الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/11/10

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ديات الشجاج والجراح / أقسام الشجاج

 

(مسألة 371): في دية خرم الاُذن خلاف، قيل: إنّها ثلث ديتها، وفيه إشكال، والأظهر فيه الرجوع إلى الحكومة(1)

(مسألة 372): لو كسر الأنف ففسد فالمشهور بين الأصحاب أنّ فيه دية كاملة، وهو لا يخلو عن إشكال، والأقرب فيه الرجوع إلى الحكومة (2)

ذهب المشهور الى أن فيها ثلث دية الاذن وذهب السيد الماتن الى انه يرجع فيه الى الحكومة وبينا ان المعروف ان فيها ثلث دية الاذن بل ادعي الاجماع على ذلك

والكلام في الأدلة التي يمكن ان يستدل بها على ما ذهب اليه المشهور، ويفهم من كلماتهم الاستدلال بأمور ثلاثة:

الأول رواية معاوية بن عمار ، قال : تزوج جار لي امرأة فلما أراد مواقعتها رفسته برجلها ففتقت بيضتيه فصار آدر ، فكان بعد ذلك ينكح ويولد له ، فسألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن ذلك ، وعن رجل أصاب سرة رجل ففتقها ، فقال عليه‌السلام : ((في كل فتق ثلث الدية)) [1] ولا بد أن يقال بأن المقصود في المقام ثلث دية العضو الذي فتقه لكي يصح الاستدلال بها في المقام، فاذا قلنا بأن خرم الاذن فتق فالرواية تقول أن فيه ثلث دية الاذن

الثانية ما ورد في معتبرة ظريف ((وفي قرحة لا تبرء ثلث دية العضو الذي هو فيه)) [2] واستدل به في المقام باعتبار ان خرم الاذن قرحة ففيها ثلث دية الاذن

الثالثة رواية مسمع عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) ((أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في خرم الانف ثلث دية الانف))[3] ويستدل بها بناء على عدم الفرق بين خرم الانف وخرم الاذن

وهذه الروايات قابلة للمناقشة اما رواية معاوية فهي غير تامة سنداً بصالح بن عقبة فانه لم تثبت وثاقته مضافاً الى أن ظاهرها ثلث دية النفس وهو مقتضى إطلاق الدية وهذا غير المدعى فلا يمكن الاستدلال بها في محل الكلام

ثم ان تطبيق الفتق على الخرم غير واضح

واما معتبرة ظريف فهناك اختلاف في الكتب الأربعة في نقل هذا المقطع فما استدل به موجود في التهذيب ولكن الموجود في الكافي وهو الموجود في الوسائل ((وفي قرحة لا تبرأ ثلث دية العظم الذي هو فيه)) فليس معلوماً انها تشمل محل الكلام لأنها ناظرة الى القرحة التي تحدث في العظام، مضافاً الى ان تطبيق القرحة في المقام غير مقبول

واما رواية مسمع فإنها واردة في الانف فلا تعطي قاعدة كلية، مضافاً الى انها ضعيفة السند جداً

ومن هنا يظهر انه لم ينهض دليل واضح يمكن الاعتماد عليه لما ذهب اليه المشهور فلا يبعد أن يكون ما ذكره السيد الماتن هو الأقرب

2-لا اشكال في أن في قطع الانف الدية كاملة لما دل على ذلك من روايات وللقاعدة الكلية المستفادة من صحيحة هشام بن سالم (كل ما فيه واحد ففيه الدية كاملة وما فيه اثنان ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية)

واما لو كسر الانف ففسد فالمشهور ذهب الى أن فيه دية كاملة وهذا ما صرح به الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ الطوسي في النهاية وابن ادريس في السرائر وابن حمزة في الوسيلة والمحقق في الشرائع والنافع والعلامة في التحرير والإرشاد والشهيدين في اللمعة والروضة بل ادعي انه لا خلاف فيه كما في الرياض وعللوا الحكم الذي ذكروه لأنه بمنزلة القطع نعم قال الشهيد الثاني في كتابه روض الجنان ان المراد ان الانف فسد وسقط، فيكون ما ذكروه من ان فيه الدية واضحاً فلا اشكال في أن فيه الدية كاملة الا ان ما ذكره الشهيد غير واضح كما في الجواهر وغيره لأنهم يتكلمون عن الفساد وهو أعم من سقوطه وعدمه

وعلى كل حال، يمكن الاستدلال على ما ذهب اليه المشهور من أن فيه دية كاملة بأن يقال اما على تقدير ما ذكره الشهيد من أن المراد الفساد والسقوط ففيه دية كاملة باعتبار أن الدليل وإن اختص بالقطع لكنه يشمل هذه الحالة وهو ما اذا كسر الانف وفسد وسقط للجزم بعدم وجود خصوصية للقطع الا بلحاظ انه يؤدي الى زوال الانف وقلعه وهذا موجود في محل الكلام لأن كسر العضو المؤدي الى فساده وزواله يحقق هذا أيضاً فيمكن دعوى تعميم الدليل الى فساد الانف وزواله بإلغاء خصوصية القطع بناء على أن المقصود ما يقوله الشهيد الثاني

واما بناء على الرأي الآخر من أن المقصود هو كسر الانف مع بقائه فاستدلوا بصحيحة هشام بن سالم القائلة (أن كل ما كان فيه واحد ففيه الدية) وتقريب الاستدلال بها في فرض المسألة اما بدعوى أن الرواية ليست مختصة بالقطع بل تشمل الافساد

او أن ظاهر الدليل الاختصاص بالقطع لكن ندعي الغاء خصوصية القطع فإن خصوصية القطع انه يوجب تعطيل العضو عن القيام بوظيفته والانتفاع به بالنحو الذي ينتفع به فيدعى بأن هذه الخصوصية موجودة في الافساد

وهذا التقريب الثاني هو ظاهر الاصحاب لأنهم عللوا الحكم بأنه بمنزلة القطع وهذا معناه انهم يعترفون بأن الدليل يختص بالقطع لكن باعتبار أن الافساد بمنزلة القطع شمله الحكم فيبدو أن الاصحاب نظروا الى التقريب الثاني

ويمكن أن يلاحظ على التقريبين

اما الأول فإن دعوى أن الدليل كما يشمل القطع يشمل الافساد فيبدو أن الاصحاب لم يفهموا ذلك ولذا قالوا بأن الافساد بمنزلة القطع وهذا يفهم منه بوضوح أن الدليل يختص بالقطع فهذه الدعوى على خلاف ما يفهمه الاصحاب

مضافاً الى انه لو قسنا هذا على سائر الأعضاء يظهر أن المراد القطع، كما إذا قيل في اليد الواحدة نصف الدية أي في ازالتها وقطعها لا في إفسادها، فظاهر الدليل القطع

واما التقريب الثاني فهو وإن كان محتملاً لكن الجزم به مشكل، ولا بد من الجزم بإلغاء الخصوصية حتى نتعدى الى غير ما ذكره الدليل لأننا نحتمل أن يكون للقطع باعتبار كونه موجباً لذهاب الانف وزواله خصوصية ومع هذا الاحتمال لا يمكن الجزم بعدم الخصوصية ويؤيد هذا أن المراد بالفساد ظاهراً هو تعطيل العضو وهذا هو الشلل الذي ذكروه في مسألة مستقلة وقالوا بأن الروايات تدل على أن في شلل العضو ثلثا دية العضو، وهذا يؤيد ما نقوله من أن الحكم بتمام الدية يختص بالقطع ولا يشمل الافساد ولذا اعتبروا أن الخرس شلل في اللسان وهو يعني تعطيل العضو عن أداء وظيفته

ومن هنا يظهر انه لا يوجد دليل واضح على أن في كسر الانف وفساده تمام الدية فما ذكره السيد الماتن يكون هو الأقرب.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص337، أبواب دیات الاعضاء، باب32، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص378، أبواب ديات الشجاج، باب2، ح3، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص293، أبواب دیات الاعضاء، باب4، ح1، ط آل البيت.