الموضوع/ الأصول العملية/ البراءة الشرعية
ذكرنا في الدرس السابق أنّ السيّد الخوئي(قدّس سرّه) ناقش في الدليل الرابع بمناقشتين، ذكرناهما في الدرس السابق.
أمّا المناقشة الأولى التي ذكرها وهي أنّ بنائهم على أصالة العدالة، وكان اعتمادهم على هذا الطريق الذي وقع فيه احمد بن محمّد بن يحيى كان بنائهم على أصالة العدالة لا يدل على التوثيق إطلاقاً.
أقول: من الصعب جدّاً إثبات هذا الكلام ، ومن الصعب إثبات أنّ الأصحاب يبنون على أصالة العدالة، وإنّما نسب هذا الشيء إلى بعض الفقهاء كالشيخ الطوسي(قدّس سرّه) وغيره، باعتبار ظهور بعض كلماتهم في ذلك، لكنْ هناك كلمات أخرى للشيخ الطوسي(قدّس سرّه) في الخلاف، والمبسوط تنافي ذلك، على تقدير أنّ بعضهم ذهب إلى أصالة العدالة، لكنّ إثبات أنّ الأصحاب كلّهم ذهبوا إلى أصالة العدالة، ويوثّقون على أساسها، ويعتمدون على طريقٍ لرواية، وليس على روايةٍ، وإنّما يعتمدون على طريقٍ لروايةٍ بناءً منهم على أصالة العدالة، هذا يحتاج إلى إثباتٍ، وإقامة دليلٍ على أنّ هذا الاعتماد والتوثيق كان مبنيّاً على أصالة العدالة، وإلاّ، لو لم يكن هناك دليل ولا قرينة، فظاهر التوثيق والاعتماد على الطريق هو أنّه ليس مبنيّاً على أصالة العدالة.
وبعبارة أخرى: أنّ التوثيقات ظاهرة في أنّها حسّيّة، والاعتماد على الطريق ظاهر في أنّه حسّي، بأنواع الحس المعروفة، فافتراض أنّ هذا التوثيق والاعتماد مبنيٌ على الحدس هو خلاف الظاهر، وهذا الذي نقوله معناه أنّ التوثيق مبني على الحدس، وعلى قاعدة هم يسلّمون بها، ويستنبطونها من الأدلّة، وهي أصالة العدالة، ومفادها أنّ الأصل في كل من لم يظهر منه الفسق هو كونه عادلاً، وهذا يعني أنّهم استندوا في التوثيق والاعتماد إلى الحدس، لا إلى الحس، وهذا على خلاف الظاهر، وخلاف أصالة الحس التي ذكروها وسلّموا بها من أنّه عند الشك في أنّ هذا يستند إلى الحسّ، أو إلى الحدْس، فالأصل يقتضي أنْ يكون الإخبار والنقل مستنداً إلى الحسّ، لا إلى الحدس.
الاعتماد على الطريق هو في الحقيقة توثيقٌ لرجال سند ذلك الطريق، وهو ليس كالاعتماد على الرواية، فالاعتماد على الرواية يمكن أنْ يُفسر بوجوهٍ أخرى، ولا ينحصر تفسيره بوثاقة رجال سند تلك الرواية، فيمكن أنْ يكون الاعتماد على روايةٍ، وتصحيحها مستنداً إلى القرائن المعروفة التي يذكرونها، والتي توجب الوثوق بالرواية، والاطمئنان بصدقها، من قبيل نقلها في الكتب المعروفة، وشهرتها ...الخ، حتّى لو لم يكن الناقل ثقةً. لكنّ تصحيح الطريق إلى الرواية، والاعتماد عليها هو توثيق في الحقيقة لرجال سند تلك الرواية.
هذا التوثيق عندما يصدر من الأصحاب ــــ بحسب الفرض ــــ لأنّ النقل يقول أنّ هذا هو مورد اعتماد الأصحاب، وعليه معوّلهم، والإشكال الأوّل كان يقول إذا كان هذا الطريق هو مورد اعتماد الاصحاب وتعويلهم؛ حينئذ يأتي هذا السؤال: هل عوّلوا عليه استناداً إلى الحدس؟ أو استناداً إلى الحسّ؟
نقول: أنّ الأصل هو أنّ أصالة الحس في المقام جارية، وهذا الاعتماد والتعويل لابدّ أنْ يكون مبنيّاً على الحسّ، لا على مثل أصالة العدالة.
هذا إذا وصلت النوبة إلى الشك، وإلاّ، فقد قلنا بأنّ ظاهر كلماتهم أنّ توثيقاتهم واعتمادهم على الشخص ليس من باب أصالة العدالة. على أنّ هذا الكلام لو تمّ فأنّه سوف يخلق مشكلة؛ لأنّ توثيقات المتقدّمين أيضاً حينئذٍ تكون محمولة على أصالة العدالة، فنفترض أنّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) نفسه عندما يوثّق فأنّه يوثق بناءً على أصالة العدالة، وهذا معناه أننّا لا نستطيع العمل بتوثيقات الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) ولا بتوثيقات النجاشي، إذا كان بناء الأصحاب على أصالة العدالة، وأنّهم يعتمدون على السند، وعلى الراوي الواقع في السند اعتماداً على أصالة العدالة، فأي فرقٍ بين هذا وبين توثيق النجاشي لشخص، ليكن توثيق الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) أيضاً نجري فيه هذه القاعدة، ونقول بأنّ هذا التوثيق مبنيٌ على أصالة العدالة، وهذا بالنتيجة ينتج لنا أننا لا نستطيع أنْ نعتمد على توثيقات المتقدّمين، ولا على توثيقات المتأخرين.
هذا الكلام إنّما يكون له وجه ظاهر ــــ وإنْ كان غير تام ــــ عندما يقال في حق المتأخّرين، كما هو ناقش في الدليل الثاني، والدليل الثالث المتقدّمين، حيث ناقش في أنّ هذا مبنيٌ على أصالة العدالة، تصحيح العلاّمة(قدّس سرّه) المتقدّم لسند رواية، أو توثيق الشيخ البهائي(قدّس سرّه)، أو توثيق الشهيد الثاني(قدّس سرّه) في الدراية لأحمد بن محمد بن يحيى العطّار، ناقش في ذلك، قال أنّ هذه التوثيقات مبنيّة على أصالة العدالة، هذا يمكن تصوّره؛ لأنّه هو يدّعي بأنّ هؤلاء ليست لهم طرق إلى الأصول، والكتب الرجالية، إلاّ ما يمرّ من خلال الشيخ الطوسي(قدّس سرّه)، فنحن لا نحتمل أنّ الشيء وصل إليهم، ولم يصل إلى الشيخ الطوسي(قدّس سرّه)، (وهذه الدعوى ستأتي مناقشتها) بناء على هذه الدعوى يمكن أنْ نقول بأنّ هذا التوثيق من العلامة(قدّس سرّه) لابدّ أنْ يكون حدْسياً؛ لأنّنا لا نحتمل أنْ يكون الشيء وصله حسّيّاً، واعتمد عليه في التوثيق، وإلاّ، لو كان واصلاً إليه، لكان واصلاً إلى الشيخ الطوسي(قدّس سرّه)، فيأتي فيه احتمال الحدّسية، فيقال ـــ مثلاً ــــ العلامة اعتمد على أصالة العدالة في توثيق الشخص، هذا يمكن طرحه في توثيقات المتأخّرين، أمّا توثيقات المتقدّمين فلا معنى لأنْ نقول أنّه توثيق اعتماداً على سند روايةٍ، فهذا التوثيق والاعتماد لابدّ أنْ يكون مستنداً إلى الحس، ولا يكون مستنداً إلى الحدْس، كما هو الحال في توثيقات المتقدّمين، ولو وصلت النوبة إلى الشك؛ فحينئذٍ يكفينا أصالة الحسّ التي تثبت أنّ الاعتماد على الحسّ، وليس على أساس أصالة العدالة. هذا الأمر الأوّل.
أمّا بالنسبة إلى الأمر الثاني: الإشكال الثاني الذي ذكره كان حاصله يقول: بأنّ اعتماد الأصحاب على الطريق الذي وقع فيه احمد بن محمد بن يحيى إنّما يتمّ فيما إذا انحصرت رواية احمد بن محمد بن عيسى لكتب أبني سعيد بهذا الطريق الذي فيه احمد بن محمد بن يحيى، فيكون اعتمادهم على رواية احمد بن محمد بن عيسى لهذه الكتب دليلاً على اعتمادهم على هذا الطريق، وبالتالي اعتمادهم على احمد بن محمد بن يحيى العطار، أمّا مع عدم الانحصار، كما هو الواقع؛ لأنّ ابن نوح ذكر طريقين، أحدهما طريق صحيح لا إشكال فيه، وهو الطريق الأوّل، والثاني هو الذي وقع فيه احمد بن محمد بن يحيى العطار، يقول: مع عدم الانحصار لا توجد دلالة على التعويل على كلا الطريقين، لعلّهم عوّلوا على الطريق الأوّل الصحيح، وذكروا الثاني من باب التأييد.
المستظهر من العبارة هو أنّ ما يرويه احمد بن محمد بن عيسى من كتب الحسين والحسن ابنا سعيد هو الذي عوّلوا عليه بكلا الطريقين، ولا داعي لتخصيص أحد الطريقين دون الطريق الآخر، فالعبارة لا يظهر منها ذلك، ونسبة التعويل وبناء الأصحاب إلى كلٍ من الطريقين نسبة واحدة، فأنْ نخصص التعويل بخصوص الطريق الأوّل؛ لأنّه صحيح عندنا دون الطريق الثاني؛ لأننا نشكّك في صحّته، هذا خلاف ظاهر العبارة، فظاهر العبارة هو أنّ التعويل على ما يرويه احمد بن محمد بن عيسى قد عوّل عليه الأصحاب بهذين الطريقين الذين ذكرهما ابن نوح. هذا هو الذي يمكن أنْ يُستظهر من العبارة.
بعد ذلك نقول: بأنّه في محل الكلام الوجوه الأولى التي ناقش فيها وهي شيخوخة الإجازة، وتصحيح العلاّمة لطريق وقع فيه، وتوثيق الشهيد الثاني، والشيخ البهائي، عمدة مناقشته هي أنّ توثيقات هؤلاء هي من توثيقات المتأخّرين، وتوثيقات المتأخّرين حدْسية، وليست حسّيّة، كما أشرنا قبل قليل.
هذا المطلب حتّى في المتأخّرين هو محل تأمّل، فضلاً عن أنْ يكون التوثيق والاعتماد من قِبل الأصحاب، إذ ليس واضحاً أنّ المتأخّرين لا يملكون طرقاً إلى الكتب، هذا ليس واضحاً؛ بل يمكن الاعتماد على توثيقات المتأخّرين، وحملها على أنّها توثيقات حسيّة لا حدْسية، وذلك بأنْ نقول: أنّ دعوى العلم والاطمئنان بأنّ توثيقاتهم حدْسية، هذا في الحقيقة ممنوع، ومن الصعب جدّاً حصوله، وذلك بعد الالتفات إلى أمور:
الأمر الأوّل: نلتزم بأنّ طرقهم كلها تنتهي إلى الشيخ الطوسي(قدّس سرّه)، لكنّ هذا التوثيق وصل إلى الشيخ الطوسي(قدّس سرّه)، لكنّ الشيخ الطوسي لم يذكره، وانتقل من الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) حتّى وصل إلى المتأخّرين كالعلاّمة وغيره، لكنّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) لم يذكره: إمّا غفلة وسهواً، وهذا ليس بعيداً، وإمّا لم يذكره عمداً؛ لأنّه لا يرى بأنّ هذا داخل في موضوع كتابه، ـــ مثلاً ـــ كتاب(الفهرست) هو كتاب للمصنفين، فلا معنى لأنْ يذكر فيه من ليس له مصنَّف، وليس له كتاب، ومن باب الاتفاق أنّ محل كلامنا هو من هذا القبيل، وهو احمد بن محمد بن يحيى العطار الذي ليس له كتاب، فيمكن أنْ يكون توثيق احمد بن محمد بن يحيى العطار وصل إلى الشهيد وإلى العلاّمة من خلال الشيخ الطوسي، ولا نقول أنّ لهم طرق أخرى خارج دائرة الشيخ الطوسي، لكنّ الشيخ الطوسي لم يذكره عمداً؛ لأنّه لا يدخل في موضوع كتابه، إذن: يمكن أنْ يكون الشيخ الطوسي لم يذكره سهواً وغفلة، ووصل إلى هؤلاء فذكروه؛ وحينئذٍ يكون من الصعب جدّاً أنْ نجزم بأنّ توثيقهم حدْسي، أو أنّه لم يذكره عمداً لما قلناه قبل قليل، هذا ممكن.
الأمر الثاني: من قال أنّ طرق جميع المتأخّرين لابدّ أنْ تنتهي كلها إلى الشيخ الطوسي، بحيث ليس لهم سبيل لمعرفة التوثيقات والتضعيفات والأمور الأخرى، إلاّ من خلال الشيخ الطوسي؟ فهذا ليس واضحاً، وليس مُستدَلاً عليه؛ بل يظهر أنّ العلامة في(الخلاصة) ينقل عن بعض الكتب الرجالية التي قد لا تكون واصلة إليه من خلال الشيخ الطوسي. على كل حالٍ، الجزم بأنّ توثيقات المتأخّرين كلّها حدْسية، ودعوى الاطمئنان بذلك، لعلّها ليس في محلّها؛ إذ من الصعب حصول هذا الجزم، أو الاطمئنان بأنّها حدْسية. طبعاً كلامنا ليس في هذا، وإنّما في توثيقات المتقدّمين واعتماد الأصحاب على هذا الطريق، وهذا لا معنى لأنْ يقال بأنّه مستند إلى أمرٍ حدْسي، فهذا يحتاج إلى إثبات أنّ الأصحاب يذهبون إلى أصالة العدالة، وهذا من الصعب جدّاً إثباته، وحمله على الحدْسية خلاف الظاهر، وخلاف أصالة الحسّ.
هذا بالنسبة إلى الوجه الرابع، وتبيّن أنّه لا بأس بالاستناد إليه لإثبات وثاقة احمد بن محمد بن يحيى العطار.
هناك طريق آخر ذكره بعض المحقّقين لإثبات وثاقة احمد بن محمد بن يحيى العطار، وهذا الطريق يتلخّص في أنّه إذا راجعنا كتاب الاستبصار ـــــ مثلاً ـــــ سنجد أنّ هناك سند يتكرّر كثيراً، السند هو(الشيخ الطوسي، عن الحسين بن عبيد الله الغضائري، عن احمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه) وبإصرار من قبل الشيخ في تكرار هذا السند.
فيُدّعى: أنّ الشيخ لو لم تكن عنده شهادة حسّيّة بوثاقة احمد بن محمد بن يحيى العطار، لما أقتصر على هذا السند في هذه الروايات الكثيرة؛ لأنّه يملك طريقاً صحيحاً، ولا إشكال في صحّته إلى محمد بن يحيى العطار، وهو الطريق الذي ذكره في مشيخة التهذيب، وهو(عن المفيد، عن ابن قولويه، عن الكليني، عن محمد بن يحيى العطار)
[1]
هو يملك هذا الطريق، وهو طريق في أعلى درجات الصحّة، مع ذلك في الاستبصار وفي روايات كثيرة يصر على ذكر هذا السند، وهذا الإصرار على هذا السند لا يمكن أنْ يُبرّر مع افتراض عدم ثبوت وثاقة احمد بن محمد بن يحيى العطار عند الشيخ الطوسي بنحو الحسّ، وإلاّ، لماذا يذكر هذا السند بإصرار في جميع الروايات؟
فإنْ قيل: بأنّ الطريق الذي ذكره في المشيخة يختصّ بما يرويه في التهذيبين من كتب محمد بن يحيى العطار، كما هي عادته في التهذيب. ومن قال أنّ هذه الروايات التي ذُكرت هي مأخوذة من كتاب محمد بن يحيى العطار؛ بل ظاهر السند الذي ذكرناه في هذه الروايات الكثيرة أنّه ليس كذلك، وأنّ الظهور الأوّلي أنّه يبدأ السند هكذا:(عن الحسين بن عبيد الله الغضائري، عن احمد بن محمد بن يحيى العطار، عن أبيه) والظاهر من هذا أنّه لم يأخذها عن كتابه. فإذن: السند الذي يذكره في المشيخة هو السند للروايات التي ينقلها عن كتاب محمد بن يحيى العطار؛ حينئذٍ كيف يمكن في المقام أنْ نقول أنّ الشيخ يمتلك طريقاً إلى محمد بن يحيى العطار غير هذا الطريق؟ ومن اعتماده على هذا الطريق، وإصراره عليه مع أنّه يمتلك طريقاً صحيحاً لا إشكال في صحّته، يُستكشف اعتماده على احمد بن محمد بن يحيى العطار؟
والجواب عنه: أنّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) في هذه الروايات الكثيرة الذي كان طريقه فيها عن الغضائري، عن احمد بن محمد بن يحيى العطار، عن أبيه، أيضاً أخذ الرواية من كتاب محمد بن يحيى العطار، وذلك لهذه النكتة، وهي: أنّه لا يوجد في هذا السند قبل محمد بن يحيى العطار، ولا بعده من له كتاب ينقل عنه الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) سوى محمد بن يحيى العطار. أمّا قبل محمد بن يحيى العطار فواضح؛ لأنّ الذي قبله هو الحسين بن عبيد الله الغضائري، والشيخ الطوسي(قدّس سرّه) في هذه الروايات يقول: (أخبرني) أي أنّه لم يأخذها من كتابه، فإذن: هي ليست مأخوذة من كتابٍ للحسين بن عبيد الله الغضائري، على أنّه غير معروف أنّ له كتاب. ولا من احمد بن محمد بن يحيى العطار؛ لأنّه ليس له كتاب. أمّا مَنْ بعده فيختلف باختلاف الروايات، وليس هو راوٍ معيّن حتّى نقول أنّه أخذ هذه الروايات كلّها من كتاب شخصٍ معيّن، لا يوجد في سند هذه الروايات الكثيرة التي تشترك في هذا المقطع الأوّل منها الذي هو:(الغضائري، عن احمد بن محمد بن يحيى العطار، عن أبيه)، والظاهر من ذلك أنّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) أخذ هذه الروايات من كتاب محمد بن يحيى العطّار. فالسند الذي يذكره في المشيخة يشمل حتّى هذه الروايات؛ لأنّها مأخوذة من كتاب محمد بن يحيى العطار. فيتم الاستدلال.
وبمراجعة بسيطة لكتاب الاستبصار بمقدار مائة صفحة تقريباً تمّ مراجعتها تبيّن أنّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) يذكر خمسة وعشرون رواية سندها هو(أخبرني الحسين بن عبيد الله، عن احمد بن محمد بن يحيى العطار، عن أبيه) ثمّ يتغيّر السند بعد ذلك. فبناءً على ما تقدّم من أنّ هذه الروايات مأخوذة من كتاب محمد بن يحيى العطار، وسنده إلى الكتاب هو هذا، والحال أنّه ذكر في المشيخة سنداً صحيحاً إلى كتاب محمد بن يحيى العطار، فهذا يكشف عن أنّ الشيخ(قدّس سرّه) قد ثبتت عنده وثاقة احمد بن محمد بن يحيى العطار، وإلاّ، ليس هناك مبرّر لتركه ذلك الطريق الذي هو في أعلى درجات الصحّة، وذكره لهذا الطريق.
ونفس هذا الاستدلال يمكن أنْ يُطبّق على الفرد الآخر الذي هو ليس محل كلامنا فعلاً، والذي هو احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد. أيضاً في الاستبصار، وفي هذه المائة صفحة التي راجعناها روى عنه الشيخ(قدّس سرّه) أكثر من هذا الطريق الأوّل، حيث روى عنه في هذا المقدار خمسة وستون رواية، أو أكثر، سندها هو( أخبرني الشيخ(رحمه الله) عن احمد بن محمد، عن أبيه) والمراد بالشيخ هو الشيخ المفيد(قدّس سرّه)، والمقصود بأحمد بن محمد هو احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وقد تكرر هذا السند خمسة وستون مرّة في مائة صفحة، والحال أنّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) يملك طريقاً صحيحاً إلى محمد بن الحسن بن الوليد، كما ذكره في المشيخة بشكلٍ واضحٍ جدّاً، وهو(المفيد، عن الشيخ الصدوق، عن محمد بن الحسن بن الوليد)
[2]
وهنا أيضاً نطبّق نفس الفكرة وهي أنّ الشيخ أخذ الروايات من كتاب محمد بن الحسن بن الوليد؛ لأنّ من وقع قبله هو عبارة عن الشيخ المفيد، واحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وقال عن الشيخ المفيد(أخبرني الشيخ رحمه الله) فإذن: هو لم يأخذه من كتابه، وإنّما سماع. كما أنّ احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ليس له كتاب، وما بعد محمد بن الحسن بن الوليد يختلفون باختلاف الروايات الكثيرة، فالظاهر أنّه أخذها من كتاب محمد بن الحسن بن الوليد الذي يملك طريقاً إليه كما ذكره في المشيخة، فترك هذا الطريق الصحيح الذي لا إشكال في صحّته، والإصرار على هذا الطريق ليس له تفسير إلاّ أنّ وثاقة احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ثابتة عنده.
[1]
تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج 10، صفحة 33.
[2]
تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج 10، صفحة 75.