الموضوع: الأصول العملية/ الاحتياط/ الاحتياط العقلي
كان الكلام في الدليل الثاني على وجوب الاحتياط عقلاً، وهو عبارة عن الاستدلال بالعلم الإجمالي، وأجيب عن هذا الدليل بالانحلال، أنّ هذا العلم الإجمالي منحل، ولا ينجّز وجوب الاحتياط، ووجوب الموافقة القطعيّة. الانحلال تارةً يبيّن بتقريب الانحلال الحقيقي وقد تقدّم الكلام فيه. وأخرى يبيّن بتقريب الانحلال الحكمي، وقلنا أنّ الانحلال الحكمي يختلف باختلاف المسلك المتبنى في باب منجّزية العلم الإجمالي بوجوب الموافقة القطعية، فأنّه بناءً على مسلك الاقتضاء يبيّن الانحلال بهذا الشكل: أنّ الأصل يجري في الشبهات الحكمية في غير مورد الإمارات بلا معارض، والتنجيز فرع المعارضة بين الأصول المؤمّنة في الأطراف بناءً على مسلك الاقتضاء، ولا يعارض بالأصل في مورد الإمارات؛ لأنّ أصالة البراءة لا تجري في موارد قيام الإمارة المعتبرة على ثبوت التكليف.
إذن: الأصل المؤمّن يجري في الشبهات الخالية من الإمارات المعتبرة بلا معارض، فلا يجب الاحتياط، في الشبهة التي يشتبه فيها في أكل لحم الأرنب لا توجد إمارة معتبرة على حرمة أكل لحم الأرنب، فتجري فيه البراءة. وأمّا بناءً على مسلك العلّيّة، فلابدّ أنْ يختلف التقريب؛ لأنّه على مسلك العلّية لا يجوز إجراء الأصل المؤمّن في أحد الطرفين بقطع النظر عن المعارضة، ولا علاقة له بالمعارضة، فنفس العلم الإجمالي ينجّز وجوب الموافقة القطعية، هو علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية. إذن: هو يمنع من إجراء البراءة في الطرفين بقطع النظر عن المعارضة، بمعنى أنّه حتّى لو لم نُجري الأصل المؤمّن في أحد الطرفين، العلم الإجمالي نفسه يمنع من إجرائه في الطرف الآخر، فتقريب الانحلال بناءً على مسلك العلّية لابدّ أنْ يختلف عن تقريبه بناءً على مسلك الاقتضاء، وحاصل ما يقال في المقام: هناك مطلب مسلّم عندهم، وهو أنّه يُشترط في منجّزية العلم الإجمالي أنْ يكون صالحاً للتنجيز على كل تقدير، كل علمٍ إجمالي يكون صالحاً للتنجيز على كل تقدير، وكل علمٍ لا يكون صالحاً للتنجيز إلاّ على أحد التقديرين دون الآخر في باب العلم الإجمالي لا يكون منجّزاً، مثلاً في مثال الإناءين المعروف، العلم الإجمالي يكون منجّزاً؛ لأنّه صالح للتنجيز على كلا التقديرين، أي سواء كان المعلوم بالإجمال في هذا الطرف، يتنجّز، ولا مشكلة في تنجيزه، أو كان في الطرف الآخر أيضاً يتنجّز، فهذا العلم الإجمالي يكون منجّزاً لوجوب الموافقة القطعيّة. وأمّا إذا كان العلم الإجمالي ليس صالحاً لتنجيز أحد الطرفين؛ لأنّ أحد الطرفين هو منجَّز، أي يوجد فيه منجِّز للتكليف، فالعلم الإجمالي حينئذٍ لا ينجِّز التكليف؛ لأنّ المتنجِّز لا يتنجَّز مرّة أخرى، إذا كان أحد الطرفين قد تنجَّز التكليف فيه بمنجِّزٍ ما، فهذا معناه أنّ العلم الإجمالي عندما يأتي لا يستطيع أنْ ينجِّز على كلا التقديرين، وإنّما ينجز على أحد التقديرين دون الآخر، مثل هذا العلم الإجمالي لا يكون منجّزاً، ولا يمنع من إجراء البراءة في الطرف الآخر. وما نحن فيه من هذا القبيل؛ لأنّ المفروض قيام الإمارة في بعض الشبهات بمقدار المعلوم بالإجمال على ثبوت التكليف فيها، فيكون التكليف في موارد قيام الإمارة قد تنجّز بالإمارة، بناءً على هذا الكلام يجري الأصل المؤمّن في غير موارد قيام الإمارة؛ لأنّ هذا العلم الإجمالي لا يصلح للتنجيز على كلا التقديرين، وإنّما يصلح للتنجيز على أحد التقديرين، على تقديرٍ أنْ يكون المعلوم بالإجمال ثابتاً في موارد قيام الإمارات، فالعلم الإجمالي لا ينجّز التكليف؛ لأنّ التكليف قد تنجّز بالإمارة المعتبرة.
نعم، على تقدير أنْ يكون المعلوم بالإجمال ثابتاً في غير موارد قيام الإمارات يكون العلم الإجمالي منجّزاً للتكليف. إذن: هو ينجّز التكليف على أحد التقديرين، لا على كل تقدير، مثل هذا العلم الإجمالي يسقط عن التنجيز، وينحل حكماً، بمعنى أنّه لا ينجّز الطرف الآخر، فلا يجب الاحتياط في الطرف الآخر الذي هو عبارة عن الشبهات الغير خالية عن الإمارة المعتبرة، هذه لا تتنجّز، فيجوز إجراء البراءة فيها بعنوان الانحلال الحكمي. هذا تقريب الانحلال بناءً على مسلك العلّيّة.
إذن: الجواب هو أنّه يُدّعى الانحلال الحكمي على كلا المسلكين، مسلك الاقتضاء، ومسلك العلّيّة، وأنّ هذا العلم الإجمالي يسقط عن قابلية التنجيز، وإنْ كان باقياً بحسب الصورة والظاهر، العلم الإجمالي نفسه باقٍ، لكن لا يكون له أثر في التنجيز.
ولكن اعتُرض على هذا الجواب: الظاهر أنّ هذا الاعتراض لا يختصّ بأحد المسلكين، والاعتراض هو أنّ الانحلال الحكمي إنّما يتم إذا كانت الإمارة المعتبرة على التكليف واصلة إلى المكلّف حين حصول العلم الإجمالي له، بأنْ كان هناك تقارن بين حصول العلم الإجمالي، وبين وصول الإمارة المثبتة للتكليف في بعض الشبهات، فإذا تقارنا، أو كانت الإمارة واصلة قبل حصول العلم الإجمالي؛ فحينئذٍ يتم هذا الجواب؛ لأنّه عندما يحصل العلم الإجمالي سيجد أنّ بعض أطرافه قد تنجّز بمنجّزٍ، وهو الإمارة المعتبرة على ثبوت التكليف، فتجري أصالة البراءة في الطرف الآخر على مسلك الاقتضاء بلا معارضٍ؛ لأنّ أصالة البراءة في هذا المورد ـــــ قيام الإمارة المعتبرة ـــــ لا تجري، أو نقول تجري البراءة في الطرف الآخر؛ لأنّ العلم الإجمالي سقط عن قابلية التنجيز؛ لأنّه لا ينجّز معلومه على كل تقدير، وإنّما يُنجّز معلومه على أحد التقديرين؛ لأنّ العلم الإجمالي لا ينجّز معلومه على تقدير أنْ يكون موجوداً في الشبهات التي قامت عليها الإمارة المعتبرة؛ لأنّ المتنجّز لا يتنجّز مرة أخرى، فيتم هذا الكلام.
وأمّا إذا فرضنا أنّ وصول الإمارة القائمة على ثبوت التكليف كان متأخّراً عن العلم الإجمالي، بأنْ حصل العلم الإجمالي للمكلّف في زمانٍ، ثمّ بعد فترة طويلة، أو قصيرة وصلته الإمارات القائمة على التكليف في بعض الشبهات.
يقول المعترِض: أنّ قيام الإمارات بهذا الشكل لا يُسقِط العلم الإجمالي عن التنجيز؛ بل يبقى منجّزاً لكلا الطرفين، ويمنع من إجراء البراءة في هذا الطرف، باعتبار أنّ العلم الإجمالي حينما حصل لم يكن هناك شيء يمنع من تنجيزه لكلا الطرفين، لا على مسلك الاقتضاء، ولا على مسلك العلّيّة، عندما حصل العلم الإجمالي قبل وصول الإمارات المعتبرة على التكليف إلى المكلّف، لم يكن هناك شيء يمنع من تنجيزه لكلا الطرفين، أمّا على مسلك الاقتضاء، فلأنّ أصالة البراءة في هذا الطرف مُعارَضة بأصالة البراءة في الطرف الآخر، يعني في الشبهات التي ستصل إلى المكلّف بعد ذلك الإمارات المعتبرة المثبتة للتكليف فيها، لكن قبل وصول الإمارات هذا طرف وهذا طرف، هنا شبهات حكميّة وهنا شبهات حكمية، فتكون البراءة في هذه الأطراف في غير موارد الإمارات التي ستقوم مُعارَض بأصالة البراءة في الشبهات التي ستقوم الإمارة المعتبرة على ثبوت التكليف فيها، قبل قيام الإمارة لا مانع من إجراء البراءة في هذه الشبهات، فتعارض البراءة في الشبهات الأخرى، فيتنجّز العلم الإجمالي على مسلك الاقتضاء؛ لأنّ منجزية العلم الإجمالي على مسلك الاقتضاء ينجز معلومه؛ لأنّ هذا التقدير لم يتنجز بعد. إذن: هو ينجز معلومه على كل تقدير، وهذا هو شرط المنجزية، فيكون العلم الإجمالي منجزاً لكلا الطرفين، ومانعاً من إجراء البراءة في هذا الطرف، فيجب الاحتياط.
إذن: الانحلال الحكمي إنّما يتم في غير هذه الصورة، أمّا في هذه الصورة، فلا يتم الانحلال الحكمي؛ لأنّ العلم الإجمالي عندما يحصل لا يمنع من تنجيزه لجميع الأطراف أي مانع في صورة تأخّر وصول الإمارات المثبتة للتكليف عن زمان حصول العلم الإجمالي.
ويقال حينئذٍ: في مقام تطبيق الجواب عن الانحلال في محل الكلام، أنّ محل كلامنا هو من قبيل هذه الصورة، بمعنى أنّه في محل كلامنا وصول الإمارات المثبتة للتكليف متأخّر زماناً عن حصول العلم الإجمالي؛ لأنّ العلم الإجمالي يحصل للمكلّف من حين بلوغه، والتفاته إلى وجود شرع وشريعة، يحصل له علم إجمالي بثبوت واجبات ومحرّمات في هذه الشريعة، وهو مسئول عن تطبيقها، فمن حين البلوغ يحصل له العلم الإجمالي، لكن الإمارات المعتبرة على ثبوت التكليف في شبهات حكميّة تصله بعد ذلك تباعاً. إذن: وصول الإمارات المعتبرة إلى المكلّف متأخّر زماناً عن حصول العلم الإجمالي، فيأتي هذا الاعتراض على الانحلال، هنا لا يوجد انحلال؛ بل يبقى العلم الإجمالي منجزاً لكلا الطرفين، ومجرّد أنّ بعض أطراف هذا العلم الإجمالي ورد فيه منجز بعد ذلك، لا يرفع منجزيّة العلم الإجمالي لكلا الطرفين. وهذا مطلب يذكروه، وسيأتي مفصّلاً، لو فرضنا أنّه حصل عنده علم إجمالي ثمّ خرج أحد الطرفين عن كونه مورد ابتلاءٍ، أو تلف أحد الطرفين، أو أريق هذا الماء في أحد الإناءين الذي أعلم بأنّ أحدهما نجس، هذا لا يمنع من منجزيّة العلم الإجمالي للطرف الباقي؛ بل يبقى العلم الإجمالي منجز للطرف الباقي بالرغم من خروج أحد الطرفين عن محل الابتلاء، أو تلف، أو أريق، بالرغم من هذا يبقى العلم الإجمالي منجزاً للطرف الآخر. قيام الإمارة في زمان متأخّر على ثبوت التكليف في بعض الشبهات هو من هذا القبيل، هذا يُخرج هذا عن كونه مورداً للبراءة بعد حصول العلم الإجمالي، بعد منجزيّة العلم الإجمالي لكلا الطرفين، وهذا من قبيل ما إذا تلف، فيخرج عن كونه مورداً للبراءة، ولا معنى لإجراء البراءة في التالف، أو خرج عن كونه مورداً للابتلاء، أيضاً لا معنى لإجراء البراءة في الطرف الخارج عن الابتلاء، لكن هذا الخروج عن الموردية للبراءة لمّا كان في زمانٍ متأخّرٍ عن العلم الإجمالي، فأنّه لا يمنع من منجزيّة العلم الإجمالي للطرف الباقي، فيبقى العلم الإجمالي منجزاً للطرف الباقي بالرغم من خروج هذا عن كونه مورداً للبراءة. ما نحن فيه من هذا القبيل، فالشبهات التي تنجزت بالعلم الإجمالي سابقاً بقيام الإمارات المعتبرة على ثبوت التكليف فيها ورد فيها منجز، فخرجت عن كونها مورداً للبراءة، هذا الخروج لا يمنع من منجزية العلم الإجمالي للأطراف الأخرى، فتبقى الأطراف الأخرى ينجز العلم الإجمالي فيها الاحتياط، ولا يجوز إجراء البراءة فيها.
إذن: الانحلال في محل الكلام لا يصح؛ لأنّ محل الكلام لم يُقارن وصول الإمارة حصول العلم الإجمالي، ولم يتقدّم عليه؛ بل هو متأخّر عنه، وقد عرفت أنّه في صورة تأخّر قيام الإمارة يكون حاله حال ما إذا تنجز أحد الأطراف بمنجزٍ متأخّر زماناً عن حصول العلم الإجمالي فأنّ هذا لا يمنع من منجزيّة العلم الإجمالي.
هذا الجواب عن الانحلال الحكمي مبتني على فكرة أنّ الإمارات منجزة بوصولها، وحيث أنّ وصول الإمارة في محل كلامنا ـــــ بحسب الفرض ـــــ متأخّر زماناً عن حصول العلم الإجمالي، فالإمارات لا تنجز بوجوداتها الواقعية، وإنّما تنجز بوصولها إلى المكلّف، ومن الواضح أنّ وصول الإمارات إلى المكلّف متأخّر زماناً عن حصول العلم الإجمالي، وقلنا أنّ هذا المتأخّر لا يمنع من منجزية العلم الإجمالي لجميع الأطراف. نعم، خصوص هذا الطرف الذي قامت عليه الإمارة هذا تنجز بمنجزٍ وهو الإمارة، لكنّ الطرف الآخر يبقى العلم الإجمالي ينجز التكليف فيه ويمنع من إجراء البراءة فيه.
المحقق النائيني(قدّس سرّه)
[1]
تعرّض إلى هذا الانحلال الحكمي، وأجاب عنه جواباً مبنائياً، وحاصله أنّ هذا الاعتراض إنّما يرد إذا قلنا أنّ المجعول في باب الإمارات هو المنجزية والمعذّرية، وقد اعترف بورود الاعتراض بناءً على ذلك، وأمّا بناءً على مسلكه القائل بأنّ المجعول في باب الإمارات هو الطريقية والمحرزيّة، والشارع يجعل الإمارة محرزة للواقع، بناءً على هذا المسلك لا يرد هذا الاعتراض، باعتبار أنّ قيام الإمارة ــــــ بناءً على هذا المسلك ــــــ يوجب العلم بالواقع تعبّداً؛ حينئذٍ يكون من قامت عنده الإمارة كمن علم بالواقع وجداناً؛ حينئذٍ يقول: كما أنّ من يعلم بالواقع وجداناً ينحل عنده العلم الإجمالي بهذا العلم الوجداني بالواقع التفصيلي في بعض الأطراف، كذلك من يعلم بالواقع تعبّداً؛ لأنّ الإمارة مُنزّلة منزلة العلم الوجداني، جُعلت فيها المحرزيّة والطريقية، فإذا علم بالواقع وجداناً، فعلمه بالواقع وجداناً، تفصيلاً يوجب انحلال العلم الإجمالي، وليست مسألة منجزيّة؛ بل هو علِم وجداناً بأنّ المائة تكليف التي يعلمها اجمالاً بالعلم الإجمالي، حتّى إذا كان متقدّماً، أنّ هناك مائة تكليف موجودة في الشبهات هذه، نفس العدد المعلوم بالإجمال هي موجودة هنا، وقد علمها تفصيلاً، وهذا ليس علماً إجمالياً صغيراً؛ بل هو علمها تفصيلاً بمقدار المعلوم بالعلم الإجمالي، أنّ هذه الشبهة فيها تكليف، وهذه الشبهة أيضاً فيها تكليف، بلا إشكال ينحلّ العلم الإجمالي، سواء هذا العلم الإجمالي التفصيلي كان مقارناً للعلم الإجمالي، أو متأخّراً عنه. يقول الميرزا(قدّس سرّه): أنّ قيام الإمارة هو بمثابة العلم الوجداني؛ لأنّ قيام الإمارة هو علم تعبّدي بالواقع تفصيلاً، وكما أنّ العلم الوجداني التفصيلي ينحل به العلم الإجمالي، كذلك العلم التعبّدي التفصيلي ينحل به العلم الإجمالي حتّى لو كان متأخّراً عن حصول العلم الإجمالي، فيقول: بناءً على هذا المبنى لا يرد هذا الاعتراض؛ بل يثبت الانحلال الحكمي. نعم، بناءً على أنّ المجعول في باب الإمارات هو المنجزية والمعذرية من دون تنزيل الإمارة منزلة العلم الوجداني، ومن دون جعل الطريقية والمحرزية، وإنّما يجعل الإمارة منجزة إذا قامت على التكليف، ومعذّرة إذا قامت على نفي التكليف، هنا الاعتراض يكون وارداً، والانحلال الحكمي يكون في غاية الإشكال، وعللّ ذلك بما نصّه تقريباً(بأنّ حكم الشارع بمنجزية الإمارة في أحد طرفي العلم الإجمالي ـــــ التي هي هذا المقدار من الشبهات الذي قامت به الإمارة ـــــ من دون الحكم بكونها محرزة للواقع، ومن دون تنزيلها منزلة العلم لا يترتب عليه الانحلال؛ بل العلم الإجمالي باقٍ على حاله بعد قيام الإمارة أيضاً). هذا الكلام احتمال قوي أنْ يكون ناظراً إلى ما ذكرناه من أنّ التنجيز بالإمارة المتأخّر عن العلم الإجمالي لا يوجب الانحلال؛ لأنّ الإمارة إنّما تكون منجزة بوصولها لا بوجودها الواقعي، وحيث أنّ وصول الإمارة متأخّر عن العلم الإجمالي، وفرضنا أنّ المحرزية والطريقية غير مجعولة؛ لأننّا بنينا على المسلك الآخر، ومجرّد أنّ الإمارة منجزة هذا لا يوجب انحلال العلم الإجمالي، قام في أحد الطرفين منجز، لكن متأخّر عن حصول العلم الإجمالي، هنا لا يوجب انحلال العلم الإجمالي؛ بل يبقى العلم الإجمالي على منجزيته للطرفين، فالطرف الآخر الذي لم تقم فيه الإمارة، العلم الإجمالي فيه منجز، ولا يجوز إجراء البراءة فيه.
السيد الخوئي(قدّس سرّه)
[2]
أجاب عن الاعتراض على الانحلال بإنكار المبنى الذي يبتني عليه الاعتراض، بإنكار أن يكون منجزية الإمارة لمؤدّاها موقوف على الوصول؛ بل أنّها تنجز في مرتبة سابقة على الوصول، هي قبل وصولها تنجز، والاعتراض مبني على أنّ الإمارة تكون منجزة بوصولها، بحيث أنّ وصولها متأخّراً لا يمنع من تنجيز العلم الإجمالي، فلا انحلال. هو يقول أنّ الإمارة تنجز قبل وصوبها، ويكفي في منجزية الإمارة لمؤدّاها كون الإمارة في معرض الوصول، ولو لم تصل إلى المكلّف. والإمارة التي تقوم لدى المكلّف بعد ذلك لا إشكال في أنّها تكشف عن أنّ الإمارة في معرض الوصول من حين حصول العلم الإجمالي، هذه المعرضية للوصول موجودة من حين حصول العلم الإجمالي، بمعنى أنّ المكلّف من حين بلوغه، لو فحص عن الإمارة لعثر عليها، بدليل أنّها وصلت إليه بعد فترة. إذن: هي إمارة موجودة في معرض الوصول، ولو بحث عنها لعثر عليها. إذن: هي إمارة في معرض الوصول، فإذا اكتفينا في التنجيز بكون الإمارة في معرض الوصول، كونها في معرض الوصول مقارن للعلم الإجمالي، فإذا كان مقارناً للعلم الإجمالي، ومنجز، فهذا يمنع من منجزية العلم الإجمالي.
[1]
اجود التقريرات، تقرير بحث النائيني للسيد الخوئي، ج 2، ص 193.
[2]
دراسات في علم الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد الشاهرودي، ج 3، ص 286.