الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: کتاب الدیات/ ديات منافع الأعضاء/ الافضاء

الرابع عشر: الإفضاء

(مسألة 358): في إفضاء المرأة دية كاملة إذا كان المفضي أجنبياً (1)، وأمّا إذا كان المفضي زوجها فإن أفضاها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه، وإن أفضاها [1]

    1. ذكرنا ان في المسألة فروضاً، الفرض الاول: ما اذا كان المفضي اجنبياً عن المرأة وهنا لا اشكال في ثبوت الدية واستدل له بصحيحة سليمان بن خالد المتقدمة، واستدل له بما رواه الشيخ الصدوق بسنده الصحيح الى قضايا امير المؤمنين (عليه السلام) (( أنه قضى في امرأة افضيت بالدية))[2] وهذه الرواية تشمل الفرض الاول باطلاقها وبعد ذلك يخرج منها بعض الفروض التي حكمت الروايات الاتية انه لا دية فيها على المفضي كما لو كان زوجاً لها وكان لها من العمر تسع سنين فصاعداً

ومن هنا يظهر ان هذه الادلة باطلاقها تشمل الاجنبي وقد يكون هو القدر المتيقن منها

الفرض الثاني: ان يكون المفضي هو الزوج ويكون لها تسع سنين فصاعداً، وذكر السيد الماتن هنا انه لا شيء على الزوج وهذا هو المنسوب الى المشهور وظاهر المبسوط دعوى الاجماع عليه وفي المهذب البارع اطبق الاصحاب والروايات انه لا شيء عليه، ويستدل له بصحيحة حمران ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سئل عن رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك فلما دخل بها افتضها فأفضاها ، فقال : ((إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين افتضها فإنّه قد أفسدها وعطلها على الازواج فعلى الامام أن يغرمه ديتها ، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شيء عليه))[3]

وقلنا ان التسع سنين لا خصوصية لها بل المراد انه افتضها وهي بالغة، ولا بد ان نفسر المنفي في قوله لا شيء عليه بالدية بقرينة المقابلة في الشق الاخر من الرواية فانه يقول (وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين افتضها فإنّه قد أفسدها وعطلها على الازواج فعلى الامام أن يغرمه ديتها) مضافاً الى ما ذكره بعض الفقهاء من انه لا موجب للدية لانه فعل سائغ مأذون فيه شرعاً اذا لم يكن بتفريط من الزوج، ومن هنا لا يبعد ما ذكره العلامة من انه لو قيل يجب عليه الضمان مع التفريط لا باس به، واستحسنه جماعة

وعلى كل حال فالقدر المتيقن هو ما اذا لم يكن مفرطاً، نعم قيد جماعة الحكم بعدم الدية على الزوج بما اذا كان الافضاء بالوطىء لا بالاصبع وغيره وهو ظاهر عبارات الفقهاء فانهم عبروا بالوطىء ولا يبعد ان هذا يستفاد من صحيحة حمران لانه عبر ((سئل عن رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك فلما دخل بها افتضها فأفضاها)) وظاهر العبارة ان الافضاء حصل بالوطىء فلعل هذا هو السبب في تخصيصهم نفي الدية عن الزوج بما اذا كان الافضاء بالوطىء دون غيره

الفرض الثالث: اذا كان المفضي هو الزوج والافضاء قبل بلوغها التسع وهنا فصل السيد الماتن بين ما اذا طلقها فعليه الدية وبين ما اذا امسكها فلا شيء عليه

فالزوج ليس عليه دية الافضاء في حالتين الاولى اذا كان لها من العمر تسع سنين فصاعداً، والثانية اذا لم تبلغ التسع لكنه امسكها ولم يطلقها

والظاهر ان هذا التفصيل خلاف ما هو المنسوب الى المشهور فان المنسوب اليهم ان تعلق الدية بالزوج ثابت وإن امسكها، وهذا هو مقتضى اطلاق حكمهم بالدية اذا كان الافضاء قبل البلوغ كما في الشرايع وغيرها وقد يستدل لما ذهب اليه المشهور من عدم التفصيل بانه مقتضى اطلاق الروايتين المتقدمتين صحيحة سليمان بن خالد وما رواه الشيخ الصدوق من قضايا امير المؤمنين (عليه السلام)، بان يقال بان فيهما من الاطلاق ما يثبت صحة ما ذهب اليه المشهور من عدم التفصيل فان ما رواه الشيخ الصدوق مطلق يشمل ما اذا كان المفضي الزوج سواء طلقها او امسكها وهكذا صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة

ولكن في مقابلها صحيحة حمران المتقدمة فهي ظاهرة ظهور واضح في التفصيل بين هاتين الصورتين ونفس الكلام يقال في رواية بريد بن معاوية ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل اقتضّ جارية يعني امرأته ، فأفضاها؟ قال : عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين ، قال : وإن أمسكها ولم يطلقها فلا شيء عليه)) [4] والخدشة في السند من جهة الحارث بن محمد بن النعمان فانه لا توثيق له

ومع وجود هاتين الروايتين والعمدة هو صحيحة حمران المؤيدة برواية بريد بن معاوية فلا معنى للتمسك باطلاق الروايتين السابقتين صحيحة سليمان بن خالد ورواية الشيخ الصدوق

وحاول المشهور الاجابة عن صحيحة حمران فقال في الرياض (انه لم اجد قائلا به وبه صرّح خالي العلّامة المجلسي(قدس سره)، بل زاد فقال: لم يقل به أحد) وقوله لم يقل به احد وكذا قول صاحب الرياض لم اجد قائلا به، الظاهر من كلام ابن الجنيد الذي نقله العلامة في المختلف انه يقول بذلك (فان احب طلاقها اغرم ديتها ولزمه مع ذلك مهرها)

وعلى كل حال فان كان مقصوده اثبات اعراض المشهور الذي يسقط الرواية عن الاعتبار فيلاحظ عليه بما ذكره السيد الخوئي من ان الاعراض لا يثبت في هذه المسائل التي لم يتعرض لها كثير من الفقهاء، مضافاً الى انه يمكن ان يكون جماعة من هؤلاء الفقهاء الذين يشكلون المشهور لم يعملوا بالرواية لانهم فهموا منها شيئا لا يؤدي الى التفصيل من قبيل انها تنفي الدية بالاطلاق وهو يقيد بما دل على ثبوت الدية من قبيل صحيحة سليمان بن خالد وما رواه الشيخ الصدوق

فيبدو ان هذا لا يحقق اعراض المشهور والعمدة هي الملاحظة الاولى

وذكر في الجواهر في كتاب النكاح بانه لا بد من حمل الصحيحة ورواية بريد على سقوط الدية صلحاً بان تختار المقام عنده بدلاً عن الدية وعلله بأن الدية قد لزمته بالافضاء بدلالة النص والفتوى فلا تسقط مجاناً،

ومعه لا معنى للحكم بعدم ثبوت الدية لو امسكها بدون صلح

ويمكن الجواب عنه بأن قوله في الرواية (ان امسكها ولم يطلقها ..) يمكن ان يفسر بتفسير لا يرد عليه ما ذكره صاحب الجواهر بان يفهم منه ان ثبوت الدية مشروط بالطلاق بنحو الشرط المتأخر، فمن البداية لا ثبوت للدية اذا امسكها، واذا لم تكن دية فهذا تفصيل في الحقيقة

ومن هنا يظهر بأن ما ذهب اليه السيد الماتن هو الاقرب عملاً بهذه الصحيحة التي قلنا انه لا مانع من العمل بها فإن المشهور وإن نسب اليه القول بعدم التفصيل الا ان ذلك لا يحقق الاعراض عن الرواية حتى يوجب سقوطها عن الاعتبار

 


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص457.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص330، أبواب دیات الاعضاء، باب26، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج20، ص493، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، باب34، ح1، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج20، ص494، أبواب ما یحرم بالمصاهرة، باب34، ح3، ط آل البيت.