الموضوع: الأصول العمليّة/ البراءة/ تنبيهات
البراءة/ التنبيه الرابع
المقام
الثاني الذي يقع البحث فيه هو تحديد الضابط لجريان البراءة، أو
الاشتغال في الشبهات الموضوعية، المحقق النائيني(قدّس سرّه) ذكر ضابطاً في رسالته
في اللّباس المشكوك وهو ضابط مفصّل، ونذكره بشكل مختصر. ذكر بأنّ متعلّق التكليف
الذي يتعلّق به الوجوب، أو التحريم، كالصلاة والصوم والإكرام في(أكرم العادل)
والوضوء في(توضأ) مثلاً.....وهكذا. أنّ متعلّق التكليف لابدّ وأنْ يكون عنوانه
اختيارياً؛ كي يتعلّق به التكليف، والتكليف إنّما يتعلّق بالأفعال الاختيارية، لكن
اختياريته مرّة تكون بنفسه ومرّة تكون بواسطة، مرّة يكون المتعلّق اختياري بنفسه
مباشرة بلا توسّط شيء، ومرّة لا يكون اختيارياً مباشرةً، وإنّما اختياريته بتوسيط
شيء يكون العنوان المتعلّق مسببّ توليدي للفعل الاختياري من قبيل القتل، أو
الاحتراق الذي هو مسبب للإلقاء في النار، المقدور مباشرة، والاختياري مباشرة هو
الإلقاء، أمّا الاحتراق فهو مسبب توليدي، هو اختياري ومقدور لكن بتوسيط الإلقاء،
أو التطهير المسبب عن الغسل؛ حينئذٍ يقول: إمّا إن كان المتعلّق اختيارياً، فينقسم
إلى قسمين: إمّا بنفسه، أو بتوسيط فعل يكون العنوان المتعلّق بمثابة المسبب
التوليدي له، يقول: هذا المتعلّق مرّة يكون اختيارياً كلّه ولا تعلّق له بموضوعٍ
خارجٍ عن الاختيار أصلاً، وأخرى يكون المتعلّق الاختياري له تعلّق بموضوع خارج عن
الاختيار، الأوّل من قبيل الأمر بالتكلّم والنهي عن الغناء، التكلّم متعلّق تعلّق
به التكليف الوجوبي، والغناء متعلّق تعلقت به الحرمة، وهذا التكلّم لا تعلّق له
بموضوع خارج الاختيار، هذا التكليف ليس له موضوع، وإنّما له متعلّق فقط، والمقصود
بالموضوع هو متعلّق المتعلّق، (يحرم الغناء) ليس حاله حال(أكرم العالم)، المتعلّق
وهو الإكرام الواجب في(أكرم العالم) ارتبط بموضوع وهو العالم. (توضأ بالماء)
المتعلّق وهو التوضؤ ارتبط بموضوع وهو الماء، بينما(يحرم الغناء) ليس هكذا، أو(يجب
التكلّم) بلا موضوع، هذا ليس له موضوع، فمرّة يقول: أنّ المتعلّق الذي يتعلّق به
الحكم مرّة لا يرتبط بموضوع، ومرّة يرتبط بموضوع. هذان قسمان.
أمّا
القسم الأوّل:
وهو المتعلّق الاختياري الذي لا يرتبط بموضوع، لدينا تكليف فيه متعلّق فقط، وليس
هناك ارتباط للمتعلّق بموضوع خارج عن الاختيار. ذكر في القسم الأوّل أنّ فعلية
تكليفٍ من هذا القبيل لا تتوقّف إلاّ على اجتماع شرائط التكليف، فإذا اجتمعت شرائط
التكليف العامة والخاصّة ـــــــــــ إذا افترضنا وجود شرائط خاصّة للتكليف
ـــــــــــ عندئذٍ يصبح التكليف فعلياً، فرضاً أنّ البلوغ من الشرائط العامّة
للتكليف، ونفترض تحققّه، والعقل من الشرائط العامّة للتكليف نفترض تحققّه، والقدرة
من الشرائط العامّة للتكليف نفترض تحققّها، وإذا افترضنا شرائط خاصّة لهذا التكليف
أيضاً نفترض تحققها، إذا تحققّت شرائط التكليف يصبح هذا التكليف فعلياً.
حينئذٍ
نقول:
الشبهة الموضوعية التي نتكلّم عنها إن كانت راجعة إلى اجتماع شرائط التكليف، كما
إذا شكّ المكلّف في تحقق بعض شرائط التكليف في مورد من الموارد بنحو الشبهة
الموضوعية، هذا يمكن فرضه، يشكّ في تحققّ البلوغ، أو يشكّ في تحقق شرائط التكليف
الأخرى في موردٍ معيّن تصير شبهة موضوعية من جهة اجتماع شرائط التكليف، يقول: الشبهة
الموضوعية إذا رجعت إلى الشكّ في تحقق اجتماع شرائط التكليف، هذه الشبهة مرجعها في
الحقيقة إلى الشكّ في التكليف، وهذا واضح، أنّ الشكّ في شرط التكليف هو شكّ في نفس
التكليف، ولا إشكال في أنّ المرجع فيها هو البراءة لا الاشتغال، هو يقول لا يمكن
أنْ نتصوّر شبهة موضوعية من غير شكّ في اجتماع شرائط التكليف؛ لأنّه لا يمكن؛ بل
يستحيل، فرضاً أمره بالتكلّم، ما هي الشبهة الموضوعية المتصوّرة فيه ؟ يعني يشكّ
في هذا الفعل الاختياري له وهو التكلّم، الذي يعرف ما هو مفهومه، لا يمكن تصوّر
الشكّ فيه، بأنْه حين صدوره منه يشكّ في أنّه يتكلّم، أو لا يتكلّم ! إذ يستحيل
أنْ يشكّ من أراد شيئاً عند إرادته له في هوية ما أراده، في أنّ هذا تكلّم، أو ليس
تكلّم حتّى تصير الشبهة موضوعية، أنّ هذا تكلّم، الذي هو يحقق المأمور به، ويتحقق
به الامتثال، أو ليس تكلّماً، يقول هذا الشيء مستحيل، فلا يمكن تصوّر الشبهة
الموضوعية في هذا القسم من غير ناحية الشكّ في اجتماع شرائط التكليف، وقلنا أنّ
الشكّ من الشكّ في اجتماع شرائط التكليف المرجع فيه هو البراءة، شبهة موضوعية أخرى
من غير هذه الناحية غير متصوّرة.
نعم،
هو يستثني حالة، وهي حالة ما إذا كان متعلّق التكليف ليس فعلاً اختيارياً بنفسه،
وإنّما اختياريته بتوسط عنوان من قبيل الاحتراق الذي يكون اختيارياً بتوسط عنوان
الإلقاء، أو التطهير والطهارة الذي يكون اختياريته باختيارية الغسل، أو الوضوء،
هنا يقول يمكن تصوّر الشكّ في العنوان الاختياري الذي هو متعلّق للتكليف كالقتل
والتطهير والاحتراق، يمكن تصوّر الشكّ فيه حال صدوره، أنّه يشكّ في تحقق القتل حال
صدوره، أمّا في التكلّم فلا يمكن تصوّر الشكّ في تحقق التكلّم في حال صدوره مع
كونه اختيارياً ومع وضوح مفهومه عنده، لا معنى لأنْ يشكّ في أنّه تكلّم، أو لم
يتكلّم في حال انشغاله وصدور الكلام منه لا بعد الفراغ عنه، فقد أخرج حالة صدور
الكلام عنه بعد الفراغ، وقال أنّها مسألة أخرى، وإنّما الكلام في حال صدور
التكلّم، يقول لا معنى للشكّ في صدور التكلّم حال صدور التكلّم بنحو الشبهة
الموضوعية، لكن عندما يؤمر بقتل من يستحق القتل يمكن افتراض حال صدور الفعل منه هو
يشكّ في تحقق المأمور به وهو القتل، بأنْ يشكّ في أنّ ما صدر منه هل يحققّ هذا، أو
لا ؟ ما صدر منه هل هو سبب توليدي للعنوان المأمور به للقتل، أو ليس سبباً
توليدياً، قد يتحقق برصاصة واحدة، أو يحتاج إلى رصاصتين، يمكن افتراض حال الانشغال
بالإتيان بهذا المتعلّق الاختياري بتوسيط شيء يشكّ فيه بنحو الشبهة الموضوعية،
يمكن فرض هذا، كما إذا شكّ في أنّ ما يصدر منه هل هو سبب توليدي للقتل حتّى يتحقق
المأمور به الذي هو القتل، أو ليس سبباً توليدياً يترتب عليه هذا العنوان، يمكن
تصوّر هذا الشكّ، لكنّه يقول بأنّ هذا الشكّ في الحقيقة هو شكّ في المحصل، ولا
إشكال في أنّه مورد للاشتغال لا للبراءة، باعتبار أنّ الشكّ في المقام يرجع إلى
الشكّ في الامتثال، فهو قد أُمر بالقتل وهو لا يعلم أنّ ما يصدر منه يحقق القتل،
أو لا ؟ فهو شكّ في المحصل، وهو يرجع إلى الشكّ في الامتثال بما يصدر منه، ومن
الواضح بأنّه في موارد الشكّ في المحصل والشكّ في الامتثال المرجع هو أصالة
الاشتغال. هذا كلّه في القسم الأوّل الذي هو ما إذا كان المتعلّق اختياريا ليس له
تعلق بموضوع خارجي. والذي يُستفاد من كلامه هو أنّ الشبهة الموضوعية المتصوّرة إذا
كان الشك راجعاً إلى الشكّ في تحقق شرائط التكليف، وهذا يُرجع فيه إلى البراءة؛
لأنّه شكّ في التكليف، وفي غيرها لا يمكن تصوّر الشبهة الموضوعية إلاّ في
المسببّات التوليدية فيمكن افتراض الشبهة بنجو الشبهة الموضوعية عند صدور الفعل،
لكنّه شكّ في المحصل، وشكّ في الامتثال، والمرجع فيه هو أصالة الاشتغال.
وأمّا
القسم الثاني:
والذي هو ما إذا كان المتعلّق اختيارياً، لكن له تعلّق بموضوع خارج عن الاختيار من
قبيل(صلِ إلى القبلة)، متعلّق التكليف هو الصلاة، لكن هذه الصلاة ليست مطلقة،
وإنّما لها تعلّق بالقبلة التي هي خارجة عن اختياره، أو(لا تشرب الخمر)، هنا أيضاً
المتعلّق هو الشرب، لكن هذا الشرب له ارتباط وتعلّق بموضوع خارجي وهو الخمر،
وكذلك(أكرم العالم) من هذا القبيل، المتعلّق هو الإكرام وله ارتباط بعالم. هذا
القسم الثاني، أيضاً فيه فرضان، يقول: هنا تارةً نفترض أنّ متعلّق المتعلّق الذي
هو الموضوع، تارةً نفترضه أمراً جزئياً خارجياً افتُرِض فيه تحققّه بالفعل، من
قبيل القبلة كما في المثال السابق، الموضوع هو القبلة، فهي ليست كلّياً له أفراد،
وإنّما هي جزئي خارجي ارتبطت به الصلاة التي هي متعلّق التكليف الوجوبي، فالموضوع،
الذي هو متعلّق المتعلّق جزئي خارجي متحقق فعلاً ومفروغ عن وجوده، وهكذا من قبيل(قف
في عرفة)، التكليف الوجوبي متعلّقه الوقوف، لكنّ الوقوف ارتبط بعرفة، هذا هو
الموضوع وهو جزئي خارجي فُرغ عن وجوده .....وهكذا ما كان من هذا القبيل. وتارة
أخرى نفترض أنّ الموضوع ليس أمراً جزئياً خارجياً فُرغ عن وجوده، وإنّما هو كلّي
له أفراد مقدّرة الوجود من قبيل(لا تشرب الخمر)، أو(أكرم العالم)، الموضوع هنا هو
كلّي الخمر، وهذا الكلّي له أفراد مقدّرة الوجود، وهكذا العالم في(أكرم العالم)،
فالموضوع هنا كلّي له أفراد، وليس جزئياً خارجياً فُرغ عن وجوده.
الكلام
في الفرض الأوّل من القسم الثاني، يقول: حاله حال القسم الأوّل وهو ما
إذا كان الحكم له متعلّق فقط، ولم يرتبط المتعلّق بموضوع من قبيل التكلّم وحرمة
الغناء. هذا الفرض الأوّل الذي يكون المتعلّق فيه مرتبط بموضوع لكن موضوعه جزئي
خارجي فُرغ عن وجوده، هذا حاله حال القسم الأوّل بنكتة أنّ الموضوع في هذا الفرض
افتُرض أنّه جزئي خارجي وفُرغ عن وجوده، ومن هنا لا يوجب تعليقاً ولا شرطية ولا
حكماً يترتب على موضوعٍ مقدّر الوجود كما هو الحال في الفرض الثاني عندما يكون
الموضوع كلّياً له أفراد من قبيل أكرم العالم، الإكرام ارتبط بموضوع العالم وهذا
يستدعي تقديراً وشرطية، ويستدعي أنْ يقول يجب إكرام الشخص إذا كان عالماً، ويحرم
شرب المايع إذا كان خمراً، هذه الشرطية وهذا التعليق غير متصوّر عندما يكون
الموضوع جزئياً خارجياً فُرغ عن وجوده، وليس هناك ارتباط زائد، فكأنّه فقط لدينا
حكم مرتبط بمتعلّقه، لا يجوز أنْ نقول له إذا وجدت عليك قبلة عليك الصلاة إليها؛
لأننّا فرغنا عن وجود القبلة، فهو لا يستدعي ولا يستلزم ارتباطاً جديداً وتعليقاً
على موضوع مقدّر الوجود؛ بل يكون وجود هذا الموضوع وربط المتعلّق به كعدمه، حاله
حال عدمه؛ ولذا ذكر أنّه يجري في هذا الفرض الأوّل ما ذكرناه في القسم الأوّل،
يعني في الحكم الذي ليس له إلاّ متعلّق، فكل ما ذكره هناك يجري في هذا الفرض، وفي
الحقيقة هو ذكر هناك أمرين:
الأمر
الأوّل:
أنّ الشبهة الموضوعية إذا كانت من جهة الشكّ في اجتماع شرائط التكليف، فالمرجع
فيها هو البراءة، وهذا واضح، يقول: هذا أيضاً يجري في محل الكلام،(صلِ إلى القبلة)
إذا شكّ بنحو الشبهة الموضوعية في تحقق شرائط التكليف العامة والخاصّة إذا فُرض
وجودها بنحو الشبهة الموضوعية، هذا شكّ في نفس التكليف، وعند الشكّ في التكليف
يكون المرجع هو البراءة من دون فرق بين أنْ يكون المثال هو مثال(تكلّم)، أو يكون المثال
هو(صلِ إلى القبلة).
الأمر
الثاني:
أنّ الشبهة الموضوعية تتصوّر إذا كان المتعلّق مسببّاً توليدياً كالقتل، وأنّ
المرجع فيها هو الاشتغال؛ لأنّه شكّ في المحصّل والامتثال، هذا أيضاً يجري في محل
الكلام، لو فرضنا أنّه أمره بقتل هذا الكافر، لم يجعل الموضوع الذي يرتبط به
المتعلّق أمراً كلّياً، وإنّما أمره بقتل هذا، أي الجزئي الخارجي الذي فُرغ عن
وجوده حتّى يكون ما نحن فيه من قبيل الفرض الأوّل، هنا أيضاً يمكن تصوّر الشبهة
الموضوعية، باعتبار أنّ المتعلّق من المسببّات التوليدية وهو القتل يمكن فرض الشبهة
الموضوعية بأنّ هذا بالرصاصة الواحدة التي أطلقها هل يتحقق القتل، أو لا يتحقق
القتل ؟ هذه شبهة موضوعية، فيكون شكّاً في المحصّل والامتثال، فلابدّ من الاحتياط
والاشتغال، هذا أيضاً يجري في محل الكلام، كما يجري في القسم الأوّل يجري في هذا
الفرض من القسم الثاني.
نعم،
الشبهة الموضوعية لم تكن متصوّرة في القسم الأوّل في غير ما تقدّم، في غير هاتين
الشبهتين الموضوعيتين اللّتين ذكرناهما، الشبهة الموضوعية من جهة الشكّ في اجتماع
شرائط التكليف، والشبهة الموضوعية في المسببّات التوليدية، في غير هاتين الشبهتين الشبهة
الموضوعية كانت غير متصوّرة في القسم الأوّل؛ لذا قال: لا معنى لأنْ يشكّ الإنسان
حين صدور الكلام منه في أنّه يتكلّم، أو لا بنحو الشبهة الموضوعية، لكنّها متصوّرة
في الفرض الأوّل هنا؛ إذ يمكن افتراض الشبهة الموضوعية في الفرض الأوّل الذي
هو(صلِ إلى القبلة) مثلاً، أو (قف في عرفات)، أو(يحرم الإفاضة من عرفات قبل غروب
اليوم التاسع)، هنا يمكن تصوّر الشبهة الموضوعية زائداً على ما تقدّم، لا من جهة
الشكّ في اجتماع شرائط التكليف، ولا مع افتراض أنّ المتعلّق من المسببّات
التوليدية، وإنّما يمكن فرض الشبهة الموضوعية باعتبار أنّه يمكن افتراض أنْ يكون
الاشتباه في المتعلّق حين صدوره باعتبار الشكّ في نسبته إلى الموضوع، لا يدري أنّه
وقف في عرفات أو لا، وعليه يظهر الفرق بين التكلّم وبين الوقوف، فالتكلّم هناك لم
يرتبط بشيء، فلا معنى للشكّ فيه حين صدوره، لكن لمّا كان الوقوف مرتبطاً بشيء،
الوقوف في عرفات وليس الوقوف مطلقاً، ارتبط بعرفات، فيمكن افتراض أنّه يشكّ في
أنّه وقف في عرفات، أو لم يقف في عرفات ؟ بنحو الشبهة الموضوعية ممكن، وليس بنحو
الشبهة الحكمية، كأن يشكّ في حدود عرفات حتّى تكون الشبهة موضوعية، كلا الشبهة
حكمية، فحدود عرفات واضحة لديه، لكن لظلمةٍ، أو لسببٍ لا يستطيع معه أنْ يحدّد هل
أنّ هذا داخل في عرفات، أو لا ؟ بنحو الشبهة الموضوعية؛ لأنّه يشكّ في أنّ وقوفه
هل هو في عرفات، أو لا ؟ هذه شبهة موضوعية يمكن تصوّرها باعتبار الشكّ في نسبة
المتعلّق إلى الموضوع، هل هذا وقوف في عرفات، أو ليس وقوفاً في عرفات ؟ بنحو
الشبهة الموضوعية من جهة الاشتباه بلحاظ الأمور الخارجية من قبيل الظلمة وأمثالها.
استقبال القبلة كذلك ممكن، ويجري فيه نفس الكلام(يجب استقبال القبلة)، المتعلّق هو
الاستقبال، وارتبط بموضوع، وهو جزئي خارجي، وهو القبلة، هنا يمكن تصوّر الشبهة
الموضوعية بأنْ لا يعلم هل صلّى إلى القبلة، أو لم يصلِّ إلى القبلة ؟ اشتبهت عليه
القبلة بسبب العوارض الخارجية، كما لو كان الظلام شديداً فلم يتمكن من تشخيص
القبلة، فيشكّ حين الصلاة في أنّ صلاته هل هي إلى القبلة، أو ليست إلى القبلة بنحو
الشبهة الموضوعية. ذكر هذا في الفرض الأوّل، وقلنا أنّه قال أنّ الفرض الأوّل من
القسم الثاني حاله حال القسم الأوّل، سوى أنّه يمكن تصوّر الشبهة الموضوعية فيه
باعتبار الشكّ في نسيته إلى الموضوع الذي ارتبط به؛ حينئذٍ جاء إلى هذا الفرض
الأوّل وقسّمه إلى قسمين، فقال:
تارة
يُفترض دوران
الأمر بين المتباينين كما في اشتباه القبلة، عندما يؤمر بالصلاة اشتبهت عليه
القبلة إلى جهتين بنحو الشبهة الموضوعية، فالأمر هنا يدور بين المتباينين، أو أكثر
من جهتين.
وتارة
أخرى يُفترض دوران
الأمر بين الأقل والأكثر من قبيل ما في مثال عرفات إذا تردّد الموقف في عرفات من
جهة الاشتباه الخارجي ــــــــــ أيضاً نؤكّد "من جهة الاشتباه الخارجي"
حتّى تكون شبهة موضوعية ـــــــــــ بين أنْ تكون هذه البقعة داخلة في عرفات، أو
ليست داخلة في عرفات، فيدور الأمر بين الأقل والأكثر من جهة الاشتباه الخارجي. هنا
قال: على الأوّل ـــــــــ دوران الأمر بين المتباينين ــــــــــ يكون المرجع هو
قاعدة الاشتغال، باعتبار أنّ هنا يوجد علم إجمالي، وجوب التوجّه إلى أحدى الجهتين
في باب استقبال القبلة، يعلم إجمالاً بأنّه مأمور بأنْ يتوجه إمّا إلى هذه الجهة،
أو إلى تلك الجهة، هذا علم إجمالي منجّز، وحينئذٍ يجب الاحتياط بلحاظه؛ لأنّ هناك
اشتغال يقيني بالتكليف المعلوم بالإجمال ولابدّ فيه من الاحتياط، فتجري قاعدة
الاشتغال، فيصلّي إلى جهتين.