الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الفقه/ ديات منافع الأعضاء/ضوء العينين

(مسألة 349): لو ادّعى المجنيّ عليه النقصان في إحدى عينيه وأنكره الجاني أو قال: لا أعلم، اختبر ذلك بقياسها بعينه الأُخرى الصحيحة، ومع ذلك لا بدّ في إثبات ما يدّعيه من القسامة، و لو ادّعى النقص في العينين كان القياس بعين من هو من أبناء سنّه [1]

(مسألة 350): لا تقاس العين في يوم غيم، وكذا لا تقاس في أرضٍ‌ مختلفة الجهات علوّاً وانخفاضاً ونحو ذلك ممّا يمنع عن معرفة الحال [2]

    1. تقدم في دعوى النقص في كلتا الاذنين انه يطالب بالبينة وعليه القسامة بينما في المقام ذكر السيد الماتن بانه يقاس بعين من هو من ابناء سنه وذهب المشهور الى ذلك ايضاً

وقلنا بان هذا الكلام يدل عليه رواية عبد الله بن ميمون القداح التي ينقلها صاحب الوسائل عن الشيخ الطوسي (قده) في التهذيب بإسناده عن جعفر بن محمد عن عبيد الله ، عن عبدالله القداح ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام (عن أبيه ) عليه‌السلام قال : ((اتي أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل قد ضرب رجلا حتى نقص من بصره ، فدعا برجل من أسنانه ثم أراهم شيئا فنظر ما انتقص من بصره فأعطاه دية ما انتقص من بصره)) [3]

والسند بهذا الشكل عبيد الله فيه مردد بين جماعة كثير منهم لا حظ له من التوثيق والسند بهذا الشكل هو الموجود في التهذيب المطبوع ونقله عنه المجلسي في ملاذ الاخيار والوسائل في الطبعة الحديثة، وفي جامع احاديث الشيعة نقله عن التهذيب بهذا الشكل، ولكن الموجود في الطبعة القديمة للوسائل هو عن جعفر بن محمد بن عبيد الله عن عبد الله القداح وبهذا نخلص من مشكلة ان عبيد الله الموجود في السند مشترك بين جماعة كثيرين والظاهر ان هذا هو الصحيح كما نبه عليه السيد في المعجم باعتبار ان راوي كتاب عبد الله القداح هو جعفر بن محمد بن عبيد الله كما يظهر من طريق النجاشي والشيخ الطوسي اليه وبناء على هذا نستطيع ان نرجح احتمال صحة ما في الطبعة الاولى للوسائل على ما في الوسائل المطبوع حديثاً وإن كان هو الموجود في التهذيب المطبوع و لكن يبدو انه اشتباه

وبناء على هذا فتصحيح سند الرواية يتم اذا تم امران الاول ان نقول ان جعفر بن محمد بن عبيد الله هو جعفر بن محمد الاشعري، والثاني انه يمكن اثبات وثاقته برواية محمد بن احمد بن يحيى صاحب النوادر عنه مباشرة ولم يستثن منه

اما الاول فإن القرينة عليه هي ان جعفر بن محمد الاشعري بهذا العنوان روى عن عبد الله القداح روايات كثيرة بلغت مئة وتسع روايات كما في المعجم بينما جعفر بن محمد بن عبيد الله لم يرو عنه الا روايات قليلة جداً وهي اربع روايات فاذا ضممنا الى ذلك أن راوي كتاب القداح هو العنوان الثاني بنص النجاشي والشيخ الطوسي فحينئذ يستبعد جدا ان راوي الكتاب لا يروي عنه الا اربع روايات بينما غيره يروي عنه روايات كثيرة فهذه قرينة على ان راوي الكتاب هو جعفر بن محمد الاشعري الذي يروي عن عبد الله القداح روايات كثيرة جداً

واما الامر الثاني فهو بحسب المبنى فمن يبني على ان رواية صاحب نوادر الحكمة عن شخص مع عدم استثناءه دليل على وثاقته يثبت عنده توثيقه

وعلى كل حال سواء امكن تصحيح الرواية في التهذيب او لا، فالرواية معتبرة وصحيحة لأن الشيخ الصدوق رواها في الفقيه بإسناده عن عبد الله بن ميمون وطريقه اليه صحيح كما في المشيخة فقد ذكر طريقين اليه كل منهما معتبر ومن هنا تكون الرواية صحيحة بحسب نقل الشيخ الصدوق في الفقيه

وهل يكفي دعوى المجني عليه في مقدار منتهى بصره فيصدق؟ الظاهر ان هذا اختبار له حتى نعلم بصدقه فإن علمنا بصدقه في الاختبار الواحد فهو والا اذا بقينا شاكين فلا بد من تكرار الاختبار في الجهات الاخرى فإن كان ما ادعاه من منتهى بصره في الجهة الاخرى مساوي لما ادعاه في الجهة الاولى يصدق

واما اذا ادعى النقص في احدى العينين، ففي السمع تقدم ان الحكم هو ان تقاس الى الاذن الصحيحة بالكيفية المتقدمة

وفي محل الكلام اذا ادعى نقصان النظر في احدى العينين فقد ذكر السيد الماتن نفس ما ذكره في السمع بأن يقاس ثم يطالب بالقسامة فإن الاختبار يثبت به أن هناك نقصان في نظر عينه، اما كون النقصان مستند الى الجناية فلا يثبت هذا بالاختبار فلا بد من القسامة

والدليل على أن هذا الاختبار لا بد منه وان القسامة لا بد منها هو روايتان صحيحة معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الرجل يصاب في عينيه فيذهب بعض بصره ، أي شيء يعطى؟ قال : ((تربط إحداهما ، ثم توضع له بيضة ثم يقال له : انظر ، فما دام يدعي أنه يبصر موضعها حتى إذا انتهى إلى موضع أن جازه قال : لا ابصر ، قربها حتى يبصر ، ثم يعلم ذلك المكان ، ثم يقاس ذلك القياس من خلفه وعن يمينه وعن شماله ، فان جاء سواء وإلا قيل له : كذبت حتى يصدق ، قلت : أليس يؤمن؟ قال : لا ، ولا كرامة ويصنع بالعين الاخرى مثل ذلك ثم يقاس ، ذلك على دية العين)) [4] وواضح من الرواية انه توضع له بيضة كعلامة لا انها توضع على عينه كما في الرواية الاخرى

الثانية صحيحة يونس ((قضى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا اصيب الرجل في إحدى عينيه فانها تقاس ببيضة تربط على عينه المصابة وينظر ما منتهى عينه الصحيحة ، ثم تغطى عينه الصحيحة وينظر ما منتهى نظر عينه المصابة فيعطى ديته من حساب ذلك ، والقسامة مع ذلك من الستة الاجزاء على قدر ما اصيب من عينه ، فان كان سدس بصره حلف هو وحده وأعطي ، وإن كان ثلث بصره حلف هو وحلف معه رجل واحد ، وإن كان نصف بصره حلف هو وحلف معه رجلان ، وإن كان ثلثي بصره حلف هو وحلف معه ثلاثة نفر ، وإن كان أربعة أخماس (وفي نسخة : خمسة اسداس) بصره حلف هو وحلف معه أربعة نفر ، وإن كان بصره كله حلف هو وحلف معه خمسة نفر ، وكذلك القسامة كلها في الجروح ، وإن لم يكن للمصاب بصره من يحلف معه ضوعفت عليه الايمان : إن كان سدس بصره حلف مرة واحدة ، وإن كان ثلث بصره حلف مرتين ، وإن كان أكثر على هذا الحساب ، وإنما القسامة على مبلغ منتهى بصره))[5] وواضح ان المقصود بالبيضة هي التي تغطي العين

وهي واضحة في انه لا بد مع الاختبار من القسامة على قدر ما اصيب من عينه

وقلنا بأن الحاجة الى القسامة لإثبات أن النقص بالمقدار الذي ثبت بالاختبار مستند الى الجناية ومن هنا يظهر من بعض الفقهاء انه مع الاختبار لا حاجة الى القسامة لكن الظاهر أن الحاجة الى القسامة موجودة فإن صحيحة يونس صريحة في القسامة وإن كانت صحيحة معاوية بن عمار لم تذكر القسامة ولعله لأنها ليست ناظرة الى مسألة التداعي فانه جاء بالاختبار من اجل تحديد مقدار النقص المدعى واليمين انما يأتي في باب التداعي والقضاء وصحيحة يونس صريحة في انه لا بد من القسامة ولا يمكن الاستغناء عنها بالاختبار كما يظهر من المحقق الاردبيلي

    2. دليله موثقة السكوني عن أبي عبدالله ، عن أبيه (عليهم‌السلام) ، عن علي (عليه‌السلام) قال : ((لا تقاس عين في يوم غيم))[6] لأن النظر يكون ضعيفاً في يوم الغيم للظلمة الموجودة فلا بد ان تقاس في يوم طبيعي

فكل ما يوجب اختلاف الحال والشك في كون هذا هو الواقع او لا ينبغي تجنبه، والمهم ان نحصل على وضوح ان منتهى نظر العين الصحيحة ما هو ومنتهى نظر العين المعيبة ما هو ونأخذ دية التفاوت من الجاني، ومنه يفهم انه لا خصوصية لكون الارض مختلفة الجهات

 


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص441.
[2] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص444.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص369، أبواب دیات المنافع، باب8، ح4، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص368، أبواب دیات المنافع، باب8، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص374، أبواب دیات المنافع، باب12، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص365، أبواب دیات المنافع، باب5، ح1، ط آل البيت.