الموضوع: الأصول العملية/ أدلّة البراءة الشرعية/ الاستصحاب
الاعتراض الثاني على استصحاب عدم الجعل: مذكور في أجود التقريرات
[1]
وفي الدراسات،
[2]
وحاصله: أنّ عدم الجعل المتيقّن في السابق الذي يُراد استصحابه هو عدم أزلي غير مستند إلى الشارع، وهو الذي يُعبّر عنه بالعدم المحمولي، في حين أنّ العدم المشكوك الذي يُراد إثباته بالاستصحاب هو عبارة عن العدم النعتي، أي العدم بعد الشريعة وبعد إمكان الجعل، يعني العدم المنسوب إلى الشارع؛ حينئذٍ يُفهم من كلام المحققّ النائيني(قدّس سرّه) أنّ هناك جهتين للإشكال.
بعد أنْ اتضحت هذه المقدّمة، أنّ العدم المتيقّن سابقاً هو العدم المحمولي، بينما العدم الذي يُراد إثباته بالاستصحاب هو عدم نعتي؛ حينئذٍ يُبيّن جهتين للإشكال:
الجهة الأولى: أنّ الاستصحاب لا يجري لأنّ العدم المتيقن سابقاً لا يُحتمَل بقاؤه؛ بل هو مقطوع الارتفاع الآن بعد مجيئ الشريعة، فلا يجري فيه الاستصحاب؛ لأنّ من شروط الاستصحاب وأركانه الشكّ في البقاء، يعني أنْ يشكّ في بقاء ما كان متيقناً له سابقاً، وفي المقام لا شك في البقاء؛ بل هناك قطع بالارتفاع، فلا يجري الاستصحاب لأجل ذلك، أي لا يمكن استصحاب عدم الجعل؛ لأنّه مقطوع الارتفاع بعد الشريعة، وسببه واضح؛ لأنّ العدم المتحقق بعد الشريعة هو عدم نعتي، وليس عدماً محمولياً، العدم المحمولي ينتهي بمجرّد مجيئ الشريعة، فأنّ العدم المحمولي هو العدم قبل الشارع والشريعة، وقبل إمكان الجعل، وينتهي بمجرّد مجيئ الشريعة؛ لأنّه أيّ عدم يُفرض بعد مجيئ الشريعة، فهو عدم نعتي، وليس عدماً محمولياً.
إذن: العدم المتيقن سابقاً، وهو العدم المحمولي غير محتمل البقاء، ويُقطع بارتفاعه، فلا معنى لاستصحابه؛ لاختلال هذا الركن المقوّم للاستصحاب.
الجهة الثانية: أنّ هذا مبني على التنزّل على الإشكال الأوّل، بمعنى أننّا لو أغمضنا النظر عن الإشكال الأوّل، وسلّمنا جريان استصحاب العدم المحمولي المتيقن سابقاً في محل الكلام؛ فحينئذٍ يأتي الإشكال الثاني، والذي يقول: أنّ هذا الاستصحاب من الأصول المثبتة؛ وذلك لأنّ المقصود في محل كلامنا هو إثبات العدم النعتي، أي إثبات عدم جعل الشارع للحرمة المشكوكة، وهذا هو المقصود بالاستصحاب، أن نثبت أنّ الشارع لم يجعل الحرمة إذا شككنا في الحرمة، ولم يجعل الوجوب إذا شككنا في الوجوب، فالغرض من الاستصحاب هو إثبات عدم الجعل الشرعي المستلزم للإباحة والبراءة والتأمين، وعدم الجعل من قِبل الشارع عدم نعتي، يقول: أنّ إثبات العدم النعتي باستصحاب العدم المحمولي يجعل الاستصحاب أصلاً مثبتاً. لو سلمنا جريان الاستصحاب في العدم المحمولي، فإثبات العدم النعتي باستصحاب العدم المحمولي غير صحيح؛ لأنّ استصحاب العدم المحمولي يكون مثبتاً، والسر هو أنّه ليس غرضنا إثبات العدم المحمولي الآن، وإنّما غرضنا هو إثبات عدم جعل الشارع للتكليف المشكوك، يعني إثبات العدم النعتي، والحال أننّا لا نستصحب العدم النعتي، وإنّما نستصحب العدم المحمولي، وباستصحاب العدم المحمولي لا يمكن إثبات العدم النعتي، فالإشكال الثاني هو أنّ هذا الاستصحاب هو أصل مثبت.
من خلال هذا التوضيح يتبيّن أنّ الإشكال الثاني مترتّب على الإشكال الأوّل، بمعنى أنّ الإشكال الأوّل هو إشكال في أصل جريان الاستصحاب، وبقطع النظر عن ترتب الآثار عليه وإشكال المثبتيّة، أصل الاستصحاب لا يجري؛ لأنّه لا شك في البقاء. لو تنزّلنا وسلّمنا بوجود الشكّ في البقاء؛ فحينئذٍ يرد إشكال المثبتية، وهو الإشكال الثاني.
السيد الخوئي(قدّس سرّه) بعد أن ذكر هذا الاعتراض في تقريرات بحثه في الدراسات والمصباح أجاب عنه بجوابين:
الجواب الأوّل:
[3]
هذا الجواب إذا تم، فأنّه يرفع الإشكال من أساسه، يقول: من قال بأنّ العدم المتيقن الذي يُراد استصحابه هو عدم محمولي، نحن ندّعي أنّ العدم المتيّقن الذي يُراد استصحابه هو عدم نعتي، يعني عدم جعل الحكم بعد الشريعة، باعتبار أنّ من الأمور المسلّمة أنّ الأحكام تدريجيّة، ولم تُبيّن دفعة واحدة، وبعد صدور الشريعة مضى زمان لم يُجعل فيه هذا الحكم المشكوك قطعاً، فإذا شككنا في حرمة لحم الأرنب ــــــ مثلاً ــــــ نحن نقطع بأنّ الشارع بعد الشريعة لم يجعل الحرمة لأكل لحم الأرنب، وقطعنا بعدم جعل الشارع للحرمة المشكوكة بعد الشريعة يدخله في باب العدم النعتي؛ وحينئذٍ نستصحبه، ولا يرد الاعتراض السابق بكلا جهتيه:
أمّا الجهة الأولى: فواضح؛ لأنّه هناك شك في بقائه، ولا يوجد قطع بارتفاع هذا العدم؛ حيث كانت الجهة الأولى من الإشكال هي أننّا نقطع بارتفاع هذا المتيّقن، فكيف يجري استصحابه ؟ هذا إذا كان المقصود بالعدم هو العدم المحمولي، فنقطع بارتفاعه بمجيئ الشريعة، أمّا إذا كان المقصود به العدم النعتي، أي العدم المتيّقن في صدر الشريعة، عدم جعل الحرمة المشكوكة في صدر الشريعة، واقعاً أنا أشكّ في بقاء هذا العدم؛ لأنّي احتمل أنّ الشارع جعل الحرمة بعد ذلك للشيء المشكوك، فإذن: هذا العدم محتمل البقاء، وليس هناك قطع بانتفائه وارتفاعه حتّى يُستشكل في جريان هذا الاستصحاب من هذه الجهة.
كما أنّ الجهة الثانية من الإشكال أيضاً ترتفع بهذا البيان؛ وذلك باعتبار أنّه ليس هناك مثبتية، فالمثبتية إنّما تلزم عندما نريد استصحاب إثبات شيء غير المستصحب؛ بل هو يلازمه، كما إذا استصحبنا العدم المحمولي وأردنا إثبات العدم النعتي؛ حينئذٍ يلزم إشكال المثبتية، أمّا إذا كان المستصحب هو نفس العدم النعتي، وما نريد إثباته بالاستصحاب هو نفس العدم النعتي، أي عدم جعل الشارع لهذه الحرمة؛ فحينئذٍ لا يرِد إشكال المثبتيّة، فما نريد إثباته هو نفس المستصحب، لا لازمه حتّى يلزم من ذلك أنْ يكون الاستصحاب أصلاً مثبتاً.
هذا الجواب إذا تمّ فأنّه يدفع الاعتراض من أساسه؛ لأنّ أساس الاعتراض كان مبنيّاً على افتراض أنّ المستصحب هو العدم المحمولي، فترِد هذه الاعتراضات.
هذا هو الجواب الأوّل، وهو جواب تام، فنحن لا نريد استصحاب عدم الجعل المحمولي الأزلي، وإنّما المقصود هو الأحكام التي نشكّ بها والتي نريد إثبات التأمين فيها تمسّكاً بالاستصحاب، نستصحب فيها عدم جعل ذلك الحكم المشكوك، وهذا متيّقن بعد الشريعة، لما أشار إليه من أنّ الأحكام تدريجيّة الحصول، ولم تنزل دفعة واحدة؛ فحينئذٍ يستطيع الإنسان أنْ يلتفت إلى صدر الشريعة ويقول أنا أقطع بأنّ أكل لحم الأرنب المشكوك لم يجعل الشارع له الحرمة، قطعاً لم تُجعل له الحرمة، إذا جُعلت الحرمة، فهي إنّما جُعلت في زمانٍ متأخّر عن ذلك، فيستصحب المتيّقن السابق ويثبّت عدم جعل الحرمة الآن، وهذا يكفي لإثبات التأمين.
الجواب الثاني:
[4]
حتّى لو فرضنا أنّ العدم المتيّقن والمستصحَب هو العدم المحمولي الأزلي الغير المنتسب إلى الشارع، لكن لا يلزم من هذا أنْ يكون الاستصحاب أصلاً مثبتاً؛ لأنّ الانتساب إلى الشارع يثبت بنفس الاستصحاب، وهذا لا يجعل الاستصحاب مثبتاً، بناءً على ما هو واضح، وما سيأتي مفصّلاً في مباحث الاستصحاب(إنْ شاء الله تعالى) من أنّ اللّوازم التي لا تثبت بالاستصحاب هي اللّوازم المترتبة على المستصحب، هذه هي اللّوازم التي لا تثبت بالاستصحاب، ويعجز الاستصحاب عن إثباتها؛ لأنّه يكون أصّلاً مثبتاً بلحاظها، وأمّا اللّوازم المترتبة على نفس الاستصحاب، أي اللّوازم العقليّة المترتبة على التعبّد الاستصحابي، فلا أحد يقول بأنّ الاستصحاب بلحاظها يكون أصّلاً مثبتاً؛ لأنّها هي مفاد الاستصحاب، ومفاد الاستصحاب يثبت على القاعدة وتثبت لوازمه؛ لأنّ مفاد الاستصحاب هو مفاد إمارة، وليس مفاد أصلٍ عملي، فالتعبّد الاستصحابي مفاد رواية زرارة، ورواية زرارة من الإمارات التي يثبت بها لوازمها، ومثبتات الإمارات حجّة، لكن مثبتات الأصول العملية ليست حجّة. التعبّد الاستصحابي إذا كان له لازم عقلي كالتنجيز والتعذير، التعبّد الاستصحابي بالحكم الشرعي لازمه التنجيز، والتعبّد الاستصحابي بعدم الحكم الشرعي لازمه التعذير، ولا أحد يقول أنّ الاستصحاب لا يثبت المعذريّة لأنّه يكون أصلاً مثبتاً، باعتبار أنّها لوازم للاستصحاب، يعني لمفاد روايات زرارة التي هي إمارة، والإمارة كما تكون حجّة في مدلولها المطابقي، تكون حجّة في مداليلها الالتزامية. هو يقول: ما نحن فيه من هذا القبيل، فلا يُستشكَل علينا بالمثبتية، بأنْ يقال: أننّا نستصحب العدم المحمولي غير المنتسب إلى الشارع، ونريد أنْ نثبت العدم النعتي، يعني العدم المنتسب إلى الشارع، فيكون هذا اصلاً مثبتاً. كلا، هذا ليس أصلاً مثبتاً؛ لأنّ هذا الانتساب والإضافة إلى الشارع تثبت بنفس الاستصحاب؛ لأنّها من لوازمه، لا من لوازم المستصحب، ليس من لوازم عدم جعل الحرمة بنحو العدم المحمولي، وإنّما الانتساب هو من لوازم التعبّد الاستصحابي، فأنّ التعبّد الاستصحابي إذا ثبت؛ حينئذٍ يثبت الانتساب إلى الشارع قهراً؛ فحينئذٍ لا مشكلة في استصحاب العدم المحمولي، وإثبات الانتساب إلى الشارع من دون أنْ يلزم من ذلك إشكال المثبتية؛ لأنّ الإشكال مبني على افتراض أنّ الانتساب يثبت باعتباره لازم للمستصحب الذي هو عدم الجعل، بينما الانتساب ليس من آثار المستصحب، وإنّما هو من آثار نفس التعبّد الاستصحابي، ولا إشكال في ثبوت لوازم التعبّد الاستصحابي باعتباره مدلول إمارة.
هذا الجواب إذا تمّ، فهو يدفع الإشكال من الجهة الثانية، أي لا تكون هناك مثبتيّة، لكنّه لا يدفع الإشكال من الجهة الأولى، التي هي عدم وجود الشكّ في بقاء المستصحب؛ بل هناك قطع بارتفاع المستصحب؛ لأنّ المفروض أنّ المستصحب هو العدم المحمولي، والعدم المحمولي يرتفع قطعاً بمجرّد مجيئ الشريعة، وأيّ عدمٍ يُفرض هو عدم نعتي، فلا يمكن أنْ نجيب عن إشكال القطع بارتفاع المتيّقن وعدم الشك في بقائه، بجواب أنّ الانتساب يثبت بالاستصحاب، هذا شيء آخر. فإذن: هو لا يدفع الإشكال من كلا جهتيه، وإنّما يدفعه من الجهة الأولى
الصحيح في مقام الجواب عن أصل الاعتراض هو الجواب الأوّل الذي ذكره السيّد الخوئي(قدّس سرّه)، والذي هو أننّا لا نستصحب عدم الجعل كعدم محمولي، وإنّما نستصحبه كعدم نعتي؛ لأننّا نتيقن بأنّ الشارع في بداية الشريعة لم يجعل هذه التكاليف المشكوكة، فنقطع بعدم ثبوتها، وهذا عدم نعتي، وكما قلنا هذا الجواب يدفع الإشكال من كلتا الجهتين.
مع التنزّل عن هذا الجواب الصحيح، ولم نقل بأنّ الأحكام تدريجية، أو ليس هناك قطع بعدم جعل التكليف المشكوك في بداية الشريعة حتّى يكون العدم المستصحب عدم نعتي؛ حينئذٍ الجواب الصحيح عن هذا الاعتراض هو أنْ يقال: أنّ هذا الاعتراض بكلا وجهيه مبني على افتراض تعدّد العدم، ووجود عدمين، واحد نسميه عدم محمولي، والآخر نسميه عدم نعتي، واحد من العدمين هو العدم غير المنتسب إلى الشارع، والآخر هو العدم المنتسب إلى الشارع؛ حينئذٍ يرِد الإشكال السابق بكلا جهتيه، أنّ هناك يقين بارتفاع العدم المحمولي غير المنتسب، وليس هناك شكّ في بقائه، وإشكال المثبتيّة أيضاً يرِد؛ لأننّا نريد أنْ نثبت عدماً منتسباً باستصحاب عدم غير منتسب. وأمّا إذا أنكرنا هذا التعدّد، وقلنا بأنّ هذا الافتراض غير صحيح، وليس هناك تعدّد في العدم، وقد تقدّم سابقاً في بحث قريب أنّ العدم يتعدّد بتعدّد ما يضاف إليه، أمّا بتعدّد ملاكات العدم، وبتعدّد صفاته، وبتعدّد الزمان لا يتعدّد العدم، إذا تعدّد ما يُضاف إليه العدم يتعدّد العدم، ويكون هناك عدمان متغايران، عدم زيدٍ ـــــ مثلاً ـــــ وعدم الدار، أمّا إذا فرضنا تعدّد ملاك العدم، العدم يبقى واحد ولا يتعدّد، وإنّما اختلف ملاكه، أو في محل كلامنا ما هو المتعدّد ؟ وما هو الفرق بين العدم المحمولي والعدم النعتي ؟ لا فرق بينهما إلاّ أنّ هذا عدم يصدر في زمان ما قبل الشريعة، وهذا عدم يصدر في زمان ما بعد الشريعة، فهل تعدّد الزمان هذا يعني تعدّد العدم ؟ وهل لدينا عدمان متغايران حتّى يرد هذا الاعتراض؟ أو أنّ ما لدينا هو عدم واحد في زمانين؟ أي أنّه عدم واحد وجد في زمان ثمّ استمر إلى ما بعد صدور الشريعة، هو بالنظر العرفي نشير إليه، وبكل وضوح، لو فرضنا أنّ عدم جعل الحرمة كان باقياً بعد الشريعة، نقول هذا هو بقاء للعدم السابق، يعني نفس العد السابق استمر وبقي، غاية الأمر أنّه بقي في زمان، نسمي هذا العدم بلحاظه عدم نعتي، أو عدم منتسب إلى الشارع، أي عدم مع إمكان الجعل من قِبل الشارع، وليس أنّه عدم آخر مغاير للعدم الأوّل، وإنّما هو نفس العدم السابق، من قبيل عدم التكليف بالنسبة إلى الصبي قبل البلوغ، وبالنسبة إليه بعد البلوغ، نقول أنّ العدم لو ثبت للصبي بعد البلوغ فهو نفس العدم السابق وليس غيره، وإنّما الذي اختلف هو ملاكه، سابقاً كان يثبت عدم التكليف بملاك الصبا، وعدم البلوغ، والآن عدم التكليف يثبت بملاكٍ آخر، تعدّد الملاكات، وتعدّد الزمان، وتعدّد الصفات لا يوجب تعدّد العدم، وإنّما الذي يوجب تعدّد العدم هو تعدّد ما يُضاف إليه العدم، في محل الكلام لا يوجد تعدّد في العدم، هو عدم واحد ثبت في زمان ويُراد استصحابه إلى زمان آخر؛ فحينئذٍ لا يرِد الاعتراض بكلا جهتيه؛ لأنّ الاعتراض كان مبنيّاً على تعدّد العدم، أنّ هناك عدمين متغايرين، فيرِد الإشكال السابق، أمّا إذا قلنا أنّه عدم واحد تبدّل مع تبدّل الزمان؛ فحينئذٍ لا يِرد الإشكال الأوّل الذي هو عدم وجود الشك في البقاء، ولا يرد الإشكال الثاني الذي هو دعوى الأصل المثبت؛ لأنّه شيء واحد لا نريد أنْ نثبت باستصحابه شيئاً آخر.
ومن هنا يظهر أنّه لا مشكلة في الأحكام التي نقطع بعدم جعل الشارع لها في بداية الشريعة؛ لأننّا نستصحب العدم النعتي، فلا يرد الاعتراض حينئذٍ، وهذا موجود في معظم الأحكام، إنْ لم نقل كلّها، يقطع المكلّف بأنّه بعد نزول الشريعة هذه الأحكام لم يجعلها الشارع، لو فرضنا أننّا شككنا في حكمٍ أنّه مجعول أو لا، وليس لدينا يقين بعدم جعله بعد نزول الشريعة؛ حينئذٍ يكون الجواب هو أنّه ليس لدينا تعدّد في العدم، وهناك عدم واحد اختلف الزمان فيه، وهذا يدفع الاعتراض السابق بكلتا الجهتين.
الاعتراض الثالث: ذكره السيد الخوئي(قدّس سرّه) في الدراسات،
[5]
وفي المصباح،
[6]
وحاصله: أنّ استصحاب عدم جعل الإلزام في الشبهات الحكمية معارَض باستصحاب عدم جعل الترخيص، فلا يجري استصحاب عدم جعل الحرمة؛ لأنّه معارَض باستصحاب عدم جعل الترخيص؛ للعلم الإجمالي بثبوت أحد الأمرين في الشيء المشكوك، إمّا الحرمة ـــــ مثلاً ـــــ إذا شككنا في الحرمة، وإذا كانت الشبهة تحريمية، وإمّا الحلّيّة، فاستصحاب عدم جعل الحرمة معارَض باستصحاب عدم جعل الحلّيّة، ولا يمكن أنْ يجري كلا الاستصحابين؛ للعلم الإجمالي بثبوت أحدهما، أكل لحم الأرنب ـــــ مثلاً ـــــ إمّا حرام، أو حلال، هذا هو معنى الشبهة التحريميّة، يدور أمره بين أنْ يكون حراماً، وبين أنْ يكون حلالاً، فهو إمّا حرام، وإمّا حلال، وهذا علم إجمالي، ولا نستطيع أنْ ننفي الحرمة، وفي نفس الوقت ننفي الحلّيّة؛ لأنّه مخالف للعلم الإجمالي، وهذا يوقع التعارض بين استصحاب عدم جعل الحرمة، وبين استصحاب عدم جعل الحلّيّة؛ لأنّه كما أنّ الحرمة مشكوكة، الحليّة أيضاً مشكوكة، فإذا جرى الاستصحاب لنفي جعل الحرمة، يجري الاستصحاب لنفي جعل الحلّيّة، ولا يمكن إجراءهما معاً للعلم الإجمالي بأنّ أحدهما ثابت في الشيء الذي أشك به، حرمة وحلّيّة في الشبهات التحريمية، ووجوب وحلّيّة في الشبهات الوجوبيّة، فدائماً هو معارَض، فلا يجري لأنّه معارَض بعدم جعل الإباحة.
[1]
أجود التقريرات، تقرير بحث النائيني للسيّد الخوئي، ج 2، ص 190.
[2]
دراسات في علم الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيّد الشاهرودي، ج 3، ص 269.
[3]
دراسات في علم الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيّد الشاهرودي، ج 3، ص 269.
[4]
دراسات في علم الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للسيّد الشاهرودي، ج 3، ص 265.
[5]
دراسات في علم الأصول، تقرير بحث السيّد الخوئي للسيّد الشاهرودي، ج 3، ص 271.
[6]
مصباح الأصول، تقرير بحث السيّد الخوئي للبهسودي، ج 2، ص 290.