الموضوع: الأصول العمليّة/ البراءة/ تنبيهات
البراءة/ التنبيه الرابع
كان
الكلام في التنبيه الرابع في جريان البراءة في الشبهات
الموضوعية، قلنا أنّ الكلام يقع في أنّه هل جميع أقسام البراءة تجري في الشبهات
الموضوعية كما كانت جارية في الشبهات الحكمية، أو أنّ الشبهات الموضوعية تختص ببعض
أقسام البراءة ؟ في هذا البحث الأوّل ذكرنا في الدرس السابق أنّه لا ينبغي الإشكال
في أنّ بعض أدلّة البراءة الشرعية تجري في الشبهات الموضوعية كما تجري في الشبهات
الحكمية، إمّا لإطلاق بعض الأدلّة كحديث الرفع على ما تقدّم سابقاً، فأنّه لا يختص
بالشبهات الحكمية، وإمّا لوجود روايات خاصّة واردة في خصوص الشبهات الموضوعية،
وذُكر كمثال للروايات المختصّة بالشبهات الموضوعية الحديث المعروف الذي يقول(كل
شيء فيه حلال وحرام) وذُكرت قرائن تدل على هذا الاختصاص بالشبهة الموضوعية.
نعم،
قد يُدعى أنّ
هذه الأخبار ما كان من قبيل(كل شيء فيه حلال وحرام) مختصّة بموارد العلم الإجمالي،
ولو باعتبار قوله(كل شيء فيه حلال وحرام) ممّا يُفهم منه وجود القسمين، وأنّ ذلك
هو منشأ الاشتباه، ومن الواضح أنّ وجود القسمين مع كون ذلك هو منشأ الاشتباه لا
يكون إلاّ مع افتراض الاختلاط وعدم التمييز، وإلاّ مع عدم الاختلاط ومع تمييز
الحلال عن الحرام لا موجب للاشتباه، الاشتباه في حالة فرض وجود القسمين لا يكون
إلاّ مع افتراض الاختلاط وعدم التمييز، وهذا الاختلاط وعدم التمييز مع وجود
القسمين هو المقصود بالعلم الإجمالي، اختلط الحرام بالحلال، فأصبح عالماً بأنّ هذا
فيه الحرام كما هو عالم بأنّ فيه الحلال، فيكون المورد من موارد العلم الإجمالي،
وهكذا قوله(بعينه) في ذيل الروايات، أو في ذيل معظم هذه الروايات، هذه أيضاً جُعلت
قرينة على اختصاص هذه الروايات بموارد العلم الإجمالي، باعتبار أنّ ما يقابلها هو
معرفة الحرام لا بعينه(حتّى تعرف الحرام منه بعينه) يعني تشخّص أنّ هذا حرام، هذا
داخل في الغاية، يعني لا يُحكم فيه بالبراءة، ولا بالحلّية، ما يقابله المغيّى هو
معرفة الحرام لا بعينه، هنا تجري البراءة، وهذا هو المراد بالعلم الإجمالي، أنْ
تعرف الحرام لا بعينه، أي من دون تشخيصه مع العلم بوجود الحرام، فيُدّعى أنّ هذه
الروايات ظاهرها الاختصاص بموارد العلم الإجمالي؛ حينئذٍ يقال: أنّ هذا الحديث وما
يشبهه، وإنْ كان يدل بالدلالة الالتزامية على جريان البراءة في محل الكلام الذي هو
الشكّ البدوي على نحو الشبهة الموضوعية، لا يدري أنّ هذا خمر أو خل، وإنْ كان يدلّ
على جريان البراءة في محل الكلام بالأولوية؛ لأنّ البراءة إذا كانت جارية في صورة
الشكّ المقرون بالعلم، فجريانها في صورة الشكّ الخالي المجرّد من بابٍ أولى، فتدلّ
هذه الأخبار على جريان البراءة في محل الكلام، أي في الشبهات الموضوعية التي يكون
الشكّ فيها ليس مقروناً بالعلم الإجمالي، لكن حيث لا يمكن جريان البراءة في موارد
العلم الإجمالي، أصلاً لا يمكن العمل بمضمون هذه الأخبار، وإنْ كان ظاهرها
الاختصاص بموارد العلم الإجمالي، لكن لا يمكن العمل بهذا المضمون؛ لأنّ العقل يحكم
باستحالة جريان البراءة في أطراف العلم الإجمالي، هذا معناه أنّ هذه الروايات
بلحاظ مدلولها المطابقي ساقط عن الحجّية، بحكم العقل باستحالة جريان البراءة في أطراف
العلم الإجمالي، فإذا سقط المدلول المطابقي لهذه الأخبار عن الحجّية يسقط مدلولها
الالتزامي أيضاً، بناءً على تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في
الحجّية، وبالتالي لا يمكن الاستدلال بها لإثبات جريان البراءة في محل الكلام؛
لأنّ جريان البراءة في محل الكلام استفدناه من هذه الأخبار كمدلولٍ التزامي ثابت
بالأولوية، وهذا المدلول الالتزامي تابع في الحجّية للدلالة المطابقية لنفس
الحديث، وحيث أنّ الدلالة المطابقية للحديث سقطت عن الحجّية بحكم العقل باستحالة
جريان البراءة في أطراف العلم الإجمالي، الدلالة الالتزامية أيضاً تسقط عن
الاعتبار، وتسقط عن الحجّية، فلا تكون حجّة، فلا يمكن الاستدلال بالحديث على جريان
البراءة في محل الكلام. هذا قد يُستشكل في الاستدلال بالحديث على جريان البراءة في
الشبهات الموضوعية التي هي محل كلامنا الخالية عن العلم الاجمالي بهذه الأحاديث ما
كان من قبيل(كل شيء فيه حرام وحلال).
الجواب
عن هذا الإشكال،
وتصحيح الاستدلال بهذه الأخبار يمكن أنْ يكون بهذا النحو: أننّا إذا سلّمنا اختصاص
هذه الأخبار بموارد العلم الإجمالي، لكن هذه الأحاديث مطلقة تشمل نوعين من موارد
العلم الإجمالي؛ لأنّ العلم الإجمالي تارة يكون متحققّاً في ضمن شبهة محصورة،
وأخرى يكون متحققّاً في شبهة غير محصورة ولا داعي لتخصيص هذه الأخبار بأحد
القسمين، هذه الأخبار سلّمنا أنّها مختصّة بموارد العلم الإجمالي، لكن لا قرينة
فيها على اختصاصها بالشبهة المحصورة، إذن: هي مطلقة تشمل الشبهة المحصورة، وتشمل
الشبهة غير المحصورة، بالرغم من اعترافنا باختصاصها بموارد العلم الإجمالي.
حينئذٍ
نقول:
أنّ ما يحكم العقل باستحالته وعدم معقوليته إنّما هو جريان البراءة في خصوص الشبهة
في خصوص الشبهة المحصورة من موارد العلم الإجمالي. هذا هو الذي يحكم العقل
باستحالته، وأمّا في موارد الشبهة غير المحصورة، فلا يحكم العقل باستحالة جريان
البراءة في أطراف ذلك العلم الإجمالي؛ ولذا التزموا بجريان البراءة في موارد العلم
الإجمالي، ولم يكن ذلك عندهم منافياً ومعارضاً لحكم العقل بالاستحالة، وهذا معناه
أنّ الحكم العقلي يختصّ بخصوص الشبهة المحصورة من موارد العلم الإجمالي، وإذا
اختصّ بهذا الشكل تكون نسبته إلى هذه الأخبار نسبة الخاص إلى العام، النسبة بينهما
هي نسبة العموم والخصوص المطلق؛ لأنّ تلك الأخبار تدلّ على جريان البراءة في موارد
العلم الإجمالي سواء كانت الشبهة محصورة، أو غير محصورة، الحكم العقلي يقول:
الشبهة المحصورة من موارد العلم الإجمالي يستحيل جريان البراءة فيها، فيخرج هذا
بالحكم العقلي عن إطلاق تلك الأخبار.
والنتيجة
هي:
أنّ تلك الأخبار تبقى على حالها، ومدلولها المطابقي يبقى حجّة، لكن في غير الشبهة
المحصورة، يعني يدلّ على جريان البراءة في موارد العلم الإجمالي في غير الشبهة
المحصورة بعد إخراج الشبهة المحصورة بحكم العقل من هذه الأحاديث؛ وحينئذٍ يأتي
الاستدلال السابق بأنّ هذه الأخبار الدالّة على جريان البراءة في موارد العلم
الإجمالي إذا كانت الشبهة غير محصورة. هذا يدلّ بالدلالة الالتزامية على جريان
البراءة في محل الكلام. بالأولوية أو المساواة يدل على جريان البراءة في محل
الكلام؛ لأنّ البراءة إذا كانت جارية في موارد الشكّ المقرون بالعلم الإجمالي، ولو
كان في شبهة غير محصورة، إذا كان تجري البراءة هناك كما يدل عليه الحديث التام
سنداً، فجريان البراءة في موارد الشك المجرّد عن العلم كما هو محل الكلام يكون من
بابٍ أولى، أو لا أقل من المساواة، فإمّا أنْ نستدل بالأولوية، أو بالمساواة؛
فحينئذٍ يتمّ الاستدلال ولا يرد عليه الإشكال السابق.
نعم،
قد يُشككّ في الأولوية؛ بل حتّى في المساواة بين ما نحن فيه
وبين الشبهة غير المحصورة، وذلك باعتبار أنّ احتمال التكليف في أطراف الشبهة غير
المحصورة احتمال ضعيف جدّاً؛ لكونها شبهة غير محصورة، بينما احتمال التكليف في محل
الكلام ليس كذلك، ليس احتمالاً ضعيفاً؛ بل هو احتمال معتدّ به، في محل الكلام هذا
مائع أشكّ في أنّه خمر، أو خل، إذن: نسبة احتمال التكليف، احتمال كونه خمراً هي
نسبة النصف، فهو احتمال معتدّ به، فجريان البراءة مع كون احتمال التكليف احتمالاً
ضعيفاً جدّاً لا يدل بالأولوية، ولا بالمساواة على جريان البراءة في موارد
الاحتمال المعتد به للتكليف، كما في محل الكلام. هذا يشككّ في الأولوية وفي
المساواة بهذا الاعتبار.
هذا
التشكيك أيضاً يمكن
أنْ يُدفع بأننّا لا ننكر أنّ احتمال التكليف في أطراف الشبهة غير المحصورة هو
احتمال ليس معتدّاً به عادة، لكن لا يمكن إنكار أنّه في بعض حالات الشبهة غير
المحصورة لا يكون احتمال التكليف احتمالاً ضعيفاً؛ بل يكون احتمالاً معتدّاً به،
قد يمكن فرض ذلك. نعم، طبيعة المسألة عندما تكون أطراف الشبهة كثيرة جدّاً، احتمال
التكليف في هذا الطرف هو احتمال واحد من جميع أطراف الشبهة، عادة هكذا، لكن في بعض
الأحيان قد يكون احتمال التكليف في طرفٍ، أو أطرافٍ احتمالاً معتدّاً به بالرغم من
كون الشبهة غير محصورة. هذا إذا سلّمناه، هذه الحالة قد تتحقق للشبهة غير المحصورة،
هذه تكون مشمولة لإطلاق الأخبار، بمعنى أنّ تلك الأخبار التي تدلّ على جريان البراءة
في أطراف العلم الإجمالي بعد تخصيصها بحكم العقل وإخراج الشبهة المحصورة منها سوف
تختصّ بالشبهة غير المحصورة، هذه الأحاديث بإطلاقها كما تشمل الشبهة المحصورة التي
يكون احتمال التكليف في أطرافها ضعيفاً جداً، كذلك تشمل الشبهة غير المحصورة التي
يكون احتمال التكليف في أطرافها معتدّاً به في بعض الحالات. إذن: هي تشمل هذه
الحالة، فإذا شملت هذه الحالة؛ حينئذٍ يكون الاستدلال تامّاً؛ بأنْ نقول أنّ هذه
الأخبار الدالة على جريان البراءة في أطراف العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة
مع كون احتمال التكليف معتداً به، تدل على ذلك بالمطابقة هي تدل بالأولوية، أو
بالمساواة على جريان البراءة في محل الكلام، ولا يرد التشكيك عندئذٍ في الأولوية
والمساواة؛ لأنّ التشكيك كان مبنياً على افتراض أنّ كل موارد الشبهة غير المحصورة
احتمال التكليف في أطرافه احتمال ضعيف وغير معتدّ به، بينما يمكن افتراض أنّ بعض
الموارد يكون احتمال التكليف فيها احتمالاً معتداً به، بالرغم من هذا، إطلاق
الأخبار الدال على جريان البراءة يشملها، وإذا شملها حينئذٍ يمكن الاستدلال
بالأخبار الشاملة لهذا المورد وبالدلالة الالتزامية على جريان البراءة في محل
الكلام، أو بقياس المساواة. هذا ما يرتبط بالبراءة الشرعية، وتبيّن أنّ البراءة
الشرعية تجري في الشبهات الموضوعية كما كانت تجري في الشبهات الحكمية، غاية الأمر
أنّ بعض ألسنة البراءة الشرعية قد لا تجري في الشبهات الموضوعية، كما أنّ بعض
ألسنة البراءة لا تجري في الشبهات الحكمية، لكن بالنتيجة هناك من الأدلة ممّا يدل
على البراءة الشرعية تجري في الشبهات الموضوعية، إمّا بإطلاقها، وإمّا باختصاصها
بالشبهات الموضوعية. وإنّما الكلام يقع في البراءة العقلية.
هل
تجري البراءة العقليّة في الشبهات الموضوعية كما تجري في
الشبهات الحكمية، أو لا ؟ طبعاً هذا البحث مبني على الإيمان بالبراءة العقلية وفق
قاعدة(قبح العقاب بلا بيان)، وإلاّ إذا أنكرنا هذه القاعدة، فلا مجال لهذا الحديث؛
لأنّ إنكار القاعدة يعني لا يوجد هكذا حكم عقلي لا في الشبهات الموضوعية ولا في
الشبهات الحكمية، وإنّما نتكلّم عن جريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية
على تقدير الإيمان بالقاعدة والالتزام بجريانها في الشبهات الحكمية الذي هو مبنى
المشهور، بناءً على مبنى المشهور قد يُمنع جريان البراءة العقلية في الشبهات
الموضوعية بعد الاعتراف بجريانها في الشبهات الحكمية، والوجه في منع جريان البراءة
العقلية في الشبهات الموضوعية هو ما ذكر في كلماتهم من أنّ المراد بالبيان الذي
يحكم العقل بقبح العقاب مع عدمه، المراد بهذا البيان الذي أُخذ عدمه في موضوع
قاعدة(قبح العقاب بلا بيان) هو بيان الحكم المرتبط بالشارع، ومن الواضح أنّ ما
يرتبط بالشارع هو الحكم الكلّي، هذا هو الذي يُطلب من الشارع بيانه؛ بل يُلزم
الشارع ببيان الأحكام الشرعية للمكلّفين، فالذي يلزم على الشارع بيانه هو الحكم
الكلّي، وأمّا الحكم الجزئي الثابت للموضوع الخارجي، فهذا لا يرتبط بالشارع؛ بل
ليس من شأنه بيانه، وليس عليه بيانه، ولا يُتوقع منه بيانه. بناءً على هذا، ما
يلزم بيانه على الشارع إنّما هو الحكم الكلّي، والمفروض في الشبهات الموضوعية
العلم بهذا الحكم الكلّي، ووصوله إلى المكلّف، ففي الشبهات الموضوعية ليس لدى
المكلّف مشكلة في الحكم الكلّي، هو يعلم بأنّ الخمر حرام، والخل حلال، فوصل إليه
الحكم الكلّي، والشارع قد بيّن ما يرتبط به وخرج عن العهدة ووصل هذا الحكم الكلّي
إلى المكلّف، فإذا وصل الحكم الكلّي الذي يرتبط بالشارع إلى المكلّف يتنجّز على
المكلّف، فإذا تنجّز هذا الحكم الكلّي الواصل إلى المكلّف والذي فرضنا أنّ المكلّف
عالم به، فعلمه بهذا الحكم الكلّي يجعل الحكم منجّزاً عليه، فإذا تنجّز عليه؛
حينئذٍ يحكم العقل بلزوم ترك ما يشك في كونه من أفراد الحرام لقاعدة الاشتغال
العقلي من أنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، وذمّة المكلّف بعد وصول
الحكم إليه اشتغلت بهذا الحكم الكلّي، وتنجّز عليه هذا الحكم الكلّي، فلابدّ أنْ
يخرج من عهدته يقيناً، ولا يقين بالخروج عن عهدته ولا يقين بامتثاله، إلاّ إذا ترك
ما يُشكّ في حرمته، وأمّا إذا شكّ في أنّ هذا خمر، أو خل، فارتكبه، هو لا يخرج من
عهدة التكليف الذي اشتغلت به الذمة يقيناً، بينما العقل يُحتّم عليه تفريغ ذمته
ممّا اشتغلت به على نحو الجزم واليقين، وهذا لا يحصل إلاّ إذا ترك ما يشكّ في كونه
من أفراد الحرام، ولهذا تكون القاعدة الجارية في الشبهات الموضوعية ليست هي
البراءة، وإنّا القاعدة الجارية في الشبهات الموضوعية هي قاعدة الاشتغال العقلي؛
لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، ولا يقين بالفراغ إلاّ مع ترك هذا
الفرد الذي يحتمل كونه حراماً. هذا هو الوجه الذي على أساسه قد يمنع من جريان
البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية، أنّ الشبهات الموضوعية ليست من موارد قاعدة(قبح
العقاب بلا بيان)، وإنّما هي من موارد الاشتغال العقلي ببيان أنّ ما هو وظيفة
الشارع هو بيان الأحكام الكلّية، وليس من وظيفة الشارع بيان الأحكام الجزئية، والمفروض
في الشبهات الحكمية أنّ الشارع قد بيّن هذا الحكم الكلّي ووصل إلى المكلّف، وعلم
به المكلّف، فيتنجّز عليه، (يحرم عليك شرب الخمر) يجب امتثال هذا التكليف بحكم
العقل، لابدّ من امتثال ذلك والخروج عن عهدة هذا التكليف وهذا لا يكون عندما يرتكب
شيء يحتمل أنّه خمر، لم يخرج من عهدة ذلك التكليف يقيناً، وإنّما يخرج من عهدته
يقيناً إذا اجتنب هذا الذي يُشكّ في كونه من أفراد الحرام. هذا هو الوجه الذي
يُمنع على أساسه من جريان البراءة في الشبهات الموضوعية. طبعاً واضح أنّ المشكوك
في الشبهات الموضوعية أوّلاً وبالذات هو الموضوع، لكن يستتبع الشكّ في الموضوع في الشبهات
الموضوعية الشكّ في الحكم الجزئي، فيصبح الحكم الجزئي الثابت للموضوع الخارجي
مشكوكاً، باعتبار الشكّ في نفس الموضوع، مسألة أنّ الشارع ليس وظيفته بيان الأحكام
الجزئية، نفسها تقال في بيان الموضوعات الخارجية، يعني كما أنّ الشارع ليس من
شأنه أنْ يبيّن الأحكام الخارجية، كذلك ليس من شأنه أنْ يُبيّن الأحكام الجزئية
لتلك الموضوعات الخارجية، ولا هو ملزم بها، وإنّما هو ملزم فقط ببيان الأحكام
الكلّية. هذا هو اصل الوجه في المنع، أو في التوقّف على الأقل.