الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الفقه/ ديات منافع الأعضاء/ الشم

الرابع: الشمّ وفي إذهابه من كلا المنخرين الدية كاملة (1)، وفي إذهابه من أحدهما نصف الدية (2)، ولو ادّعى المجنيّ عليه ذهابه عقيب الجناية الواردة عليه فإن صدّقه الجاني فهو، وإن أنكره أو قال: لا أعلم، اختبر بالحراق ويدنى‌ََ منه، فإن دمعت عيناه ونحّى رأسه فهو كاذب وإلّا فصادق (3)، وحينئذٍ قيل: إنّ عليه خمسين قسامة، ولكن دليله غير ظاهر، بل الظاهر أنّها من الستّة الأجزاء الواردة في المنافع (4) [1]

    1. الظاهر ان هذا مما لا خلاف فيه كما صرح بذلك بعض الفقهاء بل ظاهر الشيخ في الخلاف عدم الخلاف فيه بين المسلمين وعمدة الادلة عليه هي صحيحة محمد بن قيس المتقدمة قال : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن رجل ضرب رجلا على هامته فادعى المضروب أنه لا يبصر شيئا ، ولا يشم الرائحة ، وأنه قد ذهب لسانه فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ((إن صدق فله ثلاث ديات)) [2] واحدى الديات على ذهاب حاسة الشم

وهناك رواية يذكرها في المبسوط ((في الشم الدية)) ولكن لم اعثر على هذه الرواية ولم تذكر في كتب الاستدلال فيتعامل معها معاملة المرسلة، وفي الرياض استدل لهذا الحكم بالقاعدة المتقدمة مرارا (كل ما كان في الانسان منه واحد ففيه الدية) ويطبق على حاسة الشم، ولكن تقدم التأمل في شمول القاعدة للمنافع وقوة احتمال اختصاصها بالاعضاء

    2. الظاهر ان هذا مما لا خلاف فيه بينهم، نعم لم يتعرضوا لذلك في كتبهم الاستدلالية ولعله كما نبه عليه في مفتاح الكرامة لصعوبة معرفة ذلك لانه لا يمكن اقامة البينة عليه ولا يمكن معرفته بالاختبار

والدليل هو ما تقدم في نظائره وهو ان ما دل على ان في ذهاب الشم الدية كاملة يقتضي ان يكون في ذهاب نصف الحاسة نصف الدية وقلنا بان هذا التقسيط في صورة ما اذا كان الذاهب والباقي متساوي مقدارا وفائدة يكون صحيحا ولا دليل على ان التقسيط يكون بنحو اخر والمفروض في محل الكلام ان الذاهب والباقي متساويان نعم اذا اختلفا فالتقسيط بهذا الشكل يكون ممنوعا

    3. اذا صدقه الجاني يكون هذا اقرار منه فيلزم باقراره ويترتب عليه ثبوت الدية على الجاني وان انكر الجاني ذهاب حاسة الشم او قال لا اعلم اختبر بالحراق بان يحرق شيء ويدنى منه فان دمعت عيناه ونحى راسه فهو كاذب والا فهو صادق في ما يقول

لزوم الاختبار بهذا الشكل يستدل عليه بصحيحة محمد بن قيس المتقدمة ((فقيل : يا أمير المؤمنين فكيف يعلم أنه صادق؟ فقال : أما ما ادعاه أنه لا يشم رائحة فانه يدنا منه الحراق فان كان كما يقول وإلا نحى رأسه ودمعت عينه))

    4. اذا تبين بالاختبار انه صادق وقد ذهبت منه حاسة الشم فقيل ان عليه خمسين قسامة وذكر السيد الماتن بان هذه القسامة من الستة الاجزاء الواردة في المنافع وهي التي تعرضت لها صحيحة يونس المتقدمة، فإن اصيب في سدس حلف هو وحده وإن اصيب في ثلث يحلف هو ورجل معه وهكذا، وإن لم يكن معه من يحلف معه حلف هو بعدد الاشخاص الذين طلب منهم اليمين

ويظهر من كلمات الفقهاء ان هناك خلافاً في أمرين: الاول في الحاجة الى القسامة مع الاختبار، والثاني ان القسامة في مورد الحاجة اليها هل هي الخمسين قسامة او انها من الستة الاجزاء المتقدمة الواردة في المنافع

اما الخلاف الاول فيظهر من عبارة العلامة في الارشاد عدم الحاجة الى القسامة فقد اقتصر على الاختبار وسكت وقد نسب هذا الى الشيخ في المبسوط كما في مفتاح الكرامة لكن الموجود في المبسوط المطبوع (ان القول قول المجني عليه مع يمينه) وقد يكون هذا اشارة الى القسامة، وذهب الشهيد في الروضة الى ان القسامة انما تجب اذا لم يتبين حاله بالاختبار، وذهب المحقق في الشرايع الى لزوم القسامة مع الاختبار

نقول ان صحيحة محمد بن قيس التي استدل بها على الاختبار لم يذكر فيها القسامة ولا الحلف ومن هنا قد يقال بأن هذه الصحيحة ظاهرة في عدم الحاجة الى القسامة مع الاختبار لأنها ذكرت الاختبار ولم تذكر القسامة، فاذا وجد دليل يدل على انه لا بد من القسامة مع الاختبار يكون معارضاً لصحيحة محمد بن قيس الظاهرة في عدم الحاجة الى القسامة، والرواية التي يدعى دلالتها على الحاجة الى القسامة مع الاختبار هي صحيحة يونس المتقدمة

اما صحيحة يونس فلا اشكال في انها دالة على الحاجة الى القسامة مع الاختبار في موردها الذي هو النظر ثم عممه الى السمع، ولكن الكلام في ان موردها هو البصر والسمع فكيف يستدل بها في محل الكلام في الشم

ذكر السيد الماتن بأن الاستدلال يكون بقوله عليه السلام ((وكذلك القسامة كلها في الجروح)) بتقريب ان المراد بالجروح هنا مطلق الجناية الموجبة ذهاب المنفعة وحينئذ يمكن تطبيقها في محل الكلام، والقرينة ان مورد الرواية هو ذهاب السمع والبصر وذهاب السمع والبصر لا يتوقف على ان تكون الجناية بجرح، ولا نحتمل اختصاص ما في الرواية من احكام بما اذا كانت الجناية موجبة لذهاب السمع والبصر بالجرح فيفهم من ذلك ان مورد الصحيحة هو مطلق الجناية الموجبة لذهابهما كما انه لا يحتمل اختصاص الصحيحة بموردي السمع والبصر بل يفهم من قوله ((وان كان السمع فعلى نحو من ذلك غير انه يضرب له بشيء)) انه لا خصوصية للسمع والبصر فاذا كان الشم فعلى نحو من ذلك غير انه يقرب اليه الحراق كما ذكرت الرواية، فلا بعد في ما ذكره السيد الماتن فيمكن الاستدلال بالصحيحة في محل الكلام وهي تدل على القسامة مع الاختبار

واما صحيحة محمد بن قيس فهي ظاهرة في عدم الحاجة الى القسامة مع الاختبار لقوله ((اذا صدق فله ثلاث ديات)) ففرع استحقاق الدية على صدق المدعي لكنها لا تنفي الحاجة الى القسامة حتى مع عدم تبين صدقه ومن هنا قد يقال باننا نجمع بين صحيحة محمد بن قيس وصحيحة يونس بان يقال بان صحيحة محمد بن قيس تدل على عدم الحاجة الى القسامة مع الاختبار مع تبين صدقه ونحمل صحيحة يونس على ما اذا لم يتبين صدقه وبهذا يثبت قول الشهيد وصاحب الجواهر من ان الحاجة الى القسامع مع عدم تبين حاله

ولكن الجمع بهذا الشكل قد يواجه مشكلة وهو انه من الصعوبة جداً ان نحمل صحيحة يونس على ما اذا لم يتبين حاله من الاختبار


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص445.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص363، أبواب دیات المنافع، باب4، ح1، ط آل البيت.