الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: احياء الموات

(مسألة 707): يجوز لكل أحد إحياء الموات بالأصل و الظاهر أنه يملك به من دون فرق بين كون المحيي مسلما أو كافرا (1)

1-كان الكلام في بيان حال الكابلي، والدليل الذي استقربناه على وثاقته رواية الشيخ المفيد في الاختصاص ونقلها الكشي في كتابه عن مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ، قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عِيسَى، عَنْ صَفْوَانَ، عَمَّنْ سَمِعَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ‌ ((ارْتَدَّ النَّاسُ بَعْدَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ (ع) إِلَّا ثَلَاثَةً أَبُو خَالِدٍ الْكَابُلِيُّ وَ يَحْيَى ابْنُ أُمِّ الطَّوِيلِ وَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ لَحِقُوا وَ كَثُرُوا))[1] وقلنا بان سندها لا بأس به فمحمد بن نصير ثقة فإن (محمد وحمدويه وابراهيم) اولاد نصير ثقات، ومحمد بن عيسى بن عبيد ثقة على التحقيق، والارسال في الرواية لا يضر بعد كون المرسل صفوان، ويبدو أن جعفر بن عيسى اخو محمد بن عيسى وقد روى الكشي رواية يستفاد منها حسنه على الأقل وهذا يكفي في مقام الاعتماد على ما يرويه

فقد روى الكشي في عنوان يونس بن عبد الرحمن عن حَمْدَوَيْهِ وَ إِبْرَاهِيمُ، قَالا حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْعُبَيْدِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْجَبَلِيَ‌ وَ هُوَ الْمَشْرِقِيُّ، يَقُولُ‌: اسْتَأْذَنْتُ لِجَمَاعَةٍ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ (ع) فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَ تِسْعِينَ وَ مِائَةٍ، فَحَضَرُوا وَ حَضَرْنَا سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا عَلَى بَابِ أَبِي الْحَسَنِ الثَّانِي (ع)، فَخَرَجَ مُسَافِرٌ فَقَالَ: آلُ يَقْطِينٍ وَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ! وَ يَدْخُلُ الْبَاقُونَ رَجُلًا رَجُلًا، فَلَمَّا دَخَلُوا وَ خَرَجُوا:

خَرَجَ مُسَافِرٌ فَدَعَانِي وَ مُوسَى وَ جَعْفَرَ بْنَ عِيسَى وَ يُونُسَ، فَأُدْخِلْنَا جَمِيعاً عَلَيْهِ وَ الْعَبَّاسُ قَائِمٌ نَاحِيَةً بِلَا حِذَاءٍ وَ لَا رِدَاءٍ، وَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ أَبِي السَّرَايَا، فَسَلَّمْنَا ثُمَّ أَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ، فَلَمَّا جَلَسْنَا، قَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ عِيسَى: يَا سَيِّدِي نَشْكُو إِلَى اللَّهِ وَ إِلَيْكَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَصْحَابِنَا! فَقَالَ وَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْهُمْ فَقَالَ جَعْفَرٌ:

هُمْ وَ اللَّهِ يَا سَيِّدِي يُزَنْدِقُونَا وَ يُكَفِّرُونَا وَ يَتَبَرَّءُونَ مِنَّا، فَقَالَ: هَكَذَا كَانَ أَصْحَابُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ أَصْحَابِ جَعْفَرٍ وَ مُوسَى (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) وَ لَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ زُرَارَةَ يُكَفِّرُونَ غَيْرَهُمْ، وَ كَذَلِكَ غَيْرُهُمْ كَانُوا يُكَفِّرُونَهُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي نَسْتَعِينُ بِكَ عَلَى هَذَيْنِ الشَّيْخَيْنِ يُونُسَ وَ هِشَامٍ! وَ هُمَا حَاضِرَانِ، فَهُمَا أَدَّبَانَا وَ عَلَّمَانَا الْكَلَامَ، فَإِنْ كُنَّا يَا سَيِّدِي‌

عَلَى هُدًى فَفُزْنَا، وَ إِنْ كُنَّا عَلَى ضَلَالٍ فَهَذَانِ أَضَلَّانَا، فَمُرْنَا نَتْرُكُهُ‌ وَ نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ، يَا سَيِّدِي فَادْعُنَا إِلَى دِينِ اللَّهِ نَتَّبِعْكَ! فَقَالَ (ع): مَا أُعَلِّمُكُمْ إِلَّا عَلَى هُدًى، جَزَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الصُّحْبَةِ الْقَدِيمَةِ وَ الْحَدِيثَةِ خَيْراً، فَتَأَوَّلُوا الْقَدِيمَةَ عَلِيَّ بْنَ يَقْطِينٍ، وَ الْحَدِيثَةَ خِدْمَتَنَا لَهُ، وَ اللَّهُ أَعْلَمُ.

فَقَالَ جَعْفَرٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ صَالِحاً وَ أَبَا الْأَسَدِ خِصِّيَّ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ حَكَيَا عَنْكَ: أَنَّهُمَا حَكَيَا لَكَ شَيْئاً مِنْ كَلَامِنَا! فَقُلْتُ لَهُمَا: مَا لَكُمَا وَ الْكَلَامِ يُثْنِيكُمْ إِلَى الزَّنْدَقَةِ! فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا قُلْتُ لَهُمَا ذَلِكَ، أَنَا قُلْتُ ذَلِكَ! وَ اللَّهِ مَا قُلْتُ لَهُمَا.

وَ قَالَ يُونُسُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّا زَنَادِقَةٌ! وَ كَانَ جَالِساً إِلَى جَنْبِ رَجُلٍ وَ هُوَ مُتَرَبِّعٌ رِجْلًا عَلَى رِجْلٍ وَ هُوَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ يُمَرِّغُ وَجْهَهُ وَ خَدَّيْهِ عَلَى بَاطِنِ قَدَمِهِ الْأَيْسَرِ، فَقَالَ لَهُ: أَ رَأَيْتَكَ لَوْ كُنْتَ زِنْدِيقاً فَقَالَ لَكَ هُوَ مُؤْمِنٌ مَا كَانَ يَنْفَعُكَ مِنْ ذَلِكَ، وَ لَوْ كُنْتَ مُؤْمِناً فَقَالُوا هُوَ زِنْدِيقٌ مَا كَانَ يَضُرُّكَ مِنْهُ.

وَ قَالَ الْمَشْرِقِيُّ لَهُ: وَ اللَّهِ مَا تَقُولُ إِلَّا مَا يَقُولُ آبَاؤُكَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ: عِنْدَنَا كِتَابٌ سَمَّيْنَاهُ كِتَابَ الْجَامِعِ فِيهِ جَمِيعُ مَا تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ عَنْ آبَائِكَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَ إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ شَبِيهاً بِهَذَا الْكَلَامِ، فَأَقْبَلَ عَلَى جَعْفَرٍ، فَقَالَ: فَإِذَا كُنْتُمْ لَا تَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِ آبَائِي عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَبِكَلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ تُرِيدُونَ أَنْ تَتَكَلَّمُوا قَالَ حَمْدَوَيْهِ: هِشَامٌ الْمَشْرِقِيُّ هُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَغْدَادِيُّ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ وَ قُلْتُ ثِقَةٌ هُوَ فَقَالَ ثِقَةٌ ثِقَةٌ، قَالَ وَ رَأَيْتُ ابْنَهُ بِبَغْدَادَ)[2]

وهذه الرواية تامة سنداً وفيها دلالة على ازيد من كونه ممدوح وحسن،

وبهذا تصح روايتنا -كما عبر كثير من الفقهاء- وإن ناقش السيد الخوئي (قده) في رواية الكشي التي استقربنا دلالتها على وثاقة الكابلي بانها ليست ظاهرة الا في حسن العقيدة

وتبقى مسألة التعدد والاتحاد، فبناء على الاتحاد تثبت الوثاقة بلا اشكال، واما على القول بالتعدد فقد يستشكل في الرواية باعتبار اننا لا نعلم هل أن ابا خالد في روايتنا من الذين لم يرتدوا وبقوا متمسكين بعقيدتهم او انه الاصغر الذي لا دليل على وثاقته

ونحن نميل الى التعدد لانه صريح كلام الشيخ في الرجال وقد كرره اكثر من مرة، ولا يمكن رفع اليد عن هذه الصراحة بكلام منقول عن الفضل يظهر منه الاتحاد

وللتغلب على هذه المشكلة نتمسك بما ذكره السيد الخوئي (قده) من أن ابا خالد عند الاطلاق ينصرف الى المعروف المشهور صاحب الكتاب وهو الكبير صاحب الامام السجاد، وبهذا يمكن تصحيح هذه الرواية، بل في كل رواية يرد فيها ابو خالد عن الامام الباقر فهو وإن كان يحتمل أن يراد به الاصغر الا انه ينصرف الى الاكبر

وذكرنا بأن هذا الدليل الثاني يختلف عن الدليل الاول بانه خاص بالمسلمين، فاما ان نقول بان الرواية لها مفهوم فهي تنفي ثبوت ذلك لغير المسلمين او نقول بانها تثبته للمسلمين ولا تدل على ثبوته لغيرهم

الدليل الثالث: صحيحة عمر بن يزيد قال : سمعت رجلاً من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخذ أرضاً مواتاً تركها أهلها فعمّرها وكرى أنهارها وبنى فيها بيوتاً وغرس فيها نخلاً وشجراً ؟ قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ((كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من أحيى أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤدّيه إلى الإِمام في حال الهدنة ، فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه))[3]

ولا يبعد ان يكون ما ينقله الامام عن امير المؤمنين في هذه الرواية متحد مع ما ينقله الامام عنه في رواية الكابلي، فالظاهر ان ما صدر من الامام كلام واحد فهذه الرواية ناظرة الى نفس ما نظرت اليه تلك الرواية، ويمكن جعل هذا قرينة على أن المراد بالمؤمنين المسلمين، وهي ظاهرة في اختصاص الاذن بالمؤمنين فيتحد مفادها مع صحيحة الكابلي

ثم ان الرواية عبرت (من أحيى أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طسقها) وعليه لا يمكن تفسير اللام بالتمليك، إذ معه لا معنى لقوله (عليه طسقها) فيكون مفادها الاختصاص والاولوية

الدليل الرابع: صحيحة مسمع بن عبد الملك ـ في حديث ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم ، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم ، وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها وهي حقّك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا ، فقال : ((ومالنا من الأرض وما أخرج الله منها إلاّ الخمس ؟! يا أبا سيّار ، الأرض كلّها لنا ، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا ، قال : قلت له : أنا أحمل إليك المال كلّه ؟ فقال لي : يا أبا سيّار ، قد طيبناه لك وحللناك منه فضمّ إليك مالك ، وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ، ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم ، فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة))[4]

ويفهم منها ان كسب غير الشيعة حرام بخلاف الشيعة فان كسبهم حلال ولا يؤخذ منهم الخراج

وهي صريحة في تحليل الارض للشيعة، فالمسلم الشيعي مأذون له في احياء الارض وفي ثبوت حق الاختصاص ولا يؤخذ منه الخراج والطسق بل محلل له ذلك، بينما المسلم غير الشيعي مأذون له في الاحياء ويترتب على الاحياء حق الاختصاص والاولوية ولكن يؤخذ منه الخراج والطسق

ودلالة الرواية على عدم اخذ الطسق من الشيعة واضحة بالاضافة الى قوله ((فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم)) فيفهم منها ان الشيعة لا يؤخذ منهم الطسق

وبناء على هذا نقول ان مفادها لا ينافي مفاد صحيحة الكابلي الدالة على الاذن وثبوت الاختصاص لغير الشيعة من المسلمين، فهي لا تنافيها لتعدد الموضوع فتلك ناظرة الى الاذن وهذه ناظرة الى التحليل للشيعة من اداء الخراج

والرواية ليس فيها دلالة على عدم الاذن لغير الشيعة حتى تكون منافية لصحيحة الكابلي

 


[1] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي، الشيخ الطوسي، ج1، ص123.
[2] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي، الشيخ الطوسي، ج1، ص499.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص549، أبواب الأنفال وما يختص بالامام، باب4، ح13، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص548، أبواب الأنفال وما يختص بالامام، باب4، ح12، ط آل البيت.