الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/10/26

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ديات الشجاج والجراح / أقسام الشجاج

الامر الخامس: في ان الدية المذكورة في النصوص هل تختص في ما اذا كان المجني عليه رجلاً حراً مسلماً؟

مناقشة ما استدل به للتعميم وعدم الاختصاص

اما الدليل الأول وهو التمسك بإطلاق النصوص، فيلاحظ عليه ان دعوى الاطلاق في هذه النصوص مبتنية على كون النسبة المذكورة في هذه النصوص هي نسبة معينة من دية الرجل لا من دية المجني عليه، واما إذا قلنا -كما استقربناه- ان المقصود نسبة معينة من دية المجني عليه فلا إطلاق في الحكم المذكور في الأدلة التي تذكر العدد كالتي تذكر أن في الدامية بعيرين فلا تشمل ما إذا كان المجني عليه امرأة

نعم الاطلاق بالنسبة الى الأدلة التي تذكر النسبة تام، فاذا قال بأن في الدامية نسبة اثنان بالمئة من دية المجني عليه فانه مطلق فإن النسبة موجودة في الجميع، الا ان ما تمثله النسبة من الإبل يختلف باختلاف المجني عليه

ففرق في المذكور في النصوص بين ان فيها بعيرين فهذا لا إطلاق فيه وبين ما فهمناه من هذا الحكم من ان المقصود به هو نسبة معينة من دية المجني عليه ففيه إطلاق

واما الدليل الثاني: وهو دعوى ان المراد بالدية التي تضاف اليها النسبة -سواء صرح بها او فهمناها من النصوص- هي دية الرجل، وعليه فلا تختلف باختلاف المجني عليه

ويلاحظ عليه اننا نمنع من ظهور الدليل في هذا فالمراد بالدية هي نسبة معينة من دية المجني عليه وهو ينتج الاختصاص لا التعميم

والذي يشير الى ذلك هو ان لازم ما يقولون من ان المقصود هو النسبة المعينة من دية الرجل هو ان يكون في عين المرأة الواحدة خمسمائة دينار كما في عين الرجل وفي قطع انف المرأة ألف دينار كما في قطع انف الرجل وفي قطع لسانها ألف دينار، لأن الأدلة تقول ما كان في الانسان منه واحد ففيه الدية كاملة وما كان فيه اثنان ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية

وهذا مما لم يقل به أحد حتى من العامة، وعدم التزامهم بذلك مؤشر على انهم يفهمون ان المراد بالدية هي دية المجني عليه

واما الدليل الثالث: وهو حديث المعاقلة ومفاده أن الديات المقدرة في اقسام الشجاج كما تثبت للرجل تثبت للمرأة ما لم تبلغ ثلث دية الرجل، وقلنا بأن هذا يشمل كل الأقسام ما عدا المأمومة، ولا بد من العمل بهذا الدليل

نعم هذا الدليل لا يشمل العبد والذمي كما انه لا يشمل المأمومة فانه بمقتضى حديث المعاقلة يكون في مأمومة المرأة سدس دية الرجل

واما ادلة الاختصاص

الدليل الأول دعوى ان المراد من الدية في النصوص هي نسبة معينة من دية المجني عليه، وهذا دليل تام وهذا يختلف باختلاف المجني عليه، وهو يقتضي ان تكون الديات المقدرة بالأعداد في نصوص الشجاج -التي فرض فيها ان يكون المجني عليه رجلاً حراً مسلماً ولذا ذكرت بان الدية في الدامية بعيرين وفي الموضحة خمسة من الإبل وهكذا لان الدامية فيها اثنان بالمئة من دية المجني عليه لكن حيث فرض انه رجل قالت اثنان من الإبل- مختصة بالرجل الحر المسلم ولا تكون هذه الاحكام ثابتة في غيره

وبناء على هذا نقول ان النصوص لا يستفاد منها الا ثبوت الاحكام المذكورة فيها فيما إذا كان المجني عليه رجلاً حراً مسلماً، ونفس النصوص ترشدنا الى دية الدامية مثلا فيما إذا كان المجني عليه امرأة لأننا استفدنا منها ان دية الدامية اثنان بالمئة من دية المجني عليه فاذا كان المجني عليه امرأة ففي الدامية بعيراً واحداً وإذا كان عبداً فلا بد ان تكون دية داميته اثنان بالمئة من قيمته وإذا كان ذمياً فاثنان بالمئة من الاربعمائة درهم

وهذا في العبد تام واما المرأة فإن مقتضى النصوص هو أن في داميتها اثنان بالمئة من ديتها أي ان فيها بعيراً واحداً، الا ان حديث المعاقلة يكون حاكماً على هذه النصوص ومفسراً لها ويقول ان المرأة تشارك الرجل في دية الدامية لأنها لم تبلغ الثلث، وما ذكر انما يتم في المأمومة لأنها تبلغ الثلث فتكون دية المرأة نصف دية الرجل واما بالنسبة الى ما قبلها من الأقسام فحديث المعاقلة يقول بأن المرأة تشارك الرجل في الدية

وهذا الدليل تام

الدليل الثاني: ما ورد في موضحة العبد من ان فيها نصف عشر قيمته بينما ذكرت الأدلة أن فيها خمسة من الإبل أي نصف عشر الدية وحيث ان المجني عليه عبداً فيكون نصف عشر الدية هو نصف عشر قيمته

ويدل على ذلك روايتان

الاولى رواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) في رجل شج عبدا موضحة ، قال : ((عليه نصف عشر قيمته)) [1] وقد رواها الشيخ الكليني عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، وعن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن عبيد بن زرارة

اما الطريق الأول ففيه سهل بن زياد، واما الطريق الثاني فليس فيه مشكلة الا من جهة عبد العزيز العبدي فقد نص النجاشي على ضعفه ناقلاً ذلك عن ابن نوح السيرافي، وبقطع النظر عن هذا لا نملك دليلا على وثاقته فتكون الرواية ضعيفة

الرواية الثانية: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمد، عن حريز، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) في رجل شج عبداً موضحة، فقال: ((عليه نصف عشر قيمة العبد لمولى العبد، ولا تجاوز بثمن العبد دية الحر))[2]

والموجود في الوسائل وكذلك في الوافي نقلاً عن التهذيب وكذا في النسخة المخطوطة للتهذيب بحسب نقل السيد الخوئي في المعجم [3] عن الحسن بن محمد، والموجود في التهذيب عن الحسين بن محمد، ولا يخفى ان التهذيب المطبوع اعتمد على نسخ خطية من التهذيب

وذكر السيد الخوئي[4] ان الصحيح هو الحسن بن محمد، ولعل توجيهه هو ان الشيخ في مشيخة التهذيب ذكر طريقه الى كلا العنوانين وكلا الطريقين صحيح لكن المراد بالحسين بن محمد الأول هو الحسين بن محمد الاشعري وهو من اجلاء مشايخ الكليني وقد أكثر الرواية عنه ومن الواضح انه لا يمكن ان يروي عن حريز لاختلاف الطبقة فحريز من الخامسة بينما الاشعري من الثامنة

واما الحسن بن محمد فالمراد به الحسن بن محمد بن سماعة وذكر الشيخ الطوسي له طريقين في المشيخة وعلى الأقل الثاني منهما صحيحة وهو يمكن ان يروي عن حريز لأنه من الطبقة السادسة وروى عن الخامسة وحريز من الخامسة

ومن هنا تكون الرواية تامة سنداً

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص388، أبواب دیات الاعضاء، باب8، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص389، أبواب دیات الاعضاء، باب8، ح5، ط آل البيت.
[3] معجم رجال الحديث، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج7، ص78.
[4] معجم رجال الحديث، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج5، ص243.