الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/10/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ديات الشجاج والجراح / أقسام الشجاج

الامر الثالث: في احكام اقسام الشجاج

قلنا ان في المأمومة ثلث الدية وعرضنا الروايات الدالة على ذلك وتبين ان معظم هذه الروايات تذكر ان في المأمومة ثلث الدية نعم في معتبرة ظريف ورد ان دية المأمومة ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار وقلنا بانها لا تنافي الروايات السابقة باعتبار ان هذا هو ثلث الدية بحساب الدنانير نعم في صحيحة الحلبي ومعتبرة زرارة ذكرت ان فيها ثلاثة وثلاثون بعيراً وهذه قد تكون منافية لما سبق لأن ثلث الدية ثلاثة وثلاثون بعيراً وثلث بعير واما الفقهاء فالأكثر ذكر ان فيها ثلث الدية واذا طبقناه على الدنانير يكون ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث واما اذا طبقناه على الابل يكون فيها ثلاثة وثلاثون بعيراً وثلث بعير

ونادرا ما نحصل على فقيه يصرح بأن فيها ثلاثة وثلاثون بعيراً وثلث بعير

نعم صرح العلامة في القواعد بذلك ويفهم من كلام الشيخ الطوسي في المبسوط انه ثلاثة وثلاثون بعيرا وثلث بعير حيث قال (فأما المأمومة فهي التي تبلغ أم الرأس، و أم الرأس الخريطة التي فيها الدماغ لأن الدماغ في خريطة من جلد رقيق، و الدامغة تزيد على المأمومة بأن يخرق الخريطة و اتصل إلى جوف الدماغ، و الواجب فيهما سواء ثلث الدية بلا خلاف، لقوله (عليه السلام) في المأمومة ثلث الدية، و المجني عليه بالخيار بين أن يعفو عن قود الموضحة و يأخذ كمال ديتها ثلث الدية، و بين أن يقتص من الجاني موضحة و يأخذ ما بقي إلى المأمومة ثمانية و عشرين بعيرا و ثلث بعير)[1]

لا بد من افتراض ان المأمومة تستبطن الموضحة

وهو يقول بان المجني عليه مخير فبإمكانه ان يعفو عن الموضحة ويأخذ تمام دية المأمومة وبين ان يقتص من الموضحة ويأخذ ما بقي من المأمومة، فاذا طرحنا دية الموضحة من دية المأمومة فالباقي ثمانية وعشرون وثلث كما صرح هو بذلك فالعبارة تكاد تكون صريحة انه لا بد من دفع الكسر

ولكن في المقابل ظاهر كلام جماعة من الفقهاء بل صريحه الاكتفاء بدفع ثلاثة وثلاثون بعيراً بلا كسر كالسيد في الناصريات والشيخ في النهاية والمحقق في الشرائع وابن ادريس في السرائر بالرغم من انهم صرحوا بأن دية المأمومة ثلث الدية وأصرح كلام في هذا الباب هو ما ذكره الشيخ ابن ادريس في السرائر (وفي الثامنة ثلث دية النفس وهي ثلاثة وثلاثون بعيرا فحسب بلا زيادة ولا نقصان ان كان من أصحاب الابل ولم يلزمه اصحابنا ثلث البعير الذي تكتمل به ثلث المئة بعير لان رواياتنا هكذا مطلقة وكذا في تصنيفاتهم واقوال مشايخهم وفتاواهم واجماعهم منعقد على هذا الاطلاق او ثلث الدية من العين والرق لان ذلك يتحدد فيه الثلث ولا يتحدد في الابل والبقر والغنم ) وهو صريح في الاكتفاء بثلاثة وثلاثين بعير

ودليلهم صحيحة الحلبي ومعتبرة زرارة، وعللوه بان الثلث لا يتحدد في الإبل وهذا التعليل يقتضي تعميم الحكم للبقر والغنم ففي البقر لا بد ان يكتفى بدفع ستة وستون بقرة ومن الغنم يكتفى بدفع ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون شاة

ولا يوجد في النصوص ما فيه تصريح بلزوم دفع الثلث ولكن توجد روايات كثيرة تقتضي لزوم دفع الثلث وهي الروايات التي تقول في المأمومة ثلث الدية

والذي يظهر ان مستند الشيخ في المبسوط والعلامة في القواعد هو الروايات التي تقول ان المأمومة فيها ثلث الدية فلا بد ان يدفع الثلث في باب الإبل

ومن هنا يظهر بان الخلاف في ما اذا دفعها من الإبل فهل عليه ان يدفع هذا الكسر الزائد وعلى غرار هذا يمكن اسراء هذا الخلاف الى البقر والغنم ايضاً

ذهب جماعة من الفقهاء الى الاكتفاء بثلاثة وثلاثين وصرحوا بذلك ومستندهم صحيحة الحلبي ومعتبرة زرارة، واخرون صرحوا بضرورة دفع الكسر ومستندهم الروايات المصرحة بأن المأمومة فيها ثلث الدية

فكأن الامر يدور بين أن نعمل بصحيحة الحلبي ومعتبرة زرارة ولكن لا بد أن نحمل روايات ثلث الدية على المسامحة والتجوز في الثلث

او أن نأخذ بروايات الثلث ونحملها على الثلث الحقيقي ونحمل صحيحة الحلبي ومعتبرة زرارة على أنها من باب التخفيف في اللفظ والتجوز في العدد بالاقتصار على الاعداد الصحيحة والإيماء على اكمال الثلث لأنه واجب كما ذكروا

وما يمكن أن يقال إن هناك احتمال ثالث وهو أن نأخذ بكلا الدليلين أي نأخذ بظاهر روايات ثلث الدية ونلتزم بأن المقصود بها الثلث الحقيقي وكذلك نأخذ بظاهر صحيحة الحلبي ومعتبرة زرارة الدالة على الاكتفاء بثلاثة وثلاثين لكن نحملها على الاكتفاء بالأقل من الواجب من باب الارفاق والتسهيل على المكلف لما ذكره الفقهاء من أن الثلث يصعب تحديده في الإبل

فدية المأمومة هي الثلث الحقيقي ولكن حيث يصعب تحديده في الإبل اكتفى الشارع بالثلاثة والثلاثين من باب التسهيل

والظاهر أن هذا هو الأقرب إذ به نحافظ على ظهور الروايتين، ويبرره ما ذكره الفقهاء من أن الثلث يصعب تحديده في الإبل

والنتيجة انه في الإبل يكفي أن يدفع الثلاثة والثلاثين بعير واما في البقر والغنم فاذا عممنا هذا نكتفي أيضاً بالأعداد الصحيحة واما في الدرهم والدينار فلا بد من دفع الكسور

ثم ان المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد ذكروا الدامغة بعد المأمومة وفسروها بانها التي تفتق الخريطة التي هي ام الدماغ وذكروا أن السلامة معها بعيدة فهي غالباً توجب القصاص وذكر العلامة في القواعد على تقدير السلامة تثبت زيادة حكومة على دية المأمومة لعدم التقدير شرعاً، لان الدامغة مأمومة وزيادة فتثبت فيها دية المأمومة والزيادة لا مقدر لها شرعاً ففيها الحكومة

والدامغة لا تقدير لها وحله ما ذكره العلامة فان الدامغة مسبوقة بالمأمومة فنأخذ بدية المأمومة والزائد فيه الحكومة

والسيد الماتن ذكر الجائفة وقد وردت في روايات كثيرة وكلها تقول أن فيها ثلث الدية

صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : في الموضحة خمس من الابل ، وفي السمحاق أربع من الابل ، والباضعة ثلاث من الابل ، والمأمومة ثلاث وثلاثون من الابل ، والجائفة ثلاث وثلاثون))[2]

صحيحة معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الشجة المأمومة ، فقال : ((ثلث الدية ، والشجة الجائفة ثلث الدية))[3]

معتبرة ابي مريم ((وفي الجائفة الثلث))[4]

ورواية العلاء بن الفضيل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ـ في حديث ـ قال : الموضحة خمسة من الابل ..... والجائفة ثلث الدية))[5]

ورواية زيد الشحام عن ابي عبد الله (عليه السلام) ((وفي الجائفة ثلث الدية))[6]

والكلام في الجائفة من حيث جواز الاكتفاء بثلاثة وثلاثين من الإبل او عدم جوازه كالكلام في المأمومة

والنتيجة انه يجوز له أن يدفع ثلاثة وثلاثون بعيراً ولا يجب عليه دفع الكسر نعم إذا اختار ان يدفع من الدراهم او الدنانير فلا بد ان يدفع الكسر

نعم وقع الكلام في ان الجائفة هل تعد من الشجاج او لا؟

 


[1] المبسوط: 7/122.
[2] وسائل الشيعة: 29/379، ح4.
[3] وسائل الشيعة: 29/381، ح12.
[4] وسائل الشيعة: 29/381، ح13.
[5] وسائل الشيعة: 29/382، ح16.
[6] وسائل الشيعة: 29/379، ح5.