الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

35/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العمليّة/ البراءة/ تنبيهات البراءة/ قاعدة التسامح في أدلّة السنن
ذكرنا في الدرس السابق بأنّ الخبر الضعيف الدال على الاستحباب إذا كان ممّا يُعلم بكذبه، فأنّه لا يكون مشمولاً لأخبار(من بلغ) فلا يمكن إثبات الاستحباب به لو استفدنا من أخبار(من بلغ) الاستحباب النفسي بعنوان البلوغ، وعُللّ ذلك إمّا بالانصراف، بدعوى أنّ أخبار(من بلغ) تنصرف عن مثل هذا الخبر الضعيف المعلوم الكذب، وإمّا بما ذكرناه من النكتة وهي أنّ موضوع الأخبار هو العمل الصادر برجاء تحصيل الثواب، هذا لا يمكن فرضه مع العلم بكذب الخبر الضعيف؛ لأنّ العلم بكذب الخبر الضعيف يعني العلم بعدم ترتب هذا الثواب المذكور فيه، ومع العلم بعدم ترتب الثواب المذكور فيه كيف يمكن الإتيان بالعمل بقصد تحصيل ذلك الثواب، هذا لا يمكن فرضه أصلاً، مع العلم بالكذب وعدم ترتب ذلك الثواب المذكور فيه على العمل لا يمكن للإنسان أنْ يأتي بالفعل برجاء تحصيل ذلك الثواب؛ ولذا لا تشمله الأخبار؛ لأنّ موضوعها غير متحقق في هذا المقام.
ويمكن أنْ تُذكر نكتة أخرى في المقام تمنع من شمول الأخبار لهذا الفرض وهي أنّ البلوغ لا يصدق في هذه الحالة، بقطع النظر عن العمل الصادر، وتفرّع العمل على بلوغ الثواب، لا يصدق بلوغ الثواب مع العلم بكذب الخبر، ومن الواضح أنّ موضوع هذه الأخبار هو بلوغ الثواب، ومع القطع بالكذب لا يصدق بلوغ الثواب؛ ولذا لا تكون هذه الأخبار شاملة له، وعدم شمول الأخبار للفرض الأوّل واضح.
الفرض الثاني: أنْ نفترض أنّه كان هناك في مقابل الخبر الضعيف الدال على الاستحباب خبر صحيح يدلّ على حرمة نفس الفعل الذي دلّ الخبر الضعيف على استحبابه وترتّب الثواب عليه، في هذه الحالة هذا الخبر الضعيف الدال على الاستحباب والمبتلى بالخبر الصحيح الدال على التحريم، هل يكون مشمولاً لأخبار(من بلغ)، أو لا ؟ هنا أيضاً يقال بعدم الشمول، إمّا باعتبار الانصراف كما ادُعي أنّ الأخبار منصرفة عن الخبر الضعيف الدال على الاستحباب إذا دلّ خبر صحيح على حرمة ذلك الفعل، وإنّما هي تشمل الخبر الضعيف الدال على الاستحباب الذي لا يوجد في قباله خبر صحيح يدلّ على الحرمة، إمّا للانصراف، وإمّا لنفس النكتة المتقدّمة، وهي أنّ الخبر الصحيح إذا نجّز الحرمة ـــــــ كما هو المفروض ـــــــ ؛ لأنّه خبر صحيح ومعتبر، فهو ينجّز حرمة الفعل، وصار الفعل على المكلّف حراماً؛ حينئذٍ لا يمكن افتراض تفرّع العمل على بلوغ الثواب، لا يمكن أنْ يصدر الفعل من المكلّف برجاء تحصيل الثواب، كيف يمكن له أنْ يأتي بالفعل برجاء تحصيل الثواب ؟ والحال أنّ الحرمة بالخبر الصحيح تنجّزت عليه، فصار الفعل عليه حراماً ! ومع كون الفعل حراماً كيف يمكن له أنْ يأتي به برجاء تحصيل الثواب ؟! وكيف يمكن افتراض تفرّع العمل على بلوغ الثواب ؟! هذا التفرّع أيضاً غير ممكن التحقق في هذه الحالة؛ ولذا لا تكون الأخبار شاملة.
الفرض الثالث: وحاصل هذا الفرض: أنّ الخبر الصحيح الدال على التحريم بناءً على مسلك الطريقية وجعل العلمية يجعلنا عالمين بالحرمة، ويعبّدنا بالحرمة؛ لأنّ مسلك الطريقية يعني اعتبار الظنّ علماً وتنزيل هذه الإمارة منزلة العلم، وأنّ هذا هو معنى حجّية الإمارة، تنزيلها منزلة العلم، فبقيام الخبر الصحيح الحجّة على التحريم نصبح عالمين بالتحريم، لكن تعبّداً لا وجداناً، ومن الواضح أنّ العلم بالتحريم يستلزم العلم بعدم الاستحباب. أي بعبارةٍ أخرى: يستلزم العلم بكذب الخبر الضعيف الدال على الاستحباب، فإذا علمنا بكذب الخبر الضعيف الدال على الاستحباب؛ حينئذٍ يأتي فيه ما تقدّم في الفرض الأوّل؛ لأننّا فرضنا في الفرض الأوّل أنّ أخبار(من بلغ)  لا تشمل الخبر الضعيف المعلوم الكذب، فهنا أيضاً نصبح عالمين بكذب هذا الخبر؛ لأنّ الخبر الصحيح يعبّدنا بالحرمة، وينزّل الإمارة منزلة العلم، فنصبح عالمين بالحرمة تعبّداً، والعلم بالحرمة يلازم العلم بعدم الاستحباب، أي يلازم العلم بكذب الخبر الضعيف الدال على الاستحباب، فهو خبر ضعيف نعلم بكذبه، غاية الأمر أننّا لا نعلم بكذبه وجداناً، وإنّما نعلم بكذبه تعبّداً؛ حينئذٍ لا تشمله أخبار(من بلغ)؛ لأنّه خبر معلوم الكذب، فتجري فيه الوجوه السابقة كالانصراف ــــــ مثلاً ــــــ ونكتة عدم إمكان تفرّع العمل على بلوغ الثواب، فتجري فيه هذه النكات؛ فحينئذٍ لا تكون الأخبار شامله له. هذا وجه ثالث غير الوجهين المتقدّمين. ونفس الكلام يقال إذا دلّ الخبر الصحيح على الكراهة، وبنفس البيان؛ إذ لا فرق في ما ذكرناه بين ما إذا كان الخبر الصحيح دالاً على التحريم وبين ما إذا كان دالاً على الكراهة، على الأقل بلحاظ بعض النكات السابقة من قبيل نكتة عدم إمكان تفرّع العمل على بلوغ الثواب مع قيام الخبر الصحيح على الكراهة وتنجّز الكراهة على المكلّف، باعتبار الخبر الصحيح الدال على الكراهة لا يمكن افتراض أنْ يصدر العمل من المكلّف متفرّعاً على بلوغ الثواب مع تنجّز الكراهة عليه، فمع تنجّز الكراهة عليه لا معنى لصدور العمل من المكلّف متفرّعاً على بلوغ الثواب؛ ولذا لا تكون الأخبار أيضاً شاملة له.
نعم، خصوص الفرض الثالث الذي مرجعه إلى الحكومة فيه مناقشة، الفرض الثالث الذي يقول أنّ الخبر الصحيح يجعلنا عالمين بالحرمة، والعلم بالحرمة يستلزم العلم بعدم الاستحباب، وهو معنى العلم بكذب الخبر، فنصبح عالمين بكذب الخبر وتقدّم في الفرض الأوّل أنّ الأخبار لا تشمل الخبر الضعيف إذا علمنا بكذبه، هذا الفرض فيه مناقشة تأتي الإشارة إليها في الفرض الأخير.
الفرض الرابع: ما إذا فرضنا أنّ الخبر الصحيح لم يدلّ على الحرمة كما في الفرض الثاني، ولم يدل على الكراهة كما في الفرض الثالث، وإنّما دلّ على نفي الاستحباب، فخبر ضعيف يدلّ على الاستحباب وفي قباله خبر صحيح ينفي الاستحباب، هل هذا أيضاً لا تشمله أخبار(من بلغ)، فلا يمكن إثبات الاستحباب للفعل بأخبار(من بلغ). الظاهر أنّ ما ذُكر في الفروض السابقة من الوجوه التي كانت تمنع من شمول أخبار(من بلغ) لتلك الفروض، الظاهر أنّها لا تجري جميعاً في هذا الفرض، وعمدة الوجوه هو الوجه الثاني المتقدّم وهو عدم إمكان تفرّع العمل على بلوغ الثواب، هذا الوجه يختصّ بما إذا دلّ الخبر الصحيح على التحريم، أو دلّ الخبر الصحيح على الكراهة، وأمّا إذا دلّ الخبر الصحيح على الاستحباب، فيمكن تفرّع العمل على بلوغ الثواب، فهو أمر ممكن بالرغم من قيام الخبر الصحيح على نفي الاستحباب، وذلك باعتبار أنّ الخبر الصحيح بالرغم من كونه حجّة ومعتبر شرعاً، لكنّه بلا إشكال لا يوجب رفع احتمال الصدق في الخبر الضعيف تكويناً، الخبر الصحيح خبر حجّة بلا إشكال وهو دال على نفي الاستحباب، لكن يبقى الخبر الضعيف تكويناً ووجداناً محتمل الصدق، والشكّ في الصدق في الخبر الضعيف لا يرتفع وجداناً بقيام الخبر الصحيح على نفي الاستحباب، بالرغم من كونه حجّة، ومن الواضح أنّه مع بقاء احتمال الصدق في الخبر الضعيف وعدم ارتفاعه يعني أنّ احتمال الثواب موجود، يعني أنّ احتمال الصدق في الخبر الضعيف الدال على احتمال الثواب يعني احتمالية الثواب في المقام، ومع احتمال الثواب يكون تفرّع العمل على بلوغ الثواب أمراً ممكناً لا مانع منه، أنْ يقوم المكلّف بهذا العمل بداعي بلوغ هذا الثواب الذي ذكره الخبر الضعيف؛ لأنّه يحتمل صدق هذا الخبر؛ فحينئذٍ لا مانع من افتراض تفرّع العمل على بلوغ الثواب، وبهذا لا يأتي هذا الوجه الذي ذُكر عندما يدلّ الخبر الصحيح على التحريم، هناك كان يدلّ على التحريم، وكان ينجّز الحرمة، ومع تنجّز الحرمة على المكلّف، وصيرورة العمل محرّماً عليه لا يمكنه أنْ يأتي به بداعي تحصيل الثواب، بينما عندما يدلّ الخبر الصحيح على نفي الاستحباب، فصحّة الخبر وحجّيته لا تعني أنّه لا شكّ ولا احتمال للصدق في الخبر الضعيف؛ بل يبقى احتمال الصدق في الخبر الضعيف موجود، واحتمال الثواب في الخبر الضعيف موجود؛ وحينئذٍ يكون التفرّع مقبولاً وممكناً وليس فيه محذور، فيكون التفرّع حينئذٍ في هذه الحالة ممكناً ولا يجري هذا الوجه في هذا الفرض.
نعم، قد يدّعى جريان الوجه الثالث الذي ذكرناه في المقام وقلنا أنّه سيأتي جوابه، وهو دعوى الحكومة، بأنْ يقال: أنّ الخبر الصحيح الدال على عدم الاستحباب يعبّدنا بعدم الاستحباب، بناءً على مسلك جعل الطريقية والعلميّة وتنزيل الإمارة منزلة العلم نصبح عالمين بعدم الاستحباب تعبّداً، ومعنى أننّا نصبح عالمين بعدم الاستحباب هو أننّا نصبح عالمين بكذب الخبر الضعيف الدال على الاستحباب، يعني هذا علم تعبّدي بعدم الاستحباب ملازم للعلم التعبّدي بكذب الخبر الضعيف الدال على الاستحباب، وإذا علمنا بكذب الخبر الضعيف الدال على الاستحباب؛ حينئذٍ يأتي فيه ما ذُكر في المقام في الفرض الأوّل من أنّه مع العلم بكذب الخبر الضعيف لا يكون مشمولاً للأخبار ولقاعدة التسامح في أدلّة السنن.
الجواب: حتّى لو سلّمنا تفسير الحجّية بجعل الطريقية وتنزيل الإمارة منزلة العلم، فأنّ العلم التعبّدي بعدم الاستحباب لا يوجب زوال الشكّ تكويناً، وإنّما يوجب زوال الشكّ تعبّداً، فأنّه بالوجدان يبقى شاكّاً في صدق الخبر وكذبه، ولا يوجد عنده علم وجداني بكذب الخبر حتّى لو قام خبر صحيح على الحرمة، وقام خبر صحيح على عدم الاستحباب، بالوجدان هو شاكّ في صدق هذا الخبر الضعيف. إذن: الشكّ في صدق الخبر الضعيف باقٍ بالوجدان، واحتمال الصدق في الخبر الضعيف باقٍ بالوجدان، واحتمال ترتب الثواب على العمل بالخبر الضعيف أيضاً باقٍ بالوجدان، فإذا كان هذا الشكّ باقٍ، والاحتمال باقٍ؛ حينئذٍ يكون التفرّع مقبولاً؛ لأنّ تفرّع العمل على بلوغ الثواب من آثار الشكّ الوجداني، والمفروض أنّه باقٍ، ليس من آثار الشكّ التعبّدي حتّى نقول أنّ العلم التعبّدي أزال الشكّ التعبّدي، وإنّما هو من آثار الشكّ الوجداني والاحتمال الوجداني، مادام المكلّف يحتمل وجداناً صدق الخبر، ويحتمل ترتب الثواب بإمكانه أنْ يأتي بالعمل برجاء تحصيل ذلك الثواب، إنّما لا يمكنه أنْ يأتي بالعمل برجاء ذلك الثواب فيما إذا علم وجداناً بكذب الخبر كما في الفرض الأوّل، إذا زال الاحتمال وجداناً من نفسه؛ حينئذٍ لا يمكنه أنْ يأتي بالعمل برجاء تحصيل ذلك الثواب، أمّا إذا كان الشكّ باقياً والاحتمال موجوداً بالوجدان، والعلم التعبّدي لا يوجب زوال هذا الاحتمال والشكّ الوجداني؛ حينئذٍ يكون التفرّع معقولاً ومقبولاً وليس فيه محذور.
إذن: لا يمكن أنْ نستدل بهذا الدليل في المقام لافتراض أنّ هذا لا يكون مشمولاً لأخبار(من بلغ) فالظاهر أنّ هذا الفرض الأخير لا مانع من كونه مشمولاً لأخبار(من بلغ). اللّهم إلاّ أنْ يُدّعى الانصراف. الوجه الصناعي لإخراج الوجوه السابقة عن قاعدة(من بلغ) هو أنّ القاعدة مختصّة بالعمل الذي يصدر من المكلّف برجاء تحصيل الثواب، وهو معنى تفرّع العمل على بلوغ الثواب، هذا التفرّع غير ممكن في الحالة الأولى، وفي الحالة الثاني، وفي الحالة الثالثة، أمّا في الحالة الرابعة، فهو أمر ممكن حتّى إذا قلنا بالحكومة، أو قلنا بمسلك جعل الطريقية وتنزيل الإمارة منزلة العلم؛ لأنّ هذا ـــــــ كما قلنا ــــــــ غاية ما يثبت به هو العلم التعبّدي بعدم الاستحباب وهو لا يوجب زوال الشكّ والاحتمال الوجداني، والتفرّع يترتّب على الشكّ الوجداني والاحتمال الوجداني الذي لا يزول بالعلم التعبّدي، يتفرّع على الاحتمال والشكّ الوجدانيين، ما دام هو يحتمل ترتّب الثواب على العمل بإمكانه أنْ يأتي بالعمل برجاء تحصيل ذلك الثواب.
الأمر السادس: أننّا ذكرنا سابقاً وتعرّضنا بمناسبةٍ إلى الثمرة بين القول بالاستحباب وبين القول بالحجّية، يعني بين القول بالاستحباب النفسي بعنوان البلوغ من أخبار(من بلغ) وبين القول باستفادة الحجّية للخبر الضعيف الدال على الاستحباب، حيث قيل هناك ما هي الثمرة بينهما؛ لأنّ المجتهد على كلا التقديرين بإمكانه أنْ يفتي بالاستحباب، فما هي الثمرة بينهما ؟
بينّا أنّ الثمرة هي على القول بالاستحباب لا يمكن الفقيه أنْ يفتي باستحباب العمل مطلقاً، وإنّما يفتي باستحباب العمل بعنوان البلوغ، يقول للعامّي المكلّف إذا بلغك ثواب على عمل، فذلك العمل يكون مستحبّاً، بينما بناءً على الحجّية يكون بإمكانه أنْ يفتي باستحباب العمل مطلقاً من دون تقييد بالبلوغ؛ لأنّ الاستحباب دلّ عليه الخبر الحجّة؛ لأنّ المفروض أنّ الخبر الضعيف في المستحبّات يكون حجّة ومعتبراً، فيكون حاله حال الخبر الصحيح إذا دلّ على استحباب فعلٍ، فبإمكان المجتهد أنْ يفتي بالاستحباب مطلقاً.
الآن نتعرّض إلى الثمرة بين القول بأنّ مفاد أخبار (من بلغ) هو الإرشاد إلى حسن الانقياد عقلاً الذي هو احد الاحتمالات المتقدّمة، وبين أنْ يقال أنّ مفادها حكم مولوي، سواء كان الحكم المولوي بمعنى الاستحباب النفسي، أو بمعنى الحجّية، على كل التقادير هو حكم مولوي مجعول من قبل الشارع، ما هي الثمرة بينهما ؟
الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) تعرّض في الرسائل إلى هذا المطلب،[1] وذكر الثمرة في موردين، وذكر في مقام الجواب عن ما قد يقال من أنّه لا ثمرة بينهما، فلماذا نتعب أنفسنا في إثبات الحكم المولوي ؟ فعلى كلا التقديرين يترتب الثواب على العمل، المكلّف إذا جاء بالعمل بعد أنْ بلغه الخبر الضعيف بالاستحباب وترتب الثواب، إذا جاء بالعمل برجاء تحصيل ذلك الثواب يُعطى له ذلك الثواب بلا إشكال، سواء استفدنا من أخبار(من بلغ) الحكم المولوي، أو لم نستفد حكماً مولوياً منها، بأنْ كانت مجرّد إرشاد، على كل تقدير لا إشكال في ترتب الثواب على العمل، يُعطى له ذلك الثواب بنصّ الأخبار الصحيحة المعتبرة؛ بل حتّى لو فرضنا الإجمال في أخبار(من بلغ) بلحاظ الاحتمالات الستة المتقدّمة، حتّى لو فرضنا الإجمال، بما أننّا لم نستظهر احتمالاً من تلك الاحتمالات، وكانت الأخبار مجملة من هذه الناحية، بالرغم من هذا لا إشكال في ترتب الثواب على العمل؛ لأنّ هذه الأخبار ليست مجملة من جهة ترتب الثواب على العمل، هي صريحة، أو ظاهرة في ترتب الثواب على العمل، الأخبار تقول( كان له ذلك الثواب إذا عمله برجاء تحصيل الثواب). إذن: الثواب يترتب على العمل سواء استفدنا الحكم المولوي، أو لم نستفد الحكم المولوي، وإنّما قلنا بأنّ مفادها الإرشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد والاحتياط. وقد ذكر الشيخ الأنصاري(قدّس سرّه) موردين قد يُدّعى ظهور الثمرة فيهما:
المورد الأوّل: هو المورد المعروف الذي هو جواز المسح ببلل المسترسل من اللّحية، يعني الخارج عن المقدار الذي يجب غسله، فإذا دلّ خبر ضعيف على استحباب غسل المسترسل من اللّحية في الوضوء، قال هنا تظهر الثمرة، فأنّه بناءً على ثبوت الاستحباب، يعني وجود حكم مولوي، إمّا بالحّجية، أو بالاستحباب النفسي؛ لأننّا قلنا على كل حالٍ يثبت الاستحباب؛ حينئذٍ يثبت جواز المسح ببلله، يجوز له أنْ يمسح لو احتاج أنْ يمسح رأسه أو قدميه ببلل المسترسل من اللّحية، يجوز له المسح بذلك؛ لأنّه يكون من أجزاء الوضوء؛ لثبوت استحباب غسله، فيكون من أجزاء الوضوء المستحبّة، فإذا كان من أجزاء الوضوء؛ فحينئذٍ يجوز المسح ببلله. هذا موقوف على إثبات استحباب غسل المسترسل من اللّحية. وأمّا إذا لم نقل بالاستحباب، وقلنا أنّ مفاد الأخبار هو مجرّد الإرشاد ولا يثبت بها الاستحباب؛ حينئذٍ لا يمكن إثبات جواز المسح ببلله؛ لأنّه ليس من أجزاء الوضوء؛ إذ لم يثبت استحباب غسل المسترسل حتّى يكون من أجزاء الوضوء ولو على نحو الاستحباب، فإذا لم يثبت؛ فحينئذٍ كيف يجوز المسح ببلله ؟ والحال أنّ المسح لابدّ أنْ يكون ببلل الوضوء، وهذا ليس من أجزاء الوضوء، فلا يجوز المسح حينئذٍ ببلل المسترسل من اللّحية.



[1] فرائد الأصول، الشيخ الأنصاري، ج 2، ص 158.