الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/11/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ديات الشجاج والجراح / أقسام الشجاج

 

(مسألة 370): لو طعنه في صدره فخرج من ظهره، فهل عليه دية واحدة لوحدة الطعنة، أو متعدّدة لخروجه من الظهر؟ وجها، قيل: بأنّه جائفة واحدة وفيها ديتها، والأظهر أنّ ديته أربعمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار (1)

(مسألة 371): في دية خرم الاُذن خلاف، قيل: إنّها ثلث ديتها، وفيه إشكال، والأظهر فيه الرجوع إلى الحكومة(2)

 

قلنا ان المسألة فيها احتمالان:

الاحتمال الأول انها تحسب جائفة واحدة

الاحتمال الثاني: انهما جائفتان وهذا هو المحكي عن الشيخ في الخلاف والمحقق في الشرائع والعلامة في جملة من كتبه

ودليله هو ان الظهر والصدر عضوان مختلفان فيكون حال هذه المسألة حال ما لو أحدث جائفتين في عضوين مختلفين كما لو أحدث جائفة في الصدر وجائفة في الكتف بضربة واحدة فتتعدد الدية لأنهما عضوان مختلفان

فكل منهما فيه دية ولا يفرق بين أن يكون ذلك بضربة واحدة او بضربتين

ومحل كلامنا من هذا القبيل لأن الصدر والظهر عضوان مختلفان وهو أحدث جائفة فيهما

ويضاف الى ذلك ما قيل بانه لو انفرد كل منهما لأوجب حكما ودية ولا يزول ذلك فيما لو اجتمعا

وليس المأخوذ في الجائفة ان تسري من الصدر الى الجوف بل المراد ما لو أحداث تجويفاً في هذه المسافة من الظاهر الى الباطن، ففي مسألتنا وان كانت الطعنة لم تدخل من الظهر الى الجوف الا انه أحدث تجويفاً من الظاهر الى الباطن لا بمعنى أن الطعنة جاءت من الظاهر الى الباطن

القول الثالث: إن فيها اربعمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار وهو مختار السيد الماتن، وهذا المقدار يزيد على دية الجائفة بمئة دينار وكأن هذه المئة اعتبرت دية لنفوذ السهم الى الطرف الآخر، ودليله معتبرة ظريف ((وفي الجائفة ثلث دية النفس ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، وإن نفذت من الجانبين كليهما رمية أو طعنة فديتها أربعمائة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار))[1]

والرواية بهذا الشكل الذي نقله صاحب الوسائل هو الموجود في الكافي [2] والموجود في التهذيب ((وفي الجائفة ثلث دية النفس ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، فان نقب من الجانبين كليهما برمية أو طعنة وقعت في الصفاقفديتها اربعمائة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار))[3] والمقصود من الصفاق غير واضح، يقال بأن المراد بالصفاق هو الجلد الأسفل تحت الجلد الذي فيه الشعر

وفي الفقيه ((وَ إِنْ نُقِبَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كِلَيْهِمَا بِرَمْيَةٍ أَوْ طَعْنَةٍ وَقَعَتْ فِي الشُّقَاقِ فَدِيَتُهَا أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ وَ ثَلَاثَةٌ وَ ثَلَاثُونَ دِينَاراً وَ ثُلُثُ دِينَارٍ)) [4]

والعلامة المجلسي في ملاذ الاخيار [5] نقل ما في التهذيب في المتن ولكن في الشرح كأنه افترض الشقاق وفسره بالخصومة والنزاع فجيء به كمثل ولا دخل له في الحكم، أي ان الطعنة او الرمية وقعت في نزاع

وعلى كل حال فالظاهر ان هذا لا يؤثر في الاستدلال بالرواية بحسب نقل الكافي والفقيه والنتيجة ان الجائفة إذا نفذت من الجانبين فديتها اربعمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار

والرواية تامة سنداً كما تقدم وفيها ظهور في هذا المعنى

نعم يبقى ان الاصحاب لم يعملوا بهذه الرواية بل لم يشيروا الى هذا الاحتمال في كتبهم، والوحيد الذي أشار اليه هو ابن حمزة في الوسيلة ولا يوجد إشارة الى هذا الاحتمال في كلام غيره

ومن هنا احتمل بعضهم بأن هذه الرواية لا يمكن العمل بها لإعراض المشهور عنها وهو يسقط الرواية عن الحجية على بعض المباني

ولكن يشكك في تحقق الاعراض في محل الكلام باعتبار أن المتقدمين على الشيخ والذين يكون اعراضهم مسقطاً للرواية عن الاعتبار لم يتعرضوا لهذه المسألة فالظاهر انها غير موجود في كلمات الشيخ الصدوق ووالده والشيخ المفيد والسيد المرتضى ولا في كلمات غيرهم ممن وصلت آرائهم الينا فلا يمكن معرفة انهم اختاروا راياً مخالفاً لما ورد في رواية ظريف ومن هنا يمكن التشكيك في تحقق الاعراض عن هذه الرواية

ويضاف الى ذلك ان هذا ناشئ من عدم الالتفات الى هذه الفقرة من الرواية لأنها رواية طويلة وأشبه بالكتاب وتتعرض لعدة أمور وخصوصاً أن هذه الفقرة ذكرت في الحديث هن حكم الاضلاع

وهذا يفسر لنا مسألة عدم ذكر المتأخرين لهذا الرأي حتى على نحو الاحتمال، وهو يؤيد عدم الاطلاع على هذه الفقرة من الرواية وهذا يؤيد ما ذكرناه من عدم تحقق الاعراض عن الرواية

ومن هنا فالصناعة تقتضي الالتزام بهذه الرواية، ونقول بأن الاعراض المسقط لها عن الاعتبار غير محرز ومنه يظهر أن ما ذكره السيد الماتن هو الأقرب

نعم إذا لم يتم هذا فلا يبعد أن يكون الأقرب من الاحتمالين المتقدمين هو ما ذهب اليه المحقق في الشرائع وغيره من انهما جائفتان ودليله نفس ما ذكره من أن الصدر والظهر موضعان مختلفان وقد أحدث فيهما جائفتان، ولا يفرق في تعدد الدية عند احداث الجائفتين في موضعين بين أن يكون ذلك بضربة واحدة او يكون بضربتين فيكون الأقرب هو الاحتمال الثاني في مقابل الاحتمال الأول

هنا لا بد من الالتفات الى العناوين المرتبطة في الاذن، وتعرضنا سابقاً في بحث الاذنين الى عنوان شحمة الاذن وثبت أن فيها ثلث دية الاذن والمقصود قطع شحمة الاذن، والعنوان الثاني هو خرم الاذن والمعروف أن فيه ثلث الدية والمقصود ثلث دية الاذن، قال في الشرائع (وفي خرمها ثلث ديتها) وعبارات الشيخ ظاهرة في هذا ايضاً، ولكن الشيخ ابن ادريس فسر هذه العبارات بأن المقصود خرم شحمة الاذن وديتها ثلث دية شحمة الاذن، لأنه لا يمكن ان يقال بأن فيها ثلث دية الاذن إذ عليه سوف يتساوى قطع شحمة الاذن وخرم شحمة الاذن في الدية وهو بعيد،

وما ذكره خلاف صريح عبارة الشيخ في الخلاف حيث قال (في شحمة الاذن ثلث دية الاذن، وكذلك في خرمها) أي فيها ثلث دية الاذن والمراد في خرم الاذن

وعلى كل حال فالحكم بأن في خرم الاذن ثلث ديتها لا محذور فيه لأن في قطع الاذن نصف الدية ولا داعي لتأويل كلمات الفقهاء

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص304، أبواب دیات الاعضاء، باب13، ح1، ط آل البيت.
[2] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج7، ص338.
[3] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج10، ص304.
[4] من لا يحضره الفقيه‌، الشيخ الصدوق‌، ج4، ص88.
[5] ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار‌، العلامة المجلسي، ج16، ص661.