا أنّه يهتم بهذا
التكليف بالرغم من اشتباهه وتردده، يهتم به ولا يرضى بتفويته بحيث يُلزِم المكلّف
بالتحفّظ عليه والاحتياط من ناحيته، لا يُعقل أنّ نفس هذا المولى يُرخص في مخالفته
ويُرخّص في ترك التحفّظ تجاهه، لا يُعقل أن يجعل الشارع الترخيص في تمام الأطراف
الذي يعني عدم الاعتناء بالتكليف المعلوم بالإجمال وعدم التحفّظ عليه، بينما فرضنا
أنّ هذا التكليف واصل إلى مرحلة الفعلية، والمراد بالفعلية هو أن يصل التكليف إلى
درجة بحيث يهتم به الشارع ويريده من المكلّف ويريد من المكلّف أن يتحفّظ عليه حتّى
مع اشتباهه، ويأمره بالاحتياط من ناحيته حتّى يُدرك ذلك التكليف الذي يهتم به، فمن
الواضح أنّه ليس من المعقول مع هذا الاهتمام أنّ يجعل ترخيصاً في تمام أطراف هذا التكليف،
صحيح أنّ الترخيص في تمام الأطراف يكون محالاً مع هذا الافتراض، لكن هذا الافتراض
في نفسه كأنّه ليس محل الكلام، نحن لا نتكلّم عن تكليفٍ فرغنا عن عدم إمكان جعل
الترخيص فيه، موضوع كلامنا ليس هو التكليف المعلوم بالإجمال الذي فرغنا عن عدم
إمكان جعل الترخيص في أطراف العلم الإجمالي من ناحيته، موضوع الكلام وموضوع البحث
تكليف معلوم بالإجمال نتكلّم هنا عن إمكان جعل الترخيص في مخالفته وعدم إمكان جعل
الترخيص.
وبعبارة أخرى:
أنّ العلم الإجمالي هل حاله حال الشك البدوي أو لا ؟ هل يمكن جعل الترخيص في أطراف
العلم الإجمالي مع العلم الإجمالي بالتكليف ؟ هذا معناه أننا لم نفترض في مرحلةٍ
سابقة أنّ التكليف واصل إلى مرحلة من الفعلية يهتم بها الشارع ويريد من المكلّف
التحفّظ عليه ولا يُرخّص فيه إطلاقاً، وبعد أن فرغنا عن عدم إمكان الترخيص في
مخالفة هذا التكليف المعلوم بالإجمال، إذن: نبحث عن ماذا في المقام ؟ افترضنا
فرضاً أنّ الشارع لا يرضى بالترخيص في هذا التكليف؛ لأنّه أمر المكلّف بالتحفظ
عليه وأمره بالاحتياط من ناحيته، يعني فرضناً مسبقاً أنّ هذا التكليف لا يُعقل جعل
الترخيص في مخالفته من قبل الشارع، وكلامنا هو هل يمكن جعل الترخيص في تمام
الأطراف، أو لا يمكن ؟ هذا محل كلامنا، إذن، لابدّ أن نفترض أنّ موضوع البحث هو
تكليف لم نفترض فيه عدم إمكان جعل الترخيص في أطرافه، هذا محل كلامنا، أمّا أن
نفترض أنّ هذا التكليف لا يُعقل جعل الترخيص من قبل الشارع في مخالفته مسبقاً هذا
خروج عن محل الكلام.
وبعبارة أكثر وضوحاً:
أنّ محل البحث هو أنّ هذا التكليف المعلوم بالإجمال هل هو واصل إلى هذه المرحلة،
أو ليس واصلاً إلى هذه المرحلة ؟ هذا هو محل كلامنا، أنّ التكليف المعلوم بالإجمال
هل حاله حال التكليف المعلوم بالتفصيل، أو أنّ حاله حال التكليف المشكوك بالشك
البدوي ؟ هل التكليف المعلوم بالإجمال واصل إلى هذه المرحلة من الفعلية، بحيث أنّ
المولى لا يرضى بتفويته ويستحيل أن يُرخّص في مخالفته، هل هو كذلك، أو ليس كذلك ؟
وإنّما حاله حال المشكوك بالشك البدوي ؟ هذا محل كلامنا.
إذن:
لا يجب أن نفترض مسبقاً أنّ التكليف هو تكليف لا يُعقل أن يُرخّص الشارع في
مخالفته، هذا خروج عن محل الكلام، صاحب الكفاية كأنّه افترض مسبقاً أنّ التكليف
هذا من نوع خاص، بناءً على تفسير الفعلية في كلامه بهذا التفسير، أنّ المقصود
بالفعلية في كلامه أنّه واصل إلى مرحلة من الاهتمام بحيث لا يرضى الشارع بتفويته
ويأمر المكلّف بالاحتياط من ناحيته، هذا إذا أُريد بالفعلية هذا المعنى، أمّا إذا
أُريد بالفعلية معنى آخر، أنّ كون التكليف فعلياً يعني أنّ التكليف في حدّ نفسه
فعلي، فعلية ليس بلحاظ اهتمام المولى به أكثر من غيره ويريد المولى التحفّظ عليه
ويأمر بالاحتياط من ناحيته، وإنّما مبادئ هذا الحكم هي مبادئ فعلية، وموضوعه فعلي،
يعني أنّ هذا التكليف الواقعي هو فعلي من ناحية المبادئ وفعلي من ناحية الموضوع
وفعلي من نواحي أخرى، هو بنفسه واصل إلى حد الفعلية، إذا كان هذا هو المقصود؛
فحينئذٍ دعوى عدم إمكان جعل الترخيص في تمام الأطراف هذه محل كلام، وليست واضحة،
من قال أنّه لا يمكن جعل الترخيص في تمام الأطراف في حكم واقعي فعلي بمعنى أنّه
فعلي بمبادئه وفعلي بموضوعه ؟ من قال أنّه لا يمكن جعل الترخيص في تمام الأطراف
بحيث أنّ وصول الحكم إلى مرحلة الفعلية يعني استحالة جعل الترخيص في تمام الأطراف
؟ هذا الكلام في الحقيقة مبني على أنّ موضوع الحكم الظاهري هل هو محفوظ في موارد
العلم الإجمالي، أو لا ؟ في موارد التكليف المشكوك بالشك البدوي لا إشكال في
انحفاظ موضوع الحكم الظاهري، لكن هل موضوع الحكم الظاهري محفوظ في موارد العلم
الإجمالي، أو لا ؟ هذا الكلام يبتني على أنّه غير محفوظ كما هو الحال في موارد العلم
التفصيلي كما هو المعروف، في موارد العلم التفصيلي لا موضوع للحكم الظاهري، العلم
الإجمالي هل هو من قبيل العلم التفصيلي أو من قبيل الشك البدوي ؟ موضوع الحكم
الظاهري فيه محفوظ، أو لا ؟ إذا قلنا أنّ موضوع الحكم الظاهري كما سيأتي الحديث عن
هذا المطلب؛ حينئذ هذا الكلام لا يكون تامّاً، ولا يمكن أن نحكم باستحالة الترخيص
الظاهري في تمام الأطراف؛ لأنّه يُضاد هذا التكليف، وليس أنّه يضاد حكم العقل،
وإنّما يضاد هذا التكليف المعلوم بالإجمال الواصل إلى مرحلة الفعلية بهذا المعنى،
بمعنى أنّه فعلي في حدّ نفسه، لا بلحاظ عالم المزاحمة مع شيء آخر واهتمام الشارع
به، كلا، يمكن أن يقال أنّ موضوع الحكم الظاهري في موارد العلم الإجمالي محفوظ
وهذا لا يُسوّغ لنا أن نحكم باستحالة جعل الترخيص الظاهري في تمام أطراف العلم
الإجمالي من جهة المضادة مع التكليف الواقعي المعلوم بالإجمال.