الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/11/15

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ديات الشجاج والجراح / أقسام الشجاج

 

(مسألة 374): إذا نفذت في الأنف نافذة، فإن انسدّت وبرأت ففيه خمس دية روثة الأنف، وما أُصيب منه فبحساب ذلك، وإن لم تنسدّ فديته ثلث ديته، وإن كانت النافذة في إحدى المنخرين إلى الخيشوم فديتها عشر دية روثة الأنف، وإن كانت في إحدى المنخرين إلى المنخر الأُخرى أو في‌ الخيشوم إلى المنخر الأُخرى فديتها ستّة وستّون ديناراً وثلثا دينار

(مسألة 375): إذا انشقّت الشفة العليا أو السفلى حتّى يبدو منها الأسنان ثمّ برأت والتأمت ففيه خمس ديتها (1)، وإن أُصيبت الشفة العليا فشينت شيناً قبيحاً فديتها مائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، وإن أُصيبت الشفة السفلى وشينت شيناً قبيحاً فديتها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار

يبدو أن مستند الاحكام التي ذكرها الفقهاء في المقام هو معتبرة ظريف، ولكن استفادة هذه الاحكام من معتبرة ظريف لا يخلو من اشكال كما صرح بذلك أكثر من واحد من الفقهاء وأن استفادة هذه الاحكام من الرواية ليس واضحاً قال العلامة المجلسي (و لا يخفى أن الأصحاب في حكم النافذة في الأنف استندوا إلى هذا الخبر، و لم يصادف مدلوله أحد منهم، فإن ما هو مدلول الخبر لم يعمل به المحقق و لا العلامة و لا غيرهما) [1] فاستفادة هذه الاحكام من الرواية فيه غموض كما أن المراد الواقعي من بعض الفروض التي ذكرت في الرواية ليس واضحاً

فقد ذكر السيد الماتن ان النافذة في الانف اذا انسدت ففيها خمس دية روثة الانف وان كانت في احدى المنخرين الى الخيشوم فديتها عشر دية روثة الانف وان كانت في احدى المنخرين الى المنخر الأُخرى أو في‌ الخيشوم إلى المنخر الأُخرى فديتها ستّة وستّون ديناراً وثلثا دينار

والكلام في فرق هذا عن أصل المسألة فإنهم فسروا نافذة الانف بانها تخرق المنخر والحاجز ففيها مئة دينار اذا انسدت وفي الفرض الاخير حكم بانها اذا انسدت ففيها ستة وستون دينارا وثلثا دينار

وقد ذكر غير واحد من الفقهاء بان الحديث في الرواية عن الروثة لا عن الانف والروثة مؤلفة من منخرين وحاجز بينهما

وقالوا اذا نفذت فيها النافذة وانسدت والتأمت ففيها مئة دينار خمس دية الروثة واذا نفذت في أحد المنخرين فقط ففيه ثلث المئة لأن الروثة مؤلفة من ثلاثة اشياء وهذا الفرض لم يذكر في الرواية

واذا نفذت من أحد المنخرين ووصلت الى الحاجز ولم تخترقه فقالوا ان فيها نصف دية نافذة روثة الأنف اذا التأمت وقد علل ذلك في الرواية بأنه النصف

واما اذا لم تخترق المنخر الآخر ففيه ثلثا المئة ستة وستون دينارا وثلثان

واما تطبيق هذا على الرواية فانها تقول (( فان قطع روثة الانف ـ وهي طرفه ـ فديته خمسمائة دينار ، وإن نفذت فيه نافذة لا تنسد بسهم أو رمح فديته ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار ، وإن كانت نافذة فبرأت والتأمت فديتها خمس دية الانف مائة دينار فما اصيب منه فعلى حساب ذلك ، وإن كانت نافذة في إحدى المنخرين إلى الخيشوم ـ وهو الحاجز بين المنخرين ـ فديتها عشر دية روثة الانف خمسون ديناراً ، لانه النصف)) [2]

وفسروها بانها نفذت من احد المنخرين ووصلت الى الخيشوم ونقبته من دون ان تخترقه ففيها نصف المئة والامام علله بانه النصف

وهذا يمكن جعله دليلاً على أن الصحيح هو رواية المئة لا المئتين إذ من الواضح أن الامام في تعليله ناظر الى ما ذكره قبل هذا الحكم

واما الفقرة الاخيرة من الرواية (( وإن كانت نافذة في إحدى المنخرين أو الخيشوم إلى المنخر الآخر فديتها ستة وستون دينارا وثلثا دينار))

فبحسب ظاهرها الاولي انها كما فسرها السيد الماتن

وقد فسرها العلامة المجلسي وغيره بأن المقصود هو نافذة في احدى المنخرين الى الخيشوم، فاعتبروا أن الخيشوم معطوف على احدى المنخرين بالواو لا باو وافترضوا ان الرواية تتعرض الى صورة واحدة ، بينما الموجود في معظم الكتب التي نقلت الرواية هو العطف باو لا بالواو فالرواية تتعرض الى صورتين لا الى صورة واحدة

وكلامنا في الصورة الاولى اذا كانت نافذة في احد المنخرين الى المنخر الآخر فكيف حكمت الرواية بان فيها ستة وستون دينارا وثلثا دينار ؟

اما الصورة الثانية فيمكن تعليلها بانها نفذت في ثلثي روثة الانف ففيها ثلثا دية روثة الانف

بينما في الصورة الاولى فانها نفذت في المنخر الآخر فاذا استطعنا أن نتعقل ان النافذة تنفذ في المنخرين من دون الحاجز فيمكن تعليله بانها نفذت في ثلثي روثة الانف ففيها ثلثا المئة واما اذا لم نتعقل هذا -فانه فرض يصعب تعقله- فيأتي السؤال أن المفروض أن فيها مئة دينار كما فرضناه سابقاً من انها اخترقت الروثة والتأمت ففيها مئة دينار

اذن استفادة الاحكام التي ذكروها من الرواية ليس واضحاً

وقد يقال بأن المقصود هو الصورة الاولى في العبارة الاخيرة هو انها وصلت الى المنخر الاخرى من دون أن تخترقه ففيها ثلثا المئة لانها اخترقت ثلثا الروثة

وفيه إن عبارة الى المنخر الآخر المذكورة في الرواية في الصورتين اما أن نفسرها بانها وصلت الى المنخر الاخرى من دون اختراق في الصورتين، فيشكل الحكم في الصورة الثانية بأن فيه ستة وستون دينارا وثلثا دينار فإن النفوذ لم يحصل في ثلثا الروثة

او نقول بأن المقصود انها اخترقت المنخر الآخر وهذا يناسب أن يقول بأن فيها ستة وستون دينارا وثلثا دينار لانها اخترقت ثلثا الروثة، الا أن لازم ذلك رجوع الاشكال في الصورة الثانية لأنها اخترقت المنخر الآخر فيعود الاشكال وهو انه اذا لم يمكن تصور اختراق المنخرين من دون اختراق الحاجز فكيف يكون فيها ثلثا دية الروثة

بحثناها في الشفتين سابقاً وذكرنا الخلاف بينهم في الفرق بين دية الشفة العليا والسفلى وقلنا بأن في كل واحدة منهما نصف الدية

 


[1] ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار‌، العلامة المجلسي، ج16، ص638.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص293، أبواب ديات الاعضاء، باب4، ح1، ط آل البيت.