الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/07/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: کتاب الدیات/ديات منافع الأعضاء/ النطق

(مسألة 354): لو ادّعى المجنيّ عليه ذهاب نطقه بالجناية كلّاً، فإن صدّقه الجاني فهو، وإن أنكره أو قال: لا أعلم، اختبر بأن يضرب لسانه بإبرة أو نحوها، فإن خرج الدم أحمر فقد كذب، وإن خرج الدم أسود فقد صدق، والظاهر اعتبار القسامة هنا أيضاً على النحو المتقدّم في السمع والبصر (1)، وإذا عاد النطق فالكلام فيه هو الكلام في نظائره (2)، وفي إلحاق الذوق بالنطق‌ إشكال، والأظهر أنّ فيه الحكومة (3)، وكذلك الحال في ما يوجب نقصان الذوق (4)(مسألة 355): إذا أوجبت الجناية ثقلاً في اللسان أو نحو ذلك ممّا لا تقدير له في الشرع، كالجناية على اللحين بحيث يعسر تحريكهما، ففيه الحكومة (5)(مسألة 356): لو جنى على شخص فذهب بعض كلامه ثمّ جنى عليه آخر فذهب بعضه الآخر، فعلى كلّ منهما الدية بنسبة ما ذهب بجنايته (6)(مسألة 357): لو جنى على شخص فذهب كلامه كلّه ثمّ قطع هو أو آخر لسانه، ففي الجناية الأُولى تمام الدية، وفي الثانية ثلثها (7)السادس: صعر العنق والمشهور أنّ في صعره الميل إلى أحد الجانبين دية كاملة، وهو لا يخلو عن إشكال، فلا يبعد الرجوع فيه إلى الحكومة (8)، نعم، الصعر إذا كان على نحو لا يقدر على الالتفات ففيه نصف الدية

1-قلنا ان الظاهر ان دليل المصنف على هذا هو صحيحة يونس المتقدمة بعد تعميمها للجناية التي توجب ذهاب النطق

ويمكن تأييده بما تقدم من أن اثبات الجناية بالاختبار بالابرة لا يثبت استناد ذهاب النطق الى الجناية وانما يثبت ذهاب النطق فلا بد من شيء يثبت به الاستناد وهو القسامة في محل الكلام

2- تقدم سابقاً انه اذا حكم الحاكم باستحقاقه الدية واعطي الدية فلو عاد اليه نطقه بعد ذلك فإن كان ذلك يكشف عن عدم ذهابه من البداية فمن حق الجاني ان يسترد الدية لأن موضوع الدية هو ذهاب النطق والمفروض انه لم يذهب نطقه، واما اذا قلنا بأن عود النطق بعد ذلك لا يكشف عن ذهابه من البداية ففي هذه الحالة ليس من حق الجاني ان يسترد الدية لأن المفروض ان المجني عليه اخذ الدية بحكم الحاكم والمفروض انه لم يتبين خطؤه كما في الحالة الاولى

3- استظهر السيد الماتن أن فيه الحكومة لانه مما لا مقدر فيه شرعاً

وذهب الشيخ في المبسوط وابن حمزة في الوسيلة وابن ادريس في السرائر والعلامة في التحرير الى أن فيه الدية فيكون حاله حال النطق ويظهر من المحقق في الشرايع التأمل في هذا وهكذا الشهيد في اللمعة واشار في الشرايع الى دليل القول الاول وهو الرواية المتقدم ذكرها ((كل ما كان في الانسان منه واحد ففيه الدية)) والذوق في الانسان واحد، وتقدم مراراً التأمل في شمول هذا الدليل للمنافع وقوة احتمال اختصاصه بالاعضاء فلا يمكن قبوله،

واستدل في مفتاح الكرامة بأنه منفعة للسان وقد ابطله بالجناية وقد تقرر أن في اللسان الدية، وجواب ما ذكره ان النص الصحيح لمحمد بن قيس بحسب نقل الفقيه دال على ان (في ذهاب النطق الدية) فموضوع الدية هو ذهاب منفعة النطق فلا يشمل منفعة الذوق، وثانياً -كما اشار السيد الخوئي (قده)- انه لا دليل عام يدل على ان في ذهاب كل منفعة الدية

وعليه فالدليل الثاني لا يتم فيصح ما ذكره السيد الماتن من انه لا مقدر له شرعاً فتثبت فيه الحكومة

4- وهذا متفرع على ما قبله فتثبت فيه الحكومة باعتبار انه لا مقدر له شرعاً

5- الحكم في اللحيين على القاعدة، ولكن الاشكال فيما اذا اوجبت الجناية ثقلاً في اللسان فإن الروايات واضحة في انه اذا جنى عليه فثقل لسانه فاذا لم يفصح نصف حروف المعجم فله نصف الدية وان لم يفصح كل حروف المعجم فله دية كاملة فالدية موضوعها ثقل اللسان

كصحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) في رجل ضرب رجلا في رأسه فثقل لسانه ، ((أنه يعرض عليه حروف المعجم كلها ، ثم يعطى الدية بحصة ما لم يفصحه منها))[1]

وهكذا صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) ، في رجل ضرب رجلاً بعصا على رأسه فثقل لسانه ، فقال : ((يعرض عليه حروف المعجم فما أفصح ، وما لم يفصح به كان عليه الدية ، وهي تسعة وعشرون حرفا))[2]

وهكذا صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : ((إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرضت عليه حروف المعجم ( تقرأ ، ثم قسمت الدية على حروف المعجم) ، فما لم يفصح به الكلام كانت الدية بالقياس من ذلك))[3]

ورواية سماعة ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ضرب غلاما على رأسه فثقل بعض لسانه وأفصح ببعض الكلام ولم يفصح ببعض ((فأقرأه المعجم ، فقسم الدية عليه ، فما أفصح به طرحه ، وما لم يفصح به ألزمه إياه ))[4]

ورواية عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : ((إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرضت عليه حروف المعجم ، فما لم يفصح به منها يؤدي بقدر ذلك من المعجم ، يقام أصل الدية على المعجم كله ، يعطى بحساب ما لم يفصح به منها ، وهي تسعة وعشرون حرفا))[5]

فينبغي ان نقول بناء على هذه الصحاح اذا اوجبت الجناية الثقل في اللسان وكان موجباً لعدم الافصاح بكل حروف المعجم ففيه الدية كاملة واذا اوجبت عدم الافصاح ببعض حروف المعجم ففيه من الدية بنسبتها

ومن هنا يرد الاشكال على ما ذكره السيد الماتن (قده) الا اذا كان السيد الماتن يريد من الثقل في اللسان ليس عدم الكلام وانما صعوبة الكلام فهذا يمكن ان نقول انه لا مقدر فيه شرعاً ففيها الحكومة

6- وهذا واضح اما بالنسبة الى الاول فعليه من الدية بنسبة ما ذهب بجنايته باعتبار ان جنايته اوجبت ذهاب بعض الكلام لا تمام الكلام واما الثاني فعليه ان يدفع من الدية بمقدار ما ذهب من الكلام بجنايته لأن جنايته لم توجب الا ذهاب هذه النسبة من الكلام ولا موجب لتحميله ما ذهب من الكلام بجناية الآخر لأنه تحميل له بجناية غيره

7- أما تمام الدية في الجناية الاولى فواضح مما تقدم لأن ذهاب النطق كله فيه تمام الدية، واما ثبوت ثلث الدية في الجناية الثانية فبإعتبار انه بعد ان اذهب النطق منه كله، فالثاني قطع لسان الاخرس وقد تقدم ان في قطع لسان الاخرس ثلث الدية

8- الصعر هو الميل في العنق والتواء في الوجه الى احد الجانبين، قال في الشرايع (وفيه (العنق) اذا كسر فصار الانسان اصور (مائل العنق) الدية) وهذا هو مختار النهاية والوسيلة والسرائر والتحرير واللمعة وغيرها وفي الخلاف ان فيه اجماع الفرقة واخبارهم وفي المبسوط رواه اصحابنا، كل هذا نقلاً عن مفتاح الكرامة

واستدل لهذا برواية مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ((في القلب إذا ارعد فطار الدية ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في الصعر الدية ، والصعر أن يثنى عنقه فيصير في ناحية))[6] وتفسير الصعر فيها اضيف الى الرواية من احد الاشخاص وتقدم انها غير تامة سندا لوجود سهل بن زياد ومحمد بن الحسن بن شمون وعبدالله بن عبد الرحمن الاصم في سندها

ولو كان هذا هو الدليل فلا وجه لتقييد الحكم في عبارة الشرايع وغيرها بكسر العنق فإن الرواية حكمت بان في الصعر الدية سواء كان بكسر العنق او لم يكن

ولعل الشيخ يشير الى هذه الرواية في الخلاف حين قال (اجماع الفرقة واخبارهم) وواضح انها غير تامة سندا فلا يمكن التعويل عليها لاثبات هذا الحكم

ولكن هل معنى ذلك ان نذهب الى ما ذكره السيد الماتن من ان فيه الحكومة؟ هناك اخبار تقول ان فيه نصف الدية فان تمت سندا ودلالة يتعين الالتزام بها

الاولى: ما نقله في الكافي من رواية ظريف ((ودية موضحة الكتفين والظهر خمسة وعشرون ديناراً ، وإن اعترى الرجل من ذلك صعر لا يستطيع أن يلتفت فديته خمسمائة دينار))[7]

الثانية: صحيحة يونس وابن فضال ((وقضى عليه‌السلام في صدغ الرجل إذا اصيب فلم يستطع أن يلتفت إلا ما انحرف الرجل نصف الدية خمسمائة دينار))[8]

والاستدلال بالرواية الثانية غير واضح لانه اما ان نقراها صدغ الرجل بالغين وعلى هذا الاحتمال كان الرواية لا علاقة لها بمحل الكلام لان الصدغ هو ما بين العين والاذن بينما الصعر هو التواء العنق فتطبيقه في محل الكلام غير واضح

والاحتمال الاخر ان نقرأ العبارة بالاهمال صدع الرجل بكسر الراء واسكان الجيم وواضح ان هذا لا علاقة له بمحل الكلام

فعلى كل حال يبدو انه لا علاقة لها في محل الكلام فالاستدلال بهذه الرواية لا يخلو من شيء

لكن الرواية الثانية تامة سنداً ودلالة على الظاهر

 


[1] وسائل الشيعة: 29/358، الباب الثاني من ابواب ديات المنافع ح1.
[2] وسائل الشيعة: 29/358، الباب الثاني من ابواب ديات المنافع ح2.
[3] وسائل الشيعة: 29/359، الباب الثاني من ابواب ديات المنافع ح3.
[4] وسائل الشيعة: 29/359، الباب الثاني من ابواب ديات المنافع ح4.
[5] وسائل الشيعة: 29/359، الباب الثاني من ابواب ديات المنافع ح5.
[6] وسائل الشيعة: 29/373، الباب11 من ابواب ديات المنافع ح1.
[7] وسائل الشيعة: 29/305، الباب13 من ابواب ديات الاعضاء ح1.
[8] وسائل الشيعة: 29/290، الباب2 من ابواب ديات الاعضاء ح5.