الموضوع: الأصول العمليّة/ البراءة/ تنبيهات
البراءة/ قاعدة التسامح في أدلّة السنن
الأمر
الثاني:
لا إشكال في شمول أخبار(من بلغ) لحالة الإخبار عن بلوغ الثواب عن حسٍّ، وهذه
الحالة أيضاً هي القدر المتيقن لهذه الأخبار، ويقع الكلام في أنّه هل تشمل الأخبار
البلوغ الناشئ عن الإخبار الحدسي لا الحسّي ؟ ومثّل لذلك بما إذا أفتى الفقيه
بالاستحباب، فأنّه يخبر أيضاً عن ترتب الثواب على ذلك الفعل الذي أفتى باستحبابه
باعتبار الملازمة المتقدّمة بين الاستحباب وبين ترتب الثواب، غاية الأمر أنّ
الملازمة هنا تكون بين الخبرين الحدسيين؛ لأنّه يخبر عن الاستحباب عن حدسٍ، وهذا
الخبر الحدسي ـــــ الاستحباب ـــــ يلازم الخبر الحدسي عن ترتب الثواب، فهل تشمل
الأخبار هذا النحو من البلوغ ؟
السيد
الخوئي(قدّس سرّه)[1]ذكر
ذلك وذكر بأنّه لا يبعد شمول الأخبار لفتوى الفقيه، ويحقق ذلك البلوغ المعتبر في
هذه الأخبار، وذكر بأنّ دعوى انصراف هذه الأخبار إلى الإخبار الحسّي، أو انصرافها
عن الإخبار الحدسي بعيد جدّاً.
هذا
الذي ذكره(قدّس سرّه) يبتني على أمرين:
الأمر
الأوّل:
ما أشار إليه من شمول الأخبار للإخبار عن حدس وعدم اختصاصها بالإخبار عن حسٍّ،
يعني أنّ الإخبار يحقق البلوغ، فيصح للمنقول إليه أنْ يقول بلغني ثواب، أو بلغني
الاستحباب، هذا البلوغ المتقوّم بالإخبار لا يختص بالإخبار عن حسٍّ؛ بل يشمل
الإخبار عن حدسٍ، فلكي نجعل الأخبار شاملة لفتوى الفقيه، لابدّ من هذا الافتراض،
وإلاّ لو كانت الأخبار مختصّة بالبلوغ الناشئ عن حسٍ بالخصوص؛ فحينئذٍ لا تكون
الأخبار شاملة لفتوى الفقيه.
الأمر
الثاني:
أنّ معنى فتوى الفقيه إذا أفتى بالاستحباب هو الإخبار حدساً عن الاستحباب، يعني
يخبر عن الاستحباب، غاية الأمر أنّ إخباره ليس إخباراً حسّياً، وإنّما هو إخبار
حدسي. وأمّا إذا فسّرنا فتوى الفقيه بأنّها تعني الإخبار عن رأيه واجتهاده، هنا قد
يشكك في شمول الأخبار لفتوى الفقيه، حتّى إذا قلنا أنّ الأخبار تشمل الإخبار عن
حدسٍ، لكن شمولها لفتوى الفقيه مبني على تفسير فتوى الفقيه بأنّها إخبار عن
الاستحباب، أو عن ترتب الثواب لكن عن حدس، أمّا إذا فسّرنا فتوى الفقيه بأنّها
ليست إخباراً عن ترتب الثواب، أو الاستحباب، وإنّما إخبار عن رأيه ونظره؛ حينئذٍ
قد يشكك في شمول الأخبار لفتوى الفقيه، باعتبار أنّ الملازمة بين نظره المؤدي إلى
الاستحباب وبين ترتب الثواب ليست واضحة، فالملازمة قائمة بين الاستحباب الذي يحكي
عن هذا الخبر وبين ترتب الثواب، وإذا قلنا قام الخبر الضعيف على الاستحباب، فأنّه
يكون مشمولاً للأخبار؛ للملازمة بين الاستحباب الذي يحكي عنه الخبر وبين ترتب
الثواب، فتشمله الأخبار؛ لأنّ هذا يخبر عن ترتّب الثواب، لكن بالملازمة، فيصدق
البلوغ، أمّا إذا فرضنا أنّ هذا لا يخبر عن الاستحباب، وإنّما يخبر عن نظره ورأيه،
فليس هناك ملازمة بين نظره وبين ترتّب الثواب، وإنّما الملازمة قائمة بين
الاستحباب الواقعي المحكي بهذا الخبر وبين ترتب الثواب، أمّا نظر المجتهد، يُخبر
عن رأيه ونظره، الملازمة غير واضحة، ومن هنا قد يشككّ في شمول الأخبار لفتوى
الفقيه إذا فسّرنا فتواه بأنّها عن نظره واجتهاده، لنقل هي أخبار عن نظره واجتهاده
وليست إخباراً عن الحكم الواقعي.
فإذا
تمّ هذان الأمران، يعني قلنا بشمول الأخبار للإخبار عن حدسٍ وعدم
اختصاصه بالإخبار عن حس. هذا أولاً، والثاني أننّا فسّرنا فتوى الفقيه بأنّها
إخبار عن الحكم الواقعي، أي عن الاستحباب لكن عن حدسٍ، إذا تمّ هذان الأمران
حينئذٍ يتمّ ما ذكره السيد الخوئي(قدّس سرّه) من شمول الأخبار لفتوى الفقيه.
لكن
يمكن التأمّل في
الأمر الأوّل على الأقل، يعني في شمول الأخبار للإخبار عن حدسٍ، والتأمّل ينشأ من
أنّه قد يقال: أنّ ظاهر الأخبار هو الاختصاص بالإخبار عن حسٍّ وعدم شموله للإخبار
عن حدسٍ، على الأقل نأخذ الرواية المعتبرة سنداً وهي صحيحة هشام بن سالم، والتي
تقول:(من بلغه عن النبي "صلّى الله عليه وآله
وسلّم" شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإنْ كان رسول الله صلّى الله
عليه وآله وسلّم لم يقله).
[2]
يمكن تفسيرها بما هو أعم من الإخبار الحسّي والإخبار الحدسي، لكن الظاهر منها هو
الإخبار عن حسٍ؛ لأنّ النقل عن شخص ظاهر في النقل الحسّي، البلوغ عن النبي(صلّى
الله عليه وآله وسلّم) يستبطن النقل عنه، والنقل عن النبي(صلّى الله عليه وآله
وسلّم) هو في حدّ نفسه ظاهر في النقل الحسّي، وشموله للنقل الحدسي، ولو بمعنى أنّه
يُفهم منه الأعم من النقل الحسّي والحدسي يحتاج إلى قرينة، الظهور الأوّلي للنقل
والإخبار الذي هو مقوّم للبلوغ هو النقل عن حسٍّ لا النقل عن حدسٍ، وكذلك إذا قال:(نُقل
لي عن فلان) هو ظاهر في النقل الحسّي، افتراض النقل الحدسي يحتاج إلى قرينة،
خصوصاً مع قوله في الذيل:(وإنْ كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يقله)
هذا يؤيّد أنّ المقصود في المقام هو النقل الحسّي لا النقل الحدسي إلاّ بالتأويل،
لكنّه خلاف الظاهر، فالظهور الأوّلي لهذه الروايات هو البلوغ الناشئ من النقل
الحسّي.
نعم،
لا نشترط في النقل الحسّي أنْ يكون مباشراً؛ بل حتّى لو كان بواسطة، أو بوسائط،
بالنتيجة هو نقل حسّي، وليس نقلاً حدسياً، شمول مثل هذه الألسنة في الروايات لفتوى
الفقيه ليس واضحاً، ولا أقل من التشكيك في ذلك.
وأمّا
الأمر الثاني الذي
ذُكر، وهو التفصيل في فتوى الفقيه بين كونها إخباراً عن الحكم، وبين كونها إخباراً
عن الرأي والنظر، فيبدو أنّه على كلا التقديرين يخبر عن الحكم الشرعي حتّى لو أخبر
عن نظره، فحتّى لو فرضنا أنّه أخبر عن نظره ورأيه، لكن هو يخبر عن نظره، يعني يخبر
أنّ رأيه هو الاستحباب، لكنّ الاستحباب حكم شرعي واقعي، هو يقول نظري هو
الاستحباب، يعني الاستحباب كحكم شرعي واقعي. إذن: عندما يُخبر الفقيه عن نظره هو
في الحقيقة يخبر عن الحكم الشرعي الواقعي الذي هو عبارة عن الاستحباب، وبالنتيجة
إخبار عن الاستحباب وعن الحكم الشرعي الواقعي، فسواء قلنا أنّ فتوى الفقيه هي
عبارة عن الإخبار عن الحكم الشرعي الواقعي، أو إخبار عن نظره، بالنتيجة إخباره عن
نظره هو إخبار عن الحكم الشرعي الواقعي الذي هو الاستحباب، فعندما يقول نظري هو
الاستحباب يعني أنّ حكم هذا العمل عند الشارع وفي الشريعة هو الاستحباب، غاية
الأمر أنّه يُخبر عنه عن حدسٍ؛ إذ المفروض في محل كلامنا أنّه لا ينقل هذا حسّاً،
وإنّما ينقله حدساً، لكن هو إخبار عن الحكم الشرعي الواقعي، رأي الاستحباب يعني
رأي أنّ هذا العمل حكمه الشرعي الواقعي هو الاستحباب، فلا فرق بين التفسيرين لفتوى
الفقيه، فعلى كلا التقديرين هو إخبار عن الحكم الشرعي الواقعي حدساً، فإذا قلنا
بتمامية الأمر الأوّل؛ حينئذٍ يتم شمول الأخبار لفتوى الفقيه، وإذا ناقشنا في
الأمر الأوّل وتوقّفنا فيه؛ حينئذٍ من الصعب جدّاً شمول الأخبار لفتوى الفقيه.
الأمر
الثالث:
ذكر السيد الخوئي(قدّس سرّه) في الدراسات أنّ الأخبار لا تشمل موردين:
[3]المورد
الأوّل:
الشبهات الموضوعية، فالأخبار لا تشمل إلاّ الشبهات الحكمية وتختصّ بها، ومثّلوا
لذلك بما إذا دلّ خبر ضعيف على كون مكان خاص مسجداً، هذا الخبر لا يخبر عن الحكم
وإنّما يخبر عن الموضوع، فهل يثبت بذلك استحباب الصلاة فيه ؟ يقول لا، لا نستطيع
بأخبار(من بلغ)، وبقاعدة التسامح أنْ نثبت بهذا الخبر الضعيف استحباب الصلاة في
المسجد. وعللّ ذلك بأنّ البلوغ المذكور في الأخبار ظاهر في اختصاصه بما يكون بيانه
من وظيفة الشارع، ومن الواضح بأنّ هذا لا يشمل إلاّ الشبهات الحكمية؛ لأنّ بيان
الشبهة الحكمية هو الذي يكون وظيفة للشارع، أمّا الشبهة الموضوعية، مثل(هذا مسجد)،
أو(هذا خمر) فهذا ليس وظيفة للشارع، والأخبار ظاهرة ـــــ كما يقول ـــــ في
اختصاص البلوغ بما يكون بيانه من وظائف الشارع، فتختص الأخبار لا محالة بخصوص
الأخبار الواردة في الشبهات الحكمية، ولا تشمل الأخبار الواردة في الشبهات
الموضوعية.
يمكن
أنْ يقال:
بأننّا لا نحتاج إلى هذا التعليل، يعني التوهّم أصلاً لا يرد في شمول الأخبار
للشبهات الموضوعية، والسرّ في ذلك هو أنّ موضوع الأخبار هو بلوغ الثواب على عمل،
فكل خبرٍ ضعيف مفاده ترتّب الثواب على عمل يكون مشمولاً للأخبار، لنلاحظ هذا الخبر
في الشبهات الموضوعية الذي يقول(هذا خمر)، و(هذا ماء مطلق)، أو (هذا مسجد) مثلاً،
ما هو مفاده ؟ ليس مفاده ترتّب الثواب على عمل بالمطابقة، مفاده هو أنّ هذا مسجد،
وليس مفاده ترتّب الثواب على الصلاة فيه، وإلاّ لما وقع هذا الكلام فيه، ولكان
داخلاً في الأخبار بلا إشكال؛ لأنّه خبر وارد في الشبهة الحكمية، إذن: ليس مفاده
ذلك بالمطابقة، كما أنّه ليس مفاده ذلك بالالتزام أيضاً، فعندما يقول الخبر(هذا
مسجد) ليس معنى ذلك أنّه يدل بالدلالة الالتزامية على استحباب الصلاة فيه، وإنّما
هذا الخبر يدّعي تحققّ موضوع دليل آخر يدلّ على استحباب الصلاة في المساجد، وهذا
الخبر يحقق موضوع هذا الدليل، فيقول(هذا مسجد)، لكنّه لا يخبر حتّى بالدلالة
الالتزامية عن استحباب الصلاة في هذا المسجد، وإنّما استحباب الصلاة في هذا المسجد
يثبت بذاك الدليل بعد فرض إحراز موضوعه، إذا فرضنا أننّا أحرزنا موضوعه، كما إذا
فرضنا أنّ الخبر الدال على أنّ(هذا مسجد) هو خبر صحيح ومعتبر؛ حينئذٍ يثبت استحباب
الصلاة فيه بذاك الدليل، فأنّه هو الذي يدلّ على استحباب الصلاة فيه لا هذا
الدليل، فأنّ هذا الدليل يحرز الموضوع فقط، هذا الخبر الذي نتحدّث عنه لمّا كان
خبر ضعيف، فهو لا يثبت موضوع ذاك الدليل، المُدّعى في المقام أننّا نريد أنْ
نتمسّك بقاعدة التسامح وبأخبار(من بلغ) لإثبات مفاد هذا الدليل، نقول هذا غير
صحيح؛ لأنّ مفاده ليس هو ترتّب الثواب على عمل، لا بالدلالة المطابقية ولا
بالدلالة الالتزامية، هو يثبت أنّ هذا مسجد ولا يخبر، ولو بالدلالة الالتزامية عن
استحباب الصلاة في هذا المسجد، وإنّما هذا يدل بدليله فيما لو أحرزنا تحقق موضوعه،
وحيث أننّا في المقام لا نحرز تحقق موضوعه؛ لأنّ المفروض أنّ الخبر ضعيف سنداً لا
يمكن الاعتماد عليه، فلا يمكن إثبات استحباب الصلاة في ذلك المكان الذي دلّ الخبر
الضعيف على كونه مسجداً، بلا حاجة إلى التعليل الذي ذكره، أصلاً لا مجال لتوهّم
الشمول للشبهات الموضوعية، يعني الخبر الوارد في الشبهات الموضوعية.
المورد
الثاني:
الذي لا تشمله الأخبار هو نقل فضائل أهل البيت(عليهم أفضل الصلاة والسلام)
ومصائبهم، قال أنّ هذا لا تشمله الأخبار، فلا يمكن أنْ نثبت استحباب نقل فضيلة، أو
مصيبة دلّ الخبر الضعيف عليها، لا يمكن أنْ نتمسّك بالقاعدة لإثبات ذلك.
أقول:
توهّم شمول أخبار(من بلغ) إنّما يكون في فرض ما إذا قام
خبر ضعيف على استحباب نقل فضائلهم ومصائبهم(عليهم أفضل الصلاة والسلام) حتّى لو لم
تثبت بدليلٍ معتبر؛ إذا كان لدينا خبر ضعيف يدلّ على مثل ذلك، هنا يأتي مورد توهّم
شمول الأخبار لذلك؛ لأنّ هذا خبر ضعيف دلّ على ترتّب ثوابٍ على عمل، فيصدق على من
جاءه هذا الخبر الضعيف أنّه بلغه ثواب على عمل، وهو نقل فضيلة لأهل البيت(عليهم
السلام)، وإنْ لم تثبت بدليل معتبر، يعني لو دلّ على الفضيلة خبر ضعيف، يثبت عندنا
ــــــ بناء على بعض الاحتمالات في تفسير الأخبار ــــــ استحباب نقل هذه الفضيلة،
وإنْ لم تثبت بدليل معتبر؛ لأنّ هذا الاستحباب ثبت بخبر ضعيف وقاعدة التسامح
وأخبار(من بلغ) تقول لا مانع من التعامل مع هذا الخبر الضعيف على بعض الاحتمالات
السابقة، إمّا يثبت بها الاستحباب النفسي للنقل، فيثبت أنّ النقل مستحب، أو
الحجّية، بمعنى أنّ الخبر الضعيف في المستحبّات حجّة، فيثبت حجّية هذا النقل،
ويثبت استحباب نقل هذه الفضيلة وإنْ لم تثبت بدليلٍ معتبر. لكن هذا الفرض غير
واقع، ليس لدينا دليل يدلّ على استحباب نقل فضائلهم حتّى لو لم تثبت الفضيلة بدليل
معتبر، وإنّما لدينا أدلّة تدل على نقل فضائلهم ونشرها، لكن المقصود بفضائلهم هو
الفضيلة الواقعة موضوعاً في دليل استحباب نقل الفضيلة، وليس نقل الفضيلة مطلقاً
حتّى وإنْ لم تثبت بدليل معتبر كما هو الحال في كل موضوع مع حكمه في الدليل، لا
يمكن أنْ نثبت الحكم في دليل إلاّ بعد إحراز موضوعه، إمّا بالوجدان، أو بدليل
تعبّدي معتبر، وإمّا إذا شككنا في الموضوع أنْ هذا هل هو خمر، أو ليس بخمر، ولم
نحرزه؛ فحينئذٍ لا نستطيع أنْ نتمسّك بدليل لإثبات حرمته، وإنّما يصحّ التمسّك
بالدليل لإثبات الحرمة عندما نحرز أنّ هذا خمر، وجداناً، أو تعبّداً، فنتمسّك
بالدليل لإثبات حكمه، وأمّا مع الشك وعدم إحراز الموضوع، والشك فيه، فالتمسّك
بالدليل يكون تمسّكاً بالدليل في الشبهة الموضوعية، وهذا بلا إشكال غير جائز. في
محل الكلام الأدلّة الواردة والصحيحة تدل على نقل فضائلهم، لكن ما هو المقصود
بفضائلهم ؟ المقصود فضائلهم الثابتة بالوجدان، أو بدليلٍ معتبر، بحيث لا نستطيع
أنْ نتمسّك بهذا الدليل الثابت بلا إشكال لإثبات الاستحباب إلاّ عندما نحرز أنّ
هذه فضيلة لأهل البيت(عليهم السلام)، أو مصيبة لهم؛ عندئذٍ يثبت استحباب نقلها
ونشرها. وأمّا إذا شككنا في فضيلة أنها ثابتة لهم، أو لا، لا يمكن التمسّك بهذا
الدليل لإثبات استحباب نقل هذه الفضيلة؛ لأنّ هذا تمسّك بالدليل في الشبهة
الموضوعية له، وهو غير جائز بلا إشكال.
نعم،
لو ثبت بالدليل، ولو بخبر ضعيف، دليل يدل على استحباب نقل فضائلهم وإنْ لم تثبت
بدليل معتبر بحيث صرّح الدليل بهذا الشكل، هذا الكلام صحيح، بمجرّد أن نرى فضيلة
ليس عليها دليل معتبر؛ حينئذٍ يثبت استحباب نقلها وإشاعتها، لكن ليس لدينا هكذا
دليل يدل على استحباب نقل الفضيلة حتّى إذا لم تثبت بدليل معتبر، الدليل يقول
انقلوا فضائل أهل البيت(عليهم السلام)، والدليل كسائر الأدلّة الأخرى ظاهر في أنّ
المقصود بالفضائل هي الفضائل الثابتة لهم بقطع النظر عن هذا الدليل. إذن: لا مجال
للتمسّك بهذه الأحاديث والأخبار لإثبات استحباب نقل الفضيلة عند عدم إحراز كونها
فضيلة لهم، وجداناً، أو تعبّداً.
الأمر
الرابع:
لوحظ أنّ المشهور الذي استفاد الاستحباب النفسي من اخبار(من بلغ) بفتي بالاستحباب
مطلقاً، لمجرّد أنْ يقوم عند الفقيه من المشهور خبر ضعيف على استحباب عمل هو يفتي
بالاستحباب، هو يقوم عنده، هو يبلغه استحباب عمل، وترتب ثواب عليه، يفتي للعامّي
بالاستحباب مطلقاً.