الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

35/03/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العمليّة/ البراءة/ تنبيهات البراءة/ التنبيه الرابع
كان الكلام في الضابط الذي ذكره المحققّ النائيني(قدّس سرّه) في جريان البراءة في الشبهة الموضوعية وعدم جريانها. ذكرنا جزءاً من كلامه، ونكمله في هذا الدرس إنْ شاء الله تعالى، انتهى الكلام إلى الفرض الأوّل وهو ما إذا كان المتعلّق فعلاً اختيارياً، لكنّه مرتبط بموضوع، لكن في الفرض الأوّل افترض الموضوع جزئيّاً خارجيّاً فُرغ عن وجوده. هنا قال بأنّه لا توجد مشكلة في فرض الشبهة الموضوعية في المتعلّق، بأنْ يشكّ في تحققّ المتعلّق بنحو الشبهة الموضوعية من جهة الشكّ في نسبته إلى موضوعه، ومثاله ما لو قال(استقبل القبلة)، فيشكّ في الاستقبال، أو قال:(قف في عرفات) يشكّ في المتعلق بنحو الشبهة الموضوعية من جهة نسبة الوقوف إلى عرفات، فلا مشكلة في فرض الشبهة الموضوعية. هنا قال: تارةً يُفترض دوران الأمر بين المتباينين كما في مثال اشتباه القبلة، وأخرى يُفترض دوران الأمر بين الأقل والأكثر كما في مسألة الوقوف في عرفات، إذا فرضنا أنّه تردّد في بقعة من الأرض في أنّها من عرفات، أو لا ؟ بنحو الشبهة الموضوعية، لظلمة ــــــــــ كما قلنا ــــــــــ اشتبه في بقعة من الأرض أنّها من عرفات، أو ليست من عرفات ؟ .
على الأوّل، يعني إذا كان الأمر دائراً بين المتباينين كما في استقبال القبلة، ذكر أنّ المرجع فيها هو الاشتغال؛ للعلم الإجمالي بتوجّه التكليف إليه المرددّ بين المتباينين، بين استقبال هذه الجهة وبين استقبال هذه الجهة وبينهما تباين، فهناك علم إجمالي بالتكليف على كل حالٍ مردّد  بين المتباينين ويتعيّن حينئذٍ الاحتياط إذا كانت الشبهة وجوبية كما في مثال استقبال القبلة، فيتعين الاحتياط بأنْ يصلّي إلى الجهتين، لكي يُفرغ ذمّته ممّا اشتغلت به يقيناً. وأمّا إذا كانت الشبهة تحريميّة، ومثالها هو حرمة استقبال القبلة، لكن في بعض الحالات كحالة التخلي ــــــــــ مثلاً ـــــــــ يحرم استقبال القبلة، وشكّ بنحو الشبهة الموضوعية في القبلة وترددّ أمرها بين جهتين، أو كانت الظلمة شديدة فشكّ في القبلة ولم يعلم أنّها في أيّ جهةٍ، فهنا يحتمل القبلة، والحرمة في كل جهةٍ يتّجه إليها، وفي هذه الحالة لا يتمكن من الاحتياط، يقول: يجب عليه الفحص في هذه الحالة، باعتبار أنّ امتثال التكليف المتيقّن يتوقف على الفحص حيث لا يمكن الاحتياط. نعم، في حالة تعذّر الاحتياط في الشبهة الوجوبية، وتعذّر الفحص في الشبهة التحريمية، يتخيّر بين المتباينين، أو بين المتباينات. فهنا بالنتيجة في كل هذه الحالات هو لم يحكم بالبراءة، إذا دار الأمر بين المتباينين، في مثل هذه الحالة ليس هذا مورداً للبراءة، وإنّما هو مورد للاحتياط، أو لوجوب الفحص. هذا إذا كان الدوران بين المتباينين.
وأمّا إذا كان بين الأقلّ والأكثر، يقول: هنا يتّجه التفصيل بين الشبهة الوجوبية وبين الشبهة التحريمية، ففي الشبهة الوجوبية كما في وجوب الوقوف بعرفات، ودار الأمر بين الأقل والأكثر بالنحو الذي ذكرناه، كما إذا شكّ من جهة ظلمة، أو نحوها، في بقعة من الأرض أنّها من عرفات، أو ليست من عرفات، فيدور الأمر بين الأقل والأكثر، والشبهة وجوبية، يقول: في الشبهة الوجوبية تجري أصالة الاشتغال ولا مجرى للبراءة، وفي الشبهة التحريمية قال تجري البراءة، ومثالها هو ما إذا حرم عليه الإفاضة من عرفات قبل غروب يوم التاسع، وترددّ عرفات بين الأقل والأكثر بنحو الشبهة الموضوعية، يقول هذا من موارد جريان البراءة، بينما إذا كانت الشبهة وجوبية في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر هذا من موارد الاشتغال لا البراءة، ثم ذكر أنّ السرّ في هذا التفصيل بين الشبهة الوجوبية وبين الشبهة التحريمية هو أنّ الوجوب في الشبهة الوجوبية يتعلّق بهذا العنوان بنفسه، فالواجب هو هذا العنوان ــــــــــ الوقوف بعرفات ــــــــــ والذي يُطلب من المكلّف في مثل هذا التكليف(قف بعرفات) هو مطابقة العمل الذي يصدر من المكلّف للعنوان الواجب، أنّه لابدّ أنْ يكون العمل الصادر منك مطابقاً للعنوان الواجب، يعني وقوف في عرفات، يعني أنّ المطلوب من المكلّف أنْ يكون وقوفه وقوفاً في عرفات، فهذه المطابقة، وانطباق العنوان المأمور به على الفعل المأتي به داخل في دائرة الطلب، أي أنّه مطلوب من المكلّف، وهذا معناه أنّه يجب على المكلّف أنْ يُحرز أنّ ما يصدر منه هو متعنون بذلك العنوان وينطبق عليه ذلك العنوان، لابدّ أنْ يُحرز أنّ وقوفه هو وقوف في عرفات، ولا يجوز له أنْ يكتفي بالفرد المشكوك، إذا شكّ في أنّ وقوفه هو وقوف في عرفات، أو لا؛ لأنّ ذمته اشتغلت بأنْ يكون وقوفه وقوفاً في عرفات، هذا داخل في دائر الطلب ومطلوب منه، فتشتغل به الذمّة، فلابدّ من الخروج من هذا يقيناً، ولا يقين بالخروج من ذلك إذا اكتفى بالمشكوك؛ بل يتعيّن عليه أنْ يحتاط؛ لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، فلا يجوز له الاكتفاء بالفرد المشكوك، بالوقوف الذي يشكّ في كونه وقوفاً في عرفات، أو ليس وقوفاً في عرفات، فيكون مجرى للاشتغال، وليس مجرى للبراءة.
وبعبارةٍ أخرى: أنّ الشكّ في المقام شكّ في الامتثال، بعد إحراز اشتغال الذمّة بهذا المطلوب، إذا اكتفى بالفرد المشكوك؛ حينئذٍ يكون شكّاً في الامتثال، فلا يعلم هل أنّه امتثل المطلوب، أو لم يمتثل المطلوب ؟ وفي موارد الشكّ في الامتثال تجري قاعدة الاشتغال لا البراءة. يقول: وهذا بخلاف الشبهة التحريمية، في الشبهة التحريمية يكون المطابقة للعنوان الحرام ليس داخلاً تحت دائرة الطلب، أي ليس مطلوباً، مطابقة الفعل الصادر منه للعنوان الحرام ليس مطلوباً منه، ومثال الشبهة التحريمية في ما نحن فيه هو حرمة الإفاضة من عرفات كما مثّلنا(تحرم الإفاضة من عرفات قبل يوم التاسع) هنا لا معنى لأنْ نقول أنّ المطلوب منه هو انطباق العنوان المذكور في الدليل على الفعل المأتي به، هذا في الشبهة الوجوبية معقول، أنْ يكون المطلوب هو أنْ يكون وقوفه هو وقوفاً في عرفات، لكن في الشبهة التحريمية لا معنى لأنْ نقول أنّ المطلوب منه هو أنْ تكون إفاضته إفاضة من عرفات؛ بل الصحيح هو أنّ المطابقة تكون شرطاً لشمول الحرمة للفعل، بمعنى أنّ الذي يُفهم من(يحرم الإفاضة من عرفات قبل الغروب) أنّ شرط اتّصاف الفعل الصادر منه بالحرمة هو كونه إفاضة من عرفات، هذا شرط لاتّصاف الفعل بالحرمة، شرط لشمول الحرمة لهذا الفعل، فالحرمة إنّما تشمل الفعل الصادر منه إذا كان إفاضة من عرفات، وأمّا إذا لم يكن إفاضة من عرفات، فلا تشمله الحرمة، إذا كان إفاضة من جزء من عرفات، أو إفاضة من منطقة إلى منطقة أخرى من عرفات، فلا تشمله الحرمة، إنّما يكون فعله حراماً إذا انطبق عليه هذا العنوان ـــــــــ الإفاضة من عرفات ــــــــ فالانطباق يكون شرطاً لشمول الحرمة للفعل الصادر منه، بخلاف الانطباق في الشبهة الوجوبية، فأنّه داخل في دائرة الطلب، فيكون الانطباق مطلوباً هناك، ولمّا كان مطلوباً، فلابدّ من إحرازه، وهذا يستدعي الاحتياط وجريان قاعدة الاشتغال في الشبهة الوجوبية، في الشبهة التحريمية الانطباق ليس مطلوباً، وإنّما الانطباق شرط في كون الفعل الصادر منه حراماً، فتكون الإفاضة محرّمة إذا كانت من عرفات، فحرمة الإفاضة مشروطة بأنْ تكون الإفاضة من عرفات، فالانطباق هنا يكون من شرائط الحرمة، ومن شرائط التكليف وقيوده، بينما الانطباق في الشبهة الوجوبية ليس من قيود التكليف؛ لأنّه داخل في دائرة الطلب، وإنّما هو قيد في الواجب يتعلّق به الطلب، ليس قيداً في الطلب بحيث يتوقّف عليه الطلب، وإنّما هو يكون قيداً في الواجب وليس قيداً في التكليف، بينما الانطباق في الشبهة التحريمية يكون قيداً للتكليف، أي يكون قيداً في الحرمة، ويكون حاله حينئذٍ حال شرائط التكليف الأخرى، عند الشكّ فيه يكون مجرى للبراءة؛ لأنّ الشكّ في قيد التكليف وشرطه يكون شكّاً في نفس التكليف، فإذا كان شكّاً في التكليف؛ فحينئذٍ تجري البراءة، بينما هناك في الشبهة الوجوبية لم يكن الشكّ في التكليف؛ لأنّ الانطباق ليس قيداً في التكليف حتّى يكون الشكّ فيه شكّاً في التكليف، وإنّما هو مطلوب من المكلّف، فإذا دخل تحت دائرة الطلب يكون قد اشتغلت به الذمة، فلابدّ من إحرازه، فإذا شُكّ في مطابقة الفعل للعنوان في الشبهة التحريمية، كان ذلك شكّاً في حرمته؛ لأنّه شكّ في قيد التكليف وشرطه، وهو مجرى للبراءة، ففصّل بين الشبهة الوجوبية وبين الشبهة التحريمية. هذا كلّه إذا فرضنا أنّ الموضوع الذي ارتبط به المتعلّق كان جزئياً خارجياً فُرغ عن وجوده كما في مثال القبلة ومثال عرفات ...الخ من الأمور التي تكون أمثلة لهذا الفرض.
وأمّا على الفرض الثاني، وهو ما إذا كان الموضوع أمراً كلّياً، ومثاله(أكرم العالم)، و(توضأ بالماء)، فالماء أمر كلّي له أفراد متعدّدة، في هذا الفرض فصّل بين صورتين:
الصورة الأولى: ما إذا كان الموضوع مأخوذ بنحو صرف الوجود، مثل(توضأ بالماء)، الموضوع هنا         ــــــــ الماء ــــــــ مأخوذ بنحو صرف الوجود لا مطلق الوجود، يعني لا يُطلب منه إلاّ فرد من أفراد الماء، والذي يساوق الإطلاق البدلي.
الصورة الثانية: ما إذا كان مأخوذاً بنحو مطلق الوجود، كما في(أكرم العالم).
الكلام يقع في الصورة الأولى، وهي ما إذا كان الموضوع مأخوذاً بنحو صرف الوجود. يقول: الشبهة الموضوعية  في هذا الفرض تُتصوّر بنحوين:
النحو الأوّل: أنْ يكون الشكّ في أصل وجود الموضوع الذي هو صرف الوجود، يعني الشكّ في أصل صرف الوجود، هو قال له:(توضأ بالماء) وهو يشكّ في أنّه هل هناك ماء، أو ليس هناك ماء ؟ بنحو الشبهة الموضوعية.
النحو الثاني: أنْ يكون الشكّ في فردٍ آخر من الموضوع زائداً على الفرد المعلوم. (توضأ بالماء) هناك فرد معلوم، ماء قطعاً، وإنّما شكّه في فردٍ زائدٍ على هذا الفرد المعلوم، يشك في أنّه ماء، أو ليس بماء بنحو الشبهة الموضوعية.
في النحو الأوّل إذا كان الشكّ في أصل وجود الموضوع، يقول: هذا الشكّ في الحقيقة يرجع إلى الشكّ في القدرة؛ وحينئذٍ نختار فيها ما نختار عند الشكّ في القدرة. لماذا يرجع هذا الشكّ إلى الشكّ في القدرة ؟ يعللّ ذلك، يقول: باعتبار أنّ القدرة التي هي شرط في التكليف لا تختصّ بالقدرة على نفس المتعلّق؛ بل تعمّ القدرة على تحصيل موضوعه، أيضاً شرط في التكليف، فرضاً هو قادر على المتعلّق، لكنّه ليس قادراً على تحصيل موضوعه الذي ارتبط به المتعلّق، باعتبار أنّه من دون القدرة على تحصيل الموضوع تنتفي القدرة على نفس الفعل، غير القادر على تحصيل الماء هو غير قادر على الوضوء بالماء؛ لأنّ ما يُطلب منه ليس الوضوء بكل شيء، وبكل مائع، وإنّما المطلوب منه هو الوضوء بالماء، فإذن: يُعتبر في صحّة تكليفه بذلك أنْ يكون قادراً على المتعلّق، وأنْ يكون قادراً على تحصيل موضوعه المرتبط به. إذن: القدرة على تحصيل الموضوع شرط في التكليف، فالشكّ في إمكان تحصيل الموضوع والقدرة على تحصيل اصل الموضوع يرجع إلى الشكّ في القدرة، هل هو قادر على الوضوء، أو ليس قادراً على الوضوء ؟ عندما يشكّ طبعاً بنحو الشبهة الموضوعية، أصل وجود الموضوع مشكوك، فهو شاكّ في أنّه قادر على الوضوء، أو لا ؟ فيرجع إلى الشكّ في القدرة، والشكّ في القدرة فيه كلام، أنّ الشكّ في القدرة هل هو حاله حال الشكّ في شرائط التكليف الأخرى ؟ من قبيل البلوغ والعقل وغيره من شرائط التكليف التي لا إشكال في أنّها مجرى للبراءة كما ذكر هو(قدّس سرّه) سابقاً، حيث أنّه ذكر سابقاً أنّ الشكّ في شرائط التكليف العامّة، أو الخاصّة هي شكّ في نفس التكليف؛ لأنّ الشكّ في شرط شيء هو شكّ في نفس الشيء، وبالتالي تكون مجرى للبراءة؛ لأنّه شك في التكليف، لكن هل أنّ الشك في القدرة أيضاً كذلك ؟ إذا شكّ الإنسان في قدرته على الواجب، فهل يستطيع أنْ يجري البراءة ؟ باعتبار أنّ القدرة شرط في التكليف، فالشكّ فيها شكّ في التكليف، وبالتالي يكون مجرى للبراءة، أو أنّ الشكّ في القدرة يتميّز عن الشكّ في سائر شرائط التكليف ؟ هو ذكر رأيه هنا، وملخص رأيه هو: ــــــــــ وهذا موضوع مهمّ جدّاً ــــــــــ ذكر بأنّ القدرة على نحوين:
النحو الأوّل: أنْ تكون القدرة دخيلة في ملاك التكليف بحيث أنّه مع عدم القدرة لا ملاك ولا مصلحة، ومن هنا يكون الملاك والمصلحة مختصّ بالقادر، أمّا العاجز، فلا توجد مصلحة وملاك في الفعل بالنسبة إليه، وإنّما المصلحة والملاك يكون موجوداً بالنسبة إلى القادر دون العاجز؛ لأنّ القدرة شرط ودخيلة في ملاك التكليف، أصل اتّصاف الفعل بأنّه ذو ملاك يتوقّف على القدرة، ومن دون القدرة لا يكون للفعل ملاك ومصلحة.
النحو الثاني: أنْ تكون القدرة دخيلة في الخطاب وليس في الملاك، الملاك عام وشامل يشمل العاجز والقادر، كل منهما الفعل بالنسبة إليه ذو مصلحة، لكن القدرة شرط في الخطاب؛ لأنّه لا يحسن خطاب العاجز، الخطاب لا يتوجّه إلى العاجز وليس الملاك، الملاك ثابت في حقّهما، لكنّ الخطاب لا يتوجّه إلى العاجز، وإنّما يتوجّه إلى خصوص القادر، فتكون القدرة شرطاً في الخطاب لا في الملاك؛ بل يكون الملاك عامّاً وشاملاً لكلٍ منهما.  هو(قدّس سرّه) يُفرّق بين هاتين الحالتين، ويتعرّض إلى مطلبٍ طويل هو كيفية استكشاف هذا المانع، وكيف نعرف أنّ القدرة دخيلة في الملاك، أو أنّها ليست دخيلة في الملاك، ويقول بأننّا نفهم كون القدرة دخيلة في الملاك عندما تؤخذ في لسان الدليل الشرعي، عندما تؤخذ القدرة في الدليل، وليس فقط أنْ يحكم بها العقل صرفاً، نستكشف أنّها دخيلة في الملاك، وانّ الملاك ثابت في حقّ القادر فقط دون العاجز؛ لأنّ الشارع ذكر القدرة، وهذا يكشف عن أنّها دخيلة في الملاك. هو يُفصّل بين هاتين القدرتين.
أمّا بالنسبة إلى النحو الأوّل من القدرة، وهي التي تكون دخيلة في الملاك والتي تُسمّى بالقدرة الشرعية عادة، ذكر بأنّ الشكّ فيها مرجعه إلى البراءة، فإذا شككنا في القدرة على الفعل، فالمرجع هو أصالة البراءة، باعتبار أنّه شكّ في شرط التكليف بما له من الملاك، فيكون حاله حال الشكّ في سائر شرائط التكليف الأخرى، كالبلوغ ونحوه، في أنّه مجرى للبراءة بلا إشكال، فالشكّ في القدرة الشرعية التي تكون دخيلة في الملاك يكون مورداً للبراءة؛ لأنّ القدرة شرط في التكليف بما له من الملاك، ونشكّ في أنّ هذا التكليف بما له من الملاك ثابت عند الشك في القدرة، أو لا ؟  فيكون شكّاً في التكليف وتجري فيه البراءة.
وأمّا الشكّ في النحو الثاني من القدرة، والتي تسمّى بالقدرة العقلية التي هي دخيلة في الخطاب فقط لا في الملاك. يقول: إذا شكّ في هذه القدرة، فلابدّ في هذه الحالة من الفحص ولا تجري البراءة، ويُعللّ وجوب الفحص في هذا المورد بأنّ هذا الشكّ وإنْ كان يعترف بأنّه مستلزم للشكّ في التكليف، باعتبار الشكّ في توجّه الخطاب؛ لأنّها دخيلة في الخطاب بحسب الفرض، فالشكّ فيها شكّ في توجّه الخطاب إليه؛ لأنّه إنْ كان قادراً يتوجّه إليه الخطاب، وإنْ لم يكن قادراً لا يتوجّه إليه الخطاب، فإذا شكّ في القدرة، فهذا معناه أنّه شكّ في توجّه الخطاب إليه، فيقول: أنّ الشكّ في القدرة حتّى بهذا المعنى، وإنْ كان يستلزم الشكّ في توجّه الخطاب إليه والشكّ في تكليفه، لكنّه لا يستلزم الشكّ في الملاك؛ لأنّ المفروض في القدرة العقلية أنّ الملاك عام وشامل للقادر والعاجز، الذي يشكّ في القدرة ليس عنده شكّ في الملاك؛ بل الذي يعلم بعدم قدرته ليس عنده شكّ في الملاك؛ لأنّ المفروض أنّ الملاك عام وشامل للقادر والعاجز. إذن: هو شكّ في توجّه الخطاب إليه وليس شكاً في ثبوت الملاك بالفعل بالنسبة إليه. إذن: هو ليس شكّاً في الملاك؛ وحينئذٍ يقول بأنّ العلم بشمول الملاك وإطلاقه وأنّ الشارع لا يرضى بفواته يلازم العلم بعدم المعذورية على تقدير القدرة الواقعية؛ ولذا يقول يجب الفحص. العلم بأنّ الملاك يشمله، هذا الفعل فيه ملاك بالنسبة إليه حاله حال القادر، كلّ منهما الفعل بالنسبة إليه فيه مصلحة، غاية الأمر أنّه منع من توجّه الخطاب إليه حكم العقل بقبح توجيه الخطاب إلى العاجز، لكن الملاك تامّ عنده، ويعلم بشمول الملاك له، وأنّ الشارع لا يرضى بفوات هذا الملاك عند التمكّن من تحصيله، هذا يلازم العلم بأنّه لا يكون معذوراً على تقدير أنْ يكون عنده قدرة واقعية، وهذا يستدعي وجوب الفحص عليه، فيجب عليه حينئذٍ الفحص ولا يجوز له الرجوع إلى البراءة. يقول: هذا التفصيل في القدرة هو نفسه يكون هو المختار في محل الكلام وهو ما إذا شكّ في أصل وجود الموضوع؛ لأنّ هذا الشكّ يرجع إلى الشكّ في القدرة.