الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/07/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:کتاب الدیات/ ديات منافع الأعضاء/ النطق

الخامس: النطق وفي ذهابه بالضرب أو غيره دية كاملة (1)، وفي ذهاب بعضه الدية بنسبة ما ذهب بأن تعرض عليه حروف المعجم كلّها ثمّ تعطى الدية بنسبة ما لم يفصحه منها (2) [1]

(مسألة 354): لو ادّعى المجنيّ عليه ذهاب نطقه بالجناية كلّاً، فإن صدّقه الجاني فهو (3)، وإن أنكره أو قال: لا أعلم، اختبر بأن يضرب لسانه بإبرة أو نحوها، فإن خرج الدم أحمر فقد كذب، وإن خرج الدم أسود فقد صدق (4)، والظاهر اعتبار القسامة هنا أيضاً على النحو المتقدّم في السمع والبصر (5)، وإذا عاد النطق فالكلام فيه هو الكلام في نظائره، وفي إلحاق الذوق بالنطق‌[2]

    1. ذكرنا الادلة على ذلك وكان عمدتها صحيحة محمد بن قيس وقلنا بأن الموجود في الصحيح في نقلها كما في الفقيه هو (قد خرس فلا ينطق) ويفهم منها انه اذا ذهب النطق ففيه الدية كاملة حتى اذا بقي جرم اللسان وبقيت فوائد له كالذوق والدليل هو الرواية فانها تقول بأن موضوع الدية الكاملة هو ذهاب النطق وهذا ما صرح به بعض الفقهاء

وهناك شيء آخر ذكره بعض الفقهاء وهو ان الدية تكون ثابتة على ذهاب النطق وإن بقيت القدرة على الحروف الشفوية والحلقية وكأن الاعتبار بالحروف اللسانية دون الحروف الشفوية والحلقية، وسيأتي التعرض له

    2. وطريقة معرفة الذاهب أن تعرض عليه حروف المعجم وتقسم الدية على الحروف بالتساوي ويعطى من مقدار الدية بمقدار ما لا يفصح منها

والكلام في المقام في ما اذا اوجب ذهاب بعض النطق من دون افتراض قطع اللسان واما اذا كانت الضربة موجبة لقطع اللسان وذهاب بعض النطق فتقدم الكلام عنه في دية اللسان وذكرنا ان في المسألة اقوال وقد اخترنا ان الاعتبار بحروف المعجم لا بالمساحة، والاعتبار بحروف المعجم هو المختار في محل الكلام وقد اختاره السيد الماتن في كلا المقامين

وهذا المطلب قد ذكرنا الدليل عليه هناك فيما اذا كان الضرب موجبا لقطع اللسان وذهاب بعض النطق، واما في محل الكلام وهو ما اذا كان الضرب موجباً لذهاب بعض النطق دون قطع اللسان فالدليل على ذلك هو الروايات التي قرأناها في الدرس السابق كصحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) في رجل ضرب رجلا في رأسه فثقل لسانه ، ((أنه يعرض عليه حروف المعجم كلها ، ثم يعطى الدية بحصة ما لم يفصحه منها)) [3]

وهكذا صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) ، في رجل ضرب رجلاً بعصا على رأسه فثقل لسانه ، فقال : ((يعرض عليه حروف المعجم فما أفصح ، وما لم يفصح به كان عليه الدية ، وهي تسعة وعشرون حرفا))[4]

وهكذا صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : ((إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرضت عليه حروف المعجم ( تقرأ ، ثم قسمت الدية على حروف المعجم) ، فما لم يفصح به الكلام كانت الدية بالقياس من ذلك))[5]

وهكذا سائر الروايات

والظاهر من هذه الروايات انها واردة في محل الكلام وكأنه فرض فيها ان الضرب ادى الى ذهاب بعض النطق فان التعبير (ثقل لسانه) يراد به عدم التمكن من النطق اما كلاً او بعضاً

وقد يقال بأن كون الاعتبار بحروف المعجم كلها كما صرح به في صحيحة سليمان بن خالد بما فيها الحروف الشفوية والحلقية ينافي ما تقدم نقله عن بعض الفقهاء من الحكم بالدية كاملة اذا ذهب النطق وان بقيت الحروف الشفوية والحلقية

والمناسب للاول أن يقال في المقام بما ذكره بعض الفقهاء كالعلامة في الارشاد والمحقق الاردبيلي من انه اذا بقي قادراً على النطق بالحروف الشفوية والحلقية فمع بقاء هذه الحروف يسقط من الدية بنسبتها لانه لم يذهب الا بعض النطق فيلزمه دية ما ذهب من الحروف بجنايته، فالذي يناسب عرض حروف المعجم كلها هو ان يقال بانه اذا بقي قادرا على الحروف الحلقية والشفوية

ففي حالة كونه قادراً على النطق بالحروف الشفوية والحلقية لا بد أن نقول بانه لا يستحق الدية كلها وانما هو يستحق بمقدار ما لا يفصح من الحروف وهي الحروف اللسانية لا أن نقول بأنه يستحق الدية وإن كان قادراً على النطق بالحروف الشفوية والحروف الحلقية فهذا لا وجه له

والجواب -على ما ذكره بعض الفقهاء- ان هذا الخلاف مرتبط بتحديد معنى ذهاب النطق وقلنا بأن العمدة في الدليل هو صحيحة محمد بن قيس وقد ذكر فيها ذهاب النطق فيحتمل ان معناه هو ذهاب القدرة على النطق بحروف المعجم وبناء عليه يكون المدار على اداء حروف المعجم ويتعين الالتزام بما ذكره العلامة في الارشاد والمحقق الاردبيلي من انه لا بد من التقسيط في فرض اذا بقي قادراً على الحروف الحلقية والشفوية

ويحتمل أن يكون المقصود به ذهاب القدرة على الكلام المفهوم وبناء على هذا يصح ما ذكره بعض الفقهاء من انه يستحق تمام الدية لأن الدية تدور مدار الكلام المفهوم

ولكن هذا فيما اذا فرضنا ذهاب القدرة على الكلام واما مع ذهاب القدرة على بعض النطق كما هو محل الكلام ففي هذه الصورة يتعين الالتزام بما تدل عليه الروايات من انه تعرض عليه حروف المعجم كلها ويعطى من الدية بمقدار ما لا يفصح منها بما فيها الحروف الشفوية والحلقية

ومع ذهاب النطق كله فصحة ما ذكره بعض الفقهاء من انه يستحق الدية كاملة وان كان يستطيع النطق بالحروف ترتبط بمعنى ذهاب النطق فان قلنا بأن معناه ذهاب الحروف فهذا الكلام لا يصح واما اذا فسرنا ذهاب النطق بذهاب القدرة على الكلام المفهوم فيصح ما ذكروه، ولكن بناء على هذا لا خصوصية للحروف الحلقية والشفوية بل حتى اذا كان قادرا على بعض الحروف اللسانية

ولا يبعد ان الاقرب هو الثاني اي ذهاب القدرة على الكلام باعتبار ان عمدة الدليل في المقام هو صحيحة محمد بن قيس والوارد فيها (انه قد خرس فلا ينطق) والظاهر منه ذهاب القدرة على الكلام كما هو الحال في الاخرس فانه قادر على اداء بعض الحروف لكنه ليس قادراً على الكلام المفهوم وعليه ففي الفرع الاول يصح ما ذكره بعض الفقهاء من انه اذا كانت الجناية موجبة لعدم القدرة على الكلام فيستحق الدية كاملة وإن كان قادراً على بعض الحروف

3- تقدم سابقاً في الشم والبصر، اذا ادعى ذهاب الشم فإن صدقه الجاني فهو لأن تصديق الجاني بمنزلة الاقرار فيلزم باقراره

4-الدليل عليه صحيحة محمد بن قيس المتقدمة ((سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن رجل ضرب رجلا على هامته فادعى المضروب أنه لا يبصر شيئا ، ولا يشم الرائحة ، وأنه قد ذهب لسانه وأما ما ادعاه في لسانه فانه يضرب على لسانه بابرة فان خرج الدم أحمر فقد كذب ، وإن خرج الدم أسود فقد صدق)) [6]

وهي صحيحة فيكون الاختبار بالنحو المذكور فيها

5- والنحو المتقدم في السمع والبصر من القسامة هو انه لا بد من ان يحلف هو وخمسة رجال معه او يحلف هو ستة ايمان، والذي يحلف هو المدعي على خلاف القواعد العامة

وقد اكتفى الفقهاء بالاختبار المذكور في صحيحية محمد بن قيس ولم يذكروا القسامة والظاهر ان السبب هو انهم لم يفترضوا التداعي والقضاء وانما غرضهم بيان حكم ذهاب بعض النطق بعد فرض ثبوته وليس نظرهم الى كيفية اثبات هذه الدعوى

وعلى كل حال الظاهر ان مستند السيد الماتن في الحاجة الى القسامة في محل الكلام هو صحيحة يونس المتقدمة فإنه بعد تعميمها لكل جناية توجب ذهاب المنفعة لقوله (وكذلك القسامة كلها في الجروح) وهذه العبارة مذكورة في الرواية التي تتحدث عن ذهاب منفعة البصر والسمع مع ان الحكم الموجود في الرواية يجري في ذهاب البصر وان لم يكن جروح، والرواية لا تختص بالبصر والسمع بل عممناها سابقاً للشم والآن نعممها للنطق

 


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص447.
[2] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص448.
[3] وسائل الشيعة ط-آل البیت، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص358، ابواب دیات المنافع، ب2، ح1، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة ط-آل البیت، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص358، ابواب دیات المنافع، ب2، ح2، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة ط-آل البیت، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص358، ابواب دیات المنافع، ب2، ح3، ط آل البیت.
[6] وسائل الشيعة ط-آل البیت، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص363، ابواب دیات المنافع، ب4، ح1، ط آل البیت.