الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/10/10

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: كتاب الديات / /ديات الشجاج والجراح

 

دية الشجاج والجراح

الشجاج: هو الجرح المختصّ بالرأس والوجه، وهو على أقسام:

الأوّل: الخارصة وقد يعبّر عنها بالدامية، وهي التي تسلخ الجلد ولا تأخذ من اللحم، وفيها بعير، أي جزء من مائة جزء من الدية

 

الشجاج بالكسر جمع شجة بالفتح، واختصاص الشجاج بالجرح الواقع في الرأس والوجه -كما ذكره السيد الماتن- ذكره جماعة من الفقهاء كما في إصباح الشيعة والمهذب البارع والغنية والقواعد للعلامة والروضة وغيرها

وذكروا بأن الجرح في غير الوجه والرأس يسمى جرحاً بقول مطلق، وهذا هو المذكور في بعض كتب اللغة كلسان العرب

لكن المذكور في غير لسان العرب من الكتب اللغوية هو الاختصاص بالرأس من قبيل العين والصحاح ومجمع البحرين وغيرها

وفي النهاية الاثيرية ذكر أن الشج في الأصل مختص بالرأس ثم استعمل في غيره من الاعضاء

وعلى كل حال فالشجة والشجاج لم ترد بهذا العنوان في النصوص، والوارد في النصوص هي اقسام الشجاج الثمانية التي ستأتي، ومن هنا يتبين انه ليس المهم هو تحديد معنى الشجاج وانما المهم هو تحديد هذه الاقسام الواردة في النصوص ومعرفة هل تختص بالرأس او تشمل الرأس والبدن، كالحارصة مثلاً ويترتب على هذا أمر مهم فلو راجعنا النصوص ووجدناها تقول أن في الحارصة بعير واحد، والحارصة هي الشجة التي تقشر الجلد او تشق الجلد فبناء على عدم الاختصاص سوف نعمم الحكم الموجود في الروايات للحارصة لكل شجة توجب شق الجلد في سائر البدن ولا يختص الحكم بخصوص الرأس او الرأس مع الوجه

واما اذا استفدنا من الادلة الاختصاص فيختص الحكم بهذا ولا يشمل الحارصة التي تكون في سائر البدن

فالمهم هو مراجعة معاني الاقسام المذكورة في النصوص

ما نقوله ان الظاهر من كلمات اللغويين وكذا كلمات الفقهاء اختصاص أقسام الشجاج بالرأس وحده او مع الوجه

مثلا الحارصة فسرت في كلمات اللغويين بأنها الشجة التي تشق الجلد او تقشر الجلد

قال في العين والحارصة شجة تشق الجلد قليلاً كما يحرص القصار الثوب عند الدق

وفي الصحاح الحرص الشق والحارصة الشجة التي تشق الجلد قليلاً

وفي اللسان قال الحرص الشق والحارصة اول الشجاج وهي التي تحرص الجلد أي تشقه قليلاً

وعن تهذيب اللغة أصل الحرص القشر وبه سميت الشجة حارصة

ومن هنا يظهر أن الحارصة شجة وحينئذ لا بد أن نرجع الى معنى الشجة لنعلم هل الحارصة مختصة بالرأس وحده او مع الوجه او مع اليد

وذكرنا أن الشجة في كلمات اللغويين مختصة بالرأس وحده او مع الوجه وهذا يعني أن الحارصة تختص بذلك ولا تشمل سائر الأعضاء؛ بإعتبار أن الشجة أخذت في تعريف الحارصة

وهكذا في سائر أقسام الشجاج الثمانية المذكورة في النصوص فإن الشجة مأخوذة فيها، فالمنقلة هي الشجة التي تنقل العظام والهاشمة هي الشجة التي تهشم العظام

وهكذا الباضعة مثلاً فقد عرفها في العين بانها شجة تقطع اللحم، وفي الصحاح بانها الشجة التي تقطع الجلد وتشق اللحم وتدميه

وهكذا في سائر أقسام الشجاج فالجامع بينها انها شجة وتختلف ببعض الخصوصيات المميزة لبعضها عن البعض الآخر وعلى هذا الأساس جعلت هذه الأقسام من أقسام الشجاج

فاذا جاءت رواية تقول أن الباضعة فيها ثلاثة من الإبل فهي تختص بالشجة التي تكون في الرأس او في الرأس والوجه اما الباضعة التي تكون في الرجل او اليد فلا تشملها النصوص ونرجع فيها الى القاعدة التي تقول كل ما لا مقدر له شرعاً ففيه الحكومة

فالوجه في ما ذكره السيد الماتن من اختصاص الشجاج بالوجه والرأس هو ما ذكرناه

نعم عرفت أن الموجود في أكثر كتب اللغة الاختصاص بالرأس ولكن مع ذلك نرى الفقهاء وبعض اللغويين يعممونها للوجه والظاهر أن التعميم عند الفقهاء مستفاد من الروايات -والله العالم- كما في

رواية الحسن بن صالح الثوري ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : سألته عن الموضحة في الرأس كما هي في الوجه؟ فقال : ((الموضحة والشجاج في الوجه والرأس سواء في الدية لان الوجه من الرأس ، وليست الجراحات في الجسد كما هي في الرأس))[1] والمشكلة في الرواي المباشر فانه لم تثبت وثاقته وهو موجود في كل الطرق، والرواية صريحة جداً خصوصا باعتبار التعليل

ومعتبرة السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ((إن الموضحة في الوجه والرأس سواء))[2]

فلعل الفقهاء استندوا الى هذه الروايات في عدم اختصاص هذه الشجاج بالشجة في الرأس وتعميمها للوجه

إذا اتضح هذا نقول إن الكلام يقع في أمور:

الامر الأول: في عدد هذه الأقسام وترتيبها

الامر الثاني: في تفسيرها وبيان المراد منها

الامر الثالث: في احكامها وبيان مقدار دياتها

الامر الرابع: في جواز دفع الدية من غير الإبل، بان نلاحظ نسبة البعير الواحد الى الدية الكاملة وهي جزء واحد من مئة جزء فنأخذ بهذا المقدار من الدنانير

الامر الخامس: ان هذا المقدار من الدية المذكور في النصوص هل يختص بما إذا كان المجني عليه رجلاً مسلماً حراً او يعم المرأة والذمي والعبد

أما البحث الأول في عدد اقسام الشجاج وترتيبها فوقع الخلاف في عددها وترتيبها فالمشهور يرى أن عددها ثمانية ورتبها المحقق في الشرائع الحارصة ثم الدامية ثم المتلاحمة ثم السمحاق ثم الموضحة ثم الهاشمة ثم المنقلة ثم المأمومة، ومثله في القواعد وغيره

والسيد الماتن ذكر مثل ما في الشرائع مع إبدال المتلاحمة بالباضعة وسيأتي الوجه في ذلك

والترتيب الذي ذكره السيد الماتن هو المحكي عن المقنعة والناصريات والمراسم، وفي الفقيه والتهذيب نقلاه عن الاصمعي مع ابدال الدامية بالباضعة

وعن جماعة من اللغويين انها تسعة واختلفوا في ترتيبها وعن بعضهم انها عشرة وقيل غير ذلك

والصحيح في المقام ان المتبع في أسماء المراتب وكيفية ترتيبها هو النصوص مع ملاحظة ان المذكور في النصوص لا بد ان يكون من الشجاج وهي الجروح التي تختص بالرأس والوجه، واما إذا كان لا يختص بالرأس فيكون المذكور من الجراح ولذا اعترض على من عد الجائفة من الشجاج بانها لا تختص بالرأس والوجه

ولا بد أن يكون الترتيب في هذه الشجاج حسب مقدار الدية المذكورة في النصوص فالشجة التي فيها بعيران لا بد أن تكون بعد الشجة التي يكون فيها بعير واحد وقبل الشجة التي فيها ثلاثة من الإبل

مع الالتفات الى أنه لا بد من مراعاة أن كل مرتبة من هذه الشجاج لا بد ان تكون أشد من المرتبة التي قبلها وأخف من المرتبة التي بعدها

وسيتضح من خلال البحث الآتي في الأمر الثالث أن الصحيح هو أن عددها ثمانية وأن ترتيبها يكون الحارصة ثم الدامية ثم المتلاحمة ثم السمحاق ثم الموضحة ثم الهاشمة ثم المنقلة ثم المأمومة

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص385، أبواب ابواب الشجاج والجراح، باب5، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص285، أبواب ديات الشجاج والجراح، باب5، ح2، ط آل البيت.