الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/11/03

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ديات الشجاج والجراح / أقسام الشجاج

 

(مسألة 362): لو أوضح موضحتين فلكلّ منهما ديتها(1)، ولو أوصل آخر إحدى الموضحتين بالأُخرى بجناية ثالثة فعليه ديتها، ولو كان ذلك بفعل المجنيّ عليه فهي هدر، وإن كان ذلك بفعل الجاني أو بالسراية فهل هذا يوجب اتحاد الموضحتين، أو هو موضحة ثالثة، أو فيه تفصيل؟ وجوه، بل أقوال، والأقرب أنّه موضحة ثالثة إذا كان بفعل الجاني، ولا شي‌ء عليه إذا كان بالسراية

(مسألة 363): إذا اختلفت مقادير الشجّة في الضربة الواحدة أُخذت دية الأبلغ عمقاً، كما إذا كان مقدار منها خارصة، ومقدار منها متلاحمة، والأبلغ عمقاً موضحة، فالواجب هو دية الموضحة (2)

كان الكلام في الدليل الثالث على القول الاول في مسألة ما لو أوضح موضحتين وحصل الاتصال بينهما بجناية نفس الجاني وكلامنا في ادلة من قال بأن الموضحتين تصيران موضحة واحدة

الدليل الثالث ما ذكره الشيخ بأن فعل الواحد يبنى بعضه على بعض،كما لو قطع يديه ورجليه ثم قتله فلا تثبت الا دية واحدة

وبينا المراد من الدليل وكان حاصله ان الفعل الواحد الصادر من الشخص الواحد لا نتعامل معه على انه فعل مستقر وثابت بمجرد صدوره وانما لا بد من الانتظار فاذا لم يصدر منه ما يوجب تغير حكمه يستقر حكمه

وفي محل الكلام فالجاني اوضح موضحتين فاذا صدر منه ما يوجب تغير الحكم فلا تستقر الاحكام السابقة وهي التعدد في الدية والاتصال اوجب ان يكون المجموع موضحة واحدة فتكون له دية واحدة

وجوابه انه لا اشكال في أن تغير الحكم تابع لتغير موضوعه فاذا كان المقصود بهذا الدليل أن الحكم السابق هو تعدد الدية قبل الاتصال لأن هناك موضحتين فتبدل الحكم بعد الاتصال لا بد أن يكون مبنياً على تغير الموضوع وتبدله الى كونه موضحة واحدة

فكأن الدليل مبني على دعوى أن الموضحتين بعد الاتصال تصيران موضحة واحدة وهذا ما منعناه سابقاً في فرض المسألة لتعدد الجنايات؛ لأنه ضرب عدة ضربات فأوضح موضحات متعددة فهي جنايات متعددة ومجرد الاتصال بينها لا يعني أن هناك موضحة واحدة بل ما يراه العرف أن هناك موضحتين بفعل الجاني وقد أوصل بينهما بجناية ثالثة

على انه لا دليل واضح على ما يقوله الشيخ من أن الافعال التي تصدر من شخص واحد لا يستقر حكمها بمجرد صدورها بل ينتظر فإن لم يلحق بها شيء استقر حكمها وإن الحق بها شيء يتبدل حكمها

واما ما استشهد به من مسألة انه لو قطع يديه ورجليه ثم قتله فلا تثبت الا دية واحدة

فهذا اول الكلام فبعضهم انكر أن يكون فيها دية واحدة ثم انها -لو سلمنا بما ذكره- أجنبية عن محل الكلام فإن فيها قتل ويفهم منها أن الجنايات السابقة على القتل ليس لها أثر في الدية والجنايات في محل الكلام متساوية فلا يوجد قتل حتى يقال بأن الجنايات السابقة تدخل في القتل

القول الثاني: ان الموضحتين لا تصيران موضحة واحدة بعد الاتصال بل هما موضحتان وإن وصل الجاني بينهما ففيهما ديتان

وهو مختار فخر المحققين في الايضاح والشهيد في المسالك والاردبيلي في مجمع الفائدة وغيرهم ويستدل عليه بأنه قد وجب عليه ديتان قبل الاتصال والجناية الاخيرة إن لم توجب حقاً مالياً على الجاني فلا أقل من انها لا ترفع ما وجب اولاً

وبعض من التزم بهذا القول ذهب الى أن الجناية الثالثة توجب حقاً للمجني عليه فإن كانت موضحة ففيها دية الموضحة وإن كانت غيرها ففيها ديتها وإن لم يكن لها مقدر شرعي ففيها الحكومة

وهذا الدليل تام اذا كانت الجنايات متعددة كما هو المفروض في هذه المسألة

ومن هنا يظهر أن الصحيح في الفرض الثالث هو القول الثاني

الفرض الرابع: ما اذا كان الاتصال بسبب السراية وفيه قولان

الاول: ما تقدم من القول الاول في الفرض الثالث من أن الموضحتين بعد الاتصال تصيران موضحة واحدة

ويمكن أن يستدل له بنفس الادلة المتقدمة في القول الاول في الفرض الثالث وعمدتها أن الموضحتين بعد الاتصال تصيران موضحة واحدة من دون فرق بين أن يكون الاتصال بفعل الجاني او بالسراية لأن السراية من فعل الجاني لانه السبب فيها بايجاده الموضحة الاولى والثانية -كما صرح بذلك في الشراي

وتقدم الجواب عنه، مضافاً الى عدم وضوح كون السراية من فعل الجاني حتى نلحقه بالفرض الثالث

القول الثاني: إن الموضحتين لا تصيران موضحة واحدة بالسراية، بل لعل عدم صيرورتهما هنا واحدة أوضح مما اذا كان الاتصال بجناية الجاني فيكون لكل منهما حكمها وهذا مختار أصحاب القول الثاني في الفرض الثالث

وهذا هو الصحيح

نعم الفرق بين الفرض الثالث والرابع هو ان الاتصال في الفرض الثالث حصل بسبب جناية الجاني وهي كأي جناية اخرى لا بد أن يكون لها ديتها في حين انه في الفرض الرابع لا توجد جناية بل سراية وتوسعة للجرح وقد تقدم أن سراية الجرح طولاً وعرضاً لا توجب دية زائدة فهناك موضحتان فيهما ديتان وإن سرت احداهما الى الأخرى

ومن هنا يكون الصحيح في المقام هو ما ذهب اليه السيد الماتن (قده) من أن الفرض الثالث والرابع يشتركان في أن الموضحتين لا تصيران موضحة واحدة بعد الاتصال، ويفترقان في ما ذكرناه