الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/07/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: کتاب الدیات/ديات منافع الأعضاء/ صعر العنق

السادس: صعر العنق والمشهور أنّ في صعره الميل إلى أحد الجانبين دية كاملة، وهو لا يخلو عن إشكال، فلا يبعد الرجوع فيه إلى الحكومة (1)، نعم، الصعر إذا كان على نحو لا يقدر على الالتفات ففيه نصف الدية

السابع: كسر البعصوص‌، و فيه بحيث لا يملك استه الدية كاملة (2)

1-المراد بالصعر هو ميل الوجه الى احد الجانبين وذهب المشهور الى ان فيه الدية واستدلوا برواية مسمع بن عبد الملك وتقدم انها غير تامة سنداً، وعلى هذا الاساس ذكر السيد الماتن ان فيه الحكومة ولكن ذكرنا ان هناك روايتين تدلان على أن فيه نصف الدية وهما ما في كتاب ظريف وصحيحة يونس وقلنا بأن الثانية لا يصح الاستدلال بها في محل الكلام ولكن الرواية الاولى ((ودية موضحة الكتفين والظهر خمسة وعشرون ديناراً ، وإن اعترى الرجل من ذلك صعر لا يستطيع أن يلتفت فديته خمسمائة دينار))[1] تامة سندا والوارد فيها الصعر، ويظهر من السيد الماتن انه فرض ان موردها غير محل الكلام فيظهر منه ان محل الكلام هو صعر العنق اذا لم يؤد الى المنع من الالتفات ومورد الرواية هو صعر العنق المؤدي الى عدم التمكن من الالتفات، فيفهم من كلامه ان صعر العنق قد يجتمع مع القدرة على الالتفات ففيه الحكومة واما اذا كان صعر العنق موجباً لعدم القدرة على الالتفات ففيه نصف الدية،

ولكن الظاهر ان ما ذكره مبني على عدم الملازمة بين صعر العنق وبين عدم القدرة على الالتفات كما اذا فسرنا الالتفات بالتفات الجسم، فبامكانه ان يتجه الى الجانب الآخر بجسمه فيصح ان يقال بأن صعر العنق لا يلازم عدم القدرة على الالتفات

اما اذا فسرنا عدم القدرة على الالتفات في المعتبرة بعدم القدرة على الالتفات بالرأس فمع بقائه ثابتاً لا يستطيع ان يلتفت الى الجانب الآخر وحينئذ تكون الملازمة بين صعر العنق وبين عدم القدرة على الالتفات واضحة فاذا كانت بينهما ملازمة كما هو الظاهر فلا يتم كلام السيد الماتن بمعنى ان كلامنا هو نفس مورد معتبرة ظريف فقوله فيها (لا يستطيع ان يلتفت) قيد توضيحي لصعر العنق، وهذا يمكن الاستدلال عليه بمعتبرة ظريف التي تقول ان فيه نصف الدية، والذي نفهمه من قوله لا يستطيع ان يلتفت اي بوجهه وهو الذي يكون صعر العنق مانعاً منه

ومن هنا يظهر انه اذا لم يوجد اجماع على خلاف ما ذكرناه فلا مانع من الالتزام بأن في صعر العنق نصف الدية، لا الحكومة كما يقول السيد الماتن ولا الدية كما يقول المشهور

2- بلا خلاف كما قيل، والدليل عليه هو صحيحة سليمان بن خالد قال سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك استه ما فيه من الدية فقال ((الدية كاملة))[2]

وذكر السيد الماتن في الشرح امرين كل منهما غير واضح

الاول: ما ذكره من ان (مورد الصحيحة وإن كان هو الرجل إلّا أنّ الحكم يعمّ المرأة، نظراً إلى ما دلّ من الروايات على أنّ كلّ مورد ثبت فيه الدية للرجل تثبت فيه للمرأة أيضاً)[3] ويفهم من هذا الكلام ان الحكم الثابت للرجل يثبت نفسه للمرأة والذي تقدم أن المرأة تعاقل الرجل الى ثلث الدية فاذا بلغت الثلث رجعت الى النصف ومقتضى تطبيق ذلك أن نقول ان في كسر بعصوص المرأة نصف الدية لا الدية كاملة

وعلى كل حال لدينا تأمل في أصل اختصاص الرواية بالرجل فالرواية لا تختص بالرجل وإن ذكر فيها الرجل كما هو الحال في كثير من الروايات فانه لا يراد بها الرجل المقابل للمرأة بل المراد ما يساوق الانسان او الشخص والا لأشكل الأمر في كثير من الروايات المتقدمة كما في صحيحة محمد بن قيس المتقدمة فإن الوارد فيها ((سئل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) عن رجل ضرب رجلا على هامته فادعى المضروب أنه لا يبصر شيئا ، ولا يشم الرائحة ، وأنه قد ذهب لسانه فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن صدق فله ثلاث ديات))[4] فالرواية واردة في الرجل فإن الضارب رجل وكذا المضروب

وفي صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) ، في رجل ضرب رجلاً بعصا على رأسه فثقل لسانه ، فقال : ((يعرض عليه حروف المعجم فما أفصح ، وما لم يفصح به كان عليه الدية ، وهي تسعة وعشرون حرفا))[5]

وهكذا صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : ((إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرضت عليه حروف المعجم ( تقرأ ، ثم قسمت الدية على حروف المعجم) ، فما لم يفصح به الكلام كانت الدية بالقياس من ذلك))[6]

ورواية إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : ((قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ضرب رجلا بعصا فذهب سمعه ، وبصره ، ولسانه ، وعقله وفرجه ، وانقطع جماعه وهو حيّ ، بست ديات))[7]

وصحيحة القداح عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) عن أبيه( عليه‌السلام) قال : ((اتي أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل قد ضرب رجلا حتى نقص من بصره ، فدعا برجل من أسنانه ثم أراهم شيئا فنظر ما انتقص من بصره فأعطاه دية ما انتقص من بصره))[8]

وصحيحة يونس ((إذا اصيب الرجل في إحدى عينيه فانها تقاس ببيضة تربط على عينه المصابة))[9] فهل نحتاج في شمول هذه الرواية للمرأة الى قاعدة اخرى

فالظاهر أن المسألة ليست بهذا الشكل وانما جرت العادة على التعبير بالرجل وإرادة الانسان او الشخص

فاختصاص صحيحة سليمان بن خالد بالرجل غير واضح، وعلى تقدير اختصاصها بالرجل فإن تعميمها للمرأة بالشكل الذي ذكره غير صحيح وانما يجب ان نلتزم في المرأة بنصف الدية

الامر الثاني: ما ذكره من (أنّ مقتضى ظاهر الصحيحة هو أنّه لا دخل لكسر البعصوص في موضوع الحكم، فالموضوع إنّما هو عدم ملك الاست. وعليه، فلو أوجبت الجناية ذلك مع سلس البول فمقتضى القاعدة عدم التداخل وأنّ فيه ديتين، ولكن معتبرة إسحاق بن عمّار الآتية تدلّ على التداخل) [10]

وهذا قابل للتأمل فالموضوع المصرح به في الرواية هو كسر البعصوص المؤدي الى عدم ملك الاست فالرواية لا ظهور فيها في عدم دخل كسر البعصوص ومقتضى القاعدة في امثال هذه الحالات أن يقال بأن كل منهما دخيل في ثبوت الدية وبناء على هذا اذا صار غير قادر على السيطرة على الغائط من دون كسر البعصوص فلا يمكن الاستدلال على ثبوت الدية في هذا المورد بصحيحة سليمان بن خالد، ومن هنا يظهر أن ما في معتبرة اسحاق بن عمار التي أشار اليها قال : سمعت أبا عبدالله (عليه‌السلام) يقول : ((قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في الرجل يضرب على عجانه فلا يستمسك غائطه ولا بوله أن في ذلك الدية كاملة))[11]

وبحسب ما ذكرناه ان ثبوت الدية الواحدة يكون على القاعدة اذ لا موجب للتعدد لأن فقد القدرة على مسك الاست لم يحصل بسبب كسر البعصوص، فسلس الغائط حيث انه لم يحصل بسبب كسر البعصوص فلا دليل على ان فيه الدية فالرواية عندما تحكم ان فيه دية واحدة فهي على القاعدة وهي على سلس البول اذا قلنا ان فيه دية، وعدم القدرة على امساك الغائط قد يثبت فيه الحكومة

البعصوص قيل انه عظم الورك كما عن القاموس وتقدم ان الورك عظم فوق الفخذ كالكتف فوق العضد

وقيل هو العصعص وهو عجب الذنب اي عظمه الذي يجلس عليه

وعن الشهيد ان البعصوص في الرواية تصحيف العصعص، وقيل انه عظم رقيق حول الدبر

ولا ثمرة لتحديد معناه بناء على رأي السيد الماتن لأن المدار عنده على عدم السيطرة على الغائط نعم بناء على الرأي الآخر توجد ثمرة لتحديد معنى البعصوص

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص304، أبواب دیات الاعضاء، باب13، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص370، أبواب دیات المنافع، باب9، ح1، ط آل البيت.
[3] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص451.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص363، أبواب دیات المنافع، باب4، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص358، أبواب دیات المنافع، باب20، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص359، أبواب دیات المنافع، باب2، ح3، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص365، أبواب دیات المنافع، باب6، ح1، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص369، أبواب دیات المنافع، باب8، ح1، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص291، أبواب دیات الاعضاء، باب3، ح1، ط آل البيت..
[10] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص451.
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص371، أبواب دیات المنافع، باب9، ح2، ط آل البيت.