الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

34/08/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول العملية/ أدلّة البراءة الشرعية/ الاستصحاب
 كان الكلام في الاستدلال على البراءة بالاستصحاب، وتقريبات الاستصحاب المستَدل به على البراءة ثلاثة، وقلنا أنّ هذا الاستصحاب أعتُرض عليه باعتراضات بعضها مشتركة وبعضها مختصّة، وذكرنا الاعتراض الأوّل ودفعه، وانتهينا إلى الاعتراض الثاني للمحقق النائيني(قدّس سرّه) والذي قلنا أنّه اعتراض سيّال، ولا يختصّ بمحل الكلام، وحاصله: أنّه يلزم من إجراء الاستصحاب تحصيل الحاصل؛ بل هو من أردأ أنواع تحصيل الحاصل؛ لأنّ الغرض من إجراء الاستصحاب هو إثبات التأمين، وإثبات المعذرية، ونفي العقاب، وهذا حاصل بقطع النظر عن الاستصحاب، باعتبار قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فأنّها بمجرد الشك تكون مؤمّنة ومعذّرة ونافية للعقاب، فإجراء الاستصحاب لإثبات هذا الشيء الحاصل والموجود فعلاً بقطع النظر عنه، يكون تحصيلاً للحاصل.
 وقلنا أنّ هذا الإشكال أجيب عنه بعدّة أجوبة، وكلامنا كان في جواب السيّد الخوئي(قدّس سرّه) عن هذا الإشكال، وكان حاصل جوابه هو: أنّه اعترف بالمحذور، وبلزوم تحصيل الحاصل في صورة واحدة، وهي صورة ما إذا كان الأثر الذي يُراد إثباته بالاستصحاب مترتّباً على الشك فقط، هذا يلزم من إجراء الاستصحاب فيه هذا المحذور؛ لأنّ الأثر مترتّب على الشك، فبالشك يحصل هذا الأثر ويتحقق التأمين؛ وحينئذٍ لا مجال لإثبات التأمين باستصحاب عدم التكليف؛ لأنّ التأمين أثرٌ للشك، والشك موجود بحسب الفرض، فإذا كان موجوداً، فإثباته بالاستصحاب يكون تحصيلاً للحاصل. وأمّا إذا فرضنا أنّ الأثر الذي يُراد إثباته كان مترتباً على الجامع بين الشك وبين واقع عدم التكليف؛ فحينئذٍ لا يرد هذا الإشكال، ولا يلزم من إجراء الاستصحاب تحصيل الحاصل؛ لأنّ المفروض أنّ الأثر ليس من آثار الشك فقط، وإنّما هو من آثار الواقع، فإذا جرى الاستصحاب بلحاظ الواقع؛ لأنّ المفروض أنّ الأثر هو أثر للواقع، فلا مشكلة في إجراء استصحاب الواقع، بأنْ يجري استصحاب الواقع لترتيب هذا الأثر الذي هو أثر للواقع بحسب الفرض، فإذا جرى استصحاب الواقع، فالمبررّ لجريانه هو لإثبات الأثر المترتب عليه بحسب الفرض؛ وحينئذٍ هذا الاستصحاب يكون حاكماً على قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ورافعاً لموضوعها؛ لأنّه بالاستصحاب سوف يصل الواقع إلى المكلّف، ومعنى وصول الواقع إلى المكلّف يعني ارتفاع الشك تعبّداً بالحكومة، ومعنى ارتفاع الشك هو ارتفاع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فإذا ارتفعت هذه القاعدة؛ فحينئذ لا يلزم من إجراء الاستصحاب تحصيل الحاصل، بخلاف ما إذا كان الأثر مترتباً على الشك فقط، لا على الواقع والشك، أي على الجامع بينهما؛ حينئذٍ يكون إجراء الاستصحاب بلحاظ الواقع بلا مبررّ؛ لأنّ استصحاب الواقع هو لغرض إثبات التأمين الذي هو أثر للشك، والمفروض أنّ الشك حاصل بحسب الفرض، فيلزم من إجراء الاستصحاب تحصيل الحاصل.
 وقلنا أنّه قد اعترض على جواب السيد الخوئي(قدّس سرّه) وقد ذكرنا الاعتراض الأوّل في الدرس السابق فلا نعيد. أمّا الاعتراض الثاني فهو أنّ الاستصحاب لا يكون رافعاً لموضوع القاعدة، لا بالحكومة، ولا بالورود. أمّا أنّه لا يكون رافعاً لموضوع القاعدة بالحكومة، فباعتبار ما تقدّم من أنّ الحكومة تعني التوسعة التعبّدية، أو التضييق التعبّدي، وهي إنّما تُتصوّر إذا كان موضوع الدليل المحكوم بيد الحاكم بما هو حاكم توسعة وضيقاً، رفعاً وإثباتاً، وهذا يُعقل في الأدلّة الشرعية والقواعد الشرعية، أنْ يكون الاستصحاب حاكماً على أصالة الطهارة، وأنْ يكون حاكماً على البراءة الشرعية؛ لأنّ البراءة الشرعية بيد الشارع، وهو يستطيع أنْ يضيّق من موضوعها، وأنْ يوسّع منه، فالاستصحاب عندما يكون حاكماً على البراءة الشرعية فأنّه يضيّق من موضوعها، وهذا التضييق بيد الشارع، فلا مشكلة فيه، وأمّا في مثل قاعدة البراءة التي هي قاعدة عقلية يدركها العقل، ولا ربط للشارع بما هو شارع بها، وليس بيده موضوعها توسعة وضيقاً، فلا معنى للحكومة، أي أنّ الاستصحاب لا يتقدّم على البراءة، ولا يرفع موضوع البراءة بالحكومة. وأمّا أنّه لا يرفع موضوع البراءة بالورود؛ فلأنّ موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان إنْ قلنا أنّه عدم البيان على التكليف، فهذا الموضوع لا يرتفع بالاستصحاب؛ بل يجتمع مع الاستصحاب، ويبقى موضوع القاعدة وهو عدم بيان التكليف محفوظاً بالرغم من جريان الاستصحاب؛ لأنّ الاستصحاب لا يتعارض معه، الذي يرفع موضوع القاعدة إذا كان موضوعها هو عدم بيان التكليف هو فقط بيان التكليف، أمّا الاستصحاب فلا يرفعه؛ لأنّ الاستصحاب ليس بياناً للتكليف؛ بل هو بيان لعدم التكليف، لكن بيان عدم التكليف لا يرفع موضوع القاعدة؛ لأنّ موضوع القاعدة هو عدم بيان التكليف، وهذا لا يرتفع إلاّ ببيان التكليف. أمّا بيان عدم التكليف الذي يتحقق بالاستصحاب، فهذا لا يرفع موضوع القاعدة؛ بل يبقى موضوع القاعدة محفوظاً ومتحققّاً بالرغم من جريان الاستصحاب.
 فإذن: لا يتقدّم الاستصحاب على القاعدة، ولا يرفع موضوعها حتّى يتمّ كلامه من أنّ الاستصحاب إذا رفع موضوع القاعدة؛ فحينئذٍ لا يلزم تحصيل الحاصل. فإلى هنا يبقى كلام الميرزا(قدّس سرّه) كما هو، وهو أنّه يلزم من إجراء الاستصحاب في المقام تحصيل الحاصل، من دون فرقٍ بين أنْ يكون الأثر مترتباً على الشك وحده، أو أنْ يكون مترتباً على الجامع بين الشك وبين الواقع، على كلا التقديرين يلزم من إجراء الاستصحاب تحصيل الحاصل؛ لأنّك تريد أنْ تثبت بالاستصحاب التأمين الثابت باعتبار قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
 هناك ملاحظة أخرى على كلام السيّد الخوئي(قدّس سرّه) وهي أنّه لا مجال لقياس المقام بالقواعد الشرعية، فأنّه ذكر في كلماته أنّ هذا من قبيل إجراء الاستصحاب في مورد قاعدة الطهارة، وإجراء الاستصحاب في مورد البراءة الشرعية، فلا مانع من إجراء الاستصحاب بالرغم من وجود قاعدة الطهارة، وما نحن فيه هو من هذا القبيل، وسرّه ــــ بحسب ما يقول هو ـــــ أنّ الاستصحاب حاكم على قاعدة الطهارة، وعلى أصالة البراءة الشرعية، ورافعاً لموضوعها؛ ولذا لا يلزم من إجرائه تحصيل الحاصل؛ ولذا يقول: لا مشكلة إطلاقاً في إجراء الاستصحاب في موارد قاعدة الطهارة، فإذا كان الثوب معلوم الطهارة سابقاً وشككنا في بقاء طهارته، فنستصحب طهارة الثوب، مع أنّ قاعدة الطهارة أيضاً تجري، وتثبت طهارة الثوب، ولم يقل أحد بلزوم تحصيل الحاصل، والسبب هو أنّ الاستصحاب يكون حاكماً على قاعدة الطهارة ورافعاً لموضوعها، وبالتالي لا يكون في جريانه تحصيلاً للحاصل. هذه الملاحظة تقول هناك فرق بين القواعد والأصول الشرعية، وبين ما نحن فيه، ففيما نحن فيه نحن نتحدّث عن البراءة العقلية، والأصل العقلي الذي هو قبح العقاب بلا بيان، في تلك القواعد يمكن تصوّر أنّ الاستصحاب يتقدّم عليها ويرفع موضوعها بالحكومة، وإذا رفع موضوعها فلا مانع من جريان الاستصحاب من دون أنْ يلزم محذور في جريانه، ولكن في محل كلامنا الحكومة غير متصوّرة في المقام، وعلى تقدير أنْ يكون الاستصحاب رافعاً لموضوع قاعدة البراءة العقلية فيتعيّن الورود لا الحكومة، ليس فقط لما قلناه من أنّ هذه قاعدة عقلية، وموضوعها ليس بيد الشارع، فلا معنى لرفعه أو وضعه تعبّداً من قِبل الحاكم؛ لأنّ هذه أمور مختصّة بما يكون رفعه ووضعه بيد الشارع بما هو شارع، وإنّما من جهة أنّ موضوع القاعدة هو عدم البيان، والاستصحاب هو بنفسه يكون بياناً، وموضوع القاعدة لا يرتفع باعتبار التعبّد بالمستصحب، وإنّما يرتفع بنفس التعبّد الاستصحابي، بنفس حجّية الاستصحاب يرتفع موضوع قاعدة البراءة؛ لأنّ موضوع القاعدة هو عدم البيان، فلنقل أنّ موضوعها هو عدم البيان مطلقاً، وليس عدم بيان التكليف كما هو صحيح، لكن استصحاب عدم التكليف يعتبر بياناً لعدم التكليف، فعدم البيان يرتفع بالوجدان لا بالتعبّد حتّى نقول هذه حكومة ونقيس ما نحن فيه على تقدّم الاستصحاب على الأصول والقواعد الشرعية، وإنما في المقام يتعيّن على تقدير رفعه لموضوع القاعدة، وإنْ كان هذا الكلام غير صحيح، لكن على تقدير رفعه لموضوع القاعدة فرفعه لها وتقدّمه عليها يكون بالورود، ولا يكون بالحكومة؛ للفرق الواضح بين القواعد والأصول الشرعية، وبين قاعدة قبح العقاب بلا بيان، موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو اللابيان، أي لا يكون عندك بياناً لا على التكليف، ولا على عدم التكليف، لنفترض هكذا من باب التنزّل؛ وحينئذٍ ما هو الذي يرفع اللابيان ؟ يرفعه البيان على التكليف، وإذا كان موضوعها هو عدم البيان على عدم التكليف أيضاً، فالذي يرفعه هو بيان عدم التكليف، والاستصحاب هو بنفس جعل الحجّية له هو بيان لعدم التكليف، وهو بيان وجداني واقعي، وليس تعبّدياً، والمستصحب يثبت بالتعبّد، وهذا شيء آخر، هناك فرق بين نفس التعبّد الاستصحابي، وبين التعبّد بالمستصحب، فالمستصحب هو الذي يثبت بالتعبّد لا بالوجدان، لكن نفس الاستصحاب يثبت بالوجدان، وكونه بياناً هذا يثبت بالوجدان لا بالتعبّد. وعليه: يتعيّن أنْ يكون التقدّم على أساس الورود لا على أساس الحكومة.
 الجواب الثاني عن الاعتراض المشترك الثاني: هو ما يقال من أنّه سلّمنا أنّ الاستصحاب ليس حاكماً على القاعدة، ولا وارداً على القاعدة، لكن لا مانع من جريان الاستصحاب حينئذٍ مع قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
 وبعبارة أخرى: أنّ القاعدة لا تمنع من جريان الاستصحاب، ولا يلزم من إجرائه اللّغوية وتحصيل الحاصل، باعتبار أنّ كلاً منهما يثبت التأمين، استصحاب عدم التكليف مؤمّن، ويترتب عليه التأمين، والبراءة أيضاً تثبت التأمين؛ وحينئذٍ يستند التأمين إليهما معاً نظير اجتماع علّتين مستقلّتين على معلولٍ واحد، وهذا لا محذور فيه، ولا يلزم منه تحصيل الحاصل، فهنا تأمين يثبت بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، وتأمين أيضاً يثبت باستصحاب عدم التكليف، فالشك علّة للتأمين، باعتبار قاعدة قبح العقاب بلا بيان، والاستصحاب علّة مستقلّة أيضاً للتأمين، فهذا علّة مستقلة للتأمين، وذاك أيضاً علّة مستقلّة للتأمين، اجتمعا، فيكون من قبيل اجتماع علّتين مستقلّتين على معلولٍ واحد، فالنتيجة هي: أنّ التأمين الحاصل يستند إلى كلٍ منهما، فلا محذور في إجراء الاستصحاب.
 ويلاحظ على هذا الجواب أنّ المشكلة ليست في أنّ القاعدة بعد فرض أنّ الاستصحاب ليس حاكماً عليها، ولا وارداً عليها، وأنّها تجتمع مع الاستصحاب، ولا تمنع من جريانه، وإنّما المشكلة في أنّ ما يراد إثباته بالاستصحاب ـــــ حتّى تشمله أدلّة حجّية الاستصحاب ــــــ هل هو نفس ما يثبت بقاعدة قبح العقاب بلا بيان أو غيره ؟ فإذا كان نفسه، يلزم منه إشكال تحصيل الحاصل؛ لأنّه يثبت نفس ما هو ثابت وحاصل بالفعل، وأمّا إذا كان المطلوب بالاستصحاب هو إثبات شيءٍ آخر غير ما هو حاصل؛ فحينئذٍ يرتفع هذا المحذور، لكن ما هو هذا الأثر الذي يُراد إثباته بالاستصحاب ؟ بحيث يكون هو غير التأمين الثابت بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، هذا يحتاج إلى بيان، أمّا مجرّد أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا تمنع من جريان الاستصحاب، فلا يضر، ولكن هناك مشكلة تمنع من جريان الاستصحاب إذا كان الغرض هو إثبات نفس ما هو ثابت بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، وهذا الإشكال يُعبّر عنه الميرزا(قدّس سرّه) بتحصيل ما هو حاصل.
 الجواب الثالث عن الاعتراض الثاني: أنْ يقال أنّ الاستصحاب لا يرفع موضوع القاعدة لا بالحكومة ولا بالورود، وهذا معناه أنّ القاعدة تجتمع مع الاستصحاب، وموضوعها متحقق، كما أنّ شروط وأركان الاستصحاب أيضاً متوفرة، فيجري كلٌ منهما على ما بيّناه سابقاً، والجواب عن اعتراض المحقق النائيني(قدّس سرّه) يكون بادعاء أنّ ما يثبت بالاستصحاب غير ما يثبت بالقاعدة، فإذا كان غيره، فلا يلزم تحصيل الحاصل. نعم، يشتركان بالاسم، فكل منهما تأمين، فما يثبت بالقاعدة هو التأمين، وما يثبت بإجراء الاستصحاب هو التأمين، ونفي العقاب، والمعذرية، لكن يبقى التأمين الحاصل بقاعدة قبح العقاب بلا بيان هو غير التأمين الحاصل بالاستصحاب، وهذا نثبته بقضية وجدانية وهي أنّ المعذرية والتأمين ونفي العقاب الذي يتحقق في فرض الشك بالتكليف هو أضعف بمراتب من التأمين والمعذرية الذي يحصل عند إحراز عدم التكليف تعبّداً؛ لأنّه باستصحاب عدم التكليف نحرز عدم التكليف، والتأمين الذي يترتب على إحراز عدم التكليف بواسطة الاستصحاب هو أشد وأكد من التأمين الذي يحكم به العقل عند الشك في التكليف ثبوتاً وعدماً، فالتأمين الذي يثبت هنا هو أضعف منه هناك، وهذا الفارق في درجة التأمين المحسوسة بالوجدان يبررّ إجراء الاستصحاب، ولا يلزم من جريان الاستصحاب حينئذٍ تحصيل الحاصل، وبهذا يرتفع إشكال تحصيل الحاصل.
 ويُضاف إلى هذا أنّ هناك فائدة أخرى يمكن تصوّرها من إجراء الاستصحاب في محل الكلام، ولعلّها هي المقصودة أساساً من هذا البحث، وهو إقامة أدلّة على البراءة في قبال الأدلّة التي أقامها الأخباريون على وجوب الاحتياط؛ ولذا كنّا نقول سابقاً أنّ الأدلّة إذا كان مفادها مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فأنّها لا تنفعنا؛ لأنّها تكون محكومة لأدلة الاحتياط، فأدلة الاحتياط تكون حاكمة على البراءة العقلية، بينما الأدلة التي تثبت براءة شرعية، وليس مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان، هذه هي التي تنفعنا؛ لأنّها تكون معارضة لأدلة الاحتياط، فالغرض هو إيجاد معارض لأدلة الاحتياط. في المقام قد يقال: أنّ الفائدة التي تترتب على الاستصحاب هي هذه، أنّه سوف نستطيع أنْ نعارض؛ بل قد يقال أكثر من هذا، وهو أنْ نقدّم الاستصحاب على أدلّة الاحتياط التي أقامها الأخباريون، بعد وضوح أنّ الاستصحاب يكون حاكماً على أدلّة الاحتياط؛ لأن موضوعّ أدلة الاحتياط هو احتمال التكليف، والاستصحاب يحرز عدم التكليف فينفي هذا الاحتمال تعبّداً.
 إذن: فائدة الاستصحاب هي أنْ يوجد ما يكون معارضاً وحاكماً على أدلّة الاحتياط، بينما إذا لم نجري الاستصحاب لا تبقى لدينا إلاّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وقاعدة قبح العقاب بلا بيان الموجودة فعلاً؛ لأنّ المفروض أننّا نغض النظر هنا عن الأدلة اللفظية الدالة على البراءة الشرعية المعارضة لأدلّة وجوب الاحتياط من الآيات والروايات، فائدة الاستصحاب هي أنّه بالاستصحاب نستطيع أنْ نطرح أدلّة وجوب الاحتياط التي أقامها الأخباريون، ونقول بأنّ الاستصحاب يكون حاكماً على الاحتياط الذي ذهب إليه الأخباريون؛ لأنّه يكون رافعاً لموضوعها. بينما إذا لم نجرِ الاستصحاب فلابدّ أنْ نعمل بأدلة وجوب الاحتياط لعدم وجود ما يعارضها. هذه فائدة أخرى أيضاً تترتب على إجراء الاستصحاب في محل الكلام.