الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/07/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:ديات منافع الأعضاء - ضوء العينين

الثالث: ضوء العينين وفي ذهابه منهما الدية كاملة، وفي ذهابه من إحداهما نصف الدية، و إن ادّعى المجنيّ عليه ذهاب بصره كلّه فإن صدّقه الجاني فعليه الدية، وإن أنكره أو قال: لا أعلم، اختبر بجعل عينيه في قبال نور قوي كالشمس ونحوها، فإن لم يتمالك حتّى غمّض عينيه فهو كاذب ولا دية له، وإن بقيتا مفتوحتين كان صادقا واستحقّ الدية مع الاستظهار بالأيمان (1)، وإن عاد البصر بعد مدّة فإن كان كاشفاً عن عدم الذهاب من الأوّل فلا دية وفيه الحكومة، وإن لم يكشف عن ذلك ففيه الدية (2)[1]

(مسألة 348): إذا اختلف الجاني والمجنيّ عليه في العود وعدمه، فإن أقام الجاني البيّنة على ما يدّعيه فهو، وإلّا فالقول قول المجنيّ عليه مع الحلف (3)[2]

(مسألة 349): لو ادّعى المجنيّ عليه النقصان في إحدى عينيه وأنكره الجاني أو قال: لا أعلم، اختبر ذلك بقياسها بعينه الأُخرى الصحيحة، ومع ذلك لا بدّ في إثبات ما يدّعيه من القسامة (4)، و لو ادّعى النقص في العينين كان القياس بعين من هو من أبناء سنّه (5)[3]

1-تدل على ما ذكره رواية الاصبغ بن نباتة المروية في التهذيب والكافي وينقلها الشيخ الصدوق عن عاصم بن عبد الحميد عن محمد بن قيس (( فأما ما ادعاه في عينيه فانه يقابل بعينيه الشمس فان كان كاذبا لم يتمالك حتى يغمض عينيه ، وإن كان صادقا بقيتا مفتوحتين)) وطريقه الى محمد بن قيس في قضايا امير المؤمنين (عليه السلام) صحيح ودلالتها واضحة فيتعين العمل بها ولكن يبدو ان الفقهاء لم يعملوا بهذه الرواية ولذا طبقوا القواعد في هذا الفرع، قال في النهاية (ومن ادعى ذهاب بصره، وعيناه مفتوحتان صحيحتان، ولا يعلم صدق قوله، حلف حسب ما قدمناه، وقد روي أنه يستقبل بعينيه عين الشمس)[4] وذكرها هنا بعنوان قد روي، ولكن في الخلاف كانه يختار هذا فقال (إذا جنى عليه جناية، فادعى أنه ذهب بصره، و لا يبصر بعينيه شيئا، فهذا لا يمكن، إقامة البينة عليه، فروى أصحابنا أنه يستقبل به عين الشمس، فان غمضهما و دمعتا علم أنه كاذب، و إن بقيتا مفتوحتين زمانا علم أنه صادق، و يستظهر عليه بالايمان

و قال الشافعي ..... دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم) [5]

ويظهر منه هنا انه يعمل بهذه الرواية

وقال المحقق في الشرايع (فإن ادعى ذهابه و شهد له شاهدان من أهل الخبرة أو رجل و امرأتان إن كان خطأ أو شبيه عمد فقد ثبتت الدعوى فإن قالا لا يرجى عوده فقد استقرت الدية و كذا لو قالا يرجى عوده لكن لا تقدير له أو قالا بعد مدة معينة فانقضت و لم يعد و كذا لو مات قبل المدة أما لو عاد ففيه الأرش.

و لو اختلفا في عوده فالقول قول المجني عليه مع يمينه و إذا ادعى ذهاب بصره و عينه قائمة أحلف القسامة و قضي له) [6]

في الجواهر بلا خلاف اجده فيه بين من تعرض له، والمقصود بالقسامة هو ما تقدم في معتبرة يونس

فواضح من المحقق انه يطبق القواعد

وفي ذيل العبارة ذكر (و في رواية تقابل بالشمس فإن كان كما قال بقيتا مفتوحتين)

والجماعة رموا الرواية بالضعف وكانهم لم يلتفتوا الى وجود طريق صحيح لها في الفقيه ولا مانع من العمل بها وواضح ان عدم عمل هؤلاء الفقهاء بها اعراض مدركي لانهم يرون ان الرواية ضعيفة او انهم لم يعثروا على ما رواه في الفقيه فلا يؤثر هذا الاعراض عن العمل بالرواية

واما الاستظهار بالايمان بعد الاختبار فقالوا ان الايمان لإثبات أن ذهاب البصر الذي حصل له هو بسبب الجناية فإن هذا لا يثبت بمجرد الاختبار، والقسامة على الكيفية في صحيحة يونس المتقدمة والمدعى ذهاب بصره كله فيحتاج الى ان يحلف هو وخمسة رجال معه فان لم يكن معه رجال حلف هو ستة مرات

2- المفروض في هذا الفرض هو ثبوت ذهاب البصر، فعود البصر اليه ان كان كاشفاً عن عدم ذهابه من الاول فلا دية له ويثبت فيه الارش لأن موضوع الدية ذهاب البصر، وإن لم يكشف عن ذلك ففيه الدية فمن الممكن أن يكون عوده بعد ذلك هبة من الله سبحانه

3- ما ذكره في هذه المسألة على القواعد والمفروض في المسألة اتفاقهما على ذهاب البصر بالجناية وانما يختلفان في عوده وعدمه فالجاني يدعي عود البصر والمجني عليه ينكر ذلك والقواعد تقتضي أن يكون المجني عليه منكراً لأن قوله يوافق الأصل والمقصود به استصحاب بقاء ذهاب البصر لانهما يتفقان على ذهابه بالجناية وقول الجاني يخالف الأصل فيكون مدعياً فيطالب الجاني بإقامة البينة فإن أقام البينة فبها، والا يطلب اليمين من المجني عليه وحينئذ يحكم له بالدية

وهنا لا حاجة للاختبار لان النص الوارد في الاختبار مورده ليس هذا الفرض بل مورده ما اذا ادعى المجني عليه ذهاب بصره وانكره الجاني دون ما اذا ادعى الجاني عود بصره بعد الاتفاق على ذهابه فلا تشمله الرواية

4- تقدم الكلام في (مسألة 346) عن فرعين: الاول ما لو ادعى المجني عليه النقص في سمع كلتا الاذنين والثاني ما لو ادعى النقص في سمع احدى الاذنين، ونفس هذين الفرعين يطرحان في المقام

وفي باب السمع في ما لو ادعى النقص في سمع كلتا الاذنين تقدم انه يطالب المجني عليه بالبينة والا فعليه القسامة فإن كان المدعى هو ذهاب سدس السمع حلف هو وحده وإن كان المدعى ذهاب ثلث السمع حلف هو ورجل معه وان كان المدعى ذهاب نصف السمع حلف هو ورجلان وهكذا

ويبدو أن الأمر في محل الكلام يختلف ففي دعوى النقص في نظر العينين معاً فالقياس يكون على نظر أبناء سنه لوجود الرواية الخاصة وهي ما رواه الشيخ الطوسي (قده) بإسناده عن جعفر بن محمد بن عبيد الله ، عن عبدالله القداح ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام (عن أبيه ) عليه‌السلام قال : ((اتي أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل قد ضرب رجلا حتى نقص من بصره ، فدعا برجل من أسنانه ثم أراهم شيئا فنظر ما انتقص من بصره فأعطاه دية ما انتقص من بصره))[7] فاذا كان الصحيح حين ينظر يرى الى مسافة مئة متر والمجني عليه يرى الى مسافة خمسين متراً فما ذهب من بصره النصف وعلى هذا الحساب.

 


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص439.
[2] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص441.
[3] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص441.
[4] النهاية، الشيخ الطوسي، ج1، ص765.
[5] الخلاف، الشيخ الطوسي، ج5، ص235.
[6] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام -ط اسماعیلیان)، المحقق الحلي، ج4، ص256.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص369، أبواب دیات المنافع، باب8، ح4، ط آل البيت.