الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/10/11

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الديات/ديات الشجاج والجراح / اقسام الشجاج

الامر الثاني: في تفسير اقسام الشجاج

الذي يفهم من النصوص وكلمات الفقهاء أن كل مرتبة لا بد أن تكون أشد من التي قبلها وأخف من التي بعدها فما فيه بعيران لا بد أن يكون أشد مما فيه بعير واحد وأخف مما فيه ثلاثة

فالدامية المفسرة بأنها التي تشق الجلد واللحم قليلاً او التي يخرج منها الدم لا بد أن تكون أشد من الحارصة التي تشق الجلد ولا بد أن تكون أخف من المتلاحمة التي تشق اللحم كثيراً والمتلاحمة أخف من السمحاق التي تصل الى الغشاء الذي فوق العظم وهي أخف من الموضحة التي تشق الغشاء الذي يحيط بالعظم حتى يظهر بياضه

وعلى هذا الأساس كانت الدية كذلك، فكلما كانت الشجة أشد تكون الدية فيها أكثر من الشجة التي قبلها

وبناء على هذا نقول أما الحارصة (بالحاء لا بالخاء) فلها تفسيران:

الاول: هي التي تقشر الجلد كما في الشرايع والنافع وكشف الرموز وغيرها وهو المحكي عن بعض كتب اللغة

والمحكي عن تهذيب اللغة للزبيدي (أصل الحرص القشر وبه سميت الشجة حارصة وقيل للشره حريص)

الثاني: انها الشجة التي تشق الجلد كما في المقنعة والانتصار والسرائر وهو المحكي عن أكثر أهل اللغة وهو واضح من مراجعة كتب اللغة كالعين والصحاح ولسان العرب وغيرها، قال في العين والحارصة شجة تشق الجلد قليلاً كما يحرص القصار الثوب عند الدق

والكلام يقع في أن قشر الجلد وشقه هل هما بمعنى واحد كما يفهم من بعض اهل اللغة وغيرهم حينما عطفوا أحدهما على الآخر فقد يفهم منه انهما بمعنى واحد

او انهما مختلفان فالحارصة هي التي تشق الجلد، واما التي تقشر الجلد تسمى بالقاشرة كما نقل ذلك في كشف اللثام عن السامي بالاسامي للعيداني

اقول الظاهر انهما مختلفان لأن قشر الجلد يعني كشطه وإزالته عن موضعه وهو غير شق الجلد

والذي يبدو من كلمات أغلب اللغوين الذين أمكن مراجعة كلماتهم انهم يتفقون على التفسير الثاني للحارصة اي انها التي تشق الجلد، نعم كثير من الفقهاء فسروها بالتفسير الاول

فاذا اكتفينا بما ذهب اليه أغلب اللغويين -والمخالف فقط هو الازهري على ما ينقل- من تفسيرها بأنها التي تشق الجلد -كما هو غير بعيد- فحينئذ يتعين تفسيرها بالتفسير الثاني

واما اذا ترددنا في ذلك ولو من جهة ذهاب أكثر فقهائنا الى التفسير الآخر فالصناعة تقتضي أن نأخذ بالمتيقن من كلمات اللغويين والفقهاء، والمتيقن هو أن الحارصة تصدق على الشجة التي تقشر الجلد حتماً، باعتبار أن الظاهر ان قشر الجلد وسلخه يستلزم شقه فلا يمكن تصور قشر الجلد من دون شقه وإن كان العكس ممكناً فيمكن تصور شق الجلد من دون قشره

فالحارصة تصدق قطعاً على الشجة التي تقشر الجلد لأن قشر الجلد يستلزم شقه، واما الشجة التي لا توجب الا شق الجلد دون قشره فلا وضوح في إدراجها في الحارصة وحينئذ لا بد من إدخالها في القاعدة التي تقول بأن كل ما ليس له مقرر شرعاً يلتزم فيه بالحكومة

هذا كله اذا لم يحصل اطمئنان بذهاب معظم اللغويين الى تفسير الحارصة بانها الشجة التي تشق الجلد قليلاً

ثم هل يعتبر في الحارصة أن لا تأخذ من اللحم وأن لا تكون موجبة لجريان الدم؟

والجواب عن هذا السؤال يرتبط بتحديد الشجة التي تقع في المرتبة الثانية بعد الحارصة وهي الدامية وتارة نفسرها بأنها الشجة التي تنفذ في اللحم قليلاً كما في كلمات كثير من الفقهاء كالشرائع والمختصر والسرائر وكشف الرموز والتحرير واللمعة والمسالك على ما حكي

فلا بد من إعتبار عدم الأخذ من اللحم ولو قليلاً في الحارصة حتى تكون الحارصة مرتبة في مقابل الدامية

هذا اذا فسرنا الدامية بأنها الشجة التي تنفذ في اللحم، وأما اذا فسرنا الدامية بأنها الشجة التي يسيل منها الدم فلا بد من اعتبار عدم سيلان الدم في الحارصة

وتعريف الدامية بهذا موجود في الكافي والمقنعة والانتصار والمراسم، وفي قواعد العلامة عرفها بانها الشجة التي يخرج معها الدم وتنفذ في اللحم، فجمع بين خروج الدم والنفوذ في اللحم، فلا بد من أن نأخذ في الحارصة عدم خروج الدم وعدم النفوذ في اللحم

وهذا الاحتمال يمكن استبعاده إذ لا يمكن أن نأخذ في الحارصة عدم خروج الدم

يمكن أن نأخذ فيها عدم سيلان الدم لأن شق الجلد عادة يستلزم خروج الدم ولو قليلاً وكذلك قشر الجلد

فيدور الأمر بين الاحتمالين الاولين الاحتمال الذي يقول بأن الدامية هي التي تنفذ في اللحم قليلاً والثاني بأنها التي يسيل منها الدم والظاهر أنه لا منافاة بينهما بل الملازمة بينهما عادة، فمن الصعوبة أن نتصور تحقق أحدهما بدون الآخر

وبناء على هذا لا بد من اعتبار عدم أحدهما في الحارصة

وهذا الامر يمكن أن يستفاد من صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) ((في الحرصة شبه الخدش بعير))[1]

والخدش فضلاً عن شبه الخدش عادة لا يأخذ في اللحم ولا يوجب سيلان الدم، فيفهم من الصحيحة اعتبار عدم الأمرين في الحارصة

ثم إن جماعة من الفقهاء كالشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف وابن زهرة في الغنية وابن حمزة في الوسيلة والكيدري في إصباح الشيعة ويحيى بن سعيد في الجامع

ذهبوا الى أن الحارصة هي الدامية ولذا جعلوا المتلاحمة في المرتبة الثانية واستدلوا على ذلك بما ورد في

معتبرة السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) ، ((أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى في الدامية بعيرا ، وفي الباضعة بعيرين ، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة ، وفي السمحاق أربعة أبعرة))[2]

بضميمة ما ورد في صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) ((في الحرصة شبه الخدش بعير ، وفي الدامية بعيران ، وفي الباضعة وهي ما دون السمحاق ثلاث من الابل ، وفي السمحاق وهي دون الموضحة أربع من الابل ، وفي الموضحة خمس من الابل))

وتقريب الاستدلال بأن كلتا الروايتين جعلتا السمحاق في المرتبة الرابعة وفرض في كلتاهما وجود ثلاث مراتب قبله وكل منهما جعل في المرتبة الاولى بعير واحد غاية الأمر أن صحيحة منصور سمّت المرتبة الاولى بالحارصة ومعتبرة السكوني سمّتها بالدامية

وهذا معناه أن الدامية هي نفس الحارصة

وفي المقابل ذهب الأكثر كما في الشرايع والنافع والتحرير والمسالك، والمشهور كما في كشف اللثام الى أن الدامية غير الحارصة واستدلوا بصحيحة منصور بن حازم لأنها ذكرت الحارصة وقالت فيها بعير ثم ذكرت الدامية وقالت فيها بعيران

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص382، أبواب ديات الشجاج والجراح، باب2، ح14، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص380، أبواب ديات الشجاج والجراح، باب2، ح8، ط آل البيت.