الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

35/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العمليّة/ أصالة التخيير
كان الكلام فيما إذا كان أحد المحتملين أهم من الآخر، أو محتمل الأهمية، فهل يتعيّن تقديمه على الآخر، فتجب موافقته القطعية في محل الكلام ؟ بأن يأتي بالفعل في اليوم الأوّل وفي اليوم الثاني في المثال المتقدّم؛ لأنّ المختار هو التخيير الابتدائي، أو أنّه لا يجب تقديم محتمل الأهمية؛ بل يبقى التخيير على حاله، فيتخيّر بين الفعل وبين الترك، فبإمكانه أن يفعل في اليوم الأوّل، وكذا في اليوم الثاني، وبين أن يترك في اليوم الأوّل وكذا يترك في اليوم الثاني ؟ هذا محل الكلام.
وقلنا بأنّ هناك وجهان أستدل بهما على التخيير وعدم ملاحظة الأهمية، يعني عدم تقديم الأهم، الوجه الأوّل تقدّم ذكره في الدرس السابق وكذا الوجه الثاني، قلنا أنّ الوجه الأوّل أجيب عنه بجوابين، وقد ذكرنا الجواب الأوّل منهما، وكان حاصله: أنّ وجوب الموافقة القطعية ليس تنجيزياً، تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية تعليقي، بينما تأثير العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية تأثير تنجيزي، والقاعدة في أنّه كلّما تعارض مقتضي تنجيزي ومقتضي تعليقي يُقدّم المقتضي التنجيزي على المقتضي التعليقي؛ لأنّ المقتضي التعليقي معلّق على عدم وجود مانع، وتأثير العلم الإجمالي في حرمة المخالفة القطعية التنجيزي يشكّل مانعاً من تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية. مع افتراض ووضوح أنّ الموافقة القطعية للتكليف الأهم المعلوم بالإجمال يستلزم المخالفة القطعية للتكليف المهم المعلوم بالإجمال؛ فحينئذٍ كيف نقدّم وجوب الموافقة القطعية للتكليف الأهم على حرمة المخالفة القطعية ؟ والحال أنّ حرمة المخالفة القطعية فعلية، بينما وجوب الموافقة القطعية ليس فعلياً، وإنّما هو تعليقي .
الجواب الأوّل الذي تقدّم عن هذا الوجه خلاصته: أنّ التعليقية في تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية ليس معناها كونه معلّقاً على عدم وجود المقتضي لحرمة المخالفة القطعية، وإنّما التعليقية كما صرّح به القائلون بالاقتضاء معناها أنّه معلّق على عدم ورود الترخيص الشرعي في ترك الموافقة القطعية، فيكون تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية تنجيزياً لتحقق المعلّق عليه بالفرض، فيكون تأثيره كتأثير العلم الإجمالي في حرمة المخالفة القطعية، لا داعي لتقديم حرمة المخالفة على وجوب الموافقة بادعاء أنّ هذا تنجيزي وهذا تعليقي.
الجواب الثاني عن الوجه الأوّل: دعوى أنّ منجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية الذي هو بنحو العلّية التامّة بحسب الفرض، لا يعني حتمية التأثير بجميع الحالات، بمعنى أنّه في جميع الحالات المتصوّرة كلّما تحقق علم إجمالي لابدّ أن يؤثر تأثيراً تنجيزياً في حرمة المخالفة القطعية، الأمر ليس كذلك، وإنّما الصحيح هو أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لتنجيز حرمة المخالفة القطعية حينما يكون التكليف الذي نتحدّث عنه والذي علمنا به بالإجمال داخلاً في دائرة حقّ الطاعة وحقّ المولوية، عندما يكون التكليف من هذا القبيل؛ حينئذٍ يقال أنّ العلم الإجمالي يؤثر في حرمة مخالفته القطعية تأثيراً تنجيزياً فعلياً لا ينفك عنه، لكن هذا عندما يكون التكليف داخلاً في حق الطاعة، مشمولاً لحق المولوية.
بعبارة أخرى: يكون المولى مولى بلحاظ ذلك التكليف، حقّ المولوية فيه ثابت؛ عندئذٍ يقال أنّ العلم الإجمالي ينجّز حرمة المخالفة القطعية بنحو العلّية التامّة التي يستحيل انفكاكها عن العلّة. وأمّا إذا فرضنا أنّ التكليف ليس داخلاً في دائرة حقّ الطاعة، المولى ليس مولى بلحاظه، كما لو فرضنا أنّ الآمر لم يكن مولى أصلاً، لا معنى لأن نقول أنّ العلم الإجمالي به يستلزم حرمة المخالفة القطعية على نحوٍ لا ينفك عن ذلك، عندما لا يكون المولى مولى بلحاظ ذلك التكليف المعلوم بالإجمال، فالعلم الإجمالي لا ينجّز حرمة المخالفة القطعية بنحو العلية التامّة على نحوٍ يستحيل الانفكاك، ليس هكذا.
تتميم هذا الجواب الثاني؛ حينئذٍ يقال: في محل الكلام يمكن أن يقال أنّ التكليف المهم عندما يُزاحم التكليف الأهم يخرج عن دائرة حق الطاعة، عندما نفترض أنّ أحد التكليفين كان أهم في نظر الشارع ومع افتراض أنّ المكلّف لا يتمكن من امتثالهما معاً لما تقدّم من أنّ امتثال أحدهما يستلزم مخالفة الآخر؛ حينئذٍ يُدّعى أنّ العقل يقول لابدّ من ملاحظة الأهم، فيخرج المهم عن دائرة حق الطاعة، ولا يثبت فيه حق المولوية، بمعنى أنّ المولى لا يكون مولى بلحاظه، فإذا خرج عن دائرة حق الطاعة والمولوية؛ حينئذٍ لا معنى لأن يقال أنّ العلم الإجمالي به يكون علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعية بحيث أنّ تنجيز العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية للمهم يكون مانعاً من تأثير العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية للأهم، هذا لا وجه له؛ لأنه يتوقّف على أن يكون المهم باقياً داخلاً في دائرة حق الطاعة وحقّ المولوية، نقول تكليفان للمولى موافقة أحدهما تستلزم مخالفة الآخر؛ فحينئذٍ يمكن أن يقال بأنّ وجوب الموافقة القطعية تعليقي بينما حرمة المخالفة القطعية تنجيزي، فتكون حرمة المخالفة القطعية مانعة من تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية. أمّا إذا  أنكرنا هذا وقلنا بأنّ المهم في حالة التزاحم وعدم القدرة على الامتثال يخرج عن دائرة حقّ الطاعة والمولوية؛ حينئذٍ لا يصح هذا الكلام. لا يمكن أن نقول أنّ العلم الإجمالي يؤثر بنحو العلّية التامّة في حرمة المخالفة القطعية حتّى يمنع من تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية، وهذا معناه أن تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية يبقى على حاله لا مانع منه، فنلتزم به، وإذا التزمنا به يجب تقديم الأهم. أصل الوجه الأوّل كان يريد إثبات عدم وجوب تقديم الأهم وبقاء المكلّف مخيّر بينهما؛ لأنّ الاعتبار بحرمة المخالفة القطعية؛ لأنّه تنجيزي، فيمنع من تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية؛ حينئذٍ بلحاظ العلم الإجمالي الأوّل تحرم المخالفة القطعية وبلحاظ الثاني تحرم المخالفة القطعية، نتيجتهما وجوب الموافقة الاحتمالية وهو معنى التخيير، غاية الأمر أنّ التخيير ابتدائي لا استمراري، فيبقى المكلّف مخيّر بين الفعل والترك في اليوم الأوّل لا أننا نلزمه بأن يختار الفعل؛ لأنّ الوجوب أهم. هذا أصل الوجه. هذا الجواب الأوّل، والجواب الثاني يريد أنّ يثبت أنّ تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية هو الثابت وليس هو حرمة المخالفة القطعية.
ثم صاحب الجواب الثاني يُنظّر، يقول ما نحن فيه من قبيل موارد العلم التفصيلي في الأهم والمهم وليس في موارد العلم الإجمالي في الأهم والمهم كما في محل كلامنا، يقال هناك أيضاً نفس هذا الكلام يقال باعتبار أنّ المكلّف بالرغم من علمه التفصيلي بالأهم والمهم مع ذلك يترك المهم ويفعل الأهم عندما يقع التزاحم فيما بينهما مع وضوح أنّ تأثير العلم التفصيلي في حرمة المخالفة القطعية هو حتمي وتنجيزي بلا إشكال، وبنحو العلّية التامّة. إذا كان هذا مقبولاً في موارد العلم الإجمالي بأن يترك المكلّف المهم ويأتي بالأهم، فليكن مقبولاً في محل الكلام، في محل الكلام أيضاً يترك المهم ويأتي بالأهم الذي معناه لزوم تقديم الأهم على المهم، في موارد العلم التفصيلي الإزالة والصلاة، علم تفصيلي بكلٍ منهما، بالمهم والأهم، تزاحما في مقام الامتثال، فالمكلّف يأتي بالأهم ويترك المهم، ليكن ما نحن فيه من هذا القبيل. هذا الجواب الثاني.
تعليق على هذا الكلام: بالنسبة إلى الجواب الثاني، هناك مناقشة فيه حاصلها: أنّ هذا الجواب الثاني لا يصلح أن يكون جواباً عن الوجه الأوّل بشكلٍ مستقل أي بقطع النظر عن الجواب الأوّل، يعني بقطع النظر عن منع كون تنجيز العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية تعليقياً، الجواب الأوّل هكذا كان حاصله، الوجه يقول تعليقي الجواب الأوّل يقول ليس تعليقياً؛ لأنّه معلّق على عدم ورود ترخيص وهذا مفروض في محل الكلام، إذن: تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية أيضاً تنجيزي، هذا الوجه الأوّل. بقطع النظر عن الجواب الأوّل، بمعنى أننا لو سلّمنا أنّ التأثير في وجوب الموافقة القطعية تأثير تعليقي، ليس على عدم ورود ترخيص كما قيل في الجواب الأوّل، وإنّما معلّق على عدم المانع، على عدم تحريم المخالفة القطعية بنحوٍ تنجيزي؛ لأنّه يكون مانعاً عن وجوب الموافقة القطعية، لو تنزلنا عن الجواب الأوّل وسلّمنا التعليقية في تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية، والتنجيزية بالمعنى المطروح في أصل الوجه في تأثير العلم الإجمالي في حرمة المخالفة القطعية، لو سلّمنا  ذلك وتنزلنا عن الجواب الأوّل فالجواب الثاني لا يصلح أن يكون جواباً عن الوجه الأوّل، بقطع النظر عن الجواب الأوّل كما هو المفروض من الناحية الفنية عندما يكون هناك جوابان فكل منهما يكون جواباً مستقّلاً في حدّ نفسه، لا أنّ أحدهما يعتمد على الثاني، لماذا لا يصلح الجواب الثاني ؟ الذي يقول بأنّ التكليف المهم لا يُعتنى به، عندما تكون هناك أهمية لا يعتنى بالمهم وإنّما يُعتنى بالأهم، إذا قطعنا النظر عن الجواب الأوّل وسلّمنا التعليقية والتنجيزية بالمعنى المطروح في الوجه الأوّل؛ حينئذٍ نقول لا أثر للأهميّة، ليكن الوجوب أهم، لكن بالنتيجة تأثير العلم الإجمالي الأوّل في وجوب الموافقة القطعية تأثير تعليقي على عدم حرمة المخالفة القطعية بنحوٍ تنجيزي، أن لا يصطدم مع حرمة المخالفة القطعية، في نفس هذا العلم حرمة المخالفة القطعية موجودة، وقلنا أن ّ وجوب الموافقة القطعية لكل علم يستلزم المخالفة القطعية؛ حينئذٍ إذا صار البناء على أنّه يوافق الأهم في العلم الإجمالي الأوّل، ويوافق الأهم في العلم الإجمالي الثاني، فقد وقع في المخالفة القطعية لنفس ذلك العلم، المخالفة القطعية لأحد العلمين تصطدم مع وجوب الموافقة القطعية للآخر، وكل منهما علم إجمالي؛ فحينئذٍ بقطع النظر عن الجواب الأوّل لابدّ أن يكون الأمر، يعني التكليف الفعلي المحقق فعلاً هو عبارة عن حرمة المخالفة القطعية لهذا العلم الإجمالي، وحرمة المخالفة القطعية تكون هي الفعلية حتّى لو فرضنا أنّ أحد التكليفين كان أهم، لا أثر للأهمية عندما نقول أنّ تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية تأثير تعليقي معلّق على عدم تأثير العلم الإجمالي في حرمة المخالفة القطعية؛ لأنّه قطعاً سوف يصبح الحكم الفعلي هو حرمة المخالفة القطعية ولا يؤثر العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية حتّى لو كان التكليف أهم؛ حينئذٍ لا يكون مؤثراً، فما معنى أن نقول أنّه عندما يكون أهم هذا يستلزم إهمال المهم ولزوم الإتيان بالأهم، هذا مع الالتزام بأنّ التعليقية والتنجيزية كما ذُكر في الوجه الأوّل لا معنى له. هذه الملاحظة على الجواب الثاني.
أقول: هذه الملاحظة غير واردة على الجواب الثاني؛ وذلك لأنّ الجواب الثاني مبني على افتراض أنّ المهم يخرج عن دائرة حق الطاعة ويخرج عن دائرة المولوية، المولى ليس مولى بلحاظه، أصلاً ليس مولى، عندما يتزاحم تكليفان ويُعلم بأنّ أحدهما أهم عند المولى، أو محتمل الأهمية عند المولى؛ حينئذٍ المهم يخرج عن دائرة حق الطاعة وحق المولوية، أصلاً لا يثبت فيه حق المولوية، المولى ليس مولى بلحاظه، هكذا المُدّعى في الوجه الثاني؛ حينئذٍ لا يحكم العقل بحرمة مخالفته حتّى نقول أنّ حرمة المخالفة تنجيزي ووجوب الموافقة تعليقي، فتكون الفعلية لحرمة المخالفة، هذا لا معنى له؛ لأنّ العقل لا يحكم بحرمة مخالفته؛ لأنّه يعتني بالأهم بحسب الفرض، الأهم هو المقدّم، وهو الباقي في دائرة حقّ الطاعة وحقّ المولوية، يثبت في الأهم حقّ المولوية، فتجب طاعته قطعاً، أمّا المهم فقد خرج عن دائرة حق الطاعة وعن دائرة المولوية، أفرض أننا سلّمنا التعليقية والتنجيزية على النحو المطروح في أصل الوجه، لكنّ هذا ينفع عندما تكون حرمة المخالفة ثابتة ويحكم بها العقل حكماً تنجيزياً؛ فحينئذٍ تقدّم على وجوب الموافقة القطعية التي يحكم بها حكماً تعليقياً، لكن عندما يحكم العقل بحرمة المخالفة والمفروض في الوجه الثاني أنّ العقل لا يحكم بحرمة المخالفة القطعية بلحاظ المهم؛ لأنّ المهم خرج عن دائرة حقّ المولوية، لا يثبت فيه حقّ المولوية، فلا يحكم العقل بحرمة مخالفته، فيبقى الأهم هو الداخل في هذه الدائرة، ويثبت فيه حقّ المولوية، فتجب موافقته القطعية وإن استلزم ذلك المخالفة القطعية للمهم؛ لأنّ العقل لا يحكم حينئذٍ بقبح المخالفة القطعية، فيمكن أن نجعل الجواب الثاني جواباً مستقلاً في قبال الجواب الأوّل، وليس مبنياً على ما ذكر في الجواب الأوّل من إنكار التعليقية والتنجيزية بالمعنى المطروح في أصل الوجه، ليس مبنياً على ذلك، حتّى لو سلّمنا التعليقية والتنجيزية بالمعنى المطروح في الوجه الأوّل هذا يكون جواباً مستقلاً.
نعم، الذي يمكن أن يُلاحظ على الجواب الثاني الذي هو جواب مستقلّ كما ذكرنا، الذي يُلاحظ عليه هو أننا ننكر خروج المهم عن دائرة حقّ المولوية في محل الكلام بحيث لا يحكم العقل بحرمة مخالفته. لماذا يخرج المهم عن دائرة حقّ الطاعة ولا يثبت فيه حقّ المولوية ؟ نعم، التكليف  يخرج عن دائرة حق الطاعة في موارد واضحة لا كلام فيها، كما لو لم يكن الآمر مولى، فمن الواضح أنّ هذا لا يثبت فيه حق الطاعة ولا حق المولوية ولا يحكم العقل بحرمة مخالفته، لكن  في أحيان أخرى يسقط التكليف، يعني حقّ المولوية يسقط فيه ويخرج عن دائرة حق الطاعة ليس على أساس أنّ الآمر ليس مولى، الآمر مولى والتكليف تكليفه، لكن مع ذلك هذا التكليف يسقط فيه حقّ المولوية ويخرج عن دائرة حق الطاعة؛ لأنّه مزاحَم بما هو أهم منه وأشد ملاكاً كما هو الحال في موارد العلم التفصيلي بالأهم والمهم التي هو نظّر بها، هناك يسقط التكليف بالمهم ويخرج عن دائرة حقّ الطاعة، ويجب على المكلّف أن يصرف قدرته في امتثال الأهم ولا يُعاقَب على تركه للمهم، والعقل لا يحكم بحرمة مخالفة المهم، لكن لماذا أخرجنا المهم عن دائرة حق الطاعة ولم يعد حق المولوية ثابت فيه؛ لأنّه مُزاحَم بما هو أهم منه عند المولى، وهو التكليف الآخر الذي فرضنا أنّ ملاكه أهم وأشد من ملاك هذا المهم، والمكلّف غير قادر على الجمع بين امتثاليهما، في هذه الحالة لا يثبت فيه حق المولوية. هذا صحيح لأنّه زوحم بذاك. هذا في موارد العلم التفصيلي.
وأمّا في محل الكلام، ما هو الشيء الذي يكون مزاحماً لحرمة المخالفة القطعية للمهم والذي يُدعى أنّه يوجب خروج المهم عن حقّ الطاعة ؟ لا يوجد شيء إلاّ حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية؛ لأنّه لا يوجد لدينا شيء معلوم، الأمر دائر بين أن يكون الفعل واجباً، أو حراماً، وكل منهما معلوم بالعلم الإجمالي، الذي يُتوقع أن يكون مزاحماً لحرمة المخالفة القطعية للمهم هو وجوب الموافقة القطعية للأهم؛ حينئذٍ نسأل أنّ هذا المزاحم هل يوجب خروج المهم عن دائرة حقّ الطاعة وسقوط حقّ المولوية فيه كما هو الحال في موارد العلم التفصيلي، أو لا ؟ نقول لا؛ لأنّ المفروض في محل الكلام في الجواب الثاني كجواب مستقل عن الجواب الأوّل أنّ تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية تأثير تعليقي، بينما تأثيره في حرمة المخالفة القطعية تأثير تنجيزي، إذا كان وجوب الموافقة القطعية يحكم به العقل حكماً تعليقياً، معلّق على عدم حكمه بحرمة المخالفة القطعية؛ لأنّه لا يوجد قصور في المقتضي بحسب الفرض، يعني الآمر مولى وله حق المولوية في هذا التكليف كما له حقّ المولوية في الأهم، وإنّما الذي يمنع منه هو وجود المزاحم، حق المولوية ثابت في وجوب الصلاة وفي الإزالة، وإنّما منع منه وجود المزاحم الأهم، في محل كلامنا المهم ليس هناك قصور في وجود مقتضي حرمة المخالفة القطعية فيه، وإنّما يُزاحم بوجوب الموافقة القطعية للأهم، والمفروض أنّ وجوب الموافقة القطعية تعليقي معلّق على عدم حرمة المخالفة القطعية، فإذا ثبتت حرمة المخالفة القطعية بمقتضى أن المولى له حقّ المولوية في هذا التكليف المهم؛ حينئذٍ تكون مانعة من تأثير العلم الإجمالي في وجوب الموافقة القطعية.
إذن: هذا الجواب وحده لا يصلح لإثبات وجوب الموافقة القطعية للأهم وإهمال المهم؛ لأنّ دعوى أنّه خارج عن دائرة المولوية وعن حقّ الطاعة ليست واضحة. هذه الدعوى واضحة في موارد وفي موارد العلم التفصيلي، لكنّها ليست واضحة؛ بل ممنوعة في محل الكلام؛ لأنّ المزاحم له الذي يوجب خروجه عن دائرة حقّ الطاعة ليس إلاّ وجوب الموافقة القطعية للأهم وهذه بحسب الفرض تعليقية.