الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/10/20

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ديات الشجاج والجراح / أقسام الشجاج

الامر الثالث: في احكام اقسام الشجاج

ذكرنا بأن الفقهاء ذكروا الجائفة بعد ذكر الأقسام الثمانية وذكرنا بانه لا اشكال بحسب الروايات بأن فيها ثلث الدية وبعض الروايات تقول أن فيها ثلاثة وثلاثون بعيراً ومن هنا قلنا ان حكم الجائفة من حيث جواز الاكتفاء فيها بدفع الثلاثة وثلاثين بعيراً او عدم الاكتفاء بذلك نفس الكلام في المأمومة

نعم في الجائفة وقع الكلام في أمرين:

الأول: في معنى الجائفة وهل انها تختص بالرأس والوجه او انها تعم الجسد فإن الجائفة هي التي تصل الى الجوف، وبناء على الاختصاص تكون مرادفة للدامغة التي تقدم الحديث عنها

الثاني: ان الحكم بأن فيها ثلث الدية هل يختص بخصوص ما كان في الوجه والرأس او يعم الجسد،

والبحث الثاني مترتب على البحث الأول، بمعنى انه إذا قلنا بالاختصاص في البحث الأول فلا بد أن نقول بالاختصاص في البحث الثاني، وانما يقع الكلام في البحث الثاني بناءً على التعميم فيقال بأن الحكم بأن فيها ثلث الدية هل يعم كل جائفة او انه يختص بجائفة الرأس

اما الامر الأول فالجائفة تفسر لغة وعرفاً بانها التي تصل الى الجوف، قال في العين (الجائفة الطعنة تدخل الجوف) وكذا ذكر في الصحاح، وما يفهم منها عرفاً هو ذلك، وتفسيرها بهذا التفسير يقتضي التعميم بل لعل صدق الجائفة على جائفة البطن أوضح من صدقه على جائفة الرأس لأن الجوف لغة هو البطن ومنه قيل الاجوفان للتعبير عن البطن والفرج فصدق الجائفة على جائفة البطن أوضح من صدقها على جائفة الرأس

والفقهاء فهموا ذلك أيضاً لأنهم بعد أن عرفوا الجائفة بانها التي تصل الجوف أضافوا (من أي الجهات كان ولو من ثغرة النحر بإبرة)

قال الشيخ الصدوق (قده) في الفقيه (ومن الشجاج والجراحات الجائفة وهي التي تبلغ من الجسد الجوف وفي الرأس الدماغ)

وفي المقابل ذكر الفقهاء وجود أمور تقتضي الاختصاص منها ما ورد في رواية أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ((وفي الجائفة ثلث الدية، وهي التي قد بلغت جوف الدماغ ))[1]

وذكر في الكافي ثم (ثُمَّ الْجَائِفَةَ وَ هِيَ الَّتِي تَصِيرُ فِي جَوْفِ الدِّمَاغِ)[2]

وفي المقنع عبر (وهي التي قد بلغت جوف الدماغ) فعبر بنفس تعبير الرواية

ويفهم من هذه العبارات أن الجائفة تختص بالرأس ومقتضى ذلك أن تكون من الشجاج فتكون مراتب الشجاج تسعة

وما يمكن أن يقال ان رواية ابي بصير -بقطع النظر عن سندها- وكذا كلام الشيخ الكليني في الكافي والشيخ الصدوق لا يبعد ان يحمل على إرادة ما إذا كانت في الرأس وليسوا في مقام بيان معنى الجائفة وانما هم في مقام بيان جائفة الرأس ولعل القرينة على هذا في كلام العلمين انهما كانا في مقام بيان أقسام الشجاج، وليسوا في مقام بيان وتعريف معنى الجائفة لغة

وظاهر كلام فقهائنا انهم متفقون على التعميم ولم أجد أحداً يقول بالاختصاص والوجه في ذلك هو ان المعنى العرفي واللغوي للجائفة لم يؤخذ فيه الاختصاص بالرأس

وقد أشرنا الى انه قد يكون صدق الجائفة على الجسد أوضح من صدقه على الرأس

والفقهاء أشاروا الى أن الجائفة فيها هذا البحث ولم يذكروا ذلك في الهاشمة فقد ذكروا فيها عدم اختصاصها بالجرح كما تقدم ولكن لم يذكروا عدم اختصاصها بالرأس مع ان الهاشمة كالجائفة ليست مختصة بالرأس لغة، فالهاشمة هي التي تكسر العظم، خصوصاً أن الهاشمة تختلف عن الجائفة فإن الجائفة وردت في سياق المأمومة والموضحة وغيرها من المختصات بالرأس بينما الهاشمة لم ترد في سياق المراتب الأخرى فقد وردت لوحدها فإن دليلها روايتي السكوني المتقدمتين فتبقى على إطلاقها

وعلى كل حال لم ينبهوا على عدم اختصاص الهاشمة بالرأس والمناسب هو التنبيه على عدم الاختصاص

وقد يتبين من هذا وفاقاً للفقهاء ان المعنى اللغوي والعرفي عام ولم يختص بجائفة الرأس ولذلك لم يعتبرها الفقهاء من أقسام الشجاج

اما البحث الثاني فذكر في الجواهر (لم أجد من احتمل اختصاص الثلث بما إذا كانت في الرأس الا الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان) ولعل المحقق الاردبيلي يقول بذلك لأجل ان النصوص التي تعرضت لحكم الجائفة ناظرة الى جائفة الرأس

ونضيف اليه أن الاختصاص يمكن ان يستفاد من صحيحة معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الشجة المأمومة ، فقال : ((ثلث الدية ، والشجة الجائفة ثلث الدية))[3] لأن الوارد فيها الشجة الجائفة، فالشجة موصوف والجائفة وصف أي الشجة الموصوفة بانها جائفة وقد مر أن الشجة تختص بالرأس وان الجرح في غير الرأس يسمى جرحاً بقول مطلق فاذا قلنا بأن ثلث الدية ثابت في الشجة الموصوفة بانها جائفة فواضح ان هذا الحكم يختص بجائفة الرأس

وكذلك صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ((في الموضحة خمس من الابل ، وفي السمحاق أربع من الابل ، والباضعة ثلاث من الابل ، والمأمومة ثلاث وثلاثون من الابل ، والجائفة ثلاث وثلاثون، والمنقلة خمس عشرة من الابل))[4]

فان وحدة السياق فيها يقتضي الاختصاص بالرأس فانه يتحدث عن الشجاج المختصة بالرأس قبلها وبعدها

ولكن في المقابل توجد معتبرة ظريف وهي ظاهرة في ثبوت الحكم في جائفة الصدر حيث ورد فيها ((وفي الاضلاع مما يلي العضدين دية كل ضلع عشرة دنانير إذا كسر .... وفي الجائفة ثلث دية النفس ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار))[5]

فنلتزم بكل منهما، والنتيجة هي انه لا إختصاص للحكم بجائفة الراس خلافاً للمقدس الاردبيلي (قده)

الامر الرابع: هل يجوز دفع الدية من غير الإبل او لا؟

وما يثير هذا السؤال هو أن معظم الروايات تركز على أن الدية من الابل فهل يجوز ان يدفع من غير الابل بأن يلاحظ النسبة الى الدية الكاملة ويدفع بنسبتها من الدنانير او غيرها، او لا؟

 


[1] وسائل الشيعة: 29/380 ح9.
[2] الكافي: 7/329.
[3] وسائل الشيعة: 29/381، ح12.
[4] وسائل الشيعة: 29/379، ح4.
[5] وسائل الشيعة: 29/ 305، الباب الثالث عشر من أبواب ديات الأعضاء ح1.