الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/08/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: کتاب الدیات/ديات منافع الأعضاء/ شلل الاعضاء

(مسألة 360): المشهور أنّ في انصداع السنّ ثلثي ديتها، وهذا هو الأظهر إن وصلت إلى حدّ الشلل و إلّا ففيه الحكومة (1)

قلنا ان الاحتمالات في انصداع السن ثلاثة

الاحتمال الاول ان فيه ثلثي دية السن وهو المنسوب الى المشهور وتقدم الكلام عنه ومناقشة ما استدل به له

الاحتمال الثاني: ان فيه نصف دية السن ويستدل لذلك بمعتيرة ظريف فإن مفادها ان في كل سن خمسون ديناراً فاذا انصدعت ولم تسقط فديتها خمسة وعشرون ديناراً، وهي نصف دية السن

وذكرنا بأن السيد الماتن عالج المعتبرة بان النسبة بينها وبين ما دل على ان في شلل العضو ثلثي الدية عموم وخصوص من وجه، وتكلمنا عما ذكره وقلنا بأن هذه الدعوى مبنية على

اولاً: استفادة قاعدة عامة في باب الشلل من صحيحة الفضيل بن يسار الواردة في الاصابع، وهو يريد أن يوقع التعارض بين صحيحة الفضيل وبين معتبرة ظريف،

وثانياً: على ان يكون انصداع السن اعم من شلله بحيث يصح ان نقول ان بعض انصداع السن شلل كما نقول ان بعض الحيوان انسان

وبينا ان كلا الامرين غير مسلم

ومن هنا فالظاهر ان هذه المحاولة ليست واضحة، والصحيح في المقام أن يقال: اذا امكن حمل معتبرة ظريف على المقاديم نخلص من مشكلة مخالفتها للروايات الكثيرة الدالة على عدم التسوية بين المقاديم والمواخير في الدية، ومشكلة اتفاق الاصحاب على عدم التسوية بينها اذ لا قائل بالتسوية منا؛ فالرواية انما تواجه هذه المشاكل عند تعميمها لكل الاسنان كما هو ظاهرها

والحمل على خصوص المقاديم يمكن تبريره بوجود ما دل على ان الدية في المواخير خمسة وعشرون ديناراً فيكون هذا بمثابة المخصص لها فتحمل على المقاديم، وحينئذ يتعين العمل بها والالتزام بمضمونها وهو ان في انصداع السن من المقاديم خمسة وعشرين ديناراً اي نصف دية السن الصحيح، حتى اذا فرضنا انه تمت القاعدة في باب الشلل لأننا بينا ان الانصداع غير الشلل

واذا تم هذا الحمل فحينئذ قد يقال نستطيع ان نستفيد من هذه الرواية ان دية انصداع كل سن هي نصف دية ذلك السن

ولكن يمنعنا من حملها على المقاديم ان فيها مشكلتين: الاولى ما ذكرناه من ان ظاهرها التسوية بين الاسنان في الدية وهو خلاف ما اتفقوا عليه ودلت عليه الروايات

والثانية انها تدل على ان في انصداع السن نصف دية السن ولم يذهب احد الى ان دية انصداع السن هي نصف دية السن فلا عامل بها من هذه الجهة، وانما هناك من ذهب الى ان فيه الثلثان وهناك من ذهب الى الحكومة فيوجد اعراض من قبل المشهور عنها ومن هنا يكون العمل بها صعب جداً

فاطلاق الرواية لا يمكن الالتزام به لأن لازمه ان تكون دية الاسنان ازيد من الدية الكاملة، وحملها على خصوص المقاديم يواجه مشكلة اعراض المشهور عنها فلا عامل بها، فيتحقق الاعراض عنها وهو يوجب سقوط الرواية عن الاعتبار

والاقرب حمل الصحيحة على التقية بلحاظ هذا الحكم وهو انه في كل سن خمسين ديناراً لإتفاق العامة على التسوية، فيقدم ما دل على عدم التسوية لكونه مخالفاً للعامة، واما الحكم بلحاظ انصداع الاسنان فليس واضحاً انه موافق للعامة او لا، لأن الظاهر انه ليس للعامة شيء واضح في باب الانصداع فيشكل حمل الرواية على التقية من هذه الجهة ايضاً وعلى كل حال فالرواية لم يعمل بها احد فتسقط عن الاعتبار

وعليه يسقط الاحتمال الثاني

الاحتمال الثالث: ان فيه الحكومة كما ذهب اليه المحقق في الشرايع والشهيد في المسالك، وفي الرياض قال هو اشبه، ومال اليه في كشف اللثام وغيرهم

ودليله ان انصداع السن ليس له مقدر شرعي فحينئذ يرجع فيه الى الحكومة، وواضح انه مبني على مناقشة ما استدل به على الاحتمال الاول والاحتمال الثاني وقد عرفت المناقشة في ما استدل به عليهما

تنبيه: في درس سابق تعرضنا الى احد الادلة على الاحتمال الاول وهو ما اشار اليه المحقق في الشرايع من وجود رواية مرسلة وقد صرح اكثر من واحد بانها لم تصل الينا، ولكن ذكرنا انه قد يقال بانه يمكن جبر الضعف السندي في الرواية بالشهرة فقد ذهب المشهور الى ان فيه ثلثا الدية بناء على قبول كبرى جبران الضعف السندي بالشهرة ونقلنا اعتراض سيد الرياض على هذا بأن الجبر انما يكون مع وضوح الدلالة ولا يمكن احراز ذلك مع عدم وصول متن الرواية الينا

والصحيح في رد دعوى الانجبار بالشهرة امران: الاول انكار اصل الكبرى كما هو الصحيح، ولو سلمنا الكبرى فالجواب هو عدم احراز عمل المشهور بهذه المرسلة فلم نحرز ان المشهور استند الى هذه الرواية في افتاءه ان في انصداع السن ثلثا الدية، لاحتمال ان يكون المشهور قد استند في ذلك الى الدليل الثاني وهو ادخال انصداع السن في الشلل فلا تكون الشهرة في المقام جابرة للضعف السندي حتى لو سلمنا بكبرى انجبار الرواية الضعيفة بالشهرة، والسيد في الرياض يسلم بالكبرى، ولكن يقول ان جبران الضعف السندي بالشهرة انما يكون في حالة وضوح الدلالة عندنا، ويمكن ان يناقش هذا من جهتين:

الجهة الاولى: ان هذا الكلام ليس واضحاً لانه قد يقال بأن مسألة ربط جبر السند بوضوح الدلالة لا وجه له، لأن جبر السند ناظر الى السند فاذا عمل المشهور بالسند نبني على انه صحيح فلا مشكلة في ان يكون جبران السند بعمل المشهور مع كون الدلالة غير واضحة، اللهم الا أن يقال بانه اذا لم تكن دلالة الخبر واضحة لا تشمله ادلة الحجية فإن ادلة الحجية انما تشمل الخبر بلحاظ مفاده ومضمونه فاذا كان مفاده غير واضحاً فلا معنى للتعبد بصدوره وجعل الحجية له

وعلى هذا فيمكن ان يقال بأن جبران الضعف السندي بالشهرة يكون مرتبطاً بوضوح الدلالة

الجهة الثانية: هناك كلام في ان عمل المشهور هل يجبر ضعف الدلالة او لا ؟

ويظهر من صاحب الرياض وغيره ايضاً انه يفرق بينهما بمعنى انه يلتزم بان الشهرة تجبر الضعف السندي لكنها لا تجبر ضعف الدلالة والا اذا كانت الدلالة تجبر بعمل المشهور فيقال بأن عمل المشهور بهذه الرواية كما يجبر ضعفها السندي يجبر ضعفها الدلالي ايضاً فان المشهور لا يعمل بالرواية الا بعد وضوح دلالتها عنده

والكلام في الوجه المستدل به على عدم جبران الضعف الدلالي بالشهرة وهو ما ذكروه من ان عمل المشهور بالرواية لا يخلق ظهورا في هذه الرواية والمفروض ان الظهور هو موضوع الحجية، فوضوح الدلالة عند المشهور لا يوجب ان تكون الرواية ظاهرة عندنا فلا يحقق موضوع الحجية

اقول اذا كان هذا هو السبب فنفس هذا الكلام يمكن ان يقال في الضعف السندي فاذا كانت الرواية عندنا ضعيفة سنداً فإن عمل المشهور لا يحقق موضوع حجية السند وهو كون هذا الخبر خبر من يوثق به، فكما اعتمدنا على المشهور في تصحيح سند الرواية مع اننا نراه غير صحيح لنعتمد على المشهور في تصحيح دلالة الرواية مع اننا نراها غير ظاهرة واذا انكرنا ذلك لا بد ان ننكره في كلا الأمرين فالظاهر ان التفريق بينهما لا وجه له، وان كان يبدو ان السيد في الرياض يبني على تحقق الجبران بالنسبة الى السند دون الدلالة ولذا ناقش بهذه المناقشة