الموضوع: الأصول العملية/ البراءة الشرعية/ حديث الحجب
كان الكلام في حديث الحجب والإشكال الوارد على الاستدلال به في محل الكلام، وكان حاصل الإشكال هو أنّ المطلوب في المقام هو إثبات البراءة في حالة عدم وصول التكليف حتّى لو كان صادراً، وحتّى لو كان مُبيّناً، والرواية ليس فيها دلالة على ذلك؛ بل الرواية ناظرة إلى إثبات التأمين في حالة عدم صدور التكليف، وعدم بيانه. ونحن نريد أنْ نثبت البراءة في حالة عدم الوصول. كيف أنّ الحديث يثبت البراءة؟ ناظر إلى مرحلة عدم الصدور، وعدم البيان، يقول: باعتبار أنّ الحجب في الرواية الشريفة نُسب إلى الله(سبحانه وتعالى) فهو الذي حجب علمه عن العباد، فإذا حجب الله(سبحانه وتعالى) علمه، فهذا يساوق عدم البيان، وهذا الذي حجبه الله(سبحانه وتعالى)، موضوع عن العباد، فيكون الحديث ناظراً إلى فرض عدم الصدور وعدم البيان، لا إلى فرض عدم الوصول.
والجواب عنه كان هو: صحيح أنّ الحجب أضيف إلى الله(سبحانه وتعالى)، لكنّ إضافة الحجب إلى الله(سبحانه وتعالى) مرّة تكون بما هو مولى ومشرّع، وأخرى يُضاف الحجب إليه بما هو حالق ومُدبّر، وإضافة الحجب إليه بما هو مولى ومشرّع تعني عدم البيان وعدم الصدور، فيتمّ الإشكال؛ لأنّ حجبه(سبحانه وتعالى) للتكليف بما هو مشرّع يعني أنّه لم يبيّن أساساً، أو أنّه بيّن للأولياء والانبياء(عليهم السلام)، لكنّه لم يأمر ببيانه إلى الناس، فهذا حجب من قِبله(سبحانه وتعالى). بينما إذا قلنا أنّ الإضافة هي إضافة إليه بما هو خالق، ومدبّر؛ حينئذٍ هذا لا يستلزم أنْ يكون الحديث ناظراً إلى فرض عدم الصدور وعدم البيان؛ بل يمكن أنْ يكون ناظراً إلى محل الكلام، أي فرض عدم الوصول حتّى على تقدير البيان، للأسباب الخارجية والعوارض التي تعرض وتسبب ضياع الأخبار والروايات، مع ذلك يصدق أنّ الله(سبحانه وتعالى) حجبه، والحديث شامل لمحل الكلام، باعتبار إضافة الحجب إليه(سبحانه وتعالى) بما هو خالق، ولا إشكال في أنّ الحجب يمكن أنْ يُسند إليه بما هو خالق، وكل الأفعال تُسند إليه، بالنتيجة هو السبب الحقيقي في كل هذه الأفعال حتّى إذا كان الحجب باعتبار إتلاف الظالمين للكتب وحرقهم لها، يعني حتّى في الأسباب الاختيارية التي تصدر من المكلّفين باختيارهم، مع ذلك يمكن أن يُضاف الحجب إلى الله(سبحانه وتعالى) بما هو خالق.
إذن: القضية تكون مبتنية على ماذا نفهم من الحديث ؟ وأنّ الإضافة بأي اعتبار؟
وتكملةً للجواب يُقال: الظاهر من الحديث هو أنّ إضافة الحجب إليه(سبحانه وتعالى) هي إضافة إليه بما هو خالق ومُدبّر، لا بما هو مولى ومشرّع، وبالتالي يصحّ الاستدلال بالحديث في محل الكلام، والقرينة على هذا هو أنّ الحجب أضيف إلى لفظ الجلالة، ولا يُفهم من لفظ الجلالة إلاّ الرازقية والخالقية والموجدية وأمثال هذه الصفات التي ترتبط بمحل الكلام، أمّا كونه مشرّعاً وبما هو مولى هذا يحتاج إلى قرينة إضافية، ولا توجد في المقام قرينة إضافية تدلّ على أنّ إضافة الحجب إليه(سبحانه وتعالى) إنّما هي بما هو مولى.
والأمر الثاني الذي ذُكر وهو ــــ كما سيأتي ـــــ هو مسألة تقريباً ما يشبه أنّ الحديث لو كان ناظراً إلى مسألة الصدور ومسألة التكليف غير الصادر من الشارع الذي لم يتم عليه البيان تكون أشبه باللغوية، يعني جعل البراءة في ذلك الفرض بالبيان الذي تقدّم سابقاً وهو أنّ التكليف الصادر من الشارع والمبيّن من قبله، لكنه لم يصل إلى المكلّف بسبب العوارض والأمور الخارجية يختلف عن التكليف الذي لم يصدر منه أصلاً، ولم يُبيّنه الشارع، فالتكليف الذي لم يصدر منه ولم يُبينه ليس في معرض توهم المسئولية تجاهه، والمكلّف لا يتوهم أنّه مسئول تجاه تكليفٍ لم يُبينه الشارع أصلاً، ولم يصدر منه إطلاقاً؛ ولذا لا مجال لافتراض أنّ الشارع يتصدّى لنفي هذه المسئولية، مع كون هذه المسئولية أساساً ليست في معرض التوهّم، فلا معنى لأنْ يتصدّى الشارع وينفي هذه المسئولية بحديث الحجب وأمثاله، بخلاف ما إذا كان المقصود أنّ الحديث ناظر إلى عدم الوصول، الغرض من الحديث هو إثبات البراءة والتأمين والوضع عن العباد مع عدم الوصول حتّى لو كان صادراً ومُبيناً، فإذا كان ناظراً إلى هذا فتوهّم المسئولية يكون وارداً، مثل هذا التكليف بيّنه الشارع، والأئمّة(عليهم السلام) بينوه، لكنّه لم يصل إلى المكلّف بسببٍ أو بآخرٍ كضياع الكتاب، أو احتراقه، ومثل هذا يكون في معرض توهّم المسئولية، والمكلّف مسئول تجاه هذا التكليف الذي يشك فيه، ولم يصل إليه، لكنه يحتمل أنّه قد بُيّن من قِبل الشارع، وتمّ عليه البيان، لكنّه لم يصله لسببٍ، أو لآخر، هذا في معرض توّهم المسئولية، وإذا كان في معرض توّهم المسئولية، فمن المعقول أنْ يتصدّى الشارع لنفي هذه المسئولية بنفس الحديث.
هذه القرينة الثانية تثبّت لنا ولو بالملازمة أنّ إضافة الحجب إليه(سبحانه وتعالى) هي إضافة إليه بما هو خالق، لا بما هو مولى؛ لأنّه لو كانت الإضافة إليه بما هو مولى، فأنّه يستدعي أنْ يكون الحديث ناظراً إلى مرحلة ما قبل الصدور والبيان؛ لأنّ الحجب منه بما هو مولى يعني عدم البيان، وعدم الصدور، فلو فرضنا أنّ الحجب يُضاف إليه بما هو مولى فمعناه أنّه ناظر إلى عدم الصدور، وهذا يكون أشبه باللغوية؛ إذ لا معنى لأنْ يتصدى الشارع لنفي مسئوليةٍ هي ليست محتملة اساساً، فإذن : هذه القرينة تثبت أنّ إضافة الحجب إليه(سبحانه وتعالى) بما هو خالق، وتكون قرينة ثانية غير كون المضاف إليه الحجب هو لفظ الجلالة. فهذه قرينتان على إتمام الاستدلال بالرواية، ودفع الإشكال السابق.
لكنّ بالنسبة إلى جواب الإشكال يبدو أنّ مجرّد أنّ الحجب مضاف إليه(سبحانه وتعالى) بما هو خالق لا يدفع الإشكال.
وبعبارة أخرى: لا يوجب تصحيح الاستدلال بالرواية، باعتبار أنّ نسبة الحجب إليه(سبحانه وتعالى) وإنْ كانت نسبة صحيحة بناءً على أنّه مضاف إليه بما هو خالق؛ لأنّ كل الأسباب ترجع إلى المسبب الحقيقي الذي هو الله(سبحانه وتعالى)، فيمكن نسبة الأفعال وكل ما يحدث إليه(سبحانه وتعالى). لكن هذا بالنظر الدقّي العقلي. لكنّ هذه النسبة ليست واضحة بالنظر العرفي الذي ينبغي أنْ يكون هو المُحكّم في أمثال هذه الروايات، فلا يصح عرفاً أنْ يقال أنّ الله(سبحانه وتعالى) حجبه عن العباد، الله(سبحانه وتعالى) بيّنه وأوصله، ولعلّه وصل إلى بعض العباد، هل يمكن أنْ نقول أنّ هذا الحجب بسبب العوامل الطبيعية، وبسبب إتلاف الظالمين للكتب، هو منسوب إلى الله(سبحانه وتعالى) ولو بما هو خالق ؟ نسبة الحجب إليه حتّى بما هو خالق عرفاً غير مقبولة؛ بل يصح أنْ يقال أنّ الله(سبحانه وتعالى) لم يحجب هذا التكليف عنّا، وإنّما هو بيّنه وأوصله، وعلم به بعض العباد، وإنّما حجبه هذه الأسباب، عرفاً لا يصح نسبة الحجب إليه(سبحانه وتعالى) حتّى لو قلنا أنّه بما هو خالق، صحيح بما هو خالق يوجب تصحيح النسبة والإضافة بالدقّة وبالتحليل العقلي، وأمّا بالنظر العرفي المُحكّم في هذه الأمور، فالعرف يفهم أنّ معنى ما حجب الله علمه عن العباد، يعني ما كان الله(سبحانه وتعالى) هو السبب في حجبه بالمباشرة، لا ما حجبه بتوسط اسباب كثيرة إلى أنْ ينتهي إليه(سبحانه وتعالى)، الذي يفهم من الحديث هو أنّ ما حجبه الله(سبحانه وتعالى) مباشرة فهو موضوع عن العباد، أمّا ما حجبه بتوسط الأسباب فهو خلاف ظاهر الحديث، فالمسألة بالدقّة وإنْ كان يصح فيها الإسناد حتّى لو كانت إضافة الحجب إليه بما هو خالق، لكن بالنظر العرفي المسامحي المُحكّم في هذا المجال بلحاظ الدليل الشرعي اللفظي، الظاهر أنّ صحّة النسبة ليست واضحة، فبناءً على هذا يبقى الإشكال على الاستدلال بالرواية ثابتاً. ظاهر الرواية هو ما حجب الله(سبحانه وتعالى) علمه مباشرة، لا بالتسبيب والوسائط، وهذا يختصّ بمرحلة ما قبل الصدور، ما يحجبه الله(سبحانه وتعالى) مباشرة يعني سكت عنه، ولم يصدر منه شيء، وهذا لا ينفع في محل الكلام، وهذا معناه أنّ الإشكال إلى هنا سوف يبقى على الاستدلال بالرواية.
نعم، يمكن التمسّك بالأمر الثاني الذي تقدّم ذكره لإثبات صحّة الاستدلال بالرواية، أو على الأقل يمكن جعله قرينة معاكسة لما ذكرناه أخيراً من أنّ النظر العرفي هو المُحكّم ويقتضي أنْ لا يكون الحديث ناظراً إلى ما إذا كان الحجب صادر عن أسباب خارجية، أو بسبب فعل الظالمين، وإنّما ناظر إلى ما إذا كان الحجب منه(سبحانه وتعالى) مباشرة، وهذا لا ينفع في مقام الاستدلال، فنجعل القرينة الثانية في مقابل هذا كقرينة معاكسة وذلك بأن نقول أنّ القرينة الثانية بحسب النتيجة تختلف عمّا ذكرناه من لزوم تحكيم النظر العرفي، فلزوم تحكيم النظر العرفي يؤدي إلى عدم صحّة الاستدلال بالرواية، وإلى أنْ يكون الحديث الشريف ناظراً إلى صورة عدم الصدور وعدم البيان، وهذا غير محل الكلام، ولا ينفعنا في مقام الاستدلال بهذه الرواية، لكنّ هذه القرينة المتقدّمة بالعكس، فأنّها تقتضي صحّة الاستدلال بالرواية، وأنْ يكون الحديث ناظراً إلى محل الكلام، فأنّ هذه القرينة تقول أنّ تصدّي الشارع لنفي المسئولية وإثبات التأمين والوضع عن العباد لا يصح إلاّ في أحكام تكون في معرض توهّم المسئولية، أمّا الأحكام الغير الصادرة والغير المبيّنة من قبله(سبحانه وتعالى) فهي أحكام إنشائية اقتضائية حتّى لو علمت بها لا يترتّب عليها أثر، ولا يحكم العقل بلزوم امتثالها، فكيف تكون موجبة لمسئولية العبد تجاهها مع الشك ومع عدم العلم بها، تصدّي الشارع لنفي المسئولية والوضع عن العباد قرينة على أنّ الحديث ناظر إلى أحكام يجهلها المكلّف ويشك بها، لكنّها في معرض توهّم المسئولية فيتصدّى الشارع لنفي هذه المسئولية، وهي عبارة عن الأحكام الواصلة. وهذه قرينة معاكسة تقتضي صحّة الاستدلال بالرواية، وأنْ يكون الحديث ناظراً إلى محل الكلام.
هذه القرينة بُيّنت ببيانات أخرى:
البيان الأوّل: أنّ الحديث وارد مورد الامتنان، ولا امتنان في نفي حكمٍ لم يُبيّنه الشارع، ولم يصدر منه. وبعبارة أخرى: لا امتنان في نفي حكمٍ انشائي ووضعه عن العباد؛ لأنّه أساساً لا مسئولية على العبد تجاهه حتّى يقول الشارع نمنّ عليكم بوضعه عنكم، فلا مِنّة في وضعه، ولا وجه مقبول للتصدّي لبيان نفي المسئولية من قِبل الشارع، بخلاف الأحكام غير الواصلة، فأنّ في رفعها عن العباد امتنان عليهم؛ لأنّها في معرض توهّم المسئولية، فعندما يتصدّى الشارع لوضعها عن العباد فهو امتنان عليهم، فقرينة الامتنان تكون مقتضية لأنْ يكون الحديث ناظراً إلى محل الكلام.
البيان الثاني: أنّ الحديث الشريف ظاهر في أنّ الحجب متعلّق بالعلم بالتكليف وليس بنفس التكليف؛ لأنّ الحديث يقول (ما حجب الله علمه عن العباد)، وليس (ما حجب الله عن العباد) فالحجب يتعلّق بالعلم بالتكليف، وهذا معناه أنّ المراد باسم الموصول(ما) هو عبارة عن الحكم المحجوب علمه عن المكلّف، ومعناه التكليف المجهول، فالمراد بالموصول هو الحكم المجهول. ووضعه عن العباد في قِبال وضعه عليهم، بمعنى أنّ التكليف المجهول الذي يحتمل فيه أنْ يكون موضوعاً على العباد، هو الذي يدلّ الحديث الشريف على وضعه عنهم، التكليف المجهول الذي يصلح أنْ يضعه الشارع على العباد، موضوع عنهم من باب الإرفاق والامتنان والتسهيل، وبالتالي هذا يؤدي إلى نتيجةٍ، وهي أنّ الحديث سوف يختص بالأحكام الشرعية المجهولة التي يمكن أنْ يضعها الله(سبحانه وتعالى) على العباد؛ حينئذٍ يقول الحديث بأنّ هذه الأحكام موضوعة عن العباد، ومن الواضح أنّ الأحكام المجهولة التي تقبل الوضع على العباد هي عبارة عن الأحكام غير الواصلة، لا الأحكام غير الصادرة، الأحكام المجهولة والمحجوبة عن العبد التي يجهلها العباد، وغير الواصلة إليهم لسببٍ أو لآخر يُعقل وضعها على العباد، وذلك بإيجاب الاحتياط من ناحيتها، هذه الأحكام غير الواصلة إلى المكلّف تقبل الوضع الظاهري بإيجاب الاحتياط، والشارع يقول أنا أمنّ عليكم، وأرفق بكم ولا أضع عليكم وجوب الاحتياط، فالأحكام المجهولة القابلة للوضع يدلّ الحديث الشريف على أنّها موضوعة عن العباد، فيختصّ الحديث بالأحكام المجهولة القابلة للوضع، أمّا الأحكام غير الصادرة وغير المبُينة والأحكام الإنشائية الاقتضائية فهي ليست قابلة للوضع الظاهري؛ لأنّها حتّى لو علمت بها لا يستقلّ العقل بوجوب امتثالها ووجوب إطاعتها، فلا معنى لأنْ يقال أنّ مثل هذه الأحكام التي هي في مرحلة الإنشاء والاقتضاء قابلة للوضع الظاهري حتّى يشملها الحديث ويدلّ على وضعها عن العباد، وإنّما يختص الحديث الشريف بخصوص الأحكام المجهولة غير الواصلة إلى المكلّف؛ لأنّ مثل هذه الأحكام المجهولة قابلة للوضع، فيشملها الحديث ويدلّ على وضعها عن العباد من باب الإرفاق والامتنان والتسهيل.
في الحقيقة هذه بيانات متعددّة، واللّبّ واحد، والجوهر واحد، وكلّها ترجع إلى نكتة واحدة، وهي أنّ التكليف المجهول غير الصادر من الشارع ليس في معرض توهّم المسئولية؛ ولذا لا يكون هناك امتنان في رفعه، كما أنّه ليس من المقبول وضعه على العباد ظاهرياً بإيجاب الاحتياط حتّى يشمله الحديث ويدلّ على وضعه عنهم؛ لأنّه حكم إنشائي، وليس في معرض توهّم المسئولية، فإذن: من غير المقبول عرفاً أنْ يتصدّى الشارع لنفيه، والدليل الذي يأتي لا يفهم العرف منه ذلك، أو يقال: مثل هذا الحكم لا امتنان في وضعه عن العباد، بخلاف الحكم الصادر غير الواصل. كما أنّه يمكن القول أنّ هذه الأحكام لا معنى لوضعها ظاهرياً على العباد بإيجاب الاحتياط من ناحيتها، والمفروض بناءً على هذا الكلام أنّ الحديث يختص بخصوص الأحكام القابلة لأنْ يضعها الشارع على العباد ظاهرياً، وهي عبارة عن الأحكام غير الواصلة، لا الأحكام غير الصادرة.
بهذا البيان؛ حينئذٍ يقال: يمكن تتميم الاستدلال بالرواية على أساس أنّ الذي يُفهم من الحديث هو أنّ الشارع يتصدّى لنفي المسئولية، وهذا لا يكون إلاّ إذا كان هناك مورد توهّم المسئولية، وهو عبارة عن الأحكام غير الواصلة. لكن هذا كما أشرنا في قباله مطلب مهم أيضاً، وهو مسألة تحكيم النظر العرفي الذي ذكرناه سابقاً، فالنظر العرفي لا يرى أنّ الحجب يمكن أنْ تصحّ نسبته إلى الله(سبحانه وتعالى) في مواردٍ هو لا يكون حاجباً له مباشرةً، وإنّما يكون حاجباً بوسائط، وبسلسلة العلل التكوينية، والعرف يفهم أنّ ما حجبه الله(سبحانه وتعالى) عن العباد يعني حجبه مباشرة وبلا واسطة، وهذا معناه أنّ الحديث ناظر إلى جهة الصدور، وإلى الأحكام الغير صادرة، التي لا يعلمها المكلّف؛ لأنّها غير صادرة وغير مبينة. فيبدو أنّ الحديث فيه قرينتان متعاكستان، قرينة تحكيم النظر العرفي الذي يقتضي عدم صحّة الاستدلال بالرواية في محل الكلام وحمل الرواية على أنّها مختصّة بالأحكام غير الصادرة، بينما مقتضى القرينة التي بيّناها ببيانات مختلفة هو صحّة الاستدلال بالرواية.