الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/08/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: کتاب الدیات/ ديات منافع الأعضاء/ شلل الاعضاء

السادس عشر: شلل الأعضاء، في شلل كلّ عضو ثلثا دية ذلك العضو (1)،

    1. المراد بشلل الاعضاء احداث الشلل في عضو صحيح، وقلنا انهم ذكروا قاعدة عامة وهي ان كل عضو فيه دية مقدرة ففي شلله ثلثا ديته وقلنا انه استدل عليها بالاجماع والنصوص الواردة في موارد خاصة بان يقال بأن النصوص وإن كانت واردة في موارد خاصة ولكن يمكن الاستدلال بها على القاعدة بضميمة عدم القول بالفصل،

واستدل عليه بصحيحة الفضيل بن يسار وهي صحيحة بطريق الشيخ الكليني والشيخ الصدوق وفيها : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الذراع إذا ضرب فانكسر منه الزند ، قال : فقال : ((إذا يبست منه الكف فشلت أصابع الكف كلها فان فيها ثلثي الدية دية اليد ، قال : وإن شلت بعض الاصابع وبقي بعض فان في كل أصبع شلت ثلثي ديتها ، قال : وكذلك الحكم في الساق والقدم إذا شلت أصابع القدم)) [1]

وقيل بأنه يفهم من قوله كذلك الحكم في الساق والقدم، عدم اختصاص الحكم بعضو دون عضو وانه لا يختص بمورده

واستدل على القاعدة بالقاعدة المتقدمة التي بحثناها في (مسألة 300) من ان في قطع العضو المشلول ثلث دية ذلك العضو،

ويلاحظ على هذه الادلة اما بالنسبة الى النصوص الواردة في موارد خاصة فهي وإن كانت مسلمة لكن هذه الموارد موارد محدودة ولم يثبت الحكم في جميعها بالنصوص فإن الحكم في بعضها ثابت باتفاق الفقهاء لا بالنصوص كما في شلل الانف وهذا لا ينفع في محل الكلام لأن اتفاقهم مستند الى القاعدة محل البحث، وما ينفعنا هو ثبوت هذا الحكم في بعض الاعضاء بالنص والموارد الثابت فيها الحكم بالنص موارد قليلة ومن الصعب استفادة قاعدة كلية منها لانها موارد محدودة قام النص فيها على ثبوت ثلثي دية العضو في حالة شلله

واما ما قيل من انه نستعين على ثبوت الحكم في الموارد الاخرى بعدم القول بالفصل فالظاهر أن عدم القول بالفصل لا ينفع وانما النافع في المقام هو القول بعدم الفصل والاتفاق على عدم الفرق، ومن الواضح انه من الصعوبة ان يدعى ان هناك قولاً بعدم الفرق وانه لا فرق بين الاعضاء من هذه الجهة فاذا ثبت الحكم في عضو لا بد ان يثبت في باقي الاعضاء،

ومن هنا يظهر ان النصوص الواردة في موارد خاصة لا تنفع في استنباط قاعدة عامة فلا يمكن الغاء الخصوصيات فيها لانها موارد خاصة وقليلة

واما الاستدلال بصحيحة الفضيل بن يسار فتقريب الاستدلال بها بأن قوله فيها وكذلك الحكم في الساق والقدم اذا شلت اصابع القدم ظاهر في ان هذا الحكم لا يختص بعضو دون عضو او لا يختص بمورده فتكون الرواية دليلاً على تعميم الحكم لكل الاعضاء

ولكن يمكن التأمل في هذا الظهور فالرواية ظاهرة في تعميم الحكم لأصابع القدم فقط

واما تعميم الحكم لباقي الاعضاء فلا ظهور فيها في ذلك والوجه فيه ان السؤال في الرواية عن الذراع اذا ضرب فانكسر منه الزند وقد فصل الامام في الجواب انه اذا يبست الكف من هذه الضربة الموجبة لكسر الذراع وترتب على هذا اليبس شلل اصابع اليد كلها فإن فيها ثلثي دية اليد واذا شلت بعض اصابع اليد ففيها ثلث دية ذلك الاصبع ، ثم قال وكذلك الحكم في الساق والقدم اذا شلت اصابع القدم وما يفهم منه انه اذا ضرب الساق وانكسرت القدم فاذا اوجب شلل جميع اصابع القدم ففيه ثلثا دية القدم وان اوجب شلل بعض اصابع القدم ففيه ثلث دية الاصبع المشلول

فالتعميم فيها لنظير ما ذكر في السؤال، وذكر الساق لهذه المناسبة باعتبار ان السؤال وقع عن ضرب الذراع الموجب ليبس الكف وشلل اصابعها والتعميم هنا لضرب الساق الموجب لانكسار القدم ويبسها فاذا اوجب شلل الاصابع ففيه ثلث دية القدم واذا اوجب شلل اصبعاً واحدة ففيه ثلث ديتها

فالاستدلال بالرواية على القاعدة الكلية المدعاة في المقام لا يخلو من شيء

فلو فرضنا ان المتكلم اراد تعميم الحكم لأصابع القدم فقط فالتعبير المناسب هو ما ذكر في الرواية، فاذا كان هذا هو التعبير المناسب لتعميم الحكم لاصابع القدم فقط فلا يمكن ان نستفيد منه التعميم لباقي الاعضاء

فاستفادة التعميم من هذه الرواية ليس واضحاً

واما الدليل الاخير فتقريب الاستدلال به ان يقال ان الدية المقدرة للعضو كما تترتب على قطع العضو وهو صحيح كذلك تترتب على قطعه بعد ايجاد الشلل فيه فاذا قال الدليل في احدى اليدين نصف الدية فإن نصف الدية كما يترتب على قطع اليد وهي صحيحة يترتب على قطعها بعد ايجاد الشلل فيها لأنه لا فرق بينهما في ترتب هذه الدية عليهما ظاهراً ولذا لو حقنه بابرة وشل يده ثم قطعها ففيه الدية

فقطع العضو بعد ايجاد الشلل فيه تترتب عليه الدية كاملة فاذا قال الدليل في قطع العضو المشلول ثلث الدية فمقتضى هذا ان في ايجاد الشلل في العضو ثلثا الدية بضميمة ان الدية تترتب على قطع العضو بعد ايجاد الشلل فيه

فاذا تمت تلك القاعدة ودلت على أن في قطع العضو المشلول ثلث الدية فلازمه ان يكون في ايجاد الشلل في العضو ثلثا الدية

وهذا الدليل يتوقف على تمامية القاعدة السابقة ولكن تقدم اننا تأملنا في تمامية هذه القاعدة

نعم هذا الدليل يفيد في اثبات الحكم في محل الكلام في الموارد المنصوص على أن في قطعها ثلث الدية فلو قال الدليل ان في قطع اليد الشلاء ثلث الدية فنستفيد منه ان في ايجاد الشلل فيها ثلثا الدية، ولكن لا يمكن استفادة القاعدة العامة من هذا الدليل لأن القاعدة العامة هناك لم تتم فلا يمكن ان نستفيد منها قاعدة عامة في محل الكلام

ومن هنا يظهر بأن هذه الادلة بإستثناء الاجماع ليست ناهضة لإثبات القاعدة في محل الكلام

ثم ان الفقهاء بعد أن آمنوا بالقاعدة في محل الكلام ذكروا ما يعارض القاعدة من قبيل صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) (( في الاصبع عشر الدية إذا قطعت من أصلها أو شلت)) [2] ففي شلل الاصبع عشر الدية لا انها ثلثا الدية

ومعتبرة زرارة ، عن أبي عبدالله( عليه‌السلام) قال : ((في الاصبع عشرة من الابل إذا قطعت من أصلها أو شلت))[3]

وصحيحة يونس ((والشلل في اليدين كلتاهما ألف دينار ، وشلل الرجلين ألف دينار))[4]

وبعد ان ذكروا هذه الروايات اختلفوا في كيفية الجمع وعلاج هذا التعارض، ففي الرياض طرحها على اساس انها روايات شاذة لا عامل بها، ونحوه في الجواهر، والشيخ الطوسي في التهذيب حمل صحيحة الحلبي (على من يفعل بها ما تصير عنده شلاء فيستحق بالشلل ثلثي الدية دية الاصبع ثم يقطعها فيستحق بقطع الشلاء ثلث ديتها فيستوفي ديتها) [5]


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص347، أبواب دیات الاعضاء، باب39، ح5، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص346، أبواب دیات الاعضاء، باب39، ح3، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص348، أبواب دیات الاعضاء، باب39، ح8، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص284، أبواب دیات الاعضاء، باب29، ح3، ط آل البيت.
[5] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج10، ص257.