الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/11/17

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ديات الشجاج والجراح / أقسام الشجاج

 

(مسألة 375): إذا انشقّت الشفة العليا أو السفلى حتّى يبدو منها الأسنان ثمّ برأت والتأمت ففيه خمس ديتها (1)، وإن أُصيبت الشفة العليا فشينت شيناً قبيحاً فديتها مائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار (2)، وإن أُصيبت الشفة السفلى وشينت شيناً قبيحاً فديتها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار (3)

(مسألة 376): في احمرار الوجه باللطمة دينار ونصف، وفي اخضراره ثلاثة دنانير و في اسوداده ستّة دنانير (4)، وإن كانت هذه الأُمور في البدن فديتها نصف‌ ما كانت في الوجه (5)

هذا هو الموجود في الرواية التي ينقلها في الكافي ولكن الموجود في التهذيب والفقيه ان الدية هي مئة وستة وستون دينارا وثلثا دينار، ورجح العلامة المجلسي ما في التهذيب والفقيه على ما في الكافي، وذكرنا بأن ما ذكره من أمور لا يبرر هذا الترجيح، ويظهر من السيد الماتن انه يرجح ما في الكافي على ما في التهذيب والفقيه وليس وجهه واضحاً، ولا بد ان يوجه بأضبطية الشيخ الكليني من الشيخ الطوسي حتى إذا اجتمع معه الشيخ الصدوق وهذه دعوى تحتاج الى إثبات

ويمكن أن يكون السيد الماتن ناظراً الى أن نقل الرواية حيث انه متعارض ولا مرجح فيتساقط النقلان والاصل يقتضي ما ذكره السيد الماتن لأن الزائد ينفى بالأصل

ولكن المئة والثلاثة وثلاثين دينارا وثلث لا تتعين بكونها الدية في المقام وانما باعتبار انها ثبتت بالأصل العملي ففي مقام العمل لا يجب عليه ان يدفع الأزيد

3- هذا هو الموجود في معتبرة ظريف المتقدمة (وإن اصيبت فشينت شينا قبيحا فديتها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار)[1] ولكن يلاحظ ان الرواية بعد ان تذكر ذلك تقول وذلك نصف ديتها ويفهم منها أن الدية في هذا الفرع هي نصف دية الشفة والمقدار المذكور انما حكمت به الرواية باعتبار أنه يمثل نصف دية الشفة السفلى على القول الثاني، فالرواية تريد أن تقول أن الذي يثبت في الشفة إذا أصيبت فشينت شيناً قبيحاً هو نصف ديتها غاية الأمر أن الرواية طبقت ذلك على القول الثاني، فمن يقول أن دية الشفة هو خمسمائة دينار فلا بد أن يلتزم بأن فيها مئتان وخمسون ديناراً

وفي المقابل نجد أن هذا لم يطبق على الشفة العليا فلا اشكال عندهم في أن فيها خمسمائة دينار وقد ذكر انها إذا ((شترت فشينت شينا قبيحا فديتها مائة دينار (وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار)))

يبدو منهم انه لا كلام في الاحمرار والاخضرار وان في احمرار الوجه باللطمة ديناراً ونصف وفي اخضراره ثلاثة دنانير بل هناك دعاوى اجماع على ذلك كما في الانتصار للسيد المرتضى والخلاف للشيخ الطوسي والمهذب البارع لابن فهد

وانما الخلاف في الاسوداد فوقع الكلام في أن فيه ثلاثة دنانير او ستة دنانير

وذهب الى الأول الشيخ المفيد في المقنعة والسيد في الانتصار وسلار في المراسم وابن زهرة في الغنية وابن ادريس في السرائر وحكي عن الانتصار انه من متفردات الامامية

وذهب الى القول الثاني كل من الشيخ الصدوق في المقنع والشيخ الطوسي في النهاية والخلاف وابن حمزة في الوسيلة والمحقق في الشرائع والنافع والعلامة في التحرير والمختلف وولده في الايضاح والشهيدان في اللمعة والروضة على ما حكي

ويدل على حكم الاحمرار والاخضرار وعلى القول الثاني في الاسوداد موثقة إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال: ((قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في اللطمة يسود أثرها في الوجه أن أرشها ستة دنانير، فان لم تسود واخضرت فان أرشها ثلاثة دنانير، فان احمرت ولم تخضار فان أرشها دينار ونصف))[2] والرواية معتبرة سنداً وتامة دلالة على ما ذكره السيد الماتن بما فيه اختلاف دية الاسوداد عن الاخضرار

واستدل ابن ادريس في السرائر على القول الآخر بأصالة البراءة، ولكن هذا الكلام انما يتم بناء على عدم العمل بأخبار الاحاد كما هو مسلكه، واما إذا قلنا بالعمل بأخبار الآحاد فلا مجال لما ذكر مع وجود هذه الرواية المعتبرة ومن هنا يتعجب الشخص من عدم عمل الشيخ المفيد وسلار وابن زهرة بهذه الرواية مع انها مروية في الكتب الأربعة وهي معتبرة سنداً وواضحة دلالة

الا إذا فرضنا عدم اطلاعهم عليها او انهم اطلعوا عليها لكنهم يرون انها غير تامة سنداً

ولكن هذه الفروض بعيدة لأن هذه الرواية هي مستندهم في إثبات الحكم في الاحمرار والاخضرار لأنه يبدو انه لا يوجد دليل آخر يثبت الحكم في هذين الموردين غير هذه الرواية

والصناعة في المقام تقتضي العمل بهذه الرواية لأنها تامة سنداً وإن عجزنا عن تفسير عدم عملهم بها

وظاهر هذه الرواية المعتبرة أن الاحكام تترتب على وجود الأثر للطمة من دون فرق بين أن تكون الضربة مستوعبة للوجه او لا، ومن دون فرق بين بقاء هذا الأثر او زواله بعد ذلك، كل ذلك لإطلاق الرواية، فإنه ينفى احتمال اشتراط بقاء الأثر او الاستيعاب بإطلاق الرواية

والعنوان المذكور في الرواية هو اللطمة وهي في اللغة الضرب على الوجه بالكف بباطن الراحة كما في الصحاح

ومن هنا تطرح هذه الأسئلة

الأول: هل يختص هذا الحكم بالوجه او انه يشمل الرأس والبدن؟

الثاني: هل تختص هذه الاحكام بالضرب فلا تشمل ما لا يصدق عليه انه ضرب من قبيل العض؟

الثالث: هل هذه الاحكام مختصة بالضرب باليد او تشمل الضرب بالرجل الذي يسمى بالرفس او بالعصا؟

الرابع: هل تختص هذه الاحكام بالضرب بالكف او انها تشمل الضرب بظاهر الكف؟

اما الأول فسيأتي التعرض له

واما الثاني فظاهر جماعة من فقهائنا كالمحقق والعلامة وغيرهم عدم الاختصاص بالضرب ولذا عبر المحقق بالجناية قال: (ولو اشتملت الجناية على غير جرح فأحدث انتفاخا فالحكومة وان أحدث تغير لون فان كان احمرارا ...) والجناية كما تصدق على الضرب باليد كذلك تصدق على العض

وبناء على هذا فالحكم كما يشمل الضرب بالعصا والضرب بالسوط يشمل ما لا يصدق عليه الضرب كالعض والالقاء من جدار وغيرها مما يصدق عليه انه جناية

ولكن ذكروا بأن التعدي الى مطلق الجناية مشكل لأن الرواية ذكرت اللطمة وهي الضرب باليد فاذا تعدينا الى الضرب بغير اليد لعدم احتمال خصوصية لليد فالتعدي الى مطلق الجناية غير واضح لأنه يحتاج الى الجزم بعدم الخصوصية وأن الضرب لا مدخل له في الموضوع، فالتعدي مشكل

واما التعدي من الضرب باليد الى الضرب بغير اليد وكذا التعدي من الضرب بالكف الى الضرب بظاهر الكف فهو يحتاج الى الجزم بعدم الخصوصية

الا أن الضرب بظهر الكف يصدق عليه اللطم عرفاً

يدل على ذلك نفس الرواية بحسب نقل الشيخ الصدوق (قده) فإنه زاد ((وفي البدن نصف ذلك)) ولكن الشيخ الطوسي في التهذيب والشيخ الكليني في الكافي لم يذكرا هذه الزيادة

 


[1] وسائل الشيعة: 29/294، الباب الخامس من أبواب ديات الاعضاء ح1.
[2] وسائل الشيعة: 29/384، الباب الرابع من أبواب ديات الشجاج ح1.