الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

35/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأصول العمليّة/ البراءة/ تنبيهات البراءة/ قاعدة التسامح في أدلّة السنن
أمّا الاحتمال الرابع، والذي هو أنّ مفاد أخبار(من بلغ)مجرّد وعد إلهي لمصلحة في نفس الوعد بإعطاء ذلك الثواب، فقد اعتُرض عليه بأنّ ظاهر الأخبار كونها بصدد الحث والترغيب في العمل وليس مجرّد الوعد الصِرف.
قد يقال: بأنّ كون مفاد الأخبار الترغيب والحث على العمل لا ينافي كون المراد بهذه الأخبار هو الوعد الصِرف، لا منافاة بينهما حتّى يقال أنّ ظهور الأخبار في أنّها في مقام الحث على العمل ينافي حملها على أنّه مجرّد وعد صرف، لوضوح أنّه قد يكون الغرض من الوعد بالثواب هو حث المكلّف على العمل والترغيب فيه، فلا منافاة بينهما حتّى يقال أنّ الحمل على الوعد الصِرف ينافي ظهور الأخبار في أنّها في مقام الترغيب والحثّ على العمل.
والجواب عنه هو: أنّ هذا الإشكال ناشئ من عدم استيضاح ما هو المقصود من الاحتمال الرابع، فأنّ المقصود به هو ما تقدّم من أنّه وعد إلهي صِرف لمصلحةٍ في نفس الوعد، وليس في مقام الحثّ على العمل، ومُثّل له بما تقدّم، باعتبار أنّ هذا هو المناسب لشأنّه(سبحانه وتعالى) ولعظمته، أنّه إذا بلغ الإنسان ثواب على عمل، وأُسند الثواب إليه تعالى؛ فحينئذٍ من المناسب لشأنه وعظمته هو أنْ يُعطي ذلك الثواب الذي بلغه.
وبعبارة أخرى: أنّ المولى(سبحانه وتعالى) لا يُخيّب رجاء من رجاه، فيعطيه ذلك الثواب؛ لأنّ هذا هو المناسب لشأنه(سبحانه وتعالى)، فمعنى الاحتمال الرابع هو وعد إلهي لمصلحة في نفس الوعد، وليس في مقام الحثّ على العمل والترغيب فيه، من قبيل ما إذا فُرض أنّ شخصاً يقول(من بلغه أنّي أُطعم كل من جاءني، وجاءني هذا  الشخص أنا أطعمه ولا أخيّب أمله)، هذا ليس فيه دلالة على الحثّ على العمل، ليس فيه دلالة على الترغيب في المجيئ إلى داره، وإنّما هو باعتبار أنّه بلغه أنّه يطعم كل من جاءه، فهذا المولى ليس من شأنه أنْ يحرمه من ذلك؛ بل من شأنه أنْ يستجيب لذلك. أمّا أنّه فيه دلالة على العمل والترغيب فيه، فلا، فمجرّد الوعد لمصلحة في نفس الوعد ليس فيه دلالة على الحثّ على العمل والترغيب فيه. يمكن أنْ يقال أنّ هذا الاحتمال هو خلاف ظاهر الروايات، باعتبار أنّ الروايات ــــــ إذا استظهرنا ذلك ــــــ هي في مقام الترغيب والحثّ على العمل، فيكون هذا الاحتمال بهذا الاعتبار منافياً للظاهر، إذا استظهرنا أنّ الروايات هي في مقام الحث على العمل والترغيب فيه. هذه هي المناقشة في الاحتمال الرابع.
بقي عندنا الاحتمال الثاني: هذا الاحتمال أخذ حيّزاً أكبر من كلماتهم واهتمّوا به أكثر من غيره من الاحتمالات، باعتبار أنّ ظاهر المشهور هو اختيار هذا الاحتمال؛ ولذا أفتى المشهور بالاستحباب مستنداً إلى هذا الاحتمال، حيث يُدعى فيه بأنّ المستفاد من الأخبار هو جعل استحباب واقعي ثانوي للعمل بعنوان البلوغ.
الدليل على هذا الاحتمال الذي ذهب إليه المشهور هو دعوى الملازمة بين ترتّب الثواب وبين الاستحباب. هذا هو أصل الدليل ومنه تفرّعت الأبحاث الآتية، أنّ هناك ملازمة بين ترتّب الثواب على عمل وبين مطلوبية ومحبوبية ذلك العمل؛ ولذا كثيراً ما يُبيّن الاستحباب ببيان الثواب، نظير كثرة بيان الحرمة ببيان العقاب على العمل، فيُفهم من ترتّب العقاب على العمل الحرمة؛ لأنّ هناك ملازمة بين ترتّب العقاب على العمل وبين حرمته. نفس هذه الملازمة تُدّعى في جانب الثواب، فيقال أنّ الدليل الدال على ترتّب الثواب على عمل يُفهم منه مطلوبية ذلك العمل واستحبابه، فيثبت الاستحباب، ولعلّه لذلك لم يتوقّف أحد في استفادة الاستحباب من أحاديث كثيرة ترتّب الثواب على بعض الأعمال، كما مثّلوا لذلك بما إذا قال(من سرّح لحيته فله كذا)، و(من أعان مسلماً فله كذا).....الخ. يُستفاد منه استحباب هذه الأعمال على أساس هذه الملازمة، ولعلّ السرّ في هذه الملازمة هو أنّ الثواب لا يكون جزافاً، وإنّما لابدّ أنْ يكون له سبب، والسبب هو عبارة عن الإتيان بما هو مطلوب ومحبوب للمولى، وهذا يكفي في إثبات الاستحباب، فبمجرّد أنْ يكون مطلوباً ومحبوباً للمولى يكون مستحبّاً، فيُستكشف الطلب والأمر على أساس أنّ الثواب لا يكون جزافاً. والذي يُفهم من هذا الاستدلال، أو هكذا يفهم المستدل أنّ الثواب في الأخبار ــــــ إذا جاز لنا التعبير ــــــ هو الثواب الاستحقاقي، وليس الثواب التفضّلي، فالثواب التفضّلي جزاف وليس له سبب كالإتيان بالمأمور به، وإنّما يعطيه المولى(سبحانه وتعالى) من باب التفضّل، فإذا كان الثواب في الروايات ثواب تفضّلي ــــــ كما سيأتي التعرّض لذلك ــــــ فليس هناك ملازمة بينه وبين الأمر والاستحباب، كأنّهم فرضوا في الاستدلال أنّ الثواب ثواب استحقاقي بمعنىً من معاني الاستحقاق، وإلاّ، العبد لا يستحق شيئاً على المولى مهما فعل، لكنّه بمعنىً من معاني الاستحقاق هو ثواب استحقاقي؛ حينئذٍ يقال أنّ الثواب الاستحقاقي لا يكون جزافاً، فلابدّ أنْ يكون له سبب، وسببه هو عبارة عن الإتيان بالمطلوب للمولى؛ وحينئذٍ يُفهم أنّ هذا متعلّق لطلب المولى ولإرادته، فيثبت الاستحباب. هذا أصل الاستدلال.
حينئذٍ يتوجه سؤال لتتميم الاستدلال، كأنّه يُفترَض سؤال مُقدّر ويجيب عنه المستدل لتوضيح الاستدلال. السؤال المقدّر هو، فإنْ قيل: لا يظهر من الأخبار ترتّب الثواب على نفس العمل حتّى نثبت استحباب العمل عن طريق الملازمة، مع وضوح أنّ مقصود المشهور الذي يفتي بالاستحباب مستنداً إلى هذا الاحتمال في تفسير الروايات، مقصوده استحباب ذات العمل، هذا العمل الذي بلغه عليه ثواب، وجاء به، هذا العمل يكون مستحبّاً؛ حينئذٍ يقال: لا يظهر من هذه الأخبار ترتّب الثواب على ذات العمل حتّى نستفيد على أساس الملازمة المتقدّمة استحباب ذات العمل، ونفتي باستحباب ذات العمل، وإنّما المستفاد من الأخبار هو ترتّب الثواب على العمل المأتي به بقصدٍ قربي، وبرجاء ثبوت ذلك الثواب، والتماساً لأنْ يكون النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد قاله، فلم يترتب الثواب في الأخبار على ذات العمل، وإنّما ترتب الثواب على العمل المقيّد بالرجاء والتماس الثواب، فعلى تقدير تسليم الملازمة المتقدّمة، ما يثبت بالملازمة هو استحباب الانقياد؛ لأنّ الإتيان بالعمل برجاء كون العمل مطلوب، وبرجاء أنّه قد أمر به الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو انقياد للمولى، فالعمل مترتب على الانقياد، فعلى تقدير ثبوت الملازمة يثبت استحباب الانقياد والاحتياط، لا استحباب ذات العمل، فكيف تثبتون استحباب ذات العمل بهذه الملازمة.
الجواب عن هذا التساؤل هو: إنّهم يقولون بأنّ ترتّب الثواب على العمل الخاص المقيّد وإنْ كان موجود في بعض هذه الأخبار، لكنّ الأخبار الأخرى خالية من هذا القيد؛ بل معظم أخبار الباب خالية من هذا القيد، القيد موجود في روايتين فقط من أخبار الباب، وأمّا الأخبار الأخرى التي يبلغ عددها خمسة ليس فيها ذلك القيد، وإنّما الموجود فيها هو ترتّب الثواب على نفس العمل لا على العمل المأتي به برجاء ثبوت الثواب وأمثال هذا(من بلغه ثواب على عمل فعمله كان له ذلك الثواب).
اعتُرض على هذا الاستدلال باعتراضين، أو أكثر:
الاعتراض الأوّل: إذا اعترفت أيّها المستدل بأنّ هناك أخباراً ترتّب فيها الثواب على العمل المقيّد، وهناك أخبار ترتّب فيها الثواب على ذات العمل؛ حينئذٍ مقتضى القاعدة هو حمل المطلق على المقيّد، والنتيجة هي تقييد المطلق بالمقيّد، ويكون حاصل هذا هو أنّ العمل في جميع الأخبار يكون مقيّداً، وترتّب الثواب في جميع الأخبار يكون على العمل المقيّد؛ وحينئذٍ كيف يمكن استكشاف استحباب ذات العمل على أساس الملازمة ؟! هذا غير ممكن؛ لأنّ الثواب في جميع الأخبار بعد حمل المطلق على المقيّد مترتّب على العمل المقيّد، وقلنا أنّ العمل المقيّد هو عبارة عن الانقياد، والاحتياط، فلا يمكن أنْ نستفيد استحباب ذات العمل وإنْ لم يأت به بعنوان الانقياد، وإنْ لم يأتِ برجاء وجود الثواب.
وبعبارة أخرى: كأنّ المستدل قصر النظر على الأخبار المطلقة، يقول أنّ الأخبار المطلقة ترتّب فيها الثواب على ذات العمل، وبالملازمة يثبت استحباب ذات العمل، ولم يلاحظ الأخبار المقيّدة، أو لم يأخذها بنظر الاعتبار. الاعتراض الأوّل يقول لابدّ من أخذ الأخبار المقيّدة بنظر الاعتبار، وبالتالي مقتضى القاعدة هو حمل المطلق على المقيّد، فلا تبقى عندنا أخبار مطلقة بعد التقييد؛ بل الثواب في جميع الأخبار يكون مترتّباً على العمل المقيّد، فإذن: لا يمكن استكشاف استحباب ذات العمل على أساس الملازمة.
من الواضح أنّ المطلق والمقيّد في محل كلامنا من قبيل المطلق والمقيّد المثبتين، أخبار يترتب فيها الثواب على مطلق العمل، وأخبار يترتب فيها على العمل المقيّد، فيكون من قبيل(أكرم العالم)، و(أكرم العالم العادل) فهما مثبتان، في المطلق والمقيّد المثبتين حمل المطلق على المقيّد يثبت في موارد:
المورد الأوّل: ما إذا فرضنا أنّ الحكم في المطلقات والمقيّدات واحد، ولا يوجد تعددّ في الحكم، فإذا افترضنا ذلك؛ حينئذٍ تتحققّ حالة التعارض بين الدليلين، فيُحمل المطلق على المقيّد، بمجرّد أنْ نفترض أنّ الحكم واحد؛ حينئذٍ يتعارض الدليلان؛ لأنّ الحكم الواحد له موضوع واحد، ولا يُعقل أنْ يكون للحكم الواحد موضوعان، فموضوعه إمّا مطلق العالم، أو العالم العادل. أمّا أنْ يكون هذا الحكم الواحد موضوعه مطلق العالم، ويكون موضوعه العالم العادل، فهذا غير ممكن أصلاً، هنا يقع التعارض بينهما؛ لأنّ المطلقات تقول أنّ موضوع الحكم  هو مطلق العالم، بينما المقيّدات تقول أنّ موضوعه هو العالم العادل، فهي تنفي ذاك، فيتحققّ التكاذب بينهما والتعارض؛ وحينئذٍ لابدّ من حمل المطلق على المقيّد لكي يكون للحكم موضوع واحد، وقوانين التعارض تقتضي حمل المطلق على المقيّد، فيكون لهذا الحكم الواحد موضوع واحد وهو العالم العادل، فيُحمل المطلق على المقيّد.
أمّا إذا لم نفهم وحدة الحكم، واحتملنا تعددّ الحكم احتمالاً معتداً به، أي أنّ هناك حكمان، أحدهما يثبت لمطلق العالم والآخر يثبت للعالم العادل؛ فحينئذٍ لا تعارض، ولا داعي لحمل المطلق على المقيّد؛ بل نلتزم بكلٍ منهما، حكم ثابت للمطلق، وحكم ثابت للمقيّد.
إذا أردنا أنْ نطبّق هذا على محل الكلام، نقول: في محل الكلام لدينا روايات مطلقة وروايات مقيّدة، فإذا فهمنا وحدة الحكم، وأنّ الحكم في المقام في كل هذه الروايات واحد؛ حينئذٍ هذا الحكم الواحد إمّا أنْ يثبت لمطلق الفعل، أو يثبت للفعل الخاص، أي ترتّب الثواب الذي يُستفاد منه الاستحباب، إمّا أنْ يترتب على مطلق الفعل، أو يترتب على الفعل المقيّد، فتقع حالة التعارض بين الدليلين، فيُحمَل المطلق على المقيّد. وأمّا إذا لم نفهم ذلك، واحتملنا احتمالاً معتدّاً به أنّ الحكم متعددّ، بمعنى أنّ المطلقات تنظر إلى استحباب نفسي ثابت لذات الفعل بعنوان البلوغ، وأمّا المقيّدات فهي ناظرة إلى شيءٍ آخر وليست ناظرة إلى الاستحباب النفسي، وإنّما تكون المقيّدات ناظرة إلى حكم العقل بحُسن الانقياد.
وبعبارة أخرى: إنّ المقيّدات ناظرة إلى الإرشاد إلى حكم العقل بحُسن الانقياد، فعندما تقول(من بلغه ثواب على عمل وعمله التماس ذلك الثواب، كان له ذلك الثواب) هنا الثواب ترتّب على الانقياد، وترتّب على الإتيان بذلك العمل لاحتمال أنْ يكون مطلوباً للمولى(سبحانه وتعالى). هذا لا علاقة له بالاستحباب النفسي الثابت للعمل، ذاك شيء، وهذا شيء آخر، المطلقات ناظرة إلى الاستحباب النفسي للعمل، والمقيدات ناظرة إلى حكم إرشادي، إرشاد إلى ما يحكم به العقل من حُسن الاحتياط واستحقاق الثواب عليه، وحُسن الانقياد. إذا احتملنا تعددّ الحكم؛ حينئذٍ لا موجب لحمل المطلق على المقيّد؛ بل نعمل بكلٍ منهما، وبهذا يثبت قول المشهور؛ لأنّ الأخبار المطلقة ناظرة إلى الاستحباب النفسي لذات العمل، فهي تدل على ترتّب الثواب على ذات العمل، فيثبت استحبابه النفسي.
إذن: لابدّ أنْ تُنقّح هذه الجهة، أنّ ما نفهمه من مجموع الأخبار المطلقات والمقيّدات، أنّ مفادها حكم واحد تشير إليه هذه الأخبار، لكن تارة تُثبِت الحكم الواحد لذات العمل، لمطلق العمل، وأخرى تثبته للعمل المقيّد، لكنّه حكم واحد.
وبعبارة أخرى: استبعدنا مسألة حمل المطلقات على أنّها ناظرة إلى الاستحباب النفسي الثابت لذات العمل، وحمل المقيدات على أنّها ناظرة إلى الإرشاد إلى حكم العقل بحُسن الانقياد، استبعدنا هذا الاحتمال، ولا نحتمله، وهذا معناه أنّ الحكم واحد. هل الأمر هكذا ؟ هل يُحتمَل في الأخبار أنْ يكون الحكم فيها متعدد ؟ يعني تكون بعض الأخبار ناظرة إلى جهة، وبعض الأخبار ناظرة إلى جهة أخرى، بعض الأخبار ناظرة إلى ترتّب الثواب على نفس العمل واستحبابه، أمّا الأخبار الأخرى فهي ناظرة إلى حكم العقل بحُسن الانقياد، هذا التفكيك في هذه الأخبار هل هو ممكن، أو غير ممكن ؟ إذا اقتنعنا بأنّه ممكن؛ فحينئذٍ لا داعي إلى حمل المطلق على المقيّد، ويصح كلام المشهور، ويصح كلام المستدل؛ لأنّه يستدلّ بتلك الأخبار الناظرة إلى الاستحباب النفسي، وترتّب الثواب على ذات العمل، فبالملازمة يثبت استحبابه النفسي. وأمّا إذا لم نحتمل هذا التعدّد، واستظهرنا أنّ الحكم واحد في هذه الأخبار من خلال قرائن موجودة في هذه الأخبار كاشتراك الأخبار في التعبير، وفي اشتراط البلوغ، وكميّة الثواب يُعطى له مثل ذلك الثواب. هذا قد يُبعّد مسألة التعدّد. في الإرشاد إلى حكم العقل ليس هناك ضرورة لاشتراط البلوغ، فمجرّد أنْ يحتمل المكلّف أنّ هذا مراد للمولى ويأتي به لاحتمال أنّه مراد هذا يكفي في حكم العقل بحُسن الانقياد، سواء بلغه، أو لم يبلغه. ذِكر البلوغ في كل هذه الأخبار، الثواب الخاص الذي يُعطى والذي قلنا أنّ العقل لا يدركه، ولا يدرك تحديد كميّة ونوعيّة الثواب، هذا كلّه قد يُفهم منه وحدة الحكم، فإذا فُهم وحدة الحكم؛ حينئذٍ يكون التعارض بين الأخبار ثابتاً؛ لأنّ الحكم الواحد لا يكون له موضوع متعدّد، فيقع التعارض بين الأخبار؛ وحينئذٍ نطبّق قوانين التعارض، فيُحمل المطلق على المقيّد ولا يصح كلام المشهور؛ لأنّ الثواب لم يترتّب في جميع الأخبار على ذات العمل حتّى نستفيد استحبابه.
أمّا إذا قلنا بأنّه لا مانع من أنْ يكون الحكم متعدّد، ففي هذه الحالة يصح كلام المشهور. هذا المورد الأوّل الذي يتعيّن فيه حمل المطلق على المقيّد، وهو ما إذا استفدنا من أيّ شيء، سواء من دليل خارجي، أو من نفس المطلقات والمقيّدات أنّ الحكم واحد، بمجرّد أنّ نستفيد أنّ الحكم واحد؛ حينئذٍ لابدّ من حمل المطلق على المقيّد.
المورد الثاني الذي يتعيّن فيه حمل المطلق على المقيّد هو ما إذا كان المقيّد له مفهوم؛ حينئذٍ هو ينفي  المطلق ويعارضه، يعني مرة يقول( أكرم العالم العادل) في قبال(أكرم العالم)، ومرةً يقول(أكرم العالم إذا كان عادلاً)، وقلنا بأنّ الجملة الشرطية لها مفهوم؛ حينئذٍ هي تنفي وجوب إكرام غير العادل، وهذا يتنافى مع أكرم العالم مطلقاً، فيحصل التكاذب بينهما؛ وحينئذٍ لابدّ من حمل المطلق على المقيّد.