الموضوع: الأصول العمليّة/ البراءة/ تنبيهات
البراءة/ التنبيه الرابع
كان
الكلام في شمول البراءة للشبهات الموضوعية،وكانت الشبهة التي أوجبت التوقّف، أو المنع من الشمول
هي عبارة عن أنّ الحكم والتكليف ليس مشكوكاً في الشبهات الموضوعية؛ بل هو أمر
معلوم تمّ عليه البيان، ووصل إلى المكلّف، وإنّما الشكّ يكون في الموضوع الخارجي،
أنّ هذا هل هو خمر، أو لا ؟ فحينئذٍ التكليف المجعول من قبل الشارع الذي تمّ عليه
البيان وصل إلى المكلّف، فإذا وصل التكليف إلى المكلّف تنجّز عليه، وإذا تنجّز
عليه؛ حينئذٍ يكون الأصل الجاري هو قاعدة الاشتغال؛ لأنّ التكليف اليقيني يستدعي
الفراغ اليقيني ولا يكون هذا مورداً للبراءة العقلية، وإنّما يكون مورداً للاشتغال
العقلي.
هذا
الوجه له جواب،
وهذا الجواب مستفاد من كلمات المحققّ النائيني(قدّس سرّه) وخصوصاً في(فوائد
الأصول). المحققّ النائيني(قدّس سرّه) يقول
:(أنّ مجرّد
العلم بالكبريات المجعولة لا يكفي في تنجّزها وصحّة العقوبة على مخالفتها ما لم
يُعلم بتحقق صغرياتها خارجاً، فأنّ تنجّز التكليف الذي عليه تدور صحّة العقوبة
إنّما يكون بعد فعلية الخطاب). [1]
الذي يُفهم من العبارة هو أنّه لا يكفي في تنجّز التكليف العلم بالكبرى دون
الصغرى، كما لا يكفي في تنجّز التكليّف العلم بالصغرى دون الكبرى، إنّما يتنجّز
التكليف إذا علم المكلّف بالكبرى التي هي ـــــــــ فرضاً ـــــــــ (يحرم شرب
الخمر)، فإذا علم، مضافاً إلى علمه بالكبرى، بالصغرى(أنّ هذا خمر) عندئذٍ يتنجّز
عليه التكليف ويصل إلى مرحلة استحقاق العقاب على المخالفة، فلا يكفي في التنجّز
ــــــــــ وهذه نقطة مهمّة يُركز عليها ــــــــــ مجرّد العلم بالكبرى من دون
العلم بالصغرى. الوجه في ذلك ــــــــــ على ما ذكره ــــــــــ هو أنّ الحكم الذي
يتنجّز عند العلم به من قبل المكلّف هو الحكم الفعلي، ومن الواضح أنّ الحكم لا
يكون حكماً فعليّاً إلاّ بتحقق موضوعه وفعلية موضوعه، وإلاّ فلا يكون ذلك الحكم
فعليّاً، وإنّما يكون معلّقاً على تقدير تحققّ موضوعه، يبقى حكماً أشبه بالأحكام
الإنشائية في مرحلة الإنشاء، وإنّما يصل إلى مرحلة الفعلية عند تحققّ موضوعه
وفعليّة موضوعه، أمّا قبل تحقق الموضوع، فالحكم حكم تعليقي وليس حكماً فعلياً،
وصيرورة الحكم فعلياً المتوقفة كما قلنا على تحقق الموضوع، هذا هو الذي يقوله من
أنّ العلم بهذا الحكم الفعلي يوصله إلى مرحلة التنجّز واستحقاق العقاب على
المخالفة، لكن متى يصبح الحكم فعلياً حتّى يكون العلم به منجّزاً له ؟ يكون فعلياً
ليس فقط عند العلم بكبراه، وإنّما عند العلم بكبراه والعلم بالصغرى وتحقق الموضوع،
فإذا علم بالكبرى، أنّ الله(سبحانه وتعالى) حرّم شرب الخمر، وتحققّ موضوعه، وعلم
بتحققّ موضوعه وهو الصغرى؛ عندئذٍ يتنجّز عليه التكليف، ويصل إلى مرحلة استحقاق
العقاب على المخالفة.
إذن:
التنجّز لا يكفي فيه مجرّد العلم بالكبرى؛ لأنّ العلم بالكبرى ليس علماً بالحكم
الفعلي، وإنّما هو علم بالحكم التعليقي، الحكم لا يكون فعلياً إلاّ إذا تحققّ
موضوعه وعُلم بتحققّ موضوعه؛ عندئذٍ يصبح فعلياً، والعلم بالكبرى والصغرى يوجب
تنجّز ذلك التكليف، فيتنجّز ذلك التكليف.
النتيجة:
أنّ العلم بالكبرى وحده لا يوجب تنجّز التكليف. وعليه: في محل الكلام الذي هو
الشبهات الموضوعية بحسب الفرض لا يوجد إلاّ العلم بالكبرى فقط، وإلاّ، إذا افترضنا
العلم بالصغرى، فحينئذٍ لا تكون الشبهة موضوعية، وإنّما تكون الشبهة موضوعية لأنّه
لا يعلم بالصغرى، لا يعلم أنّ هذا خمر، أو ماء، ففي الشبهات الموضوعية التي هي محل
الكلام فُرض عدم العلم بالصغرى، والعلم بالكبرى فقط، وعرفت أنّ العلم بالكبرى فقط
لا يوجب تنجّز التكليف، فكيف يقول المستدل: بأنّ الحكم تنجّز على المكلّف لأنّه
عالم به، وإذا تنجّز عليه تجري قاعدة الاشتغال لا البراءة ؟
الجواب:
أنّ الحكم لم يتنجّز في الشبهات الموضوعية؛ لأنّ المكلّف في الشبهات الموضوعية ليس
عالماً إلاّ بالكبرى، والعلم بالكبرى وحده لا يكفي لتنجيز التكليف، فلا يصح ما
قاله المستدل من أنّ المورد مورد الاشتغال العقلي؛ لأنّه لا يقين بالتكليف حتّى
يستتبع ذلك الفراغ اليقيني.
هذا
البيان بهذا المقدار لا شك أنّه يصلح لنفي جريان قاعدة الاشتغال في
المقام، باعتبار أنّه لم يتنجّز عليه شيء، ولم يدخل في عهدته شيء، فلا يكون مورداً
لقاعدة الاشتغال، لكنّه هل يصلح لإثبات البراءة وجريانها في الشبهات الموضوعية ؟ قد
يقال: أنّ هذا البيان بهذا المقدار لا يصلح؛ لأنّ هذا البيان تمّ التركيز فيه على
عدم تنجّز التكليف في الشبهات الموضوعية؛ لأنّ التكليف إنّما يتنجّز عند العلم
بالكبرى والصغرى، وهذا غير متحقق في الشبهات الموضوعية، فلا يتنجّز التكليف، فإذا
لم يتنجّز التكليف في الشبهات الموضوعية لا يكون داخلاً في قاعدة الاشتغال، فهو
يصلح أنْ يكون مانعاً من جريان قاعدة الاشتغال في الشبهات الموضوعية، لكنّه هل
يصلح لإثبات ـــــــــ كما هو المطلوب في محل الكلام ـــــــــ جريان البراءة
العقلية في الشبهات الموضوعية ؟ قد يقال أنّه لا يصلح، باعتبار أنّ الطرف الآخر
يمكنه أنْ يكررّ كلامه السابق والوجه الذي اعتمد عليه لمنع جريان البراءة في الشبهات
الموضوعية، بأنْ يقول: أنّ موضوع البراءة العقلية هو عبارة عن عدم بيان الحكم
المرتبط بالشارع، والمراد بالبيان هو العلم، يعني عدم العلم بالحكم المرتبط
بالشارع، وهذا الموضوع غير متحققّ في الشبهات الموضوعية، موضوع البراءة غير متحققّ
في الشبهات الموضوعية؛ لأنّ موضوع البراءة هو عدم العلم بالحكم الشرعي، في حين أنّ
الشبهات الموضوعية فيها علم بالحكم الشرعي، وعدم العلم ليس متحققاً في الشبهات
الموضوعية؛ لأنّ المكلّف في الشبهات الموضوعية عالم بالحكم المرتبط بالشارع والذي
يُتوقع صدوره منه، وهو(الخمر حرام) والمفروض في الشبهات الموضوعية أنّه عالم بذلك،
إذن: موضوع قاعدة البراءة العقلية غير متحققّ في الشبهات الموضوعية؛ ومن هنا لا
يتحقق موضوع القاعدة الذي هو عدم العلم وعدم البيان، فلا تجري البراءة العقلية. ما
تقدّم ليس جواباً عن هذا، وإنّما ما تقدّم يمنع من كون الشبهات الموضوعية مورداً
للاشتغال العقلي، باعتبار عدم تنجّز التكليف بمجرّد العلم بالكبرى، لكنّه ليس
صالحاً لإثبات جريان البراءة؛ لأنّه يمكن للطرف المقابل أنْ يقول أنّ موضوع
البراءة هو عدم العلم بالتكليف المرتبط بالشارع، وفي المقام ــــــــــ الشبهات
الموضوعية ــــــــــ يوجد علم بالتكليف المرتبط بالشارع، فلا يمكن جريان البراءة
العقلية. ومن هنا يحتاج الجواب السابق إلى تتميم، وهذا التتميم بمكن أنْ يُستفاد
من كلمات المحقق العراقي(قدّس سرّه)؛ بل لعلّه هو مقصوده، وحاصل هذا التتميم هو:
دعوى أنّ الأحكام الشرعية مجعولة على نهج القضايا الحقيقية، والقضايا الحقيقية لبّاً
وروحاً ترجع إلى قضايا شرطية، مقدّمها هو الموضوع المقدّر الوجود، والتالي فيها هو
عبارة عن الحكم لذلك الموضوع، فإذا قيل(الخمر حرام) مرجعها في الحقيقة إلى أنّه
(إذا كان المايع خمراً، فهو حرام)، وقوله تعالى
﴿لله
على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً﴾،[2]
مرجعها إلى أنّه (إذا تحققّت الاستطاعة لدى المكلّف وجب عليه الحج)، هذه قضيّة
شرطية، شرطها هو تحققّ الموضوع، وجزاؤها هو ثبوت الحكم له على تقدير تحققّه) هذا
الحكم المجعول على نهج القضية الحقيقية التي ترجع لبّاً إلى القضايا الشرطية
بطبيعة الحال ينحل إلى أحكام متعددّة بتعددّ ما يوجد من أفراد ذلك الموضوع المقدّر
الوجود، فهو حكم انحلالي ينحلّ إلى أفراد متعدّدة وإلى أحكام متعدّدة بعدد ما
يتحقق في الخارج من أفراد ذلك الموضوع المقدّر الوجود، في مثال حرمة الخمر(كلّما
تحققّ خمر ثبتت له الحرمة)، وإذا تحققّ فرد آخر من أفراد الموضوع ثبتت له الحرمة
أيضاً...وهكذا. وفي مثال الاستطاعة، إذا تحققّت الاستطاعة بالنسبة إلى زيد ثبت له
وجوب الحج، وإذا تحققّت بالنسبة إلى غيره أيضاً ثبت له وجوب الحج...وهكذا.
الانحلالية تقتضي هكذا؛ وحينئذٍ إذا علمنا بتحققّ الموضوع المقدر الوجود في ضمن
فرد في الخارج، فقد علمنا بثبوت الحكم له، وإذا شككنا في تحقق الموضوع في ضمن هذا
الفرد، بأنْ كنّا لا نعلم أنّ هذا الفرد خمر، أو لا ؟ هذا الشكّ يساوق الشكّ في
ثبوت الحكم له، أي يساوق الشكّ في حرمته، هل هذا حرام، أو ليس حراماً، هذا
بالوجدان نشعر به؛ لأنّه عندما يتحقق فرد من أفراد الموضوع تثبت له الحرمة، العلم
بتحققّه يلازم العلم بثبوت الحرمة له، كما أنّ الشكّ في تحققّه يلازم الشكّ في
ثبوت الحرمة له.
إذن:
الشكّ في تحققّ الموضوع في ضمن هذا الموجود الخارجي هو شكّ في التكليف وفي الحكم
الشرعي، فإذا كان شكّاً في التكليف يكون مورداً للبراءة، فتجري فيه البراءة؛ لأنّ
موضوع البراءة هو عدم العلم بالتكليف الشرعي، وأنا الآن غير عالم بالتكليف الشرعي
لهذا الفرد، ولهذا الموضوع الخارجي، فإذا ثبت عدم العلم تثبت البراءة؛ لأنّ موضوع
البراءة هو عدم العلم بالحكم الشرعي. أنّ الأحكام الشرعية مجعولة على نهج القضايا
الحقيقية، والحكم المجعول على نهج القضية الحقيقية هو حكم انحلالي، ينحل إلى أحكام
متعددّة بعددّ ما يوجد في الخارج ممّا ينطبق عليه الموضوع المقدّر الوجود، فكل
فردٍ يوجد في الخارج يثبت له حكم، والفرد الآخر في الخارج يثبت له حكم، العلم
بتحقق الموضوع يلازم العلم بتحققّ حكمه، والشكّ في تحققّ الموضوع كما هو موجود في
الشبهة الموضوعية يلازم الشكّ في تحقق الحكم الشرعي، يلازم الشكّ في ثبوت الحرمة،
وعند الشكّ في ثبوت الحرمة يتحققّ موضوع البراءة العقلية، فتجري البراءة العقلية.
بعبارة
أخرى:
بعد فرض انحلال الحكم المجعول على نهج القضية الحقيقية، الحكم الثابت للموضوع
الخارجي الذي يُعلم بكونه خمراً هذا حكم مرتبط بالشارع، ولا يمكننا إنكار ارتباطه
بالشارع، هذا الحكم الثابت له عند العلم بتحققّ الموضوع، أي عند العلم بأنّه خمر
يكون حراماً، هذا حكم مرتبط بالشارع؛ لأنّ الشارع هو قال(كلّما تحققّ في الخارج
خمر فهو حرام)، وكأنّه قال: يحرم هذا عندما يكون خمراً، وهذا عندما يكون خمراً..
وهكذا، فهذا شيء قاله الشارع وليس شيئاً أجنبياً عن الشارع؛ لذا لا يمكن إنكار أنّ
الحرمة الثابتة للموضوع الخارجي على تقدير تحققّه هي حرمّة مرتبطة بالشارع؛ بل
يمكن أنْ يُترقّى ويُقال أنّ بيان هذه الحرمة لا نستطيع أنْ نقول أنّه ليس من شأن
الشارع؛ بل من شأن الشارع أنْ يُبيّن هذه الحرمة، لكن بيّنها بلسان القضية الحقيقية،
مثلاً في الأمثلة العرفيّة، المولى العرفي يخاطب عبده يقول له(كلّما جاءك عالم
فأكرمه) فالعبد يفهم من ذلك أنّه عندما يجيئ هذا العالم يجب إكرامه، وعندما يجيئ
ذاك العالم يجب إكرامه؛ بل وينسب ذلك الحكم إلى المولى، وإذا قيل له لماذا تكرم
هذا ؟ فأنّه يقول: المولى أمرني بذلك، المولى حكم بوجوب إكرامه عند مجيئه، وهذا
جاء، المولى حكم بوجوب إكرامه، فلا يمكن إنكار أن هذا الحكم الثابت للموضوع
المعلوم حكم مرتبط بالشارع، وبُيّن من قبل الشارع، لكن بلسان بيان القضية الحقيقية،
هذا سوف يثبت أنّه عند العلم بتحققّ الموضوع هناك علم بثبوت الحكم الشرعي؛ وحينئذٍ
لا مجال لجريان البراءة، لكن عند الشك بتحقق الموضوع ــــــــــ الذي هو محل
كلامنا الذي هو المفروض في الشبهات الموضوعية ـــــــــــ لا يمكن إنكار أنّ هذا
شكّ في التكليف والحكم الشرعي المرتبط بالشارع، فيتحقق موضوع البراءة الذي هو الشك
وعدم العلم بالتكليف المرتبط بالشارع، فيتحقق موضوع البراءة، فتجري البراءة.
إذن:
الجواب هو من جهة منعنا من كون المورد مورداً لقاعدة الاشتغال العقلي، ومن جهة
أخرى أثبتنا أنّ موضوع البراءة العقلية متحققّ في المقام، فتجري البراءة العقلية
ولا يجري الاشتغال العقلي، غاية الأمر أنّ الشك في ثبوت الحكم الشرعي في الشبهات
الموضوعية لا ينشأ من عدم النص، أو من إجمال النص، أو من تعارض النصّين، وإنّما
ينشأ من اشتباه الأمور الخارجية، لكن بالتالي هو شكّ في الحكم الشرعي المرتبط
بالشارع، وهذا أمر وجداني في الشبهات الموضوعية يشعر به الإنسان في وجدانه، أنّه
لا يعلم أنّه حرام، أو حلال، هو شكّ في الحكم الشرعي المرتبط بالشارع، فيتحقق فيه
موضوع البراءة العقلية، فتجري فيه البراءة العقلية.
من
هنا تبيّن ممّا تقدّم أنّ البراءة العقلية تجري في الشبهات
الموضوعية كما أنّ البراءة الشرعية أيضاً تجري في الشبهات الموضوعية، كل منهما
يجري في الشبهات الموضوعية كما أنّه يجري في الشبهات الحكمية، فإذن، لا فرق بين الشبهة
الموضوعية وبين الشبهة الحكمية في أنّ البراءة بأقسامها تجري فيهما.
المقام
الثاني:
(ويرتبط هذا المقام بموضوع مهم) وهو ضابط الشبهات الموضوعية التي تجري فيها
البراءة، والشبهات الموضوعية التي لا تجري فيها البراءة؛ بل تجري فيها قاعدة
الاشتغال العقلي، حيث لاحظ الأصوليون أنّ هناك بعض الشبهات الموضوعية لا تجري فيها
البراءة، وإنّما تجري فيها قاعدة الاشتغال، وهناك أمثلة كثيرة لهذا من قبيل ما إذا
شكّ المكلّف في هذا الحيوان هل هو واجد للشرائط المعتبرة في الهدي، أو لا ؟ هذه
شبهة موضوعية، أنّه واجد للشرائط، أو ليس واجداً لها، الشرائط معلومة لديه، هنا لا
تجري فيه البراءة؛ بل يجري فيه الاشتغال. أو أنّه يشكّ مثلاً في أنّ هذا هل هو ماء
حتّى يجوز الوضوء به ؟ هذه أيضاُ شبهة موضوعية، هل هذا ماء، أو ليس بماء، هنا
أيضاً يجري الاشتغال ولا تجري البراءة؛ لأنّه لا يمكنه أنْ يتوضأ بهذا المائع الذي
يشكّ في أنّه ماء، أو لا. شكّ في أنّه صلّى إلى القبلة، أو لا ؟ هنا أيضاً لا تجري
البراءة؛ بل تجري أصالة الاشتغال، وهكذا في موارد كثيرة. من هنا لابدّ من البحث في
أنّه ما هو الميزان في كون هذه الشبهة الموضوعية مورداً للبراءة، وهذه الشبهة
الموضوعية مورداً لقاعدة الاشتغال. هذا بحث مهم جداً، وهناك كلمات للمحقق
النائيني(قدّس سرّه) نستعرضها إنْ شاء الله تعالى موجودة في رسالته المعروفة في
اللّباس المشكوك يتعرّض إلى هذا الموضوع، ويبيّن ما هو الضابط من وجهة نظره .