الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:کتاب الدیات/ ديات منافع الأعضاء/ الشم

(مسألة 351): اذا ادعى المجني عليه النقص في الشم فعليه ان يأتي بالقسامة على النحو المتقدم في السمع (1)

(مسألة 352) إذا أخذ المجنيّ عليه الدية ثمّ عاد الشمّ، فإن كان العود كاشفاً عن عدم ذهابه من الأوّل فللجاني أن يستردّ الدية وللمجنيّ عليه أن يرجع إليه بالحكومة، وإلّا فليس للجاني حقّ الاسترداد (2)

(مسألة 353): لو قطع أنف شخص فذهب به الشمّ أيضاً فعليه ديتان (3)

الخامس: النطق وفي ذهابه بالضرب أو غيره دية كاملة (4)، وفي ذهاب بعضه الدية بنسبة ما ذهب بأن تعرض عليه حروف المعجم كلّها ثمّ تعطى الدية بنسبة ما لم يفصحه منها

    1. فرغنا عن دعوى نقصان الشم في كلا المنخرين وقلنا يحتمل أن المسألة ناظرة الى صورة ما اذا ادعى نقصان الشم في أحد المنخرين وقلنا ان مقتضى قياس هذا على نقص السمع في احدى الاذنين هو ان يقاس المنخر الذي فيه النقص على المنخر الصحيح وتكون القسامة على النقص في شم احد المنخرين والذي ثبت بالاختبار وقلنا ان الدليل هو صحيحة يونس الشاملة لما اذا كانت الاصابة موجبة لذهاب بعض المنفعة او ذهاب كل المنفعة ويثبت مقدار الذاهب بالاختبار والقسامة على قدر ما اصيب من عينه، وعرفت بأن الصحيحة تعمم هذا الحكم لإصابة السمع وعرفت ان قوله (كذلك القسامة كلها في الجروح) يراد به الجناية الموجبة لذهاب المنفعة على ما تقدم نقله عن السيد الماتن، وعليه يمكن الاستدلال بالصحيحة على القسامة بالشكل المذكور في البصر والسمع

نعم هذه العبارة (وكذلك القسامة كلها في الجروح) يفهم منها تعميم القسامة لكل جناية توجب ذهاب المنفعة لكن لا يفهم منها تعميم طريقة الاختبار لكل جناية وانما قد يقال بأن طريقة الاختبار تختص بخصوص نقصان السمع والبصر ولكن يمكن استفادة طريقة الاختبار من صحيحة محمد بن قيس المتقدمة فانها ذكرت الطريقة فيما لو ادعى انه لا يشم وطريقة الاختبار ان يقرب منه الحراق، مضافاً الى قوله في صحيحة يونس (اذا كان السمع فعلى نحو من ذلك غير انه يضرب له بشيء حتى يعلم منتهى سمعه)

ومن مجموع هذا نستطيع ان نفهم بأن المهم هو تشخيص مقدار النقص الذي يدعي انه حصل بالجناية ولا اشكال ان تشخيص منتهى الشم في محل الكلام يحصل بما ذكر من الاختبار بالحراق

لكن الظاهر من الاصحاب انهم لم يلتزموا بهذا الشيء فالشيخ الطوسي لم يذكر الاختبار فذكر ان القول قوله لانه لا يتوصل اليه الى من جهته ويقضي اليه الحاكم على ما يؤدي اليه اجتهاده)

والعلامة في القواعد ذكر الايمان لكنه ذكر انه يصار الى الحكومة، والمحقق في الشرايع والشهيد في اللمعة توقفوا لانهم نسبوه الى القيل، وفي كشف اللثام قال (لا بأس بالامتحان بمثل الامتحان بالسمع والبصر، ثم قال لكن لم يرد فيه نص ولا قال به احد)

والذي يظهر من هذا اما انهم لم يلتفتوا الى صحيحة يونس او انهم التفتوا اليها كما هو الاقرب الا انهم فهموا انها غير شاملة لمحل الكلام لكن هذا لا يمنع الذي يرى انها شاملة لمحل الكلام من الاستدلال بها في محل الكلام

    2. تقدم نظير هذه المسألة في ذهاب البصر والمفروض في هذه المسألة عود الشم الى المجني عليه بعد القسامة واستحقاقه الدية كما يظهر من فرض الماتن ان عود الشم بعد اخذ الدية وهو يكون بعد حكم الحاكم له

وذكر السيد الماتن بأنه تارة نفترض ان عود الشم بعد أخذ الدية يكون كاشفاً عن عدم ذهابه من الاول فقال بأن الجاني هنا له حق استرداد الدية لأن المجني عليه لا يستحق الدية اذ ان موضوعها هو ذهاب الشم وهو غير متحقق هنا وهذا يستلزم الغاء حكم الحاكم باستحقاق المجني عليه الدية اذا تبين خطؤه

واما اذا لم يكن كاشفاً عن عدم ذهاب الشم من البداية فقد يكون عوده هبة من الله تعالى فذكر السيد الماتن بأنه ليس للجاني حق الاسترداد باعتبار انه أخذ الدية بحكم الحاكم بالاستحقاق ولم يتبين خطأ الحاكم

    3. تقدم نظير هذه المسألة في السمع، وما ذكره من تعدد الدية يكون واضحاً اذا كان القطع لا يستلزم ذهاب المنفعة كما هو الحال في قطع الانف فإن قطع الانف لا يستلزم ذهاب الشم وكما هو الحال في قطع الاذنين فانه لا يستلزم ذهاب السمع ففي هذه الحالة ما ذكره السيد الماتن من تعدد الدية يكون واضحاً، والدليل هو أصالة عدم التداخل فهناك ادلة تقول ان الانف فيه الدية واخرى تقول ان ذهاب منفعة الشم فيه الدية وهنا حصل كل منهما فلا بد أن يأخذ مفعوله ويؤثر في لزوم الدية ولا دليل على التداخل

واما اذا فرضنا أن القطع يكون مستلزماً لذهاب المنفعة كما يدعى ذلك في قلع العينين فهل تتعدد الدية او لا؟ والسيد الماتن لم يذكر هذا الفرع في العين ولعله لأن تعدد الدية فيما لو كان القلع يستلزم ذهاب المنفعة خلاف ظاهر الدليل فان الدليل الدال ان في العينين الدية ظاهر في التداخل لان قلع العينين يستلزم ذهاب البصر فنفس الدليل عندما يفترض قلع العينين يفترض ذهاب البصر ويقول ان فيه دية واحدة

واذا تم الاستظهار من هذا الدليل نرفع اليد عن القاعدة في عدم التداخل

والخصوصية للعين هو ان قطعها يستلزم ذهاب المنفعة بينما هذا غير موجود في الاذنين فحين يقول في الاذنين الدية لم يفترض ذهاب السمع بخلاف قلع العينين

على كل حال المطلب في مقامنا واضح لان قطع الانف لا يستلزم ذهاب الشم

ويمكن ان يقال في مقام الجواب عن الاشكال في قلع العينين بأن يقال بأن الادلة الدالة على أن في العينين الدية انها ناظرة الى بيان ما يترتب على قلع العينين كجارحتين بقطع النظر عما اذا كان ذلك مستلزماً لذهاب البصر او لا، لأن هذه الروايات في مقام بيان ديات الاعضاء ويؤيد هذا ان دية العينين ذكرت في سياق ثبوت الدية في الرجلين والشفتين والانف خصوصاً ما كان واردا فيها بعنوان عام من قبيل ما ورد ((ما كان في الانسان منه اثنان ففيهما الدية وفي احدهما نصف الدية))

والمقصود من هذه الاخبار هو بيان ما يترتب فيها كجوارح وبقطع النظر عن كونها مستلزمة لذهاب منفعة او لا ففي صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ((ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية ، مثل اليدين والعينين ، قال : قلت : رجل فقئت عينه؟ قال : نصف الدية ، قلت : فرجل قطعت يده؟ قال : فيه نصف الدية))[1]

ومن عطف العينين على اليدين يظهر ان النظر الى الجارحة كجارحة

وفي صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في الرجل يكسر ظهره ، قال : فيه الدية كاملة ، وفي العينين الدية ، وفي إحداهما نصف الدية ، وفي الاذنين الدية ، وفي إحداهما نصف الدية))[2]

وفي صحيحة زرارة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ((في اليد نصف الدية ، وفي اليدين جميعا الدية ، وفي الرجلين كذلك ، وفي الذكر إذا قطعت الحشفة فما فوق ذلك الدية ، وفي الانف إذا قطع المارن الدية ، وفي الشفتين الدية ، وفي العينين الدية ، وفى إحداهما نصف الدية))[3]

والذي يظهر من هذا ان الرواية ناظرة الى العينين كجارحة كما هو الحال في اليدين والرجلين فليس فيما ذكر من المنافع التي نبحث عنها

فما ذكر في العينين لا يشكل مانعا من الالتزام بقاعدة عدم التداخل

    4. الظاهر ان المقصود ذهاب النطق مع بقاء الجرم ، وان فيه الدية كاملة مذكور في كلمات معظم الفقهاء وتدل عليه صحيحة محمد بن قيس ((سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن رجل ضرب رجلا على هامته فادعى المضروب أنه لا يبصر شيئا ، ولا يشم الرائحة ، وأنه قد ذهب لسانه فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن صدق فله ثلاث ديات))[4] وصححناها بناء على طريق الفقيه والموجود في الفقيه (انه قد خرس فلا ينطق) وهو اوضح في محل الكلام، واحدى الديات التي حكم بها الامام عليه السلام على ذهاب النطق

رواية إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ((قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ضرب رجلا بعصا فذهب سمعه ، وبصره ، ولسانه ، وعقله وفرجه ، وانقطع جماعه وهو حيّ ، بست ديات))[5] والمراد بذهاب اللسان في المقام هو ذهاب النطق باعتبار انه يكون باللسان وهو المناسب باعتبار انه ضربه بعصا

وهناك روايات تتحدث عما اذا ذهب بعض النطق لكن فيها دلالة على انه بذهاب النطق الدية

منها صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في رجل ضرب رجلا في رأسه فثقل لسانه ، ((أنه يعرض عليه حروف المعجم كلها ، ثم يعطى الدية بحصة ما لم يفصحه منها))[6]

وهكذا صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، في رجل ضرب رجلا بعصا على رأسه فثقل لسانه ، فقال : ((يعرض عليه حروف المعجم فما أفصح ، وما لم يفصح به كان عليه الدية ، وهي تسعة وعشرون حرفا))[7]

وهكذا صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ((إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرضت عليه حروف المعجم ( تقرأ ، ثم قسمت الدية على حروف المعجم) ، فما لم يفصح به الكلام كانت الدية بالقياس من ذلك))[8]

ففي ذهاب النطق بتمامه بتمام حروف المعجم فيه الدية كاملة


[1] وسائل الشعیة، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص283، ابواب دیات الاعضاء، ب1، ح1، ط آل‌البیت.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص284، ابواب دیات الاعضاء، ب1، ح4، ط آل‌البیت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص286، ابواب دیات الاعضاء، ب1، ح6، ط آل‌البیت.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص363، ابواب دیات المنافع، ب4، ح1، ط آل‌البیت.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص365، ابواب دیات المنافع، ب6، ح1، ط آل‌البیت.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص358، ابواب دیات المنافع، ب2، ح1، ط آل‌البیت.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص358، ابواب دیات المنافع، ب2، ح2، ط آل‌البیت.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص359، ابواب دیات المنافع، ب2، ح3، ط آل‌البیت.