الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: کتاب الدیات/ديات منافع الأعضاء/ شلل الاعضاء

(مسألة 360): المشهور أنّ في انصداع السنّ ثلثي ديتها، وهذا هو الأظهر إن وصلت إلى حدّ الشلل و إلّا ففيه الحكومة [1]

    1. قلنا هناك ثلاثة احتمالات:

الاول ان فيه ثلثي دية السن وهو المنسوب الى المشهور وقطع به الشيخان وابن حمزة وغيرهم ويستدل له بالرواية المرسلة التي اشار اليها في الشرايع واعترض عليه انها غير موجودة في ما وصل الينا من الاخبار وعلى تقدير وجودها فنحن لا نعلم دلالتها خصوصاً وان الضعف المشار اليه في عبارة الشرايع شامل للدلالة

ومن هنا يظهر انه لا مجال لدعوى انجبار الضعف السندي بالشهرة المدعاة فإن الجبر -كما اشار بعض المحققين- انما يكون مع وضوح الدلالة ولا يمكن احراز ذلك مع عدم وصول المتن الينا ،

وهذا الكلام يمكن التأمل فيه بان الشهرة الجابرة وان كانت هي شهرة العمل بالرواية والاستناد اليها وهذا المعنى لا يحصل الا مع وضوح الدلالة، الا ان الوضوح المأخوذ فيها عند المشهور -العامل بالرواية بحسب الفرض- لا عندنا وهذا مفروض وجوده إذ لا يمكن ان نتصور ان المشهور يعمل برواية من دون وصولها اليه ومن دون وضوح في دلالتها عنده ولا يراد من وضوح الدلالة الذي هو شرط في تحقق الجبران وضوحها عندنا،

والصحيح ان يقال اننا نمنع جبران الضعف السندي في المقام من جهة اننا لا نحرز عمل المشهور بهذه الرواية،

نعم، ذهب المشهور الى ان في انصداع السن ثلثي دية السن ولكن من قال انهم استندوا الى هذه الرواية في الحكم فلعلهم استندوا الى احد الادلة الاتية ومنها دخول عنوان انصداع السن في الشلل وقد تقدم ان فيه ثلثي دية العضو استناداً الى القاعدة التي اسسوها

الدليل الثاني: أن يدعى إن انصداع السن يدخل في الشلل فتشمله القاعدة المتقدمة القائلة في ان في شلل كل عضو ثلثي ديته فيثبت ان في انصداع السن ثلثي ديته

ويلاحظ عليه إن كون انصداع السن من الشلل غير واضح، فقد فسر انصداع السن بتقلقل السن وهو غير الشلل فالشلل مفسر باليبس وبالاذهاب وبالفساد، ففي الصحاح (والشلل فساد في اليد) والظاهر انه لا يختص باليد، وفي اللسان (الشلل يبس اليد وذهابها وقيل هو فساد في اليد)، وفي القاموس فسر الشلل باليبس في اليد او فسادها او ذهابها

ومن الواضح ان شيئاً من هذه الامور الثلاثة لا يصدق على انصداع السن، مضافاً الى ان القاعدة غير تامة على ما تقدم

الاحتمال الثاني: ان فيه نصف دية السن ويستدل له بما رواه الشيخ الكليني والشيخ الطوسي بسند معتبر عن كتاب قضايا امير المؤمنين (عليه السلام) ((وفي الاسنان في كل سن خمسون ديناراً ، والاسنان كلها سواء ، وكان قبل ذلك يقضى في الثنية خمسون ديناراً ، وفي الرباعية أربعون ديناراً ، وفي الناب ثلاثون ديناراً ، وفي الضرس خمسة وعشرون ديناراً ، فاذا اسودت السن إلى الحول ولم تسقط فديتها دية الساقطة خمسون ديناراً ، فان انصدعت ولم تسقط فديتها خمسة وعشرون ديناراً)) [2] اي ان انصداع السن فيه نصف دية السن

وقد صرح بعض الاعلام بعدم وجود عامل بها، وذكر السيد الماتن انه لا يمكن العمل بهذه الرواية لانها محمولة على التقية وتقدم سابقاً ان الاسنان ليست متساوية في الدية وانما فرق بين المقاديم والمواخير فالمقاديم فيها خمسون دينار والمواخير فيها خمسة وعشرون دينارا كما دلت الروايات على ذلك، وهذه الرواية تعارضها اذ سوت بين الاسنان في الدية فتحمل على التقية لانها موافقة للعامة فلا يمكن الاستدلال بها في محل الكلام، مضافاً الى ان ما تقدم من ان مقتضى هذه الرواية ان نلتزم بأن في مجموع الاسنان الفاً واربعمائة ديناراً اي ازيد من الدية الكاملة وهذا لا يمكن الالتزام به

وقد يقال بانه لا مشكلة في ان نعمل بالرواية ونخصها بالمقاديم التي تقدم ان فيها خمسون ديناراً للادلة الدالة على ان في المواخير خمسة وعشرين ديناراً فتكون مخصصة لاطلاق هذه الرواية، وذكر السيد الماتن انه اذا قلنا بذلك حينئذ يقع التعارض بين هذه المعتبرة الدالة على ان في انصداع السن نصف دية السن وبين صحيحة الفضيل بن يسار الدالة - بحسب ما استفاد منها السيد الماتن - على ان دية الشلل ثلثي دية العضو بنحو العموم والخصوص من وجه، وجهة العموم في المعتبرة هو شمولها للانصداع مع الشلل وبدونه وجهة العموم في الصحيحة هو انها تشمل شلل السن وشلل غير السن، ومادة الاجتماع هو انصداع السن مع الشلل لأن المعتبرة تقول ان في انصداع السن نصف الدية وهي عامة بينما صحيحة الفضيل تقول ان الشلل فيه ثلثا الدية

وبالرغم من ان النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه يقع التعارض بينهما في مادة الاجتماع، ولا بد من تقديم الصحيحة على المعتبرة بمعنى اننا نخرج مادة الاجتماع عن المعتبرة فنلتزم ان الانصداع اذا وصل الى الشلل فيه ثلثا دية السن

لأن العكس فيه محذور فان تقديم المعتبرة في مادة الاجتماع فيه محذور لانها تقول في انصداع السن نصف دية السن فاذا ادخلنا مادة الاجتماع في المعتبرة يكون في انصداع السن نصف دية السن سواء مع الشلل او بدون الشلل وهذا لا يمكن الالتزام به اذ يكون وجود الشلل وعدمه سواء فالشلل لم يؤثر شيئاً

فعليه لا بد من تقديم الصحيحة على المعتبرة في مادة الاجتماع وهو ما افتى به في المتن

وما ذكره مبني اولا: على استفادة قاعدة عامة من صحيحة الفضيل بن يسار تشمل السن مع انه لم يرد فيها الا اصابع اليد واصابع القدم، وقد فهم منها السيد الماتن التعميم لكل عضو ومنعناه سابقاً

وثانياً انه مبني على ما ذكره من ان انصداع السن اعم من الشلل وهذا ايضاً غير مسلم باعتبار ان الظاهر ان الشلل غير الانصداع فلا يقال ان انصداع السن اعم من الشلل، نعم يصح ان يقال هذا في مثل الانسان والحيوان فيقال ان الحيوان اعم من الانسان لانه في مثال الحيوان والانسان يصح ان نقول بعض الحيوان انسان دون العكس وكذا نقول بعض الاكرام اطعام فالاكرام اعم فالميزان هو ان يصح ان يقال ان بعض الحيوان انسان

وفي المقام لا يصح ان يقال ان بعض انصداع السن شلل نعم قد يقترن انصداع السن بالشلل اذا فسرنا الشلل بالفساد ولكن هذا لا يحقق الاعمية المقصودة في المقام التي تقتضي ان تكون النسبة بينهما العموم من وجه

والميزان في العموم من وجه هو صحة ان يقال ان بعض العالم فاسق وبعض الفاسق عالم وفي المقام لا يصح ان يقال بعض انصداع السن شلل وبعض الشلل انصداع

فالنسبة في محل الكلام كالنسبة بين الانسان والغنم فبينهما مغايرة تامة وهذا يمنع من ان تكون النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه

 


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص464.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص297، أبواب دیات الاعضاء، باب8، ح1، ط آل البيت.