الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/10/12

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ديات الشجاج والجراح / أقسام الشجاج

الامر الثاني: في تفسير أقسام الشجاج

ذكرنا بأن جماعة حكي عنهم الذهاب الى أن الخارصة هي الدامية وأن في كل منهما بعيراً واحداً وذكرنا استدلالهم على ذلك بصحيحة منصور بن حازم ومعتبرة السكوني بتقريب أن كلتا الروايتين ذكرت السمحاق وجعلته المرتبة الرابعة وأن فيه اربعة من الابل ومعنى هذا أن ما قبله ثلاث مراتب والروايتان تتفقان على أن المرتبة الاولى فيها بعير واحد والثانية فيها بعيران والثالثة فيها ثلاثة اباعر غاية الامر أن المعتبرة سمت المرتبة الاولى بالدامية، وعبرت عنها الصحيحة بالحارصة

قالوا يفهم من هذا أن الحارصة هي الدامية وانه لا تغاير بينهما

لكن الأكثر والمشهور ذهب الى التغاير بينهما مستدلين على ذلك بصحيحة منصور بن حازم نفسها فهي وإن ذكرت في الحرصة بعير ولكنها عطفت على ذلك الحكم ان في الدامية بعيران، وهذا صريح في التغاير بينهما وعلى الأقل المغايرة بلحاظ الحكم

ومما يؤيد انهما متغايران هو تغاير مبدأ الاشتقاق فمبدأ اشتقاق الحارصة من حرص اما بمعنى الشق او القشر، والدامية مشتقة من الإدماء وخروج الدم، ويؤيد ذلك أن ظاهر الفقهاء الإتفاق على أن الباضعة فيها ثلاث من الابل وسرّ اتفاقهم على هذا وجود روايات صحيحة كثيرة تدل على أن الباضعة فيها ثلاث من الابل

منها صحيحة عبد الله بن سنان عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : ((في الباضعة ثلاث من الابل))[1]

ومنها صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ((في الموضحة خمس من الابل ، وفي السمحاق أربع من الابل ، والباضعة ثلاث من الابل))[2]

والظاهر أن كون الباضعة فيها ثلاث من الابل يستلزم المغايرة بين الحارصة والدامية في الحكم على الأقل لأنه اذا لم نقل بذلك وقلنا بالترادف وعدم التغاير بين الحارصة والدامية وأن ديتهما بعير واحد يلزم أن تكون المرتبة الثانية التي فيها بعيران شاغرة لأننا أدخلنا الدامية في المرتبة الاولى فلم يبق الا المتلاحمة والباضعة وقد اتفقوا على أن في المتلاحمة ثلاث من الابل ودلت معتبرة السكوني على ذلك فلا يمكن أن تكون هي المرتبة الثانية فلم يبق الا الباضعة فاذا دلت الأدلة على أن فيها ثلاث من الابل يلزم أن تبقى المرتبة الثانية شاغرة

وحيث ان هذا لا يمكن الالتزام به فلا بد أن نلتزم بتغاير الحارصة مع الدامية وأن الحارصة تمثل المرتبة الاولى وفيها بعير واحد والدامية تمثل المرتبة الثانية وفيها بعيران

وهنا لديهم بحثان:

الاول: في الترادف بين الحارصة والدامية وعدمه

الثاني: في الترادف بين الباضعة والمتلاحمة وعدمه

والظاهر أن البحث الثاني مترتب على الاول بمعنى انه اذا قلنا بترادف الحارصة مع الدامية فلا بد أن نقول بعدم ترادف الباضعة مع المتلاحمة أي أن نقول أن الباضعة هي المرتبة الثانية والمتلاحمة هي المرتبة الثالثة

كما أن عدم ترادف الحارصة مع الدامية يستلزم ترادف الباضعة مع المتلاحمة كما ذهب المشهور الى ذلك

والصحيح هو ما ذهب اليه المشهور أي إن الحارصة غير الدامية معنى وحكماً وسيأتي أن الدليل على ذلك هو صحيحة منصور بن حازم، وأن الباضعة والمتلاحمة مترادفان معنى وحكماً

نعم تواجهنا مشكلة ما في معتبرة السكوني التي صرحت أن الدامية فيها بعير، وسيأتي علاجها

المرتبة الثانية: الدامية

مما تقدم تبين أن الدامية هي الشجة التي تنفذ في اللحم قليلاً وتوجب سيلان الدم، وقلنا بأن هذين امران متلازمان فيمكن الاكتفاء بأحدهما

المرتبة الثالثة: المتلاحمة

وقد اتفقوا على تفسيرها بالشجة التي تأخذ في اللحم وتنفذ فيه كثيراً لكن لا تبلغ السمحاق وهو الغشاء الرقيق الذي يفصل بين اللحم والعظم، وبهذا المعنى تكون المتلاحمة مرادفة للباضعة التي فسرها في العين بانها شجة تقطع اللحم وفي النهاية لإبن الأثير بأنها التي تأخذ في اللحم وتقطعه

وحكي عن الازهري أن الوجه أن يقال اللاحمة أي القاطعة للحم وإنما سميت بذلك (متلاحمة) على ما يؤول اليه او على التفاؤل

وهذا هو معنى الباضعة

المرتبة الرابعة: السمحاق

ففسرت في كلماتهم بالشجة التي تقطع جميع اللحم وتصل الى جلدة رقيقة تغطي العظم وتسمى بالسمحاق

المرتبة الخامسة: الموضحة

وفسرت بالشجة التي تكشف عن وضح العظم أي بياضه بازالة الجلدة التي عليه ، ومن المناسب أن تقرأ باسم الفاعل (موضِحة)

المرتبة السادسة: الهاشمة

وفسروها بالشجة التي تهشم العظم وتكسره اي انها تقطع الجلد

المرتبة السابعة: المنقلة

وفسروها بتفسيرات لكن يمكن ارجاعها الى معنى واحد، ففي الكافي هي التي تنقل العظم من الموضع الذي خلقه الله له

وفي المقنع هي التي صارت قرحة تنقل منها العظام

وفي المقنعة والناصريات هي التي تكسر العظم كسراً يفسده و يحتاج الى نقله

وفي النهاية والشرايع هي التي تحوج الى نقل العظم من موضعه

وفي الغنية انها التي تحوج مع كسر العظم الى نقله من موضع الى آخر

ويجمع الكل أن يقال بأنها الشجة التي تكون سبباً لنقل العظم بعد هشمه اما مباشرة او انها تحوج الى نقله

المرتبة الثامنة: المأمومة

وفسرت بأنها الشجة التي تصل الى أم الرأس كما في النهاية والشرايع، وفي الكافي والمقنعة الى أم الدماغ

والمقصود هي الخريطة الجامعة للدماغ، فالمأمومة تصل اليها لكن لا تفتقها

والظاهر أن العامة متفقين معنا تقريباً في تفسير هذه الاقسام فيمكن مراجعة : المحلى 10/461 وبداية المجتهد 414، وفقه السنة 507


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص379، أبواب ديات الشجاج، باب2، ح4، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص378، أبواب ديات الشجاج، باب2، ح1، ط آل البيت.