الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/11/08

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ديات الشجاج والجراح / أقسام الشجاج

 

(مسألة 368): لو أجافه كان عليه دية الجائفة، ولو أدخل فيه سكّيناً ولم يزد عمّا كان عليه فعليه التعزير، وإن زاد باطناً فحسب أو ظاهراً كذلك ففيه الحكومة (1)، ولو زاد فيهما معاً فهو جائفة أُخرى فعليه ديتها(2)

(مسألة 369): لو كانت الجائفة مخيطة ففتقها شخص، فإن كانت بحالها وغير ملتئمة ففيه الحكومة، وإن كانت ملتئمة فهي جائفة جديدة وعليه ثلث الدية (3)

(مسألة 370): لو طعنه في صدره فخرج من ظهره، فهل عليه دية واحدة لوحدة الطعنة، أو متعدّدة لخروجه من الظهر؟ وجها، قيل: بأنّه جائفة واحدة وفيها ديتها، والأظهر أنّ ديته أربعمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار (4)

لان زيادة الجرح من الباطن او الظاهر جناية ليس لها تقدير شرعي فتثبت فيها الحكومة

باعتبار انه أحدث جائفة أخرى فعليه ديتها سواء كان الفاعل نفس الجاني الذي أحدث الجائفة الأولى او غيره

إذا فتق جائفة مخيطة في شخص فإما ان تكون غير ملتئمة او ملتئمة ففي المسألة فرعان:

الفرع الأول: إن كانت بحالها وغير ملتئمة ففيه الحكومة

والظاهر انهم متفقون على عدم صدق الجائفة على الفتق لأن المفروض في هذا الفرع أن الجائفة السابقة لم تندمل حتى يقال بأن هذا الجرح إحداث جائفة جديدة بل هي باقية على حالها

وذهب الشيخ الطوسي (قده) الى ان الفتق فيه التعزير فلا دية ولا أرش وعلل ذلك بأنه لم يحصل بهذا الفتق الا الايذاء والإيلام المحرم

وتبنى المحقق في الشرائع والعلامة في بعض كتبه كالتحرير والقواعد القول بالأرش قال في الشرائع (الأقرب الأرش لأنه لا بد من أذى ولو من الخياطة ثانياً) ومقصوده أن الجناية قبل الفتق لم تكن بحاجة الى خياطة لأنها مخيطة وبعد أن فتقها احتاجت الى الخياطة

ويشكل بأن الأرش انما يجب في النقص وألإيلام إذا لم يوجب نقصاً فلا أرش فيه وإنما يثبت فيه التعزير بناء على ثبوت التعزير في أمثال هذه الأمور، ولعل المحقق حين حكم بالأرش يفترض أن الإيلام يوجب النقص وهذا النقص لا بد أن يعوض، ومن هنا نقول لعل مقصود المحقق بالأرش هو الحكومة كما أطلق الأرش على الحكومة في تعبيراتهم، والمقصود بالحكومة في المقام هو أن هذا النقص الذي أحدثه هذا الشخص يصعب تقدير قيمته، فعادة يكون تحديد قيمة النقص في الحر بملاحظة نفس الجناية في العبد ومقدار نسبة التفاوت بين قيمته مع الجناية وقيمته بدون الجناية وعلى هذا الأساس نحدد نسبة أرش الجناية في الحر، مع افتراض صعوبة تعيين الارش في الحر حتى بملاحظة نفس الجناية على العبد فحينئذ يرجع الى الحاكم باعتبار أن الأدلة دلت على انه لا يبطل حق أمرئ مسلم وبهذا الاعتبار نقول انه لا يبعد أن يكون مقصود المحقق من الأرش هو الحكومة

فكأنه يريد القول ان النقص الحاصل بسبب الفتق يرجع فيه الى الحاكم إن لم يمكن تعيينه بملاحظة أرش النقص في العبد

هذا كله إذا افترضنا أن الفتق يوجب النقص في المجني عليه

ولكن الظاهر انه لا يوجب ذلك لأن المفروض في هذا الفرع هو أن الجائفة بحالها ولم تلتئم ففتقها لا يكون موجباً لنقص في المجني عليه فحال المجني عليه لا يتغير بعد الفتق عما كان عليه قبله

ومن هنا يظهر بأن الالتزام بالأرش في المقام مشكل بناء على أن الأرش انما يجب بالنقص ولا يثبت في المقام الا إذا قلنا بأن الفتق يوجب النقص في المجني عليه وهو غير مسلم

ومن هنا يظهر ما في كلام السيد الماتن من الذهاب الى أن فيه الحكومة وتعليله بأن الحكومة في كل ما لا مقدر له شرعاً، وواضح انه يعتبره جناية ولذا قال بأنه لا مقدر له شرعاً؛ لأن ما يكون له مقدر وما لا مقدر له شرعاً هي الجنايات والجروح وأما الإيلام والنقص فهي دائماً لا مقدر لها شرعاً

أقول إذا شككنا في كون الفتق موجباً للنقص فمن باب أولى التشكيك في كونه جناية فما يقوله ليس واضحًا

ومن هنا يظهر أن الأقرب هو ما ذهب اليه الشيخ الطوسي (قده) من أن فيه التعزير لا غير

الفرع الثاني: ما إذا كانت ملتئمة، والالتئام يعني الاندمال والظاهر انه غير الالتحام فاندمال الجرح بمعنى عوده الى وضعه الطبيعي، والالتحام يعتبر خطوة تقع قبل الاندمال، فالظاهر أن المراد بالالتئام هو الاندمال أي الالتحام التام الكامل

فلو فتق الجرح بعد اندماله فهذه جائفة جديدة عرفاً وفيها الدية، وعلى هذا الأساس نستطيع التمييز بين الفتق بعد الاندمال والفتق بعد الالتحام فالثاني لا يصدق عليه انه أحدث جائفة جديدة

والظاهر ان الحكم بالدية في هذا الفرع لا يفرق فيه بين أن يكون الاندمال في جميع الجرح او في بعضه ففي كل منهما تثبت دية الجائفة اذ في كل منهما يصدق عرفاً احداث جائفة جديدة

والمسألة موجودة في كتب الاستدلال وفيها احتمالان، واضاف السيد الماتن احتمالاً ثالثاً

الاحتمال الأول: انها تحسب جائفة واحدة واختاره الشيخ في المبسوط ومال اليه الشهيد في المسالك والمحقق الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان، واستدلوا عليه بوحدة الجناية، وثانياً بإطلاق أدلة الجائفة باعتبار انها تدل على أن الجائفة فيها ثلث الدية والجائفة هي ما نفذت الى الجوف من الظهر وليس المقصود فيها انه لا بد أن تدخل الطعنة من الصدر الى الجوف وانما المقصود تجويف المسافة من ظاهر البدن الى الجوف ومن هنا قالوا بأن الدليل دل على أن الجائفة فيها ثلث الدية ومقتضى اطلاقه أن الجائفة التي تنفذ الى الجوف من الظاهر فيها ثلث الدية مطلقاً سواء خرجت من الجانب الآخر او لا

وثالثاً انه لا يصدق عليه عرفاً انهما جائفتان وانما العرف يرى انها جائفة واحدة

الاحتمال الثاني: انهما جائفتان ففيهما ديتان وهو المحكي عن الشيخ في الخلاف والمحقق في الشرائحيث قال هو الاشبه- والعلامة في الارشاد والتحرير، واستدل له بأن الصدر والظهر عضوان منفصلان مستقلان وفي كل منهما حصلت جائفة