الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

43/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ ديات الحمل/

(مسألة 384): لو أُسقط الجنين قبل ولوج الروح فلا كفّارة على الجاني، وأمّا لو أسقطه بعد ولوج الروح فالمشهور أنّ عليه الكفّارة، وفيه إشكال، ولا يبعد عدمها (1)

(مسألة 387): في قطع أعضاء الجنين قبل ولوج الروح وجراحاته دية على نسبة ديته، ففي قطع إحدى يديه مثلاً خمسون ديناراً، وفي قطع كلتيهما تمام ديته مائة دينار(2)

(مسألة 388): لو أفزع شخصاً حال الجماع فعزل منه المني في الخارج فعليه عشرة دنانير(3)، ولو عزل الرجل عن امرأته الحرّة بدون إذنها قيل: لزمه عشرة دنانير، ولكن لا وجه له، بل الأظهر أنّه ليس عليه شي‌ء

 

    1. ذكرنا بأن هذه المسألة فيها فرعان:

الفرع الاول: لو اسقط الجنين قبل ولوج الروح فلا كفّارة على الجاني، وقلنا بأن هذا لا اشكال فيه لعدم صدق عنوان القتل قبل ولوج الروح

الفرع الثاني: لو أسقطه بعد ولوج الروح وذهب المشهور الى وجوب الكفارة في هذا الفرض

واستشكل السيد الماتن في ما ذهب اليه المشهور بأن المأخوذ في أدلة الكفارة هو عنوان قتل المؤمن او قتل الرجل وهذان العنوانان لا يصدقان على الجنين بل ذكر السيد الماتن انهما لا يصدقان على الصبي غير المميز، نعم الدليل على وجوب الكفارة فيه هو الاجماع

ولكن يبدو أن هناك رواية فيها دلالة على وجوب الكفارة في اسقاط الجنين

وهي معتبرة طلحة بن زيد ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهما‌السلام في امرأة حبلى شربت دواء فأسقطت قال : ((تكفر عنه))[1] والظاهر ان سندها تام فإن سند الشيخ الصدوق الى طلحة بن زيد صحيح كما في مشيخة الفقيه، وطلحة ثقة وإن كان عامياً -كما يظهر ذلك من تعبيره في روايتنا عن الامام بجعفر بن محمد وهو تعبير معتاد عند العامة- فقد ذكر الشيخ الطوسي بأن كتابه معتمد وكذا ذكر بأن شهر اشوب

ونحن نرى الملازمة بين الاعتماد على الكتاب والاعتماد على الشخص، فلا معنى للاعتماد على الكتاب من دون الاعتماد على الشخص، بخلاف رواية كتاب شخص فلا دلالة فيها على توثيقه

وقد روى عنه صفوان بن يحيى بسند معتبر في موضعين كما في الكافي والتهذيب وهذا يكفي لإثبات وثاقته

ومن هنا يبدو أن السند تام

وقد يقال بأنه يمكن توثيقه برواية صاحب نوادر الحكمة عنه فقد روى محمد بن احمد بن يحيى عنه في الكافي[2]

الا أن هذا غير تام لأن رواية محمد بن احمد بن يحيى عن طلحة بن زيد وهو من أصحاب الامام الباقر والصادق (عليهما السلام) بعيدة لإختلاف الطبقة

ثم أن من يؤمن بتلك الكبرى يشترط أن يروي عنه مباشرة وفي كتاب نوادر الحكمة، فإن الدليل على هذا التوثيق هو ما ذكره الشيخ النجاشي من أن ابن الوليد استثنى جماعة من رجال نوادر الحكمة، ونفهم من هذا ان عدم استثناءه لشخص دليل توثيقه لانه استثنى اشخاصاً باسمائهم ولم يستثن عناوين

والطريق الوحيد لاثبات أنه يروي عنه في كتاب نوادر الحكمة هو رواية الشيخ عنه في التهذيب، فإن ابتدأ الشيخ السند بمحمد بن احمد بن يحيى عن فلان نفهم انه يروي عنه في نوادر الحكمة لانه حين يبدأ السند باسمه فهو يأخذ الرواية من كتابه، وهذا غير متحقق في المقام إذ لعل الرواية شفاهية بأن حدث بها صاحب النوادر احمد بن محمد بن عيسى او ابن خالد البرقي

واذا قلنا بأن الرواية فيها اطلاق فلا بد من تقييد اطلاقها بما بعد ولوج الروح باعتبار الادلة المتقدمة الدالة على ان موضوع الكفارة هو القتل وهو لا يصدق الا بعد ولوج الروح

واما اذا شككنا بوجود اطلاق فيها باعتبار ان القضية فيها اشبه بالقضية الخارجية فيقتصر فيها على القدر المتيقن وهو ما بعد ولوج الروح

نعم لم تتعرض الرواية للدية، لكن هذا لا يمنع من الاستدلال بها على وجوب الكفارة، ولعل الامام لم يتعرض له لكونه امراً واضحاً في مجلس الخطاب فتعرض للأمر الخفي، كما انها لا تنافي الروايات السابقة المستدل بها على أن الكفارة تجب اذا قتل مؤمناً او قتل رجلاً لما اشرنا اليه من ان الآية وتلك الروايات لا مفهوم لها

وما يوقف الانسان عن الالتزام بها ان يدعى الاجماع على عدم الكفارة في المقام فإن تم الاجماع نضطر الى حمل الرواية على الاستحباب، واعتقد بأن الاجماع غير تام في المقام

2-لأن في قطع يد الحي نصف الدية وفي قطع يديه تمام الدية وهذه النسبة بنفسها تؤخذ بالنسبة للجنين، وكذلك الجراحات ففي خارصة الجنين دينار لما تقدم من أن في الخارصة بعير وهو جزء من مئة من الدية

وفي معتبرة ظريف إشارة الى هذا ((وقضى في دية جراح الجنين من حساب المائة على ما يكون من جراح الذكر والانثى والرجل والمرأة كاملة، وجعل له في قصاص جراحته ومعقلته على قدر ديته وهي مائة دينار))[3]

3-الظاهر ان هذا حكم اتفاقي بل عن الانتصار والخلاف والغنية الاجماع عليه وتدل عليه معتبرة ظريف ((وأفتى عليه‌السلام في مني الرجل (يفرغ عن) عرسه فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك نصف خمس المائة عشرة دنانير))[4]

وطرح السيد الماتن بحثا في أن هذه الدية هل هي للزوج او للزوجة، ونقل عن الشيخ الطوسي في الخلاف انها تعطى للزوجة، وذكر هو بأن الزوج يستحقها، وعبارة الخلاف ليست صريحة في ذلك، ولعله فهم رأيه من عطفه في الخلاف مسألة ما اذا عزل الرجل عن زوجته الحرة بغير اختيارها فإن عليه عشرة دنانير على مسألتنا، فقد يفهم من هذا ان العشرة دنانير التي تجب على المفزع تعطى للزوجة في مسألتنا ايضاً

وعلى كل حال فقد استدل السيد الماتن على رأيه بأن الدية يستحقها الزوج بما دل على أن ماء الرجل ملك له يصرفه حيث يشاء كما في صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن العزل؟ فقال : ((ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء))[5]

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن العزل؟ فقال : ((ذاك إلى الرجل))[6]

وسيتضح الكلام في هذا في الفرع الثاني من هذه المسألة عند قول المصنف (ولو عزل الرجل عن امرأته الحرّة بدون إذنها قيل: لزمه عشرة دنانير، ولكن لا وجه له، بل الأظهر أنّه ليس عليه شي‌ء) فإنه من توابع هذا النزاع فهل الماء للرجل يضعه حيث يشاء او انه تستحقه المرأة، ويرتبط بمسألة اخرى وهي هل ان العزل من دون رضا الزوجة حرام او لا، فيأتي البحث حول الملازمة بين الحرمة والكفارة بحيث تنتفي الكفارة لو انتفت الحرمة


[1] وسائل الشيعة: 22/374، الباب الحادي عشر من أبواب الكفارات ح1.
[2] الكافي: 2/600.
[3] وسائل الشيعة: 29/313، الباب التاسع عشر ح1.
[4] وسائل الشيعة: 29/312، الباب19 من أبواب ديات الأعضاء ح1.
[5] وسائل الشيعة: 20/149، الباب الخامس والسبعون من أبواب مقدمات النكاح وادابه ح1.
[6] وسائل الشيعة: 20/149، ح2.