الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

34/06/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول العملية/ البراءة الشرعية
 
 كان الكلام في القرائن التي قد تُذكر لإثبات اختصاص حديث الرفع بالشبهات الموضوعية، وعدم شموله للشبهات الحكمية، وتقدّم الكلام في القرينة الأولى، وهي قرينة وحدة السياق، بدعوى أنّ المراد بالموصول في سائر الفقرات هو الموضوع والفعل الخارجي، وبمقتضى وحدة السياق يكون المقصود بالموصول في فقرة الاستدلال ذلك أيضاً، وهذا يوجب الاختصاص بالشبهات الموضوعية.
 وكان خلاصة الجواب عنه هو: أنّ قرينة السياق إنّما تنثلم عندما يتعددّ المدلول الاستعمالي للكلمة الواحدة المتكررّة في الجُمَل المتعددّة التي تُجمع في سياقٍ واحد، ومثّلنا لذلك بــــهذا المثال(زر الإمام)، و(صلِ خلف الإمام)، فيكون المقصود بالإمام في الجملة الأولى هو الإمام المعصوم(عليه السلام)، وفي الجملة الثانية هو إمام الجماعة، بحيث يستعمل اللّفظ في الجملة الأولى في معنى، وفي الثانية يستعمل في معنىً آخر. وأما إذا اختلف المدلول الجدّي، فضلاً عن اختلاف المصاديق الخارجية للمعنى الواحد، فهذا لا يوجب اختلال قرينة وحدة السياق. وما نحن فيه من قبيل القسم الثالث، يعني من قبيل الاختلاف في المصاديق، والأفراد الخارجيّة، وليس هناك اختلاف في ما نحن فيه في المدلول الاستعمالي، ولا اختلاف في المدلول الجدّي، ومن هنا فأنّ الالتزام بأنّ ما ينطبق عليه(ما لا يعلمون) هو غير ما ينطبق عليه(ما اضطروا إليه)، و(ما أكرهوا عليه) لا يؤثر في وحدة السياق، بعد أنْ كان المُستعمل فيه واحداً، والمراد الجدّي ايضاً واحداً، فاسم الموصول استُعمل في معنىً واحد في جميع هذه الجُمَل، والمراد به هو أيضاً شيء واحد في جميع هذه الجُمَل، وإنْ اختلف في ما ينطبق عليه هذا المراد الاستعمالي الجدّي، فالذي ينطبق عليه في هذه الفقرة، هو غير ما ينطبق عليه في الفقرة الأخرى. فهناك لا ينطبق إلاّ على الفعل، والموضوع الخارجي، بينما في فقرة(ما لا يعلمون) بالإمكان أنْ ينطبق على الفعل والموضوع، وعلى التكليف.
 في قبال هذا توجد دعويان:
 الدعوى الأولى: هي دعوى أنّ الاختلاف هو في المدلول الجدّي، وليس في المصاديق الخارجيّة، وفي ما ينطبق عليه المفهوم فقط؛ بل الاختلاف في المراد الجدّي، مع التسليم بعدم وجود اختلاف في المدلول الاستعمالي، أي أنّ اسم الموصول مُستعمَل في معناه الحقيقي، وليس هناك اختلاف في كل هذه الجُمَل، لكنْ ما يُراد منه جدّاً في فقرة(ما اضطروا إليه) هو غير ما يُراد منه جدّاً في فقرة(ما لا يعلمون). وقد بيّنّا هذه الدعوى في الدرس السابق.
 الدعوى الثانية: تترقّى أكثر، فهي تقول بأنّ هناك اختلافاً حتّى في المدلول الاستعمالي، باعتبار أنّ القرينة في المقام متّصلة، فالقرينة التي تعيّن اسم الموصول هي صلة الموصول، التي هي(اضطروا إليه)، و(أكرهوا عليه)، و(لا يعلمون) فأنّها هي التي تحددّ ماذا يُراد باسم الموصول، وحيث أنّها قرينة متّصلة، فأنّها توجب تغيّر في المراد الاستعمالي، وليس فقط تغيّراً في المقام الجدّي، بأنْ يكون المراد باسم الموصول والمُستعمَل فيه هو الشيء الذي يكون قابلاً للاضطرار، فيختصّ بالأفعال والموضوعات الخارجيّة؛ لأنّها هي التي تقبل طرو الاضطرار عليها، بينما الحكم ليس قابلاً لأنْ يطرأ عليه الاضطرار، والإكراه، فيختصّ بالشبهات الموضوعيّة، لكنْ هذا معناه أنّ(ما) استُعمل في الشيء الذي يقبل الاضطرار، بينما في فقرة(ما لا يعلمون) استعمل الموصول(ما) في الشيء الذي يقبل طرو الجهل عليه، وهذا الشيء الذي يقبل طرو الجهل عليه هو أعمّ من الفعل والتكليف، ولا موجب لاختصاصه بخصوص التكليف، لكن حينما هنا يتعددّ المعنى المستعمل فيه اللّفظ، الذي هو اسم الموصول الموضوع للشيء المبهم، بينما هنا استُعمل في الشيء الذي يقبل الاضطرار في فقرة(ما اضطروا إليه)، وفي الشيء الذي يقبل الإكراه في فقرة(ما أكرهوا عليه)، وفي الشيء الذي يقبل الجهل وعدم العلم في فقرة(ما لا يعلمون)، فيتعددّ المُستعمَل فيه، وعلى هذا الأساس تنثلم قرينة وحدة السياق.
 إذن: لابد للمحافظة على قرينة وحدة السياق، أنْ نقول أنّ المستعمل فيه في فقرة(ما لا يعلمون) هو أيضاً نظير المستعمل فيه في سائر الفقرات، وهو عبارة عن الفعل والموضوع الخارجي.
 قلنا: أنّ الدعوى الثانية مبنيّة على مبانٍ غير مقبولةٍ من قِبل الأصحاب، فهذه المباني التي تقول أنّ القرينة المتّصلة توجب تغيّر في المدلول الاستعمالي، هي مبانٍ غير مقبولة، والشواهد على هذا: أولاً أنّهم يقولون أنّ تقييد المطلقات لا يوجب المجازيّة، بمعنى أنّ اللّفظ المطلق يبقى مُستعمَلاً في معناه الحقيقي ولا يتغيّر، غاية الأمر أنّ هذا السبب يوجب تقييد المعنى المطلق المبهم العام، وهذا لا يعني أنّ اسم الموصول استُعمل مجازاً في المقيّد، وهذا من قبيل أنْ تقول(اعتق رقبة مؤمنة)، فالقول بأنّ لفظ(الرقبة) استُعمل مجازاً في المقيّد، هو مبنيٌ على النظرية القديمة التي لا يؤمن بها المتأخرون، فهم يبنون على أنّ فهم المقيّد من الدليل في باب التقييد يكون من باب تعددّ الدال والمدلول، وهذا يعني أنّ اللّفظ المطلق مُستعمَل في معناه، والقرينة مستعملة في معناها، والنتيجة بضم هذا إلى هذا نفهم التقييد. وما نحن فيه هو من هذا القبيل، حيث لدينا اسم موصول لحقت به صلة في سائر الفقرات، ولحقت به صلة في محل الكلام، أي، في فقرة الاستدلال، فتلك الصلة لا توجب أنْ يكون اسم الموصول مُستعمَلاً في المقيّد بما يقبل الاضطرار، أو بما يقبل الإكراه، أو بما يقبل عدم الإطاقة؛ بل يبقى مستعملاً في معناه العام، وهو الشيء، ويُفهم التقييد باعتبار تعددّ الدال والمدلول، وبالنتيجة أنّ اسم الموصول في جميع هذه الفقرات مستعمل في معنىً واحد، وهو معناه الحقيقي، فلا يوجد تعددّ في المراد الاستعمالي، ولا يوجد تعددّ في ما استُعمِل فيه اللّفظ حتّى يقال بانثلام وحدة السياق بلا إشكال، فلابدّ من المحافظة عليها، والمحافظة عليها لا تكون إلاّ بأن يكون اسم الموصول في محل كلامنا في فقرة الاستدلال مُستعمَلاً في نفس ما استعمل فيه اسم الموصول في الفقرات الأخرى، يعني كأنّه مستعمل في الفعل، أو الموضوع الخارجي، وبذلك يختصّ بالشبهات الموضوعية.
 كلا، هذا الكلام ليس صحيحاً؛ لأنّ اسم الموصول في كل الفقرات لم يستعمل في المقيّد، وإنّما استعمل في مفهومه العام، وإنّما الصلة تختلف، فأنّ الصلة تارةً توجب اختصاصه بالشبهات الموضوعية، وتارة أخرى لا توجب اختصاصه بها.
 أمّا الدعوى الأولى: فالظاهر أنّها تامّة، بمعنى أنّ المراد الجدّي يتغيّر في المقام، وليس هناك وحدة في المراد الجدّي بلحاظ فقرات الاستدلال، فالتعددّ ليس فقط في ما ينطبق عليه المفهوم خارجاً، فأنّ ما ينطبق عليه(ما اضطروا إليه) هو الفعل، وما ينطبق عليه(ما لا يعلمون) هو التكليف والفعل، فالمدلول الجدّي في هذه الفقرات متعددّ، باعتبار أنّ الصلة قرينة، وهذه القرينة متّصلة، ونحن لم نقبل بأنّها تكون مؤثرة على المدلول الاستعمالي، فلا يتعددّ المدلول الاستعمالي؛ بل يبقى واحداً، وهو أنّ اسم الموصول مستعمل في معناه المبهم، لكنّها تكون مؤثرة على المراد الجدّي، فأنّ المراد الجدّي من الموصول في فقرة(ما اضطروا إليه) هو الشيء الذي يقبل الاضطرار، هذا هو المراد الجدّي للمتكلّم، كما أنّ المراد الجدّي من الموصول في فقرة(ما لا يعلمون) هو الجهل، وهو أعمّ من الفعل والتكليف، وما يريده المتكلّم جدّاً عندما نصب هذه القرينة المتّصلة هو هذا، فلا نستطيع أنْ نقول أنّ المراد الجدّي في هذه الفقرة هو نفس المراد الجدّي في فقرة(ما لا يعلمون)، فالمراد الجدّي من الموصول في فقرة(ما اضطروا إليه) هو الشيء القابل لطرو الاضطرار عليه، وهذا منحصر في الفعل الخارجي، بينما المراد الجدّي في فقرة(ما لا يعلمون) هو الشيء القابل لعروض الجهل، أي الشيء الذي تجهل به، أعمّ من أنْ يكون فعلاً، أو يكون تكليفاً. فالظاهر أنّه لا يمكن الادّعاء بأنّه لا تعددّ في المدلول الجدّي في هذه الفقرات، وإنّما التعددّ فقط في المصداق الخارجي للمفهوم، وما ينطبق عليه المفهوم خارجاً، وإنّما الظاهر هو أنّ هناك تعدّداً في المراد الجدّي في هذه الفقرات.
 وحينئذٍ، في أصل قرينة وحدة السياق: إن قلنا بأنّ تعددّ المراد الجدّي يقدح في قرينة وحدة السياق؛ فالظاهر حينئذٍ أنّ هذا يقدح في وحدة السياق في المقام، بمعنى أنّ الالتزام بأنّ المراد الجدّي في فقرة(ما لا يعلمون) يختلف عن المراد الجدّي في سائر الفقرات، حتّى نلتزم بعموم وشمول الحديث للشبهات الموضوعيّة والحكميّة، هذا يوقعنا في مخالفةٍ للظاهر، وهذه المخالفة للظاهر تتمثّل في مخالفة وحدة السياق، إذا قلنا بأنّ وحدة السياق تنثلم بتعددّ المراد الجدّي للدال المتكرّر في السياق الواحد.
 وأمّا إذا قلنا بأنّ تعددّ المراد الجدّي لا يهدم قرينة وحدة السياق، ولا يؤثر عليها؛ حينئذٍ الظاهر أنّه يمكن الالتزام بشمول فقرة الاستدلال للشبهات الموضوعية، وللشبهات الحكميّة؛ لأنّ الالتزام بأنّ المراد الجدّي بفقرة(ما لا يعلمون) غير المراد الجدّي بفقرة(ما اضطروا إليه) هذا لا يؤثر في وحدة السياق، ولا يُعد مخالفة لظهور الكلام، فيمكن الالتزام بذلك، وهذا معناه أنّ الحديث يشمل الشبهات الحكمية، والشبهات الموضوعية؛ لأنّ الاختلاف والتعدد ليس إلاّ في المراد الجدّي، والاختلاف والتعدد في المراد الجدّي لا يؤثر في وحدة السياق، وإنّما الذي يؤثر في وحدة السياق هو التعدد في المراد الاستعمالي، فإذا كان اللّفظ مستعمل في معنىً آخر غير ما استعمل فيه اللّفظ الوارد قبله؛ فحينئذ هذا يؤثر في وحدة السياق، ويمنع من العمل بهذا الظهور؛ لأنّ هذا مخالفة للظهور، أمّا إذا كان المعنى المستعمل فيه اللّفظ المتكرر واحد، وإنّما يختلف المراد الجدّي به، فهذا لا يؤثر على السياق الواحد. فالالتزام بأن المراد الجدّي في فقرة(ما لا يعلمون) غير المراد الجدّي في فقرة(ما اضطروا إليه)، و(ما أكرهوا عليه) هذا ليس فيه مخالفة للظاهر.
 وعليه: يمكن الالتزام بأنّ فقرة(ما لا يعلمون) تشمل الشبهات الموضوعية، والشبهات الحكمية. ووحدة السياق ليست قرينة تمنع من ذلك في محل الكلام.
 القرينة الثانية على الاختصاص بالشبهات الموضوعية: هي ما ذكره السيد الخوئي(قدّس سرّه) [1] من أنّ الرفع والوضع أمران متقابلان، ويتواردان على موردٍ واحد، فالشيء الذي يكون قابلاً للوضع، يكون قابلاً للرفع. ثم يقول ومن الواضح أنّ ما يكون قابلاً لأنْ يرد عليه الوضع، هو الفعل، أي أنّ متعلّق الوضع هو الفعل، وليس هو التكليف، باعتبار أنّ التكليف هو وضع الفعل، أو الترك في ذمة المكلّف، فالذي يطرأ عليه الوضع هو الفعل، أو الترك، وهذا معناه أنّ الوضع يختصّ بالفعل، أو الترك، يعني بالأفعال الخارجيّة، وبقرينة المقابلة بين الوضع والرفع، فالرفع أيضاً لابدّ أن يختصّ بالفعل، أو بالترك، بينما الفعل لا يشمل الحكم والتكليف؛ لأنّ الرفع مقابل للوضع، وما يتعلّق به الوضع يتعلق به الرفع، والوضع ممّا يتعلّق بالفعل؛ لأنّ التكاليف الشرعيّة هي عبارة عن وضع الفعل في عهدة المكلّف، فما يتعلّق به الوضع هو الفعل، فلابدّ أنْ يكون الرفع أيضاً يتعلّق بالأفعال، وهذا يعني اختصاص الحديث بالشبهات الموضوعيّة، ولا يشمل الشبهات الحكميّة، باعتبار أنّ الأفعال هي القابلة للرفع وللوضع. أمّا أنّ الأفعال القابلة هي التي يطرأ عليها الوضع، فبالبيان الذي ذُكر، وأمّا أنّ الرفع أيضاً يختصّ بالأفعال فبقرينة المقابلة بينهما واتّحاد موردهما.
 يمكن أنْ يُلاحظ على هذا الكلام: بأنّه يبدو أنّ الأمر معكوس، والسيد الخوئي(قدّس سرّه) أجاب عن هذه القرينة، ولكنْ بجوابٍ آخر، [2] أنّ هذا الأمر قد يكون معكوساً باعتبار أنّ ما يضعه الشارع في عالم التشريع هو الحكم، وليس هو الفعل، وأساساً أنّ المقصود بالوضع في قبال الرفع هو الجعل، والمجعول للشارع هو الحكم، فهو يجعل الحكم، ويعتبر الحكم والتكليف، فالشارع لا يجعل الفعل، وإنّما يجعل الحكم ويعتبره، فأنّ الجعل هو اعتبار، فيعتبر الوجوب، ولا يُفسَر اعتبار الوجوب بأنّه عبارة عن جعل الفعل في عهدة المكلّف، وفي ذمّته، لكنْ ما يجعله الشارع هو اعتبار الوجوب، واعتبار هذا التشريع الخاص، فالموضوع من قِبل الشارع في عالم الجعل والتشريع ليس هو الفعل، وإنّما الموضوع من قِبل الشارع هو التكليف والحكم الشرعي، لا أنّ الشارع يجعل الفعل في عهدة المكلّف، وبعد ذلك ينتزع منه عنوان التكليف؛ بل أنّ الذي يعتبره الشارع هو التكليف، فهو يعتبر الوجوب على المكلّف، ويعتبر الحرمة على المكلّف، اعتبارات تشريعيّة مجعولة في عالم التشريع والجعل، وليس المجعول في عالم الجعل والتشريع هو الفعل، وإنّما الذي يُجعَل هو التكليف والحكم، فهذا هو الذي يكون قابلاً للوضع؛ لأنّ المراد بالوضع ظاهراً هو الجعل، فيكون متعلّق الوضع هو التكليف، لا الفعل، كما ذُكر، وبمقتضى المقابلة ــــــ بناءً على تماميتها ـــــ يكون الرفع أيضاً متعلّقاً بالتكليف، وهذا ينتج عكس ما هو المقصود، يعني ينتج اختصاص الحديث بالشبهات الحكميّة، إلاّ إذا ضممنا إلى ذلك ما تقدّم من أنّ المقصود بالحكم المرفوع هو الأعمّ من الحكم الكلّي في الشبهات الحكميّة، أو الحكم الجزئي في الشبهات الموضوعيّة.
 على كل حالٍ: ليس الموضوع ابتداءً هو الفعل، حتّى نقول أنّ الوضع يختصّ بالفعل، فالرفع أيضاً يختصّ به، وإنّما الموضوع هو التكليف، بمعنى أنّ ما يضعه ويجعله الشارع هو التكليف، وهذا ينتج عكس ما يقصد صاحب هذه القرينة.
 القرينة الثالثة: أنّ مفهوم الرفع يقتضي أنْ يكون متعلّقه أمراً ثقيلاً، وفيه كلفة، لا سيما أنّ الحديث ورد مورد الامتنان، فلابدّ أنْ يكون المرفوع أمراً ثقيلاً، وفيه كلفة حتّى يصح أنْ يتعلّق الرفع به، ويكون في رفعه امتناناً على الأمّة.
 حينئذٍ يقال: أنّ ما يكون ثقيلاً، وفي رفعه امتنان هو الفعل، وليس هو نفس الحكم الشرعي؛ لأنّه لا معنى لأنْ نقول أنّ الحكم الشرعي فيه مشقّة، وفيه ثقل على المكلّف؛ لأنّ الحكم الشرعي فعل المولى نفسه، وليس فعل العبد، فمن غير المعقول أنْ نقول أنّ هذا الحكم الشرعي الذي هو فعل المولى فيه ثقل على العبد، وأنّ في رفعه عن العبد امتنان عليه، وإنّما الذي فيه ثقل على العبد هو الفعل، أو الترك، هذا هو الذي يكون فيه ثقل وكلفة على العبد، وفي رفعه يكون امتنان على المكلّف؛ لأنّه فعله، فالفعل شيء يصدر من المكلّف، وهو الذي يكون فيه ثقل، أو لا يكون فيه ثقل، وفي رفعه امتنان، أو ليس في رفعه امتنان. أمّا التكليف الذي هو فعل غيره، فلا معنى لأنْ يقال أنّ هذا فيه ثقل على العبد.
 وعليه: لابدّ أنْ يكون المرفوع هو شيء فيه ثقل وكلفة على المكلّف، وفي رفعه امتنان، وهذا ليس هو إلاّ الفعل أو الترك. وهذا يوجب اختصاص الحديث بالشبهات الموضوعيّة.
 وقد أجاب السيد الخوئي(قدّس سرّه) عن هذا الوجه بهذا الجواب: [3] سلّمنا أنّ ما فيه ثقل هو عبارة عن الفعل، ومتعلّق التكليف، لكنْ هذا لا يمنع من أنْ يكون التكليف أيضاً فيه ثقل على المكلّف، حيث أنّ التكليف باعتباره هو السبب في إلزام المكلّف بالفعل، أو الترك، يكون فيه ثقل على المكلّف، فيصح أنْ يقال بأنّ التكليف باعتبار أنّ فيه ثقل وكلفة على المكلّف، وفي رفعه امتنان عليه؛ فحينئذٍ يكون مرفوعاً بلا عناية، وبلا مجاز؛ بل أنّ التكليف هو عبارة عن إلزام المكلّف بالفعل، أو الترك. صحيح أنّ هذا الفعل، كالصلاة ــــ مثلاً ـــــ فيه ثقل على المكلّف، لكنْ هذا لا ينافي أنّ التكليف الذي هو السبب في إلقاء الثقل على المكلّف، هو أيضاً فيه ثقل وكلفة على المكلّف، وفي رفعه يكون امتنان على المكلف؛ بل يمكن أنْ يقال أكثر من هذا: أنّ الظاهر من كون الحديث وارداً مورد الامتنان، وأنّ الرفع صادر من الشارع، وأنّ الشارع يرفع ما هو سبب الثقل المُلقى على المكلّف، وسبب الثقل هو التكليف، فأنّه هو الذي يكون سبباً في تحميل المكلّف بهذا الفعل الذي فيه ثقل عليه، وبهذا الترك الذي فيه ثقل عليه، فالشارع عندما يريد أنْ يمنّ على الأمّة، فأنّه يرفع السبب الذي أوجب أنْ يقع المكلّف في الضيق وفي الكلفة والثقل، والسبب هو عبارة عن التكليف، والحكم الشرعي، فلولا الحكم الشرعي لما وقع المكلّف في الكلفة، لما كان في الفعل ثقلاً عليه، فالمناسب في هكذا مقامات عندما يكون المورد مورد امتنان أنّ الشارع يرفع سبب الثقل، أي السبب الذي جعل هذا الفعل ثقيلاً على المكلّف، والسبب هو إلزامه بهذا الفعل، أو إلزامه بالترك، فيرفع سبب الثقل، وهو الإلزام بالفعل، وهو الحكم الشرعي بعبارة أخرى. فالمناسب هو أنْ يتّجه الرفع إلى الحكم الشرعي باعتبار أنّ فيه ثقل، وأنّ في رفعه امتنان على المكلّف بلا عناية، ولا توجد مسامحة عندما نقول أنّ الإلزام الشرعي مرفوع عن المكلّف لما فيه من ثقلٍ على الأمّة، ولما في رفعه من امتنانٍ عليها، وهذا تعبير صحيح وحقيقي، وليس فيه أي عناية، أو مجاز.


[1] مصباح الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للبهسودي، ج 2، ص 262.
[2] مصباح الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للبهسودي، ج 2، ص 262.
[3] مصباح الأصول، تقرير بحث السيد الخوئي للبهسودي، ج 2، ص 262.